عربي21:
2024-11-16@13:22:45 GMT

اختلاف اللغة

تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT

ما المقصود باللغة؟

اختلاف اللغة ليس تسمية الأسد بـ"Lion"، فهذا اختلاف لا يغير من ماهية المُسَمَّى، ما أعنيه من اللغة هو طريقة التفكير، التي تختلف بين الشعوب وفق التربية الأساسية والجهاز المعرفي بمعاني المصطلحات ودرجة حساسية القيم والتي تقاد بركيزة البناء التصوري والفكري في تعريف السلوك والأشياء.

سبب اختلاف اللغة:

اختلاف اللغة سيدير حوار الطرشان في التعامل بين البشرية والثقافات وبالتالي يعادي الناس ويحتقر بعضهم بعضا جراء انطباعات، ولعل تباين الناس في التطور المدني وهو ما يحصل حتى في الشعب الواحد؛ يبرز سوء التفاهم أمام معرفة الحقيقة وانتقالها وهي مسألة حضارية فكرية تتفاعل مع محاولة الإنسان تبسيط الأشياء لفهمها بإيجاد فكرة واحدة أو سبب واحد ونتيجة واحدة، وهذا ضد سنن الكون الذي تتضافر في تكوينه وديمومته عوامل عدة لكنها تتفاعل وفق قانون ونظام إلهي يسيّر العالم، بل الأرض واستمرار وجودها.



جدلية الاختلاف:

الاختلاف أساسا يفهمه البعض من سنن الكون لكن الآيات تشير إلى أن التفكير هو السنة الكونية تخرج الاختلاف كوسيلة إيجابية للتصويب ولإثارة الإبداع عند الآدمية وتوليد الأفكار، بيد أن فهم الإنسان يحتاج إلى أن يتسع ليستوعب وليس أن يذهب إلى الأحادية، ومن أهم العوامل التي تُحدث التباين بين الشعوب هي الإسقاطات التاريخية وكيفية معالجة إخفاقات ومطبات التاريخ بالمنظومة المعرفية التي تحولت اليوم إلى جهاز آلي معرفي لا تجري فيه عملية إعادة التغذية بكفاءة، مع تصوره أنه امتلك الحقيقة بينما البيئة التي أنشأت الفكرة والسلوك مختلفة.

كذلك طريق التفكير، فمنهم من تنشط منظومته العقلية لتكون أكثر قربا من الحقيقة، ومنهم من تنشط لتبتعد عن الحقيقة، فالعملية الفكرية هي الأساس في تفسير الأحداث وفي حل الإشكاليات والمعترضات، وهي أساس الخلق ومن فرّق في النتائج من بدء الخليقة وصراع قابيل مع افتراضاته كما يفعل الذين يديرهم هواهم في الشرق والغرب، والنتيجة أن هابيل الضحية ويفشل قابيل مع الندم.

"وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ* إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ".. لو تأملنا في هاتين الآيتين لوجدنا أن الاختلاف من نواتج التفكير، وسبب تطور المدنية والعمران وتلاقح الأفكار والوصول إلى مقاربات الحقيقة، فالحياة في الأرض امتحان لمنظومة الإنسان العقلية، والله خلق الناس ليفكروا فمنهم منظومة فاشلة لها منطقها ومنهم منظومة ناجحة لها منطقها، هي مخرجات تقود السلوك ولا تتشابه بين الأفراد أنفسهم لهذا تُخضع بقوانين وسلطة، وما نجده اليوم تماما كتغلّب قابيل على هابيل المسالم، وطغيان المنظومة العقلية الفاشلة على العالم، وقلة من الناس متمسكون برحمة الله وربما ضحايا لهذا الطغيان كهابيل، فمحاولة أي شخص أو فكر أو رؤية أن يجعل الناس مثله فهذا تخلّف وفشل في المنظومة العقلية وتخالف "لتعارفوا" والتي تدعو للتفاهم والاتفاق على الإعمار لا الهدم والفوضى التي نراها بوضوح في عصرنا.

كلما ابتدع الغرب وسيلة أجبر الدين على التماهي معها، فهذا اختراق له سوابق تاريخية والتماهي ممكن كما تماهى مع قسطنطين في العقيدة، وخضع لسلطة الحداثة، يتماهى في قبول حالة كالشواذ وكأنها صحيحة وربما يصل الأمر أن يُكفَّر ويُقتل من يخالف هذا لاحقا كما كُفّر وحورب قسطنطين نفسه من رجال الكنيسة التي صنعها عندما أصبحت هنالك مصالح أقوى من اتّباع قسطنطين ومن حمل فكره بعد فهمه للأصل.

كما نرى هذا فهم لإسقاط تاريخي قد يكون هنالك غيره، كذلك مجمل الإسقاطات التي تولدت منها أفكار الغرب الحالية التي جاءت بردود الفعل وافتراض حالات لا معنى لها ومصطلحات فارغة لا واقع لها وفرضها على العالم.. عملية الفرض هذه أشد حالات التعصب لـ"ديانات ضد الدين" التي تنبثق عن أفكار علمانية وليبرالية وتحاول تطويع الأديان المنزّلة على الرسل لأفكارها، وليس للتفاهم وقبول الخصوصيات، وكما كانوا ينشرون ما يرون من حقوق الطفل مثلا، نجدهم اليوم يلغون حق الطفل والأسرة وكل ما يعترض نشر الشذوذ وإشاعته، وإجبار الكنيسة على التماهي وعقد عقود لا معنى لها. ومن هنا فهم بعض المفكرين المسيحيين أن محافظة المسيحية على بنيانها هي نتيجة ثبات الثقافة للمجتمع الإسلامي المتين بنيويا الذي لا يتأثر بجغرافيا أو نظام سياسي والأديان في نسيجه فتجدهم دعاة لقيام النظام الإسلامي بفهم ووضوح أكثر من اغلب المسلمين.

يفترض الغرب أن ما يتبناه يجب أن يهيمن على العالم رغم أنه مقحَم وشاذ وليس صحيحا وغير مثبت لا علميا ولا اجتماعيا إلا من باب الطغيان، وهذا أمام حقائق كونية وسنن هو منتهى التخلف وأحادية النظرة ونموذج لفشل المنظومة العقلية الآدمية عند هؤلاء الذين يشيعون الدمار والفساد في الأرض، فإن تبنوا لاحقا ضد ما يتبنون الآن فعلى العالم أن يتبناه كذلك والا سيتعرض للعقوبات والتدمير، ولا يهم إن كان ما يعرضه هو ضد دين ، بل يجب أن يخضع الدين له، وهذا لفاعلية الغرائز كالسيادة وأحادية النظرة، وهم اليوم يستغلون بعض المأزومين من الأديان الأخرى لمهاجمة الإسلام مستغلين جهلهم بأنهم يهدمون حماية وجود دينهم في الشرق ويتحولون مِن "لَكُمُ دِيْنُكُمْ" إلى حالة الغرب دين تابع لنزوات القيم المهيمنة.

إننا إذن نعاني من اختلاف اللغة ولو تأملنا سنجد مشاكلنا جراء هذا الاختلاف، فطريق التفكير مختلفة والخطورة في إجبار الآخرين على قبول التفاهة والهراء بما تطورت إليه فكرة الليبرالية، والمتغلب اليوم هي المدنية، لهذا سيُنظر للآخر الجاهل والعالم أنه متخلف ويحتاج أن يتبع سبل الغربيين الضالة وفرضياتهم غير المثبتة وإجبار الناس عليها، وإعانتهم أو الاستسلام لهم تحيل الصالح إلى مجرم لأن مواصفات الليبرالية لطالما تم التخلي عنها حسب الظرف وهي اليوم مقلوبة.

"فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ".. إلى قوله تعالى: ".. فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ* وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ".

إذاً، الاستقامة وعدم الطغيان أو الاعتداء على أحد وليس كما يفعل المتطرفون الذين لا يفهمون معنى الأمر بالمعروف، وليس الحل بأن تضعف وتتبع هؤلاء "القابيلين" لأن إنابتهم بصمودك وإن كنت الضحية. الإنسان ليس ملاكا فاستعادة توازنه بالبقاء مع الله بارتباطه ودعائه في صلاته، والصبر هو في هكذا أمر، أي المطاولة والثبات على الحق والإحسان في مقاومة الباطل وتفنيده له أجره، لأنه بضعف الدعاة العارفين والثابتين على الحق فإن الفساد سيعم وهو ما نراه من تقدم وصلافة وإشهار للفساد واضطهاد للصلاح والصالحين.

ما سنراه قريبا من فوضى الحياة التي ولدتها فوضى الأفكار لا بد أن نعرف أنها لغياب الصلاح، ورأينا فعلا كم من مدن كانت تزعم الصلاح ولا تعمل به قد دُمرت، ولكن هل من متعظ! فإن هذا ليس إلا تنبيها لمن ألقى السمع وهو شهيد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات اللغة الاختلاف الفكرة الحضارة الفكر اللغة الاختلاف مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على العالم التی ت

إقرأ أيضاً:

اