لجريدة عمان:
2024-11-19@23:18:36 GMT

هل تواجه الصين عقدا اقتصاديا ضائعا ؟

تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT

في حديث له مؤخرا قال كبير الاقتصاديين بمعهد نامورا للأبحاث ريتشارد كو: «منذ انفجار فقاعة العقارات السكنية في الصين ظللت أتلقى أطنانا من المكالمات من الصحفيين والاقتصاديين والمستثمرين وأحيانا واضعي السياسات الصينيين يطلبون فيها الإجابة عن السؤال التالي: هل نحن نمضي في طريق اليابان؟» من الجيد اختيار ريتشارد كو لطرح هذا السؤال.

فقد كرس الرجل حياته المهنية لدراسة العواقب التي تترتب عن الإفراط في التمويل. عندما تعثر تعافي الاقتصاد الأمريكي من حرب الخليج الأولى في عام 1991 بدأ القلق يساور رئيسه وقتها إدوارد فريدل ببنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك من الإفراط في الدين والعقارات السكنية. كان ذلك في نظر فريدل «يغذي نزعة اقتصادية ومالية محافظة ومتفشية وسط الشركات والمستهلكين.» فالطلب على الائتمان انخفض؛ لأن الشركات «كانت توجه جهودها نحو إعادة هيكلة ميزانياتها». لوصف هذه الضغوط والتوترات صاغ ريتشارد كو مصطلح انكماش ميزانيات الشركات والعائلات. (يحدث هذا الانكماش أو balance sheet recession كما أسماه كو عندما لا تقترض الشركات والعائلات على الرغم من انخفاض أسعار الفائدة حتى إلى الصفر. بل تركز بدلا عن ذلك على ضبط ميزانياتها بسداد الدين. ويحدث هذا عادة عندما تتهاوى أسعار أصولها لكن تظل ديونها (خصومها) مرتفعة مما يهدد بإفلاسها. هذا الامتناع عن الاقتراض يقلل من الإنفاق على الاستهلاك والاستثمار وبالتالي يقلص الطلب وفي النهاية يبطئ نمو الاقتصاد -المترجم.) أدرك كو لاحقا أن اليابان كانت تعاني من الإفراط نفسه (الائتماني والعقاري) ولكن فقط على نحو أسوأ. فبعد انفجار فقاعة سوق الأسهم في عام 1989 هبطت أسعار أسهم الشركات اليابانية بنسبة 60% في أقل من ثلاثة أعوام. لقد تدنت أسعار العقارات لما يزيد عن عشرة أعوام. بل استمر انكماش (انخفاض) الأسعار ببعض المقاييس لفترة أطول. وحتى سعر عضوية أندية لعبة الجولف القابلة للتداول في البورصات المنظمة في اليابان تهاوت بنسبة 94%. ووجدت العديد من الشركات التي سبق أن اقترضت لشراء عقارات أو أسهم في شركات أخرى أنها مفلسة فنّيّا «معسرة» بأصول أقل في قيمتها من الخصوم. لكنها ظلت محتفظة بالسيولة وتحصيل إيرادات كافية لمقابلة الالتزامات القائمة. ومع التهديد الذي يواجه بقاءها حوّلت الشركات وجهة جهودها من تعظيم الربح إلى تقليل الدّين، بحسب تعبير كو. في الاقتصاد المعافَى تستخدم الشركاتُ الأموالَ التي توفرها العائلات والمدخرون الآخرون وتستثمرها في تنمية أعمالها. لكن في اليابان بعد انفجار الفقاعة بدت الأمور مختلفة. فبدلا من جمع الأموال شرع قطاع الشركات في تسديد الديون ومراكمة المطلوبات المالية الخاصة به. وتحول عجزه المالي التقليدي إلى فائض مالي مزمن. فقدان المبادرة والابتكار وسط قطاع الشركات حرم الاقتصاد من طلبٍ تشتد الحاجة إليه ومن حيوية ريادة الأعمال وحكم عليه بعقد أو عقدين من انكماش الأسعار. إذن هل ستسلك الصين طريق اليابان؟ قياسا إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين راكمت الشركات الصينية ديونا أكبر مما فعلت شركات اليابان في حقبة فقاعتها. وبدأت أسعار المساكن في الصين في الهبوط مما يلحق الضرر بميزانيات العائلات والشركات العقارية. وتباطأ نمو الائتمان بشدة على الرغم من تخفيضات أسعار الفائدة. وتظهر إحصائيات تدفق الأموال انخفاضا في العجز المالي للشركات المالية في السنوات الأخيرة. (إحصائيات تدفق الأموال تتعقب حركة الأموال داخل الاقتصاد الوطني وتقدم معلومات تفصيلية عن كيفية تخصيص وتحويل واستخدام الأموال بين مختلف قطاعاته كالعائلات والشركات والحكومة والتمويل- المترجم.) لكن ريتشارد كو يعتقد أن الصين دخلت سلفا في انكماش ميزانيات العائلات والشركات. أضف إلى ذلك التدهور الديموغرافي (تناقص أعداد السكان) والعداء الأمريكي وسيكون من اليسير الإحساس بأجواء الكآبة.

