“ترند” والمجمع اللغوي القاهري
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
أجاز مجمع اللغة العربية المصري دخول “ترند” إلى العربية مع وجود كلمات تداني معنى هذا المفهوم، مثل رائج، ذائع، مستفيض، سائد… إلخ.
وأثار هذا الإجراء موجة سخط لدى الكثيرين؛ كما أثار انتقادات واسعة ومختلفة من متخصصين وهواة ومهتمين، وصل بعضها إلى حد اتهام المجمع بالقصور أو التساهل وربما تجرأ بعض هؤلاء وأشار إلى ضعف أعضاء المجمع في اللغة، ولا سيما مع وجود مرادفات عربية يزعم أولئك المنتقدون أنها كانت أقوم وأهدى سبيلا.
وما يجب التنبيه عليه هو أن هذا المجمع يضم نخبة من العلماء المتضلعين في اللغة وطرقها في التعبير عن المفاهيم وما يستجد في الحياة المعاصرة من أفكار وأحداث وحالات وكيانات؛ وأن الاقتراض بين اللغات أمر سائغ مع وجود البدائل في اللغة المنقول إليها، ويعد هذا من أسباب الترادف اللغوي كما هو ذائع ومستفيض لدى المتخصصين والمهتمين، بل يشير هذا التصرف إلى حياة اللغة وقوتها وقدرتها على التعايش والتعاطي والثقة بالنفس؛ وحدها اللغة المنكمشة والمنطوية حول ذاتها لا تفعل هذا.
أن هذا الفعل لا يعني عدم استعمال الوحدات المعجمية العربية المقاربة والتي تعبر عن هذا المفهوم الجديد ولو نسبيا، ولكن يعني أن الاستعمال يمتلك سلطة من شأنها أن تفرض المستعمَل لأن الاستعمال يمنحه شرعية الولوج إلى المعجم، مثله مثل المجازات اللغوية التي تجد شرعية بقوة التداول والاستعمال يدخلها إلى المعجم، وتلك إحدى مشكلات المعجم العربي، كما يقول البعض.
ومما يجب عدم إغفاله في هذا الإطار، أن الحياة تتطور باستمرار، والعقليات تنمو تبعا لهذه الحياة المتطورة؛ ومع هذا التطور في الحياة ومع هذا الارتقاء في الذهنيات، تنبثق مفاهيم جديدة Concepts لا عهد لنا بها من قبل وهذه المفاهيم الجديدة قد لا تجد بعض اللغات مكافئات معجمية لها. يعبر عن هذه الحاجة في العلوم المعرفية بالفجوات المعجمية Lexical gaps وكل اللغات لديها هذه الفجوات؛ على أن هذا ليس عيبا ولا فضيحة نظرا لاختلاف الثقافات والعرقيات والبيئات.
وحين نتحدث عن المفاهيم في هذا السياق، فالمقصود المفاهيم المعرفية أو الإدراكية الواسعة، ولذا أوردت المقابل الإنجليزي لها (Concepts) لتمييزه عن المفهوم في الثقافة العربية الذي يرتبط غالبا في علم المنطق وعلم أصول الفقه مثلا. المفهوم الإدراكي كيان ذهني مجرد والمحتوى المعلوماتي جزء بسيط من مكوناته، لأنه يتشكل من الصور أيضا والجوانب النفسية ومكونات شاسعة أخرى.
“ترند” هذه التي أقامت الدنيا ولم تقعدها مصطلح جديد لم ينشأ في القرن الأول الهجري ولا قبله في شمالي الجزيرة العربية ولا جنوبيها، ولا يعرف الظباء واليرابيع ولا الدمن والأطلال الدارسة؛ ويتضمن مفهوما جديدا قد لا نجد مكافئا له في العربية بدرجة تعبر عن كل أبعاده وجوانبه النفسية ثم إنه امتلك سلطة جعلته يهيمن ويفرض وجوده، بصرف النظر عن طبيعة هؤلاء المستعملين، أفلا يشفع له كل هذا لأن يجد طريقه إلى معجمنا؟!
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
قمة “الإحراجات”
لطالما كانت مخرجات وبيانات القمم العربية غير ملبية لتطلعات الشعوب العربية، ولا معبرة عن مشاعر وتوجهات وآراء وحقيقة مواقف عامة الناس، ولم يكن الزعماء والقادة من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، يكترثون لهذا البون الشاسع بينهم وبين رعاياهم، ويمضون على الدرب ذاته منذ عشرات السنين في عقد قممهم العقيمة، وإصدار بياناتهم الأكثر عقماً وسلبية.
-قمة القاهرة الأخيرة كانت طارئة واستثنائية وفي مرحلة حرجة جدا، فمعظم الدول الفاعلة في مجلس الجامعة العربية، باتت في دائرة الاستهداف الواضح والمباشر من قبل كيان الاحتلال الصهيوني المدعوم بقيادة أمريكية تخلت إلى درجة الوقاحة عن سياسة المواربة والتخفي بسياستها المعلومة في تبني الكيان، وصارت تساند مخططاته وجرائمه ومشاريعه التوسعية جهارا ولا تجد حرجا في الإفصاح عن ذلك والتباهي به على رؤوس الأشهاد.
– حساسية الظرف والمواضيع المطروحة أمام القمة دفعت بعدد من القادة للتغيّب، واقتصر تمثيل آخرين على أدنى المستويات الدبلوماسية، ولم يغب تأكيد الحاضرين منهم، مجددا على ثقة العرب بقدرة ورغبة الإدارة الأمريكية الحالية، على تحقيق السلام، قبل أن تتجرأ على إعلان البيان وما جاء فيه من قرارات غلب عليها طابع “الإحراجات”، وهي ترفض – على استحياء – خطط ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتعلن اعتماد الخطة المصرية لإعادة الإعمار، الأمر الذي دفع بالإدارة الأمريكية إلى المسارعة برفضها وتصنيفها بغير المنطقية، والقول بعد ذلك على لسان الخارجية الأمريكية إن الخطة المصرية بشأن غزة “لا تلبّي تطلّعات” الرئيس دونالد ترامب شخصيا.
-الموقف الأمريكي لم يكن مفاجئًا البتة، فواشنطن اعتادت التعامل مع القرارات العربية باستهانة وازدراء كبيرين، فهي تؤمن إيمانا عميقا، أن الأدوات العربية الضاغطة لن تُستخدم أبدا لفرض إرادتهم ومصالح شعوبهم، مع أنهم يمتلكون من الأوراق ونقاط القوة ما يمكنهم من انتزاع بعض الحقوق من فم العدو.
-متى يصل العربان إلى مرحلة من الشجاعة والجرأة التي يعلنون فيها بالفم المليان أنه طفح الكيل من الظلم والعنجهية الأمريكية ويتخذون خطوات عملية تتجاوز حدود البيانات والمناشدات الخجولة، لرفع ذلك الظلم وبما يجبرها على إعادة حساباتها وفق معادلة المصالح، وليس عبر أسلوب الاستجداء ومحاولات التودد والاستعطاف؟.