موقع 24:
2024-12-24@03:26:43 GMT

زمن التفاهة.. عندما تتحول الأحزاب إلى مشروع خراب

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

زمن التفاهة.. عندما تتحول الأحزاب إلى مشروع خراب

تشكيل حزب جديد لا يكلف المرء كثيراً في السوق السياسية الكردية بسوريا، فالسياسة بضاعة لها شراة.

تتجلى هذه التفاهة بأبهى صورها في مسألة عدد وتشكيل الأحزاب أو الحويزبات

المسألة هنا لا تتعلق بضرورة التعددية بقدر ما تتعلق بالفوضوية والعشوائية

كل شيء متوقع في ظل هذه المهزلة التي يعيشها الأكراد في سوريا

لم أجد تعبيراً أو عنواناً أبرع من "زمن التفاهة" لوصف الحالة السياسية (عملياً غير سياسية) التي يعيشها الكُرد في سوريا.

. تتبدى صور وآثار زمن التفاهة من الألف إلى الياء في مختلف أوجه الحياة الحزبية، وليست السياسية، لأكراد سوريا، بحيث يمكن التقاط أعراض التفاهة ومجسمات التافهين الحزبيين دون عناء يذكر ولمن لديه ذرة روح نقدية أو استكشافية.

وتتجلى هذه التفاهة بأبهى صورها في مسألة عدد وتشكيل الأحزاب أو "الحويزبات" إن صح التعبير وتكاثرها الاعتباطي، حيث تجاوزت المئة "حويزب"، والحبل على الجرار والتفاهة في ازدياد.

وهنا تمت الاستعاضة عن الحزب بالحويزب كناية عن الصغر بالمعنيين الكمي والكيفي وعدم الإحساس بوجود هذه الحويزبات، بحيث لا ترى بالعين المجردة إلا إذا تم الارتطام صدفة بأحد تافهيها أو تمت مشاهدتهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل بدورها أحد أعمدة وأركان نظام التفاهة الذي تحدث عنه بإسهاب المفكر الكندي آلان دونو، إذ أضحت أغلبية هذه الوسائط منبرا للتافهين يعرضون فيه بضاعتهم الفاسدة والمجترة.

و"زمن التفاهة" هو عنوان كتاب ألفه مؤخراً الفيلسوف الكندي وأستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية وأحد أبرز النشطاء الأكاديميين ضد الرأسمالية المتوحشة -التي تفترسنا وتنخر أجسادنا وعقولنا في كل لحظة- آلان دونو، وقد قامت المُحاضِرة في كلية الحقوق بجامعة الكويت الدكتورة مشاعل عبدالعزيز الهاجري بترجمة الكتاب إلى العربية مستهلة إياه بمقدمة طويلة وغنية أضافت روعة ورونقا خاصا إلى الكتاب المميز والمثير للجدل.

فكرة الكتاب المحورية تدور حول كيفية إفراغ الحقول الأكاديمية والتعليمية والثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والصحية، التي تؤلف مجتمعة نظام حياتنا من محتواها الحقيقي والمجدي، والاستعاضة عن ذلك بالتفاهة الممنهجة والمنهجية بحيث تم الإتيان بنظام التفاهة ذي المعالم والملامح الواضحة، ومن أهم ميزاته الرداءة في الأداء والإنتاج.. هذا النظام أدى تدريجياً الى سيطرة جموع التافهين على كافة مفاصل الدولة الحديثة.

هذا بالإضافة إلى خضوع كل شيء تقريباً في نظام التفاهة إلى منطق الربح والخسارة، أي القيمة الربحية وغض الطرف المتعمد عن الجوهر والجودة والجدوى والأخلاق، وذلك بسبب احتكار أصحاب رؤوس الأموال لكل مناحي الحياة.

وعلى الرغم من أن المنطقة المضاءة في الكتاب هي الغرب الرأسمالي، إلا أنه يمكن إسقاط الكثير من الصور والتحليلات والاستنتاجات التي تناولها المؤلف في سياق كتابه على الشرق البائس أيضاً ولاسيما على أكثر بائسيه، أي الأكراد ضحايا الذات قبل الآخر، وخاصة في جزئية إعلان وتأسيس وتكاثر الحويزبات.

في سنة 1957 كان هناك حزب سياسي كردي واحد في سوريا، الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا.. اليوم، وبعد انقضاء 66 عاماً على تأسيس حدك – سوريا، يوجد على الساحة الكردية في سوريا ما يقارب مئة حزب، وهي في معظمها حويزبات أو دكاكين حزبية لا تُشاهد إلا بالميكروسكوبات عالية الدقة.

والمسألة هنا لا تتعلق بضرورة التعددية بقدر ما تتعلق بالفوضوية والعشوائية والاعتباطية والسطحية والتبسيطية في الفكر والتفكير والتصرف والسلوك، وبروز شريحة انتهازية ليست لها أية علاقة بالسياسة سوى تحقيق المصالح الشخصية والفئوية الضيقة والظهور، لمجرد الرغبة في الظهور والانتقام والتشفي من الخصوم والمنافسين.. والقاسم المشترك بين جموع هذه الحويزبات هو تبني لغة خشبية منقرضة قوامها الاجترار والتسطيح والتبسيط والتسفيه، يقول جورج أورويل: "إن عادات الكتابة الخشبية تكون أكثر استفحالاً في أوساط السياسيين".

يتساءل آلان دونو في متن الكتاب "ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافه آخر.. معاً يدعم التافهون بعضهم بعضاً، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع"، وهذا ما يحصل حرفياً في السوق الحزبية الكردية في سوريا، فما أن تعلن مجموعة من التافهين عن ولادة حويزب جديد حتى يتهافت التافهون الأقدمون على تقديم التهاني والتبريكات لنظرائهم من التافهين الجدد، ومن ثم يزورون بعضهم البعض في دكاكينهم الحزبية ويلتقطون الصور ثم ينشرونها مع كروشهم وعروشهم الوهمية على صفحاتهم الفيسبوكية الخاوية مثل أدمغتهم من دون حياء ولا خجل، وكما يقول إحسان عبدالقدوس "أصحاب المرض الواحد يعرفون بعضهم البعض".

كل شيء متوقع في ظل هذه المعمعة "المهزلة" التي يعيشها الأكراد في سوريا، ظهور "أبطال" جدد، ليس لسبب جوهري أو حاجة ماسة تقتضيها الظروف المحلية والخارجية، وإنما لمجرد أن "الأبطال" الجدد يريدون الظهور.

يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: "لكم رأينا أناساً يتصدرون الحياة العامة، فيتناولون الأشياء لمجرد التفاصح والتشدق بها، لا لدفعها ناشطة إلى مجال العمل.. فكلامهم في هذا ليس إلا ضرباً من الكلام، مجرد من أي طاقة اجتماعية أو قوة أخلاقية".

هذا مع العلم أن معظم "المنقذين" الجدد لهم باع طويل وسجل حافل ومليء بالإخفاقات والانتكاسات في حقل العمل الحزبي، وتعتبر هذه الانتكاسات التي ابتلي بها الشعب الكردي في سوريا والتي ألحقت بالغ الضرر بالقضية الكردية في سوريا، بمثابة البراهين الساطعة والأدلة الدامغة على عدم أهلية هؤلاء للعمل الحزبي أو السياسي باسم الجماعة، وأن صلاحيتهم الذهنية والفهمية والإدراكية قد انتهت منذ أمد أو أنها كانت معطوبة بالأساس حتى قبل الادعاء بولادتها وفاعليتها.

تشكيل حزب أو بالأحرى حويزب جديد لا يكلف المرء كثيراً في السوق السياسية الكردية في سوريا، فالسياسة بضاعة كما أن لها مروجوها (الباعة)، لها أيضاً متلقفوها (الشراة)، ولا يتطلب الأمر سوى إصدار بيان ركيك هنا وإطلاق تصريح أكثر ركاكة هناك، مع إطلالات تلفزيونية وفيسبوكية بهلوانية بين الفينة والأخرى، وما أكثرها هذه الأيام، ونشر بضعة مقالات وتعليقات على وسائل ما بات يعرف كذباً بالتواصل الاجتماعي.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الکردیة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

اعلام القوات: بعد خراب البصرة يطالبون السياديين بالتحرُّك

صدر عن الدائرة الإعلامية في حزب "القوات اللبنانية"، البيان الآتي:

"انتقل بعض المسؤولين في "حزب الله" في الآونة الأخيرة إلى نغمة جديدة بعد نغمة توازن الردع التي سقطت وأسقطت معها لبنان، ومفادها ان الفريق السيادي في لبنان لا يحرِّك ساكنا حيال التمادي الإسرائيلي في الجنوب.

يهم "القوات اللبنانية" ان تذكِّر جميع هذه الأصوات ان الشريحة الأكبر من اللبنانيين ومن ضمنها الشريحة السيادية وبشكل خاص "القوات اللبنانية" حذروا مرارا وتكرارا من الانعكاسات السلبية إن لوضع اليد على قرار الحرب، أو توريط لبنان في الحروب، أو عدم تطبيق الدستور والقرارات الدولية، وطالبوا بتطبيق القرار 1701 الذي لم يطبّق منذ إقراره، وعقدت "القوات" مؤتمرا بهذا الخصوص، ولو تمّ الالتزام بتوصيات هذا المؤتمر لتوقفت الحرب وما توسعّت، ولكن ضرورات "حزب الله" الإيرانية حالت، ويا للأسف، دون تجنيب اللبنانيين الموت والكوارث".   اضاف البيان: "بعد خراب البصرة يطالبون السياديين بالتحرُّك، ويصمّون آذانهم لمطالبة هؤلاء السياديين بوجود دولة فعلية في لبنان تُمسك وحدها بقرار الحرب، ويُحصر السلاح بمؤسساتها، فيما الطريق الوحيد الذي يحمي لبنان واللبنانيين هو طريق الدولة والمؤسسات، والخروج عن خط الدولة نتائجه معروفة: موت ودمار وتهجير وخراب وويلات".
    وختم: "إن الطريقة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى تكمن في وقف التذاكي، وتطبيق الترتيبات التي أقرتها الحكومة في 27 تشرين الثاني الماضي، وتسليم السلاح غير الشرعي، وحصر القرار العسكري والأمني بيد الجيش والقوى الأمنية، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية سيادي وإصلاحي يعيد الاعتبار للجمهورية اللبنانية الحرة والمستقلة والسيدة والمزدهرة والمستقرة، وذلك من أجل ان يحظى لبنان من جديد باحترام الدول الغربية والعربية، وهذه هي الطريقة الوحيدة لانتشال البلد من حيث أوصلتموه.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. عصام عبدالله شاهد على خراب مدينة الخيام!
  • اعلام القوات: بعد خراب البصرة يطالبون السياديين بالتحرُّك
  • راشد عبد الرحيم: نهاية التفاهة
  • البطالة القانونية: عندما تتحول العدالة إلى أزمة مهنية
  • مع تغير ميزان القوى في سوريا..الجماعات الكردية في موقف دفاعي
  • السوداني يؤكد على دعم الحوارات بين الأحزاب الكردية لتشكيل حكومة الإقليم الجديدة
  • من هي أبرز الشخصيات التي تدير المشهد في سوريا الجديدة؟.. وزراء ومحافظون
  • سوريا.. بين الأطماع التركية والطموحات الكردية
  • عصر التفاهة والدعارةعندما تُقدَّم النماذج الفاسدة كقدوة
  • جمال سليمان يعلن عدم وضع الترشح للرئاسه في سوريا ضمن أولوياته حاليا