صحيفة الاتحاد:
2025-03-31@16:49:07 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: موت النقد الأدبي

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

في عام 1996 أطلقت في تونس مقولة (موت النقد الأدبي)، وهي حالة تشبه مقولة التدمير الخلاق (Creative Destruction) عند الاقتصاديين حين يرون ضرورة التخلص من أي منشأة تعطلت قدراتها الإنتاجية، ما يستوجب التخلص منها والشروع بمشروع يعد بنتائج أكثر نفعية، وهذا أمر لن يكون سهلاً في مجال المفاهيم المعرفية لأن المفاهيم تتجذر في الأذهان وتتشابك مع النسيج الذهني، ولن يتسنى الخلاص منها إلا بحيل مجازية تتعامل مع الذهنيات وتطمح لاستئصال أثر مفهوم ما بإحلال غيره محله، ولهذا تعمدت ارتكاب جنايتي العلمية الخاصة بإطلاق شعار قد يبدو ظاهرياً أنه عدواني وإقصائي، لكنه في حقيقته هو محاولة لممارسة نوع من التدمير الخلاق بإحلال مفهوم يعد بفتح منهجي يعطي غير ما هو من معطيات النقد الأدبي.


وجاء هذا الشعور عندي نتيجةً لحالة ثقافية وربما نفسية من القلق المعرفي، تجلى ذلك ابتداءً من عام 1987، حيث إني فيما قبل ذلك العام أجهدت نفسي في بحوث الجماليات الشعرية مع كتابي (الخطيئة والتكفير)، وما تعاقب من كتب تتصل بالنظرية النقدية الألسنية بتفرعاتها البنيوية والتشريحية والسيميولوجية، وفجأةً جاءتني دعوة يبدو أنها فجرت الحالة القلقة عندي من الإغراق في الجماليات الشعرية، وكانت الدعوة من اتحاد الأدباء العرب، وخصصوا موقعها في أبوظبي، والبحث المطلوب كان عن الشعر الحداثي في الخليج، وهنا وقعت في حيرة مع نفسي وقد شارفت أقصى حدود التوتر المنهجي من الخوض في جماليات الشعر، وكنت أشعر بما يشبه الانسداد المعرفي مع المنهجية النقدية بصيغتها المستقرة في النقد الأدبي، وكنت أعاني من تساؤلات عن نجاعة النقد الأدبي في كشف غير الجمالي في النقد، وكأن أدوات النقد الأدبي قد استنفدت طاقتها في قتل الجمالي لدرجات الوقوع في التكرار، وكأن النصوص أصبحت تتشابه بسبب أن النظر إليها استقر وتيبس على ما هو جمالي، بينما النصوص تحفل بمضمرات لا حيلة لأدوات النقد الأدبي القارة على كشفها أو الحفر عنها، وقد فكرت أن أعتذر عن تلك الندوة، لولا أني كنت أعرف سلفاً أن عذري لن يكون مقبولاً من منظمي المؤتمر العلمي في أبوظبي، وهنا اتجهت لإعمال حيلةٍ علمية تسمح لي بالبحث دون الغرق فيما تشبعت منه، وكتبت بحثاً بعنوان (نماذج للمرأة في الشعر المعاصر) واخترت له ثلاثة نصوص لشاعر كلاسيكي معاصر ولشاعر رومانسي ولشاعر حداثي، ورحت أستخرج صورة المرأة في هذه النصوص المتفاوتة تنوعاً وذهنيةً، أي أني دخلت في نظرية (النسق المضمر) قبل أن تتشكل عندي وفق هذا المصطلح ووفق ذلك التخصيص. ولا شك أن البحث نفسه وفي مراحل إعداده قد فتح أمامي أبواب النسقية الثقافية بأخطر صيغها متمثلاً بمقام المرأة في الثقافة، ومن ثم في حضورها في نصوص الشعر.
والشعر ديوان العرب، بمعنى سجلهم المعنوي والقيمي وفيه كنوزهم المعنوية والقيمية، وفيه تتشكل الذهنيات عبر التوارث الممتد على قرونٍ وقرون لدرجة أن يتشابه نزار قباني مع عمر بن أبي ربيعة نسقياً، رغم فروقات الزمن وفروقات الوعي، فما الذي يجعل صورةَ المرأة عند نزار لا تختلف عن صورتها عند ابن ربيعة.
وهل هذا تقليد شعري كتقاليد الوقوف على الطلل الذي نجده عند امرئ القيس ونجده عند الشريف الرضي ونجده عند أحمد شوقي بوصفه تقليداً عابراً للأزمنة، وسنقول هنا إنه تقليد شعري دأب عليه الشعراء في مبارزة تنافسية ليقيس المتأخر منهم مهاراته على مهارات سالفه حسب نظرية هارولد بلوم (لوحة التلقي) التي يرسم فيها خطى الشاعر في تصديه لمنافسة سابقه النموذجي، وهذا وجه من وجوه القراءة حسب معطيات النقد الأدبي، أم نقول إن هناك نسقاً ثقافياً مخبوءاً في اللاوعي الثقافي، أي أن الثقافة نفسها هي المؤلفة الكامنة خلف المؤلف الواعي، وهذا ما سميته بعد ذلك بـ (المؤلف المزدوج)، أي أن في كل نص ٍمؤلفين اثنين هما المؤلف الواقعي الذي نرى اسمه على جبهة النص، وكذلك المؤلف المضمر الذي هو الثقافة نفسها، ومن ثم نكون أمام نسقين، أحدهما ظاهرٌ وهو النص الذي نستهلكه بالقراءة الواعية، ونسقٌ مضمر لا نراه ولكنه يتسلل إلى ضمائرنا ويشكل ذهنيتنا وذوقنا، ويشكل ما هو أخطر من ذلك وهو عقليتنا.
وتتوج ذلك بصدور كتابي «النقد الثقافي» (2000)، وهو قراءة في الإنساف الثقافية العربية، ومنه عبرت خط النار الأمامي وفتحت مضماري المنهجي الخاص بما توالى من كتب تعتمد المنهجية نفسها في سبر الأنساق المضمرة. وبذا أنجزت مغامرتي في التحول من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي عبر مجازية (التدمير الخلاق).

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: خطاب تويتر (X) د. عبدالله الغذامي يكتب: النسق بين الشعرنة والعقلنة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

بدرية طلبة عن دورها في «وتقابل حبيب»: المؤلف جه عليا علشان يرضيكم

عبرت الفنانة بدرية طلبة عن سعادتها بنجاح مسلسلوتقابل حبيب”، ووضحت سبب ظهورها في العمل بدور أقل من المفترض.

وكتبت بدرية على حسابها الشخصي على “فيس بوك”: “الأستاذ عمرو محمود يس مؤلف وتقابل حبيب جه عليا وعلى بعض الزملا في المسلسل علشان يرضي حضراتكم.. أنا ماضية المسلسل بدور أكبر من كدا لكن لما أتعرض المسلسل أخد شكل وخط درامي محبش يحيد عنها ووجودنا كتير كان حيخرج الناس من الحالة اللي عاشوها مع المسلسل ويقلب كوميدي وخصوصاً أن بطلة العمل كوميديانا وعلى تكة 3 ،وبما أنى من عشاق المسلسل وجزء من العمل راضيه بالكام حلقة اللي عملتهم خرجوا الناس شوية من الحزن ومش زعلانة أنا يهمنى نجاح العمل وانه يطلع بالشكل الجميل دا كتابة وأخراج وصورة وتمثيل عمل مكتمل وناجح والدور يتعوض بإذن اللّٰه”.


مسلسل وتقابل حبيب بطولة ياسمين عبد العزيز ونيكول سابا وخالد سليم وكريم فهمي وأنوشكا وصلاح عبد الله ومحمود ياسين وإنجي كيوان ومن تأليف عمرو محمود ياسين ومن إخراج محمد الخبيري.

مواعيد عرض مسلسل “وتقابل حبيب”

يعرض على قناة DMC الساعة 8:30 مساءً، مع إعادة أولى 2:45 صباحًا، وإعادة ثانية 1:30 ظهرًا.
    •    يعرض على قناة DMC دراما الساعة 6:00 مساءً، مع إعادة أولى 4:30 صباحًا، وإعادة ثانية 9:30 صباحًا.
    •    يتاح أيضًا للمشاهدة عبر منصة Watch It الرقمية.

مقالات مشابهة

  • الفنان ماهر جرجس لـ "البوابة نيوز": النقد الجاد الذي يستند على الدراسة والعلم هام للحركة التشكيلية
  • أصحاب الشعر الطويل بين جبال الإكوادور .. ما سبب هوس هذه المصورة بتوثيقهم؟
  • اكتشاف جديد يعطى الأمل في محاربة الصلع
  • قلق وترقب لنهاية “ليل وفارس”.. وياسمين تزيد الغموض
  • عيد حزين في غزة...!
  • قيصرة المسرح .. لماذا استحقت سميرة عبد العزيز هذا اللقب؟
  • أطعمة تحارب الشيب المبكّر
  • بدرية طلبة عن دورها في «وتقابل حبيب»: المؤلف جه عليا علشان يرضيكم
  • كتاب: تاريخ البعثات الدبلوماسية
  • جهاد حسام الدين تطلب الزواج من إياد نصّار فى ظلم المصطبة