محمود فوزي السيد يكتب.. كان هنا منذ قليل
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
وكأنها مرّت كلمح البصر.. وكأن مائة عام من الخلود الموسيقىِّ عبرت حاجز الزمان واختُصرت فى بضع سنوات قليلة.. تمر علينا هذه الأيام مئوية شيخ مشايخ الموسيقى المصرية والعربية سيد درويش.
تمر السنوات ونحن على العهد يا شيخ سيد: «زورونى كل سنة مرة».
زيارة موسيقى الشيخ سيد -أهم مجدد للموسيقى العربية طوال المائة عام الماضية- وكأنها أصبحت واجبة على عشاق الموسيقى، ولو على الأقل فى السنة مرة كما تمنى هو فى أغنيته.
ومع ظهور برامج اكتشاف المواهب الغنائية كان الشيخ سيد وألحانه دائماً هما صك النجاح الذى يلجأ إليه الشباب لتأكيد قدراتهم ومهاراتهم الصوتية؛ كان دائماً هو الملجأ الآمن لأصحاب المواهب الحقيقية، لتتحول «أهو ده اللى صار» إلى أيقونة النجاح، وتصبح «أنا هويت وانتهيت» شهادة ضمان المتسابق للعبور إلى قلوب الجمهور.
مائة عام مرت على رحيل العبقرى الذى لولاه ما لحّن من بعده العظماء محمد عبدالوهاب والسنباطى والموجى وبليغ وغيرهم؛ فهو «إمام الملحنين» كما وصفه العقاد بعد رحيله فى إحدى مقالاته.. فكثيرون هم من وقفوا قاب قوسين من الخلود الموسيقىِّ؛ لكنه وحده من اخترق الحاجز ليصبح المتفرد بالإبداع الموسيقىِّ بين كل الأجيال التالية؛ وإن حرص البعض على كتابة اسمه فى كتاب تاريخ الموسيقى المصرية والعربية فالشيخ سيد هو صاحب صورة الغلاف بلا منازع على العرش؛ ذلك لأنه يُعد المؤسس الحقيقى لثورة الموسيقى المصرية والمنتقل بها من عالمها الضيق القديم إلى آخر أكثر حداثة جعل منه قائداً لكل من جاء من بعده من الملحنين المصريين، خاصة أنه من انتقل بالموسيقى إلى عالم البسطاء وجعلها اللغة الأسهل فى التعامل بينهم، فتكلم بلسانهم وعبّر عن حياتهم البسيطة فى معظم أغنياته، لدرجة أنه كان يستمع إلى ما يقال فى الشوارع والحوارى والحقول والمقاهى ويترجم تلك الكلمات برشاقة غير مسبوقة إلى ألحان عاشت مائة عام.
كل هذا بجانب مواقفه السياسية المنحازة للوطن وللشعب فى كل أغنياته، وأشهرها بالتأكيد «قوم يا مصرى»، وهو ما جعله قِبلة المحبين والوطنيين الذين وجدوا فى أغنياته حافزاً ومُحمِّساً للنضال الشعبى، ومن هنا اكتسب لقباً جديداً وهو «فنان الشعب».
ربما لم يمهله القدر طويلاً لتحقيق حلم آخر بالسفر إلى إيطاليا للتعرف على الموسيقى الإيطالية ودراستها فى خطوة جديدة نحو مزيد من الحداثة لموسيقاه العربية وبالتالى لشكل الموسيقى العربية كاملاً، إلا أن عبقريته وإرثه الموسيقى الأهم والأعظم بين المبدعين المصريين جعلاه يعيش ألف عمر فوق العمر، ويكفينا فى محبته أن نُطمئن روحه ونبدد مخاوفه من النسيان وهو يقول: «حرام تنسونى بالمرة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيد درويش
إقرأ أيضاً:
مسرح المدينة يحيي اللقاءات الثقافية بعد الحرب: الموسيقى تولّد الأمل
كتبت فيفيان حداد في" الشرق الاوسط": يشهد "مسرح المدينة" في قلب بيروت، نشاطات مختلفة تصبّ في خانة إحياء اللقاءات الثقافية بعد الحرب. ويأتي حفل "التناغم في الوحدة والتضامن" لفرقة الموسيقى العربية لبرنامج زكي ناصيف في "الجامعة الأميركية" من بينها. وهو يُقام يوم 29 كانون الأول الحالي، بقيادة المايسترو فادي يعقوب، ويتضمَّن أغنيات وطنية وأناشيد خاصة بعيد الميلاد.يوضح مدير برنامج زكي ناصيف في "الجامعة الأميركية"، الدكتور نبيل ناصيف، لـ"الشرق الأوسط"، أنّ الحفل يهدف إلى إرساء الوحدة بين اللبنانيين، والموسيقى تُسهم في تعزيزها. ويتابع: "الوحدة والتناغم يحضران بشكل ملحوظ. فالفرق الموسيقية والمُنشدة المُشاركة تطوّعت لإحيائه من جميع المناطق. لمسنا هذه الروح أيضاً من خلال مسابقة سنوية لفرق كورال المدارس، فلاحظنا تماسكها وحبّها الكبير لإعادة إحياء موسيقى زكي ناصيف. أجيال الشباب تملك علاقة وطيدة بوطنها وجذوره، عكس ما يعتقده البعض". يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح. يُعلّق ناصيف: "لا نقيمه من باب انتهاء الحرب، وإنما ليكون دعوة من أجل غدٍ مفعم بالأمل. فالحياة تستمرّ؛ ومع قدرات شبابنا على العطاء نستطيع إحداث الفرق". يتألّف البرنامج من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية. في القسم الأول، ينشد كورال برنامج زكي ناصيف في "الجامعة الأميركية" تراتيل روحانية مثل "يا ربّ الأكوان"، و"إليك الورد يا مريم"، وغيرهما.
وفي فقرة الأغنيات الوطنية، سيمضي الحضور لحظات مع الموسيقى والأصالة، فتُقدّم الفرقة مجموعة أعمال لزكي ناصيف وزياد بطرس والرحابنة. يشرح ناصيف: "في هذا القسم، سنستمع إلى أغنيات وطنية مشهورة يردّدها اللبنانيون؛ من بينها (وحياة اللي راحوا)، و(حكيلي عن بلدي)، و(اشتقنا كتير يا بلدنا)، و(غابت شمس الحق)، و(مهما يتجرّح بلدنا). اللبنانيون يستلهمون الأمل والقوة منها. فهي تعني لهم كثيراً، لا سيما أنّ بعضها يتسّم بالموسيقى والكلام الحماسيَيْن".
يُنظَّم الحفل بأقل تكلفة ممكنة، كما يذكر ناصيف: "لم نستعن بفنانين لتقديم وصلات غنائية فردية من نوع (السولو)، فهي تتطلّب ميزانيات مالية أكبر لسنا بوارد تكبّدها اليوم. وبتعاوننا مع (مسرح المدينة)، استطعنا إقامته بأقل تكلفة. ما نقوم به يشكّل جسر تواصل بين اللبنانيين والفنون الثقافية، وأعدّه جرعة حبّ تنبع من القلب بعد صمت مطبق فرضته الحرب". تتألّف الأوركسترا المُشاركة من طلاب الدراسات الموسيقية في "الجامعة الأميركية"، وينتمي المنشدون في فريق الكورال إلى "مجتمع الجامعة الأميركية في بيروت"؛ من بينهم أساتذة وطلاب وموظفون، إضافة إلى أصدقاء تربطهم علاقة وثيقة مع هذا الصرح التعليمي العريق.
أشرفت على تدريب فريق الكورال منال بو ملهب. ويحضر على المسرح نحو 30 شخصاً، في حين تتألّف الفرقة الموسيقية من نحو 20 عازفاً بقيادة المايسترو فادي يعقوب.
يعلّق الدكتور نبيل ناصيف: "من شأن هذا النوع من المبادرات الفنّية إحياء مبدأ الوحدة والتضامن بين اللبنانيين. معاً نستطيع ترجمة هذا التضامن الذي نرجوه. نتمنّى أن يبقى لبنان نبع المحبة لأهله، فيجمعهم دائماً تحت راية الوحدة والأمل. ما نقدّمه في حفل (التناغم في الوحدة والتضامن) هو لإرساء معاني الاتحاد من خلال الموسيقى والفنون".
ثم يستعيد ذكرى البصمة الفنية التي تركها الراحل زكي ناصيف، فيختم: "اكتشف مدى حبّ اللبنانيين للغناء والفنّ من خلال عاداتهم وتقاليدهم. تأكد من ذلك في مشهدية (الدلعونا) و(دبكة العونة)، وغيرهما من عناصر الفلكلور اللبناني، وارتكازها على لقاءات بين المجموعات بعيداً عن الفردية. متفائل جداً بجيل الشباب الذي يركن إلى الثقافة الرقمية ليطوّر فكره الفنّي. صحيح أنّ للعالم الافتراضي آثاره السلبية في المجتمعات، لكنه نجح في تقريب الناس مختصراً الوقت والمسافات".