لا رئيس من دون حوار...ولا حوار من دون رئيس
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
ونسأل كالساذجين: مَن قبلُ، البيضة أم الدجاجة؟ ومع أن لا جواب علميًا عن هذا السؤال غير العلمي نصرّ على أن نسأله اليوم بالذات وبإلحاح. وهذا السؤال الساذج يقودنا إلى سؤال ساذج آخر ألا وهو: مَن قبلُ الحوار أم انتخاب رئيس للجمهورية؟ الجواب عن هذا السؤال لن يكون كالجواب عن السؤال الساذج الأول. فلا جواب واحدا عن هذا السؤال، لأن لدى كل طرف جوابا خاصا به.
الفريق الأول يستند في تمسّكه بالحوار بنسخته الجديدة، التي تزاوج بين رؤية الرئيس نبيه بري والموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، إلى الجلسات الاثنتي عشرة، التي لم تؤدِ إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لأن ليس في قدرة فريق واحد أن يقوم بهذه العملية بمفرده. ولذلك فهو في حاجة إلى التفاهم مع الآخرين على رئيس وسطي لا يكون محسوبًا على فريق دون الفريق الآخر، أقّله في ما يمكن أن يقدّمه من ضمانات مشتركة للجميع، من دون أن يعني ذلك أن رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية بعيد عن هذا التوجّه، وهو الذي أبدى استعداده لمحاورة الجميع، حتى الذين يخاصمونه سياسيًا ويعتبرونه مرشح "حزب الله".
ففي رأي هذا الفريق أن الحوار هو المدخل الطبيعي والتلقائي والوحيد لانتخاب رئيس. ومن دون هذا الحوار غير المشروط وغير المعدّة نتائجه مسبقًا لن يكون للبنانيين رئيسٌ حتى ولو دعي النواب إلى جلسات مفتوحة ومتتالية ومن دون إغلاق محضر الجلسة الأولى. فمن دون توافق اللبنانيين الممثلين بأحزابهم السياسية المتعدّدة التوجهات في الندوة البرلمانية فإن الفراغ سيبقى "سيد المواقف" حتى ولو استمر هذا الشغور سنوات وسنوات، وليس سنتين ونصف السنة فقط كما حصل قبل التوافق على انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في خريف العام 2016.
أمّا الفريق الثاني فيرى أن خلط الحابل بالنابل لن يؤدي إلى أي نتيجة. وهذا ما يفعله فريق "الممانعة" حين يضع عربة الحوار قبل حصان الانتخابات. ويسأل أركان هذا الفريق عن جدوى الحوار ما دامت النتيجة معروفة، وهي الذهاب في نهاية المطاف إلى الجلسات المفتوحة والمتتالية، حيث يكون الدستور هو الحكم في العملية الانتخابية. وإذا كان لا بدّ من أي حوار فيجب أن يتضمّن جدول أعماله نقطة واحدة لا غير، وهي تطبيق الدستور بحذافيره ومن دون اجتهادات همايونية.
ويرى هؤلاء أن من جرّب المجرَّب يكون عقله مخرَّبًا. فتجربة اللبنانيين مع طاولات الحوار معروفة نتائجها، وبالأخص تلك التي عقدت في عين التينة يوم دعا إليها الرئيس بري، وبالأخص في ما يتعلق ببند "الاستراتيجية الدفاعية"، ولاحقًا التنصّل من بند "النأي بالنفس"، أو ما عُرف في حينه باتفاق بعبدا، حيث قيل يومها للفريق الذي كان يطالب بضرورة اعتماد لبنان سياسة النأي بالنفس "نقعوا وشربوا ميتو".
ويقول هؤلاء إنه إذا كان لا بد من حوار فليكن في القاعة العامة لمجلس النواب، وفي الدورات الانتخابية المفتوحة، ويكون بالتالي محصورًا في بند واحد ووحيد، وهو التفاهم على اسم أو اسمين أو ثلاثة، ولتُخض المعركة الرئاسية وفق مبدأ ديمقراطي متعارف عليه ومتبع في كل دول العالم، حتى تلك التي لا تؤمن كثيرًا بجدوى الديمقراطية، وليفز من يستطيع أن يؤمّن أكثرية الأصوات النيابية.
وهكذا يُنرك أمر الحوار، الذي يطالب به الرئيس بري اليوم، لرئيس الجمهورية العتيد، الذي يُفترض به أن يتولاه شخصيًا ليصار التفاهم في شكل نهائي على القواسم المشتركة بين اللبنانيين أولًا، تمهيدًا للبحث في الأمور الخلافية، ومن بينها "الاستراتيجية الدفاعية".
الخلاصة النهائية لكل هذا الحراك القائم على أكثر من جبهة هو أن لا رئيس من دون حوار ولا حوار من دون رئيس... "وحّلوها إن كان فيكن تحّلوها".
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذا السؤال عن هذا من دون
إقرأ أيضاً:
هل يكون ترامب وزير خارجية نفسه؟
أشار أستاذ التاريخ الحديث في جامعة إيست أنغليا، ديفيد ميلنه، إلى ما سماها فكرة غريبة تدور حول أن اختيارات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للمسؤولين عن صياغة السياسة الخارجية، تكشف شيئاً عن نهجه المحتمل في التعامل مع الشؤون الدولية.
ليس من المبالغة تخيل استخدام خط هجوم ترامب على بولتون ضد روبيو
يطمئن أفراد المؤسسة إلى أن المرشحين الصقور، مثل السناتور ماركو روبيو إلى منصب وزير الخارجية، والنائب مايك والتز إلى منصب مستشار للأمن القومي، سوف ينصحونه في نهاية المطاف بالشيء الصحيح، عندما يتعلق الأمر بمواجهة روسيا والصين.
ويشعر أنصار مقاربة الانضباط وأنصار ماغا واليساريون بالراحة، لأن النائبين السابقين تولسي غابارد، مرشحة ترامب لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، ومات غيتز، مرشح لمنصب المدعي العام، (سحب ترشيحه ليلة أمس) سيشكلان سياسة ترشيد تقنع الرئيس بسحب الموارد من مناطق لا مصالح أمريكية فيها على المحك. خيط واحد حزين
وكتب ميلنه في مجلة "فورين بوليسي" أنه إذا كان القارئ يشعر وكأنه سبق أن شاهد هذه الصورة في السابق فشعوره مبني على أساس صلب. في سنة 2016 وما بعدها، كان النوع نفسه من المقالات الفكرية منتشراً في كل مكان، حيث عكس كتاب الرأي قلقهم وآمالهم وأحلامهم في استقراء المعنى من موجات التعيينات والطرد التي قام بها ترامب. كان مايك فلين وريكس تيلرسون وجيمس ماتيس وهربرت ماكماستر بمثابة "أوراق شاي" جماعية قُرِئت للكشف عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية. كلهم عملوا بناء على فرضية أن ترامب كان قابلاً لأخذ النصيحة. حالياً يجب أن يكون ثمة معرفة أفضل.
Trump selects Sen. Marco Rubio to serve as secretary of state in historic appointment: report https://t.co/AJ3rTnGpEb pic.twitter.com/2lyNRX8kl6
— New York Post (@nypost) November 12, 2024
لم يكن هناك تأثير استشاري كبير على رئاسة ترامب الأخيرة، ومن غير المرجح أن تكون ولايته الثانية مختلفة. في بعض الأحيان، تداخلت غرائزه مع نصائح مستشاريه - مثل تيلرسون حول تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية أو مع مستشار الأمن القومي جون بولتون بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما. لكن هذه اللحظات من الوحدة كانت عابرة. إذا كان هناك خيط واحد مشترك حزين ينسج عبر مذكرات من عيّنهم ترامب في ولايته الأولى، فهو الإحباط من المعاملة المزدرية من قبل رئيس لم يصغِ ببساطة.
لم يستطع ترامب أن يغفر لماكماستر افتراضه بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016. ووصف ماكماستر اجتماعات المكتب البيضوي بأنها "تمارين في التملق التنافسي"، في كتاب نُشر في وقت سابق من هذه السنة.
Trump selects Sen. Marco Rubio to serve as secretary of state in historic appointment: report https://t.co/AJ3rTnGpEb pic.twitter.com/2lyNRX8kl6
— New York Post (@nypost) November 12, 2024
"لم يكن ترامب يتبع أي استراتيجية دولية كبرى، أو حتى مساراً متناسقاً"، كما كتب بولتون في كتابه الصادر سنة 2020. "كان تفكيره أشبه بأرخبيل من النقاط التي تترك لبقيتنا مهمة تمييز - أو إنشاء - السياسة". رد ترامب بوصف بولتون في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه "أحمق ممل ساخط أراد فقط الذهاب إلى الحرب. لم يكن لديه أدنى فكرة (عن أي شيء)، وتم نبذه، والتخلص منه بسعادة. يا له من غبي!".
الخيار النهائي بصرف النظر عن الأشخاص، إن خيار ترامب النهائي لمناصب مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع ووزير الخارجية سيكون هو نفسه. لن يكون هناك أي شخص مؤثر من خلف الستارة أو دين أتشيسون أو هنري كيسنجر يوجهونه ويكبحون أسوأ غرائزه. كل ما حدث خلال فترة ولايته الأولى يشير إلى أن هذا سيكون هو الحال.