جريدة الوطن:
2025-01-09@01:24:00 GMT

كيف يمكن تصميم مبانٍ مُقاوِمة للزلازل؟

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

 

كيف يمكن تصميم مبانٍ مُقاوِمة للزلازل؟

 

 

 

 

 

 

يكتسي كوكبنا بصفائح تكتونية تتحرك ببطء، وهي تتدافع فيما بينها أو تتداخل ليعتلي بعضها بعضًا في أثناء حركتها عند تلك الحدود الفاصلة بينها المُسمَّاة باسم الفوالق، يتسبب الاحتكاك الناجم عن ذلك أحيانًا في التصاق صفيحتين من تلك الصفائح في مناطق معينة على طول الفالق، ومع تفاقُم التوتر الناجم عن هذا الالتصاق على مدار سنين أو عقود أو ربما قرون، يتصدع الفالق فجأة، مما يسبب تحرُّك جانبي الصفيحتين وتأرجحهما بمحاذاة بعضٍ، وعندها تحدث الزلازل.

في غضون ذلك، تنبعث موجات زلزالية من المكان الذي تصدَّع عنده الفالق وتنتشر خارجه في جميع الاتجاهات، وعندما تصل هذه الموجات إلى سطح الأرض، تتسبب في اهتزاز المباني أو أي أجسام أخرى، عِلمًا بأن الاهتزاز يكون عنيفًا ومدمِّرًا في حال كان الزلزال قويًّا وقريبًا بما يكفي من سطح الأرض، مثلما حدث مع الزلزالين العنيفين اللذَين ضربا تركيا وسوريا في السادس من فبراير وتبعتهما هزة لاحقة قوية في اليوم ذاته.

تَسبب الزلزالان المذكوران في مقتل أكثر من 45 ألف شخص، وكانت أغلب الوفيات لأشخاص ماتوا تحت أنقاض المباني المنهارة، وعلى الرغم من استحالة منع حدوث الزلازل أو توقع حدوثها، فمقدور العلم أن يطرح بعض السبل لحماية المباني والأشخاص بداخلها، ومن هذا المنطلق، أجرت مجلة» ساينتفك أمريكان« Scientific American حديثًا مع عدد من المهندسين الخبراء بالزلازل لمعرفة المزيد حول أساليب الإنشاء الصحيحة التي من شأنها أن تمنع البيوت والمكاتب وغيرها من المباني من الانهيار تحت وطأة الاهتزازات الأرضية المفاجئة.

 

ماذا يحدث للمباني في أثناء الزلازل؟

تخيل أنك تقود سيارةً وأردت أن تتوقف فجأة، بطبيعة الحال ستدوس على المكابح، وبمجرد أن تفعل ذلك، ستقفز أكياس البقالة (وأي أشياء أخرى غير مُثبَّتة في كراسي الركاب) من مكانها متطايرةً في الهواء في الاتجاه والسرعة اللذَين كانت تسير بهما السيارة، كل ذلك يحدث بسبب القصور الذاتي، أي نزوع جسمٍ ما إلى البقاء في حالة سكون أو الاحتفاظ بسرعةٍ ومسارٍ منتظمَين إلى أن تؤثر عليه قوة تغير من حالته، وهذا النزوع نفسه هو ما يُعرِّض المباني للخطر في أثناء الزلازل.

في أثناء الزلازل، تتحرك الأرض من أسفل المباني إلى الأمام وإلى الوراء على نحوٍ سريع، ولكن بما أن المباني لها كتلة، فهي بالتأكيد لديها قصور ذاتي، يقول أرطغرل تاجر أوغلو، المهندس الإنشائي بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس: “في الوقت الذي يرج فيه الزلزال الأرض، تحاول المباني جاهدةً أن تبقى ثابتةً في مكانها”، والواقع أنه بمجرد أن يبدأ المبنى في الحركة على إثر الزلزال، فإنه يود الاستمرار فيها أيًّا كان الاتجاه الذي يسحبه إليه الزلزال، غير أن هذه الحركة دائمًا ما تكون متأخرةً عن حركة الأرض، وتتولد عن هذا التأخر قوى قصور ذاتي أفقية على المبنى، مما يُحدِث تشوهات في أي أعمدة أو حوائط رأسية للمبنى لتميل بزاوية (وينتج عن ذلك شكل متوازي الأضلاع الذي نراه إذا نظرنا إلى المسقط الجانبي من مبنى مستطيل الشكل)، وإذا كان المبنى متعدد الطوابق، فسيكون كل طابق محملًا بوزن الطوابق التي تعلوه، وهو ما يعني أن الطوابق السفلية ستتعرض لقوى قصور ذاتي أكبر من تلك التي تعرضت لها الطوابق الأعلى، وفي حال كانت الأعمدة والحوائط غير مصممة على نحوٍ جيد أو غير مُقواة، فلن تستطيع تَحمُّل الوزن الذي اعتادت أن تتحمله في الماضي.

جدير بالذكر أنه كلما زادت قوة الزلزال وزاد قربه من سطح الأرض (واقترب المبنى من مكان تصدُّع الفالق)، زادت قوى القصور الذاتي الواقعة على المبنى في أثناء الزلزال، وعلاوةً على ذلك، قد يؤدي نوع التربة المقام عليها المبنى دورًا في الأمر أيضًا؛ فبالمقارنة بالتربة الصخرية شديدة الصلابة، تُضاعِف التربة الأكثر رخاوةً من قوة الاهتزازات الأرضية.

 

كيف ننشئ المباني بحيث لا تنهار في أثناء الزلازل؟

من أجل الحفاظ على سلامة المباني في أثناء الزلازل، يجب تصميمها بحيث تكون لديها القدرة على مقاومة قوى القصور الذاتي الأفقية، ويرتبط مدى إمكانية تحقيق ذلك ارتباطًا أساسيًّا بمواد البناء المستخدمة، دعونا نركز على نوعين من أكثر أنواع مواد البناء شيوعًا، وهما الخرسانة وحديد التسليح، وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم المباني في المناطق المتضررة في تركيا كانت مشيدةً باستخدام هاتين المادتين.

تحت الظروف العادية، تُعتبر الخرسانة مادةً إنشائيةً ممتازة من حيث قدرتها على حمل وزن المباني، نظرًا إلى أنها تبلي بلاءً حسنًا في تحَمُّل ما يسميه المهندسون قُوى الضغط، ومن هنا، يسهُل على أي مُنشأ خرساني الصمود عقودًا طالما كان قادرًا على تحمُّل وزنه على الأقل، بيد أن قوى القصور الذاتي الناتجة عن الزلازل تجعل الجدران والأعمدة الرأسية تتمايل، مما يُعرِّض الخرسانة لقوى الشد، وهي القوى المعاكسة لقوى الضغط، ويقول بيري أديبار، المهندس الإنشائي بجامعة بريتيش كولومبيا: إنه على الرغم من أن القوى تحاول تغيير شكل المُنشأ الخرساني، “فالعناصر الخرسانية لا تستسلم ولا تسمح للمبنى أن يتحرك، بل تحاول الحفاظ على تماسُك المبنى عوضًا عن ذلك، ويتولد عنها كمٌّ هائلٌ من قوى القصور الذاتي”، غير أن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى تصدُّع الأعمدة والحوائط الخرسانية وانهيارها؛ لأنها لم تعد قادرةً على تحمُّل الوزن الذي كانت تحمله.

ومع ذلك، ما زالت الخرسانة إحدى أكثر مواد البناء استخدامًا على مستوى العالم، يرجع هذا الأمر في جانبٍ منه إلى انخفاض تكلفة الخرسانة ووفرة مكوناتها وقدرتها على تحمُّل وزن المُنشأ، ولزيادة ملاءمة الخرسانة للمناطق النشطة زلزاليًّا، يجمع المهندسون بين الخرسانة والحديد (في صورة أسياخ حديد التسليح)، وهو ما يُعد أكثر مرونةً من الخرسانة، يقول أديبار: “عليك وضع حديد التسليح في أي منطقة معرضة لقوى الشد”.

يرجع ذلك إلى أن الحديد يتحرك بمرونة عند تعرُّضه لقدر معين من الشد، على سبيل المثال، عندما تشد برفق الجزء السفلي من شماعة ملابسٍ مصنوعة من السلك، فإنها تعود إلى شكلها مرةً أخرى عندما تُطلقها، ويشرح أديبار قائلًا: إن الأمر يختلف عند تعرُّض الحديد لقوى شد أكبر كتلك التي تتولد عن زلزال قوي جدًّا، إذ “يصير الحديد لدنًا ويتشوه شكله”، يشبه ذلك جذب شماعة الملابس بقوة تجعلها تنثني بحيث يتغير شكلها، ويضيف أديبار أن “هذا هو السيناريو الذي نأمل حدوثه” في حال تعرُّض المباني لزلزال؛ فتشوُّه شكل الحديد بفعل الزلزال يعني أنه قد امتص قوى القصور الذاتي بكفاءة دون فقدان قدرته على تحمُّل وزن المبنى.

 

ألا يعني ذلك أن المبنى قد لحقه الضرر؟

بلى، ولكن هذا في حالة الزلازل الكبرى؛ فالمباني المصنوعة من الخرسانة المسلحة -على قوتها- قد تصيبها أضرار جسيمة لدرجةٍ قد تجعلها غير قابلة للاستخدام بعد الزلزال، ولذلك علاقة بالطريقة التي تصيغ بها الحكومات أكواد البناء التي تساعد المهندسين على تصميم مبانٍ تتحمل درجةً معينةً من الاهتزازات الزلزالية؛ ففي دول كثيرة، منها الولايات المتحدة وتركيا، عادةً ما تتطلب أكواد البناء أن يُصَمَّم المبنى بحيث يحفظ “سلامة الأرواح” في حال حدوث أقوى زلزال متوقع في هذه المنطقة، تقول سيسي نيقولاو، المهندسة الباحثة في الزلازل بالمعهد الوطني للمعايير والتقنية: “أكواد الزلازل الخاصة بنا لا تحقق سوى الحد الأدنى من متطلبات [السلامة]”، وتضيف: “يحتاج المرء إلى أن تمهله المباني الوقت الكافي للخروج منها سالمًا على الأقل عند وقوع الزلازل الكبيرة، على افتراض تعرُّض المبنى لضرر بالغ”، يشبه الأمر سيارةً تتحطم في حادثة؛ فهي تمتص الصدمة لحماية أرواح الركاب رغم تضرُّرها على نحوٍ كامل.

وبطبيعة الحال، ثمة معايير مختلفة تخضع لها المباني والبنى التحتية التي تُعَدُّ حيوية ومهمة ويجب أن تظل في الخدمة بعد انقضاء الزلزال، مثل المستشفيات، ومن هذا المنطلق، بدأ خبراء مثل نيقولاو في إعادة النظر في معيار سلامة الأرواح وبحث سبل عدم الاكتفاء به عند صياغة أكواد الزلازل، بما يضمن زيادة عدد المباني التي يمكن استخدامها بعد الزلازل، تحقيق ذلك من شأنه أن يجنِّب الناس البقاء خارج منازلهم شهورًا وربما سنوات، وهو الوضع الذي يواجهه العديد من الناس في تركيا اليوم في ظل تصنيف عشرات الآلاف من المباني على أنها آيلةٌ للسقوط نتيجةً للضرر الذي ألحقته بها زلازل السادس من فبراير.

ومن ناحيةٍ أخرى، ثمة سبل يمكن اتباعها لجعل المباني قابلةً للعيش فيها بعد الزلازل، ومنها تنفيذ تصاميم أكثر ذكاءً من المعتاد باستخدام مواد شائعة، مثل الخرسانة المسلحة، إلى جانب ذلك، يمكن الاستعانة بسبل أخرى تعتمد على التكنولوجيا، مثل تقنية “عزل الأساسات عن المبنى”، تتسم المباني المشيدة بهذه التقنية بكونها غير متشبثة بأساساتها؛ إذ ترتكز على عناصر مرنة تفصلها عن الأساسات ومن ثَمَّ الأرض التي تهتز في أثناء الزلزال، غير أن هذا النظام يرفع من تكلفة الإنشاءات، مما يجعل بعض مالكي المباني إما غير قادرين أو غير مستعدين لدفع التكاليف الإضافية، في الولايات المتحدة، تُستخدم هذه التقنية لحماية المنشآت الحيوية، مثل المستشفيات، أو في تطوير المباني التاريخية مع الحفاظ على النسق المعماري الأصلي، جديرٌ بالذكر أن بعض المستشفيات في تركيا مشيدة بنظام عزل الأساسات وتحملت الزلزالين الأخيرين اللذَين وقعا هناك.

 

لمَ قد تنهار المباني رغم تشييدها وفقًا لأكواد الزلازل؟

تُصَمم المباني لكي تتحمل درجةً معينةً من الاهتزازات وفقًا للتهديدات الزلزالية في المناطق الواقعة فيها، عند إنشاء مبنى في مدينة لوس أنجلوس، على سبيل المثال، فإنه يجري إنشاؤه بحيث يتحمل زلزالًا أقوى من الذي يتحمله مبنى آخر يقع في مدينة نيويورك، بيد أن علماء الزلازل لا يستطيعون دائمًا معرفة قوة الزلزال الذي قد ينتج عن فالقٍ ما، يقول تاجر أوغلو: “العقبة الكبرى في التصميم الهندسي هي عدم التيقن من الزلازل المستقبلية؛ لأننا لا نعلم ما الذي سيحدث على وجه التحديد”، وكلما زادت قوة الزلزال، ندر حدوثه؛ فبعض أقوى الزلازل قد لا يحدث إلا كل بضع مئات أو آلاف من السنوات، علمًا بأن القياسات الزلزالية الحديثة لا يتخطى عمرها بضعة عقود، وكان العديد من علماء الزلازل يعتقدون أن صدع شرق الأناضول -الذي تولَّد عنه زلزالا تركيا وسوريا- قد يُنتِج زلزالًا بقوة أقصاها 7.4 إلى 7.5 درجات، إلا أن زلزال السادس من فبراير بلغت قوته 7.8 درجات، أي أنه كان أقوى بأربع مرات على المقياس اللوغاريتمي للمقاييس الزلزالية، لذا يرى تاجر أوغلو أن بعض المباني في تركيا التي شُيدت طبقًا للكود هناك قد واجهت قوةً أكبر من تلك التي صُمِّمت لتتحملها.

تتطور أكواد المباني أيضًا مع تغيُّر فهم العلم للتهديد الزلزالي والهندسة، ومن هنا، فإن مبنى قد شُيد مطابقًا للكود في وقتٍ ما، من الوارد ألا يتسق مع معاييرٍ جرى تحديثها بعد تشييده، وعلاوةً على ذلك، فإن تكلفة إجراء تعديلاتٍ على مثل هذه المباني غالبًا ما تكون باهظة، ويقول تاجر أوغلو إن هذا ربما كان السبب في أن الكثير من المباني في تركيا تضرر بشدة أو انهار.

قد تنهار المباني أيضًا بسبب الخطأ البشري الذي قد يتمثل في عدم الالتزام بالمعايير عن عمد بنية تحقيق ربح، أو في أخطاء غير متعمدة من الممكن أن تقع في أي مرحلة من مراحل التصميم أو الإنشاء دون أن تُكتشَف إلا في حال حدوث زلزال قوي.

عن أميركان سيانتافيك


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

عشرات القتلى في زلزال قوي يضرب التبت بالصين

 

 لقي 53 شخصا على الأقل مصرعهم، إثر زلزال في منطقة التبت بجبال الهيمالايا في جنوب غرب الصين، وفق وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).

وقالت الوكالة الرسمية في الصين إن 62 شخصا أصيبوا أيضًا جراء الزلزال، الذي ضرب محافظة دينغري بمنطقة شيتسانغ ذاتية الحكم، بقوة 6.8 درجة على مقياس ريختر، في التاسعة من صباح الثلاثاء بتوقيت بكين (الواحدة صباحا بتوقيت غرينتش).

وذكرت الوكالة أيضا أن عددا من المباني انهار جراء الزلزال، الذي قدّرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية بـ7.1 درجة.

 

وتقع المنطقة التي تعرضت للزلزال على ارتفاعات شاهقة، ويبلغ عدد سكانها حوالي 62000 نسمة، ولا يبعد كثيرا عن الجانب الصيني من جبل إيفرست، وفق فرانس برس. وعلى الرغم من أن الزلازل شائعة في هذه المنطقة، فإن زلزال الثلاثاء هو الأقوى الذي يتم تسجيله منذ 5 سنوات في محيط 200 كيلومتر، حسب مركز رصد الزلازل الصيني.

وشعر سكان العاصمة النيبالية كاتماندو، بهزات أرضية قوية إثر الزلزال. وقالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إن مركز الزلزال يقع على بُعد 93 كم من لوبوش، المدينة النيبالية الواقعة على الحدود الجبلية مع التبت في الصين

مقالات مشابهة

  • الدول التي تعرضت لأكبر عدد من الزلازل المدمرة منذ العام 1990 (إنفوغراف)
  • أطباء يكشفون: هذه هي الطرق التي يمكن بها إطالة العمر
  • زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب في مصرع 53 شخصا
  • 53 قتـ.يلا.. الحصيلة الأولية لانهيار مبانٍ قريبة من مركز الزلزال بالصين
  • 53 قتيلاً و62 مصاباً جراء زلزال ضرب الصين
  • زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب بمصرع 53 شخصا
  • 53 قتيلا و62 مصابا جراء زلزال ضرب جنوب غرب الصين
  • عشرات القتلى في زلزال قوي يضرب التبت بالصين
  • زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب مدينة بوشهر جنوبي إيران
  • زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب مدينة بوشهر جنوبي إيران