زمن التفاهة.. عندما تتحول الأحزاب إلى مشروع خراب
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
تشكيل حزب جديد لا يكلف المرء كثيراً في السوق السياسية الكردية بسوريا، فالسياسة بضاعة لها شراة.
تتجلى هذه التفاهة بأبهى صورها في مسألة عدد وتشكيل الأحزاب أو الحويزبات
المسألة هنا لا تتعلق بضرورة التعددية بقدر ما تتعلق بالفوضوية والعشوائية
كل شيء متوقع في ظل هذه المهزلة التي يعيشها الأكراد في سوريا
لم أجد تعبيراً أو عنواناً أبرع من "زمن التفاهة" لوصف الحالة السياسية (عملياً غير سياسية) التي يعيشها الكُرد في سوريا.
وتتجلى هذه التفاهة بأبهى صورها في مسألة عدد وتشكيل الأحزاب أو "الحويزبات" إن صح التعبير وتكاثرها الاعتباطي، حيث تجاوزت المئة "حويزب"، والحبل على الجرار والتفاهة في ازدياد.
وهنا تمت الاستعاضة عن الحزب بالحويزب كناية عن الصغر بالمعنيين الكمي والكيفي وعدم الإحساس بوجود هذه الحويزبات، بحيث لا ترى بالعين المجردة إلا إذا تم الارتطام صدفة بأحد تافهيها أو تمت مشاهدتهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل بدورها أحد أعمدة وأركان نظام التفاهة الذي تحدث عنه بإسهاب المفكر الكندي آلان دونو، إذ أضحت أغلبية هذه الوسائط منبرا للتافهين يعرضون فيه بضاعتهم الفاسدة والمجترة.
و"زمن التفاهة" هو عنوان كتاب ألفه مؤخراً الفيلسوف الكندي وأستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية وأحد أبرز النشطاء الأكاديميين ضد الرأسمالية المتوحشة -التي تفترسنا وتنخر أجسادنا وعقولنا في كل لحظة- آلان دونو، وقد قامت المُحاضِرة في كلية الحقوق بجامعة الكويت الدكتورة مشاعل عبدالعزيز الهاجري بترجمة الكتاب إلى العربية مستهلة إياه بمقدمة طويلة وغنية أضافت روعة ورونقا خاصا إلى الكتاب المميز والمثير للجدل.
فكرة الكتاب المحورية تدور حول كيفية إفراغ الحقول الأكاديمية والتعليمية والثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والصحية، التي تؤلف مجتمعة نظام حياتنا من محتواها الحقيقي والمجدي، والاستعاضة عن ذلك بالتفاهة الممنهجة والمنهجية بحيث تم الإتيان بنظام التفاهة ذي المعالم والملامح الواضحة، ومن أهم ميزاته الرداءة في الأداء والإنتاج.. هذا النظام أدى تدريجياً الى سيطرة جموع التافهين على كافة مفاصل الدولة الحديثة.
هذا بالإضافة إلى خضوع كل شيء تقريباً في نظام التفاهة إلى منطق الربح والخسارة، أي القيمة الربحية وغض الطرف المتعمد عن الجوهر والجودة والجدوى والأخلاق، وذلك بسبب احتكار أصحاب رؤوس الأموال لكل مناحي الحياة.
وعلى الرغم من أن المنطقة المضاءة في الكتاب هي الغرب الرأسمالي، إلا أنه يمكن إسقاط الكثير من الصور والتحليلات والاستنتاجات التي تناولها المؤلف في سياق كتابه على الشرق البائس أيضاً ولاسيما على أكثر بائسيه، أي الأكراد ضحايا الذات قبل الآخر، وخاصة في جزئية إعلان وتأسيس وتكاثر الحويزبات.
في سنة 1957 كان هناك حزب سياسي كردي واحد في سوريا، الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا.. اليوم، وبعد انقضاء 66 عاماً على تأسيس حدك – سوريا، يوجد على الساحة الكردية في سوريا ما يقارب مئة حزب، وهي في معظمها حويزبات أو دكاكين حزبية لا تُشاهد إلا بالميكروسكوبات عالية الدقة.
والمسألة هنا لا تتعلق بضرورة التعددية بقدر ما تتعلق بالفوضوية والعشوائية والاعتباطية والسطحية والتبسيطية في الفكر والتفكير والتصرف والسلوك، وبروز شريحة انتهازية ليست لها أية علاقة بالسياسة سوى تحقيق المصالح الشخصية والفئوية الضيقة والظهور، لمجرد الرغبة في الظهور والانتقام والتشفي من الخصوم والمنافسين.. والقاسم المشترك بين جموع هذه الحويزبات هو تبني لغة خشبية منقرضة قوامها الاجترار والتسطيح والتبسيط والتسفيه، يقول جورج أورويل: "إن عادات الكتابة الخشبية تكون أكثر استفحالاً في أوساط السياسيين".
يتساءل آلان دونو في متن الكتاب "ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافه آخر.. معاً يدعم التافهون بعضهم بعضاً، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع"، وهذا ما يحصل حرفياً في السوق الحزبية الكردية في سوريا، فما أن تعلن مجموعة من التافهين عن ولادة حويزب جديد حتى يتهافت التافهون الأقدمون على تقديم التهاني والتبريكات لنظرائهم من التافهين الجدد، ومن ثم يزورون بعضهم البعض في دكاكينهم الحزبية ويلتقطون الصور ثم ينشرونها مع كروشهم وعروشهم الوهمية على صفحاتهم الفيسبوكية الخاوية مثل أدمغتهم من دون حياء ولا خجل، وكما يقول إحسان عبدالقدوس "أصحاب المرض الواحد يعرفون بعضهم البعض".
كل شيء متوقع في ظل هذه المعمعة "المهزلة" التي يعيشها الأكراد في سوريا، ظهور "أبطال" جدد، ليس لسبب جوهري أو حاجة ماسة تقتضيها الظروف المحلية والخارجية، وإنما لمجرد أن "الأبطال" الجدد يريدون الظهور.
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: "لكم رأينا أناساً يتصدرون الحياة العامة، فيتناولون الأشياء لمجرد التفاصح والتشدق بها، لا لدفعها ناشطة إلى مجال العمل.. فكلامهم في هذا ليس إلا ضرباً من الكلام، مجرد من أي طاقة اجتماعية أو قوة أخلاقية".
هذا مع العلم أن معظم "المنقذين" الجدد لهم باع طويل وسجل حافل ومليء بالإخفاقات والانتكاسات في حقل العمل الحزبي، وتعتبر هذه الانتكاسات التي ابتلي بها الشعب الكردي في سوريا والتي ألحقت بالغ الضرر بالقضية الكردية في سوريا، بمثابة البراهين الساطعة والأدلة الدامغة على عدم أهلية هؤلاء للعمل الحزبي أو السياسي باسم الجماعة، وأن صلاحيتهم الذهنية والفهمية والإدراكية قد انتهت منذ أمد أو أنها كانت معطوبة بالأساس حتى قبل الادعاء بولادتها وفاعليتها.
تشكيل حزب أو بالأحرى حويزب جديد لا يكلف المرء كثيراً في السوق السياسية الكردية في سوريا، فالسياسة بضاعة كما أن لها مروجوها (الباعة)، لها أيضاً متلقفوها (الشراة)، ولا يتطلب الأمر سوى إصدار بيان ركيك هنا وإطلاق تصريح أكثر ركاكة هناك، مع إطلالات تلفزيونية وفيسبوكية بهلوانية بين الفينة والأخرى، وما أكثرها هذه الأيام، ونشر بضعة مقالات وتعليقات على وسائل ما بات يعرف كذباً بالتواصل الاجتماعي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الکردیة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: هذه التحديات التي واجهها ترامب في الأسبوع الأول
قالت صحيفة واشنطن بوست إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمضى أسبوعه الأول في منصبه بإصدار سيل من القرارات، إذ عفا عن أنصاره الذين اعتدوا على الشرطة واقتحموا مقر الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، وألغى التصاريح الأمنية لمنتقديه وطرح مقترحات مثيرة مثل إلغاء الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ.
وأضافت في تقريرها أن كل ذلك لا يعدو أن يكون جزءا من خطة لبدء ولايته الثانية بضجة كبيرة، وتبنِّي مخطط سياسات مفصلة واتباع تنظيم أفضل مما انتهجه في ولايته الرئاسية الأولى قبل 8 سنوات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوموند: ما يحدث في الضفة يكشف نوايا إسرائيل على المدى البعيدlist 2 of 2ستراتفور: "المياه والدم لا يختلطان".. توجس من حروب مياه بجنوب آسياend of listووفق التقرير -بقلم كبير مراسلي البيت الأبيض إسحاق أرنسدورف ومراسلة البيانات في فريق السياسة كلارا مورس- فقد قال أحد كبار المستشارين أن ترامب كان سعيدا بأدائه في الأسبوع الأول، لا سيما بعد موافقة الكونغرس على تثبيت مرشحه بيت هيغسيث في منصب وزير الدفاع.
وكان ترامب قد تعهد خلال حملته الانتخابية بتنفيذ أكثر من 40 وعدا في اليوم الأول لتوليه المنصب، حتى يُظهر لأنصاره أنه يعني ما يقول، وفق واشنطن بوست، وقال ترامب يوم الاثنين إنه رفض النصيحة بتوزيع الإجراءات التنفيذية على مدار الأسبوع الأول، وأصر على توقيع 26 إجراء في يوم التنصيب.
إعلان تحدياتبيد أن الصحيفة ترى أن تطلعات ترامب التي أفصح عنها في الساعات الأولى من توليه منصبه، لم تتحقق في بعض النواحي، بما في ذلك إخفاقه حتى الآن في ملء الشواغر في الوظائف الرئيسية لإدارته الجديدة، وفي الطعون القضائية في الأوامر التنفيذية التي استعصت على التدقيق القانوني، والتوجيهات التي لم يكن لها أثر فوري.
ونقلت عن 3 أشخاص على اطلاع بالوضع -تحدثوا إليها شريطة عدم الكشف عن هوياتهم- أن بعض الهيئات الحكومية الفدرالية تعمل بأقل من ثلث قوتها، بقيادة فرق من الموظفين الذين عينوا مؤقتا للبدء في وضع أسس جدول أعمال الرئيس، بينما ينتظر مرشحوه المصادقة من مجلس الشيوخ.
كما أصدر قاض فدرالي يوم الخميس أمرا تقييديا لمدة أسبوعين يمنع ترامب من المضي قدما في محاولة إنهاء حق المواطنة بالميلاد.
ووفقا للصحيفة، فإن الإعداد المكثف للسياسات الجديدة لم يمنع الطعون القانونية، ويرجع أحد الأسباب في ذلك إلى أنها لم تخضع لعملية صنع السياسات التقليدية، والتي تتضمن عادة مدخلات من مختلف دوائر السلطة التنفيذية، بما في ذلك رأي المستشار القانوني للدولة.
على أن البيت الأبيض لا يرى بالضرورة أن الطعون القانونية بمثابة انتكاسة، طبقا للصحيفة التي تعتقد أن العديد من توجيهات ترامب المبكرة لم يكن لها تأثير فوري، بل استدعت مراجعات من شأنها أن تسفر عن تغييرات في وقت لاحق.
مشروع 2025وذكرت الصحيفة أن العديد من الإجراءات تقاطعت مع التحضيرات التفصيلية التي قامت بها مراكز الدراسات اليمينية، بما في ذلك مخطط السياسة العامة المسمى "مشروع 2025".
ومن بين 52 توجيها رئاسيا (باستثناء قرارات العفو والتعيينات) التي وقعها ترامب بحلول يوم الجمعة، اتسم 28 منها بلغة تشبه بعض النصوص الواردة في مشروع 2025، وفقا لتحليل أجرته صحيفة واشنطن بوست.
وتشمل تلك التوجيهات الانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ. كما ألغى ترامب أمرا تنفيذيا أصدرته إدارة الرئيس السابق جو بايدن بإنشاء مجلس استشاري يركز على التنوع الاجتماعي، وأمرا تنفيذيا آخر صدر عام 1965 بشأن التمييز في التعاقدات تم تحديده في مشروع 2025.
إعلانولفتت الصحيفة إلى أن ترامب ومستشاريه طالما تنصلوا من مشروع 2025 خلال الحملة الانتخابية خصوصا بعد أن استهدفه الديمقراطيون.