صحيفة الاتحاد:
2024-09-16@17:21:26 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: موت النقد الأدبي

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

في عام 1996 أطلقت في تونس مقولة (موت النقد الأدبي)، وهي حالة تشبه مقولة التدمير الخلاق (Creative Destruction) عند الاقتصاديين حين يرون ضرورة التخلص من أي منشأة تعطلت قدراتها الإنتاجية، ما يستوجب التخلص منها والشروع بمشروع يعد بنتائج أكثر نفعية، وهذا أمر لن يكون سهلاً في مجال المفاهيم المعرفية لأن المفاهيم تتجذر في الأذهان وتتشابك مع النسيج الذهني، ولن يتسنى الخلاص منها إلا بحيل مجازية تتعامل مع الذهنيات وتطمح لاستئصال أثر مفهوم ما بإحلال غيره محله، ولهذا تعمدت ارتكاب جنايتي العلمية الخاصة بإطلاق شعار قد يبدو ظاهرياً أنه عدواني وإقصائي، لكنه في حقيقته هو محاولة لممارسة نوع من التدمير الخلاق بإحلال مفهوم يعد بفتح منهجي يعطي غير ما هو من معطيات النقد الأدبي.


وجاء هذا الشعور عندي نتيجةً لحالة ثقافية وربما نفسية من القلق المعرفي، تجلى ذلك ابتداءً من عام 1987، حيث إني فيما قبل ذلك العام أجهدت نفسي في بحوث الجماليات الشعرية مع كتابي (الخطيئة والتكفير)، وما تعاقب من كتب تتصل بالنظرية النقدية الألسنية بتفرعاتها البنيوية والتشريحية والسيميولوجية، وفجأةً جاءتني دعوة يبدو أنها فجرت الحالة القلقة عندي من الإغراق في الجماليات الشعرية، وكانت الدعوة من اتحاد الأدباء العرب، وخصصوا موقعها في أبوظبي، والبحث المطلوب كان عن الشعر الحداثي في الخليج، وهنا وقعت في حيرة مع نفسي وقد شارفت أقصى حدود التوتر المنهجي من الخوض في جماليات الشعر، وكنت أشعر بما يشبه الانسداد المعرفي مع المنهجية النقدية بصيغتها المستقرة في النقد الأدبي، وكنت أعاني من تساؤلات عن نجاعة النقد الأدبي في كشف غير الجمالي في النقد، وكأن أدوات النقد الأدبي قد استنفدت طاقتها في قتل الجمالي لدرجات الوقوع في التكرار، وكأن النصوص أصبحت تتشابه بسبب أن النظر إليها استقر وتيبس على ما هو جمالي، بينما النصوص تحفل بمضمرات لا حيلة لأدوات النقد الأدبي القارة على كشفها أو الحفر عنها، وقد فكرت أن أعتذر عن تلك الندوة، لولا أني كنت أعرف سلفاً أن عذري لن يكون مقبولاً من منظمي المؤتمر العلمي في أبوظبي، وهنا اتجهت لإعمال حيلةٍ علمية تسمح لي بالبحث دون الغرق فيما تشبعت منه، وكتبت بحثاً بعنوان (نماذج للمرأة في الشعر المعاصر) واخترت له ثلاثة نصوص لشاعر كلاسيكي معاصر ولشاعر رومانسي ولشاعر حداثي، ورحت أستخرج صورة المرأة في هذه النصوص المتفاوتة تنوعاً وذهنيةً، أي أني دخلت في نظرية (النسق المضمر) قبل أن تتشكل عندي وفق هذا المصطلح ووفق ذلك التخصيص. ولا شك أن البحث نفسه وفي مراحل إعداده قد فتح أمامي أبواب النسقية الثقافية بأخطر صيغها متمثلاً بمقام المرأة في الثقافة، ومن ثم في حضورها في نصوص الشعر.
والشعر ديوان العرب، بمعنى سجلهم المعنوي والقيمي وفيه كنوزهم المعنوية والقيمية، وفيه تتشكل الذهنيات عبر التوارث الممتد على قرونٍ وقرون لدرجة أن يتشابه نزار قباني مع عمر بن أبي ربيعة نسقياً، رغم فروقات الزمن وفروقات الوعي، فما الذي يجعل صورةَ المرأة عند نزار لا تختلف عن صورتها عند ابن ربيعة.
وهل هذا تقليد شعري كتقاليد الوقوف على الطلل الذي نجده عند امرئ القيس ونجده عند الشريف الرضي ونجده عند أحمد شوقي بوصفه تقليداً عابراً للأزمنة، وسنقول هنا إنه تقليد شعري دأب عليه الشعراء في مبارزة تنافسية ليقيس المتأخر منهم مهاراته على مهارات سالفه حسب نظرية هارولد بلوم (لوحة التلقي) التي يرسم فيها خطى الشاعر في تصديه لمنافسة سابقه النموذجي، وهذا وجه من وجوه القراءة حسب معطيات النقد الأدبي، أم نقول إن هناك نسقاً ثقافياً مخبوءاً في اللاوعي الثقافي، أي أن الثقافة نفسها هي المؤلفة الكامنة خلف المؤلف الواعي، وهذا ما سميته بعد ذلك بـ (المؤلف المزدوج)، أي أن في كل نص ٍمؤلفين اثنين هما المؤلف الواقعي الذي نرى اسمه على جبهة النص، وكذلك المؤلف المضمر الذي هو الثقافة نفسها، ومن ثم نكون أمام نسقين، أحدهما ظاهرٌ وهو النص الذي نستهلكه بالقراءة الواعية، ونسقٌ مضمر لا نراه ولكنه يتسلل إلى ضمائرنا ويشكل ذهنيتنا وذوقنا، ويشكل ما هو أخطر من ذلك وهو عقليتنا.
وتتوج ذلك بصدور كتابي «النقد الثقافي» (2000)، وهو قراءة في الإنساف الثقافية العربية، ومنه عبرت خط النار الأمامي وفتحت مضماري المنهجي الخاص بما توالى من كتب تعتمد المنهجية نفسها في سبر الأنساق المضمرة. وبذا أنجزت مغامرتي في التحول من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي عبر مجازية (التدمير الخلاق).

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: خطاب تويتر (X) د. عبدالله الغذامي يكتب: النسق بين الشعرنة والعقلنة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

مذيعة تحتفل بعيد ميلادها بلسعات قناديل البحر

البلاد ــ وكالات

بمناسبة بلوغها 56 عاماً، اختارت إعلامية بريطانية سابقة اختبار مرونة جسمها، ورفع قدرة تحمّلها، من خلال السباحة في مكان مليء بقناديل البحر، لتعريض نفسها إلى لسعاته المؤلمة.

وكشفت مذيعة «بي بي سي» السابقة لويز مينشين عن تجربتها الغريبة في تصريح لصحيفة «ديلي ميل»، على هامش حفل إطلاق روايتها الجديدة «جزيرة العزلة»، مؤخراً في لندن- حسب موقع 24 الإلكتروني.

وعبرت عن سعادتها بنجاحها في السباحة مع قناديل البحر في «أرخبيل جزر سيلي» البريطاني، مؤكدة أنها تحب مواجهة نفسها لتتعامل بمرونة أفضل عند ارتفاع نسبة الأدرينالين في جسمها. وخلال اللقاء أظهرت الندوب على يديها معلقة:« كنت أرتدي بدلة الغوص. في أي مكان لا تغطيه بدلة الغوص، أحصل على لسعة قناديل البحر الأرجوانية. لقد كان الأمر مؤلماً حقاً».

ونشرت مينشين فيديو عبر حسابها على «إنستغرام»، وثقت فيه التجربة، وظهرت وهي تسبح في البحيرة يرافقها آخرون، ومسعفون على قوارب الكاياك. وأرفقته بتعليق مطول أعربت فيه عن سعادتها باحتفالها بعيد ميلادها هذا العام بطريقة مميزة. ومازحت قائلة:« من يريد رؤية شكل قنديل البحر، فليستمر في المشاهدة حتى النهاية!.. إنها ليست لضعاف القلوب، بل هي قاسية ولاذعة».

مقالات مشابهة

  • السنوار: المقاومة بخير وتحضر نفسها لحرب استنزاف
  • المتهم بالتعدي جنسيا على 4 أطفال بدار أيتام: "عندي خلل في شخصيتي"
  • تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. رابط التقديم والكليات المتاحة للشعبة الأدبي
  • د.حماد عبدالله يكتب: ثقافة تنفيذ المهام !!
  • إنقاذ فتاة حاولت الانتحار من أعلى كوبري بالفيوم
  • سينما المؤلف التى غابت
  • د.حماد عبدالله يكتب: صاحب المهنة (غلبان) موروث خاطىء !!
  • مذيعة تحتفل بعيد ميلادها بلسعات قناديل البحر
  • "ايلسا وآنا" دمى فرضت نفسها على احتفالات المولد النبوي بالإسماعيلية
  • رئيس الوزراء البريطاني: نقف مع أوكرانيا في الدفاع عن نفسها