مفتي الجمهورية: السعي إلى تنظيم النسل لا يتعارض مع دعوة الشرع للتكاثر
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن القضية السكانية قضية أمن قومي لها تأثير سلبي مادي وبدني ومعنوي كبير على الأبوين والأولاد فضلًا عن المجتمع، والشريعة إنما تهدف إلى مجتمع قوي بدنيًّا وخُلقيًّا وعلميًّا وثقافيًّا وروحيًّا؛ فالإسلام لا يقصد مجرد وجود نسل كثير لا قيمة له ولا وزن، وإنما يُريد نسلًا قويًّا.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا أنه ليس للإسلام غرض في كثرة النسل إن كان يؤدي إلى الجهل والفقر والمرض وعدم الرعاية؛ حيث إن تنظيم النسل يُعدُّ حلًّا أكيدًا في هذا العصر للزيادة السكانية، وعليه تقوم المصلحة التي هي مصدرٌ من مصادر التشريع، وهو طريق لتحقيق التنمية المستدامة، ولا يتعارض تنظيم النسل مع الإيمان بالقضاء والقدر ولا يُعدُّ اعتراضًا ولا تدخلًا في قدر الله تعالى؛ لأن تنظيم النسل ما هو إلا لونٌ من مباشرة الأسباب التي أَمَرنا الله تعالى بمباشرتها لتنظيم حياتنا.
وشدد المفتي على أن الدعوة إلى تنظيم النسل لا تتعارض مع دعوة الشرع إلى التكاثر، بل يُعَدُّ التنظيم وسيلةً لإخراج أجيال تأخذ حقها في الرعاية المتكاملة وتنال الاهتمام الكافي؛ ممَّا يؤهلهم إلى تَحمُّل المسئولية؛ فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»، المقصود به: الكَثْرة المؤمنة الصالحة القوية المنتجة المتقدمة؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يباهي بكثرة ضعيفة في شتى مناحي الحياة، لأنها بذلك تكون كثرة لا قيمة لها ولا نفع فيها، وهي التي عناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه المشهور الذي يقول فيه: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا» قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تكونون غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ»؛ أي كثرة ضعيفة لا قيمة لها، ولذا يجب فهم النصوص الشرعية في إطار متكامل وشامل، ولا يصح أن تؤخذ ألفاظ بعض النصوص الصحيحة على ظواهرها وبطريقة فردية دون مراعاة الأدلة الشرعيَّة الأخرى، فهذا مخالف للمنهج العلمي الصحيح.
وأكد أن تنظيم النسل لا يتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم من النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر؛ فهذا التشريع متعلِّق بقتل النفس أو قتل الجنين الذي له روحٌ مستقرة، ولا يمكن أن يكون حجةً أو أساسًا للقول بأن القرآن الكريم ينهى عن تنظيم النسل؛ مشيرًا إلى أن دار الإفتاء لا تجيز الإجهاض بأي حال من الأحوال بعد نفخ الروح في الجنين إلا بمبرر مشروع وهو التقرير الطبي المحذر من خطورة بقاء الجنين على صحة الأم.
وأشار المفتي إلى أن الشرع الشريف لا يعرف الخصومة أو الصدام مع التجارب العلمية ولا البحث العلمي ولا يوجد سقف لهذا البحث ما دام لا يتعارض الأمر مع الشرع الشريف، فالدين ينطلق من عقل منضبط، ومن يطالع جهود علماء المسلمين في مختلف العلوم الدنيوية يدرك ذلك واضحًا جليًّا.
ونبَّه مفتي الجمهورية على أنه لا يوجد فصل بين علوم الشريعة والعلوم الأخرى كعلوم التكنولوجيا وتقنيات الفضاء الإلكتروني، ولكن يجب أن يكون العلم والبحث العلمي واستخدام مخرجاتهما منضبطًا بضوابط شرعية لأن إطلاق العنان للتجارب العلمية السلبية لها مضار متعددة على الإنسانية جمعاء؛ فقد استفاد الفقهاء قديمًا وحديثًا من هذه العلوم، بل أبدعوا فيها انطلاقًا من العلوم الشرعية ورغبة في إفادة المسلمين.
وردًّا على سؤال له: هل تضرر من الفضاء الإلكتروني؟، قال: نعم، لقد تضررت كغيري من سلبياته واستفدت من إيجابياته.