هل تمضي الصين في طريق اليابان؟ ستكون محظوظة إن لم تفعل ذلك.

لكن إذا دققنا النظر سنجد أن الأدلة غير قاطعة في هذا الصدد. فجزء كبير من الدين الذي استدانته شركات الصين تدين به شركات حكومية ستواصل الاقتراض والإنفاق بدعم من البنوك المملوكة للدولة إذا احتاج واضعو السياسات في الصين إلى ذلك. أما في أوساط الشركات الخاصة فالدَّين يتركز في سجلات شركات التطوير العقاري التي تقلل من ديونها المطلوبة منها وتقلص الاستثمار في المشروعات الإسكانية الجديدة. لكن في مواجهة هبوط أسعار العقارات وضعف مبيعات المساكن حتى المطورين العقاريين الذين يتمتعون بميزانيات متينة سيفعلون الشيء نفسه. نهاية الازدهار العقاري في الصين جعلت العائلات أقل ثراء. ومن المحتمل أن هذا الوضع دفعها إلى التحفظ في الإنفاق. صحيح أيضا العائلات سددت قروضها العقارية مبكرا في الشهور الأخيرة وأسهمت بذلك في التباطؤ الحاد في نمو الائتمان. لكن المسوحات توضح انخفاض ديونها بالنسبة إلى أصولها. لقد كان سداد رهوناتها العقارية استجابة رشيدة لأسعار الفائدة المتغيرة وليس مؤشرا على ضغوط ميزانياتها (ضعف أوضاعها المالية). فعندما تهبط أسعار الفائدة في الصين لا يمكن للعائلات إعادة تمويل قروضها العقارية بسهولة عند أسعار فائدة أقل. لذلك من المعقول بالنسبة لها سداد القروض القديمة والأكثر تكلفة نسبيا حتى إذا كان ذلك يعني التخلص من استثماراتها التي تدرُّ الآن عائدات أقل. وماذا بشأن التغير في سلوك الشركات الذي كشفت عنه إحصائيات تدفق الأموال في الصين؟ فهذه الإحصائيات تبين تحولها إلى تحقيق فائض مالي (بمعنى تكديسها المزيد من الأصول المالية بدلا عن استثمارها أو إنفاقها). تشير شاوشينج بي وزملاؤها ببنك أوف أمريكا إلى أن هذا التقليص في الفجوة بين الفائض والعجز الماليين وراءه إلى حد كبير الحملة على بنوك الظل. فعندما تُستبعد المؤسسات المالية يظل طلب قطاع الشركات على الأموال من باقي الاقتصاد قائما. والشركات الصينية لم تتحول بشكل جماعي من تعظيم الأرباح إلى تقليل الديون. إنه ذلك التحول الانهزامي الذي فرض على اليابان انكماش الأسعار طوال عشرة أعوام.

دروس يابانية

تُبيِّن هذه الاختلافات أن الصين ليست بعد في حالة انكماش شبيه بانكماش اليابان. وريتشارد كو نفسه حريص على تأكيد اختلاف واحد «ضخم» بين البلدين. فعندما كانت اليابان تسقط في قبضة انكماش ميزانيات الوحدات العائلية والشركات لم يكن أي أحد هناك يعرف اسما لهذه المشكلة أو فكرة عن كيفية التصدي لها. لكن اليوم، يقول ريتشارد كو: العديد من خبراء الاقتصاد الصينيين يدرسون أفكاره. الوصفة العلاجية التي يقدمها الرجل واضحة ومباشرة. فإذا لم تقترض العائلات والشركات وتنفق حتى عند أسعار فائدة منخفضة على الحكومة حينئذ أن تفعل ذلك بدلا عنهما. ويجب أن تعادل العجوزاتُ المالية الحكومية الفوائضَ المالية للقطاع الخاص إلى حين إصلاح ميزانياته تماما. يقول كو: إذا حصل زعيم الصين شي على النصيحة الصحيحة يمكنه حل المشكلة في 20 دقيقة. لسوء الحظ رد فعل المسؤولين الصينيين حتى الآن بطيء جدا. وعجز الموازنة العامة في الصين الذي يتم تعريفه بشكل أوسع لكي يشمل مختلف أنواع اقتراض الحكومات المحلية أصبح أقل هذا العام مما فاقم من انخفاض النشاط الاقتصادي (انخفاض عجز الموازنة العامة أو الحكومية يفاقم التدهور الاقتصادي الذي قد يتسبب فيه إحجام العائلات والشركات عن الاقتراض وتفضيل سداد ديونها بدلا عن ذلك، حسب تحليل ريتشارد كو - المترجم). لدى الحكومة المركزية في الصين مجال لاقتراض المزيد. لكن يبدو أنها مترددة وتفضل الانتظار. هذا خطأ. فإذا تأخرت الحكومة في الإنفاق ربما سيلزمها إنفاق المزيد لاحقا. وللمفارقة، تخاطر الصين بالدخول في تدهور اقتصادي طويل الأمد ليس لأن القطاع الخاص عازم على تحسين ميزانياته ولكن لأن الحكومة غير راغبة في تحمُّل مخاطر مالية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أسعار الفائدة فی الصین بدلا عن

إقرأ أيضاً:

الترفيه رافداً اقتصادياً داعماً (2ــ 2 )

أواصل من خلال هذا المقال استكمال مقالي السابق عن ” الترفيه رافداً اقتصادياً داعماً”، وحيثيات النجاحات الكبيرة التي حققتها مواسم الترفيه في الرياض وجدة من خلال إحصاءات وأرقام كبيرة في عدد الزوار والدخل، ما يعكس التفاعل الكبير مع هذه المواسم وما تقدمه من فعاليات استثنائية، سواء من المواطنين أو الوافدين الذين يقبلون على المملكة لحضور هذه المناسبات، وكان آخر هذه المواسم ـ موسم الرياض ـ الذي وصل عدد زواره منذ انطلاق فعالياته أواخر الشهر الماضي إلى (17) مليون زائر في جميع مناطقه، التي تمتلئ بأنواع الترفيه وخيارات متعددة في مجالات الألعاب والتسوق والمهرجانات والمعارض ، وتعمل الهيئة على تعزيز حضورها في خريطة الترفيه العالمية عبر تنظيم وتطوير قطاع الترفيه وتوفير أنشطة ترفيهية نوعية ومستدامة، وسرني كثيرا البيانات والإحصاءات الموثقة التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء عن قطاع الترفيه على موقعها الرسمي ، وفندتها جريدة الرياض باستفاضة من خلال دراسة متميزة بعددها الأسبوعي الصادر صباح الجمعة الماضية 6 جمادى الأولى 1446هـ الموافق 8 نوفمبر 2024 وأفردت الخبر بالصفحة الأولى على ثمانية أعمدة والصفحة الرابعة بالكامل بإلقاء الضوء على قطاع الترفيه ، والدور الريادي لموسم الرياض في تحقيق جملة من المنجزات، وجاء فيها أن المتابعين لتفاصيل قطاع الترفيه في المملكة يؤكدون أنه تحوّل بفضل رؤية 2030 من قطاع موسمي إلى قطاع مستدام، محدثًا أثرًا اقتصاديًّا إيجابيًّا بصورة مباشرة وغير مباشرة على جميع قطاعات الاقتصاد الوطني، وجاء تقرير الربع الثالث للهيئة لعام 2024 ليظهر بوضوح النجاحات الكبرى المحققة بإقامتها (536) فعالية في مختلف مناطق المملكة، بإجمالي حضور 8.3 ملايين زائر ــ كما ارتفعت عدد طلبات التراخيص خلال الفترة إلى (9) آلاف ترخيص، ممّا يشير إلى نمو بنسبة 20 في المئة، مقارنة بالربع الماضي، حيث بلغ عدد الطلبات 7498 طلبًا، وأفاد التقرير بأن عدد التراخيص الصادرة بلغ (1827) ترخيصًا في الربع الثالث، بزيادة نسبتها 5.7 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وشملت هذه التراخيص الفعاليات الترفيهية (481) ترخيصًا، والعروض الترفيهية (412) ترخيصاً ، والعروض الحية في المطاعم والمقاهي (567) ترخيصًا، إضافة إلى (82) ترخيصًا لتنظيم وإدارة الحشودــ كما سجلت الهيئة (5225) شركة تعمل في القطاع الترفيهي، وارتفع عدد المدن الترفيهية المرخصة إلى (106) مدن ، وقامت الهيئة العامة للترفيه برفع جودة الخيارات الترفيهية، وذلك لضمان الحصول على أنشطة ترفيهية ذات مستوى احترافي ، وتسهم مسرّعة أعمال أنشطة الترفيه التي تم تأسيسها مؤخراً، في تحقيق مستهدفات جودة الحياة ورؤية السعودية 2030، عبر تأهيل رواد الأعمال وتمكينهم، بما يضمن نمو فرص الاستثمار في قطاع الترفيه ليكون رافداً اقتصادياً يحقق التنوع الاقتصادي المأمول.
هنيئا لمملكتنا الحبيبة كل هذه النجاحات والإنجازات ، وسنقولها بثقة واقتدار دوما:” نحلم ونحقق “.

مقالات مشابهة

  • الترفيه رافداً اقتصادياً داعماً (2ــ 2 )
  • منتخب اليابان يواصل عروضه القوية ويسحق الصين في تصفيات آسيا
  • اليابان تفوز على الصين بثلاثية .. فيديو
  • ارتفاع أسعار الألمنيوم مع تزايد القلق بشأن إمدادات العالم بعد تعديل الصين للضرائب
  • أسعار النفط ترتفع بدعم إقبال على المخاطرة وسط مخاوف الطلب في الصين
  • ‎نيمار يوقع عقداً رسمياً بقيمة 200 مليون
  • الصين.. ارتفاع الطلب على "الليثيوم" يُعزز الأسعار المحلية وسط فائض عالمي مستمر
  • ارتفاع الدولار مقابل الين مع توقعات رفع أسعار الفائدة في اليابان
  • إعلام العدو: آلاف الشركات الصهيونية تضررت اقتصادياً بسبب التشويش على (GPS)
  • محافظ كفر الشيخ يسلم 11 عقدا للمستفيدين من تقنين أراضي أملاك الدولة