عربي21:
2024-09-19@22:25:03 GMT

11 سبتمبر اللاتيني وزمن الارتدادات الاجتماعية

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

من المفارقات الصارخة التي لا تزال تصرخ في وجوه البشر باستمرار منذ أكثر من ثلاثة عقود أن الفقر لا يفتأ يتفاقم وظروف المعيشة تسوء والهشاشة الاجتماعية تستفحل والأجيال الناشئة تواجه مستقبلا غير مطمئن (مقارنة بنعمة الاستقرار، بل وحتى الازدهار، التي نعم وينعم بها الآباء بفضل جني ثمار دولة الرعاية الاجتماعية التي سادت في معظم البلدان الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية)؛ ولكن رغم ذلك كله فإن اليسار السياسي يتراجع في كل البلدان تقريبا، سواء في الشمال المراكم لقرون من رأس المال واقتصاد الاستغلال أم في الجنوب الذي تركزت عقيدة معظم أنظمته على محو مظالم الاستعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية الضامنة لكرامة شعوبه والفاتحة على آفاق النهضة والانبعاث.


والنتيجة أن اليمين السياسي، بمختلف تلويناته القديم منها والجديد، هو الذي لا يزال يحكم في معظم بلدان المعمورة منذ أكثر من ثلاثة عقود دون أن يفلح اليسار في تقديم أي بديل معقول، أو في إقناع الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسات الليبرالية الاقتصادية المتوحشة بأن ظروفها المعيشية لن تتحسن وآفاق مستقبل أبنائها وبناتها لن تشرق إذا استمرت في التصويت لأحزاب اليمين الحاكمة، أو استمرت في تأبيد بقاء اليمين في الحكم بواسطة العزوف عن ممارسة الحق الانتخابي.

وقد كان لـ11 سبتمبر دور تدشيني في انهزام اليسار أمام اليمين وانتصار نظريات الأمريكي ميلتون فريدمان (ملهم الاقتصاديات الريغانية، «ريغانوميكس») والبريطاني كيث جوزيف (مهندس العقيدة التاتشرية) على نظريات البريطاني جون ماينارد كينز والنمساوي كارل بولياني. وليس المقصود 11 سبتمبر 2001 أو ما تسميه البشرية المعاصرة «ناين إيلافن» تأثرا بعادات الأمريكيين في التأريخ بقلب التواريخ، تقديما للشهور على الأيام. ليس اليوم المقصود 11 سبتمبر 2001، كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما هو 11 سبتمبر 1973.

سلسلة الهزائم اليسارية التي لا تزال مستمرة منذ انتصار التاتشرية والريغانية قد وقعت ولا تزال تقع مدنيا، أي بالسلاح الانتخابي السلمي
يومذاك وقع في تشيلي الانقلاب العسكري الذي أنهى التجربة الديمقراطية الاشتراكية لحكومة سلفادور ألندي الفائز بانتخابات عام 1970. وأعقبت الانقلاب 17 سنة من الدكتاتورية العسكرية التي أصابت كثيرا من العائلات بكرب عظيم: 40 ألفا من ضحايا التعذيب، و3200 قتيل وفقيد، ومليون من المشردين في المنافي (إضافة لانتحار ألندي الذي رفض الاستسلام أو الهروب). أما تركة هذا الحكم الاستبدادي البائس، فقد تمثلت في إسلام أمر الاقتصاد، أي مصير البلاد، إلى «فتية شيكاغو». وهذه تسمية أطلقت على خبراء الاقتصاد التشيليين (والأمريكيين اللاتينيين عموما) الذين درسوا في كلية الاقتصاد بجامعة شيكاغو، وصاروا من مريدي طريقة الشيخين ميلتون فريدمان وأرنولد هاربرغر، أي من المؤمنين المبشرين بالديانة النيولبرالية.

ولكن إذا كانت هزيمة اليسار في تشيلي قد وقعت بالعنف والغدر، فإن سلسلة الهزائم اليسارية التي لا تزال مستمرة منذ انتصار التاتشرية والريغانية قد وقعت ولا تزال تقع مدنيا، أي بالسلاح الانتخابي السلمي.
والواقع أن عجز اليسار عن كسب ثقة الناخبين، رغم تدهور الأوضاع الاجتماعية في معظم البلدان، أمر محير. ولعل بريطانيا وفرنسا هما النموذجان الأبعث على الحيرة. إذ رغم أن حزب المحافظين لم يعرف طيلة تاريخه ساسة أقل كفاءة وأسوأ مسلكا وأعقم فكرا من ساسة الجيل الحالي، ورغم أن بريطانيا بلغت في السنوات الأخيرة من بؤس الحال ما جعلها تلقب برجل أوروبا المريض، فإن احتمال فوز حزب العمال بالانتخابات القادمة لا يعزى إلى مصداقية برنامجه السياسي أو التفاف الناخبين حوله. بل كل ما في الأمر أن حزب المحافظين، الذي يحكم منذ عام 2010، قد أصابه «اهتراء السلطة» أي الاستنزاف الناجم عن طول البقاء في الحكم.

 أما في فرنسا فإن تشرذم قوى اليسار وإصابة الحزب الاشتراكي بما يشبه السكتة الدماغية، وعجز السياسي البارع جان لوك ميلنشون عن توحيد هذه القوى (لأسباب عديدة، منها ميوله الاستبدادية شبه الستالينية) كل ذلك ينذر بأنه لن يكون ثمة خيار انتخابي مستقبلا إلا بين يمين تقليدي واهن ويمين متطرف صاعد.

إنه مصير مأساوي ظالم لليسار الذي اضطلع، طيلة قرنين من النضال الفكري والسياسي، بدور مركزي في تثبيت فرنسا على نهج الحداثة التقدمية والعدالة الاجتماعية. وإذا كان قد كتب الكثير عن هذا النضال الملحمي، فإن المرجع الوافي هو كتاب «اليسارات الفرنسية» للمؤرخ جاك جوليار الذي رحل عن هذه الدنيا الأسبوع الماضي. لماذا اليسارات، هكذا بصيغة الجمع؟ لأن التعدد هو أصل هذه القصة الجديرة بأن تروى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفقر اليمين الحكم الفقر الحكم اليمين سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا تزال

إقرأ أيضاً:

البرتغال تكثف الجهود لمكافحة حرائق الغابات

يواصل عناصر الإطفاء الأربعاء جهودهم في البرتغال لمكافحة حوالي أربعين حريق غابات لا تزال مستعرة منذ نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن أودت بخمسة أشخاص وأتت على آلاف الهكتارات من المساحات الحرجية في شمال البلاد ووسطها.

وأعلنت السلطات البرتغالية بعد ظهر الأربعاء، عن خمسة قتلى.كما خلفت الكوارث التي وقعت في الأيام الأخيرة 59 مصابا، من بينهم 10 في حالة خطرة، وجرى تقديم المساعدة لـ59 شخصاً.

أخبار ذات صلة ارتفاع حصيلة ضحايا حرائق الغابات في البرتغال «الرياضات البحرية» يثمِّن إنجاز الفرق الإماراتية في البرتغال وإيطاليا

وحذر فرنانديز من أن "الحالة الجوية لا تزال غير مواتية تماما ولا نتوقع انخفاضا كبيرا في مخاطر حرائق الغابات خلال الساعات الـ48 المقبلة".
ولا تزال الحماية المدنية تسجل نحو أربعين حريقا نشطا، وقد حشدت نحو 3500 عنصر إطفاء مدعومين بألف مركبة ونحو ثلاثين طائرة أو مروحية.

وأعلنت فرنسا إرسال طائرتين قاذفتين مائيتين إضافيتين، بعد طائرتين أخريين سبق أن أرسلتهما إلى البرتغال، أسوة بإسبانيا وإيطاليا.
وبحسب تقديرات مرصد كوبرنيكوس الأوروبي، أتت النيران على ما لا يقل عن 15 ألف هكتار من النباتات في هذه المنطقة بسبب أربعة حرائق وصل امتدت على نطاق مئة كيلومتر.
أحصى النظام الأوروبي لبيانات حرائق الغابات حوالى خمسة عشر حريقا آخر تجاوزت أضرارها على الأرجح عتبة ألف هكتار من المساحات المحروقة هذا الأسبوع في مناطق أخرى من البلاد، وهو ما يتجاوز بكثير إجمالي ما تم تسجيله منذ بداية الصيف.
وأظهرت صور التقطها القمر الاصطناعي كوبرنيكوس الثلاثاء عددا كبيرا من الحرائق التي تنطلق منها أعمدة طويلة من الدخان.
وبعد حرائق عام 2017 التي أودت بأكثر من مئة شخص، ضاعفت الدولة استثماراتها في مجال الوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها. 
ويرى الخبراء أن موجات الحر والجفاف المتزايدة الشدة تساعد على حرائق الغابات وهي نتيجة لتغير المناخ.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تعقد الاجتماع الثامن لرؤساء المجالس القطاعية للمهارات
  • انتخابات رئاسة جماعة تاوريرت.. البيجيدي و اليسار يدعمان تجمع الأحرار
  • البنتاغون: صاروخ الحوثيين الذي استهدف إسرائيل لم يكن “فرط صوتي”
  • البرتغال تكثف الجهود لمكافحة حرائق الغابات
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • برلمانية فيدرالية اليسار تحذر الصديقي من أزمة قادمة في قطاع زيت الزيتون على خلفية  تجاوز سعره  الـ150 درهما 
  • فرنسا.. اليسار الراديكالي يتحرك لعزل ماكرون
  • مقال بنيويورك تايمز: القضية التي أصبح فيها أقصى اليمين الإسرائيلي تيارا سائدا
  • الجزائر.. تبون يؤدي اليمين الدستورية بعد انتخابه لولاية رئاسية ثانية
  • أمير الجوف يرأس الاجتماع الثالث للجنة المسؤولية الاجتماعية بالمنطقة ويرعى توقيع ٦ اتفاقيات