وأشار إلى أن العالم كله تأخر كثيرًا في مواجهة المحتوى الضار ومنها الشائعات والأخبار الكاذبة، بل والفتاوى المتطرفة والشاذة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الإفتاء القضية السكانية ق النسل الفقر تنظیم النسل لا یتعارض
إقرأ أيضاً:
سنن الفطرة وحكم الالتزام بها في الشرع الشريف
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن سنن الفطرة هي ما يتَحقَّق به للإنسانِ نظافة البدن، وحسنُ الهيئة، وجمال الصورة؛ كالختان للرجال، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وغير ذلك مما يحصل به التَّطهُّر والتَّجَمُّل.
والتزام المسلم بهذه السنن دائر بين الوجوب؛ كالختان للذكور، والاستحباب؛ كاستخدام السواك أو ما يقوم مقامه لنظافة الأسنان، وفي ذلك اتباع لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث أن دين الإسلام دين الجمال، والمسلم لا بد أن يكون حَسَن المنظر، جميل الشَّكْل، نظيف البدن كما أمره الله بذلك.
بيان سنن الفطرة والحث على مراعاتها
وقد حرص الإسلام على أن يكون الإنسان جميلًا نظيفًا، فالمولى سبحانه وتعالى كرَّم الإنسان على جميع المخلوقات، فخلقه في أحسن صورة، وأتم هيئة؛ حيث يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الانفطار: 7]، ويقول سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4].
وشأن المسلم أن يكون جميلًا في ظاهره وباطنه، في خَلْقِه وخُلُقه، فجمال الخُلُق هو: أن يلتزم بهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يقتدي به في جميع أقواله وأفعاله؛ فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ».
وجمال الخَلْق هو أن يكون المسلم حَسَن الهيئة، نظيف البدن؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» رواه مسلم في "صحيحه".
الأحاديث الواردة في بيان سنن الفطرة
مما ورد من الأحاديث في سنن الفطرة: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ».
والاستحداد، أي: حَلْق العانة، والمقصود بالختان في الحديث ختان الصبي الذَّكَر. "شرح النووي على صحيح مسلم" (3/ 148، ط. دار إحياء التراث العربي).
وأخرج الإمام مسلم أيضًا في "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» قال زكريا أحد رواة الحديث وهو: زكريا بن أبي زائدة قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
حكم الالتزام بسنن الفطرة في الشرع الشريف
نَصَّ الفقهاء على أنه ينبغي على المسلم أن يلتزم بسُنَن الفطرة، يقول الإمام البابرتي في "العناية شرح الهداية" (1/ 56– 57، ط. دار الفكر): [وقوله عليه الصلاة والسلام: «عشر من الفطرة»، أي: السُّنَّة، قيل خمس منها في الرأس وخمس في الجسد، فالتي في الرأس: الفرق، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب. والتي في الجسد: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والاستنجاء بالماء].
وقال الإمام القرافي في "الذخيرة" (13/ 279، ط. دار الغرب الإسلامي): [خمس من الفطرة تقليم الأظافر، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والاختتان ولا خلاف أن هذه ليست واجبة؛ ولأنه قطع جزء من الجسد؛ كقص الظفر وقال (ش): واجب وهو مقتضى قول سحنون؛ لقوله تعالى ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: 123]] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (1/ 284، ط. دار الفكر): [وأمَّا الفطرة فبكسر الفاء وأصلها الخلقة، قال الله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]، ... قلت: تفسير الفطرة هنا بالسنة هو الصواب ...، وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الفطرة عشرة» فمعناه: معظمها عشرة؛ كالحج عرفة، فإنها غير منحصرة في العشرة] اهـ.
ويقول أيضًا في "المجموع" (1/ 285): [وأَمَّا ذِكْر الختان في جملتها وهو واجب وباقيها سنة فغير ممتنع، فقد يقرن المختلفان؛ كقول الله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ﴾ [الأنعام: 141]، والأكل مباح والإيتاء واجب ... ونظائره في الكتاب والسنة كثيرة مشهورة].
ويقول الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 64، ط. مكتبة القاهرة): [والاستحداد: حَلْق العانة، وهو مستحب؛ لأنَّه من الفطرة، ويفحش بتركه، فاستحبت إزالته، وبأي شيء أزاله صاحبه فلا بأس؛ لأن المقصود إزالته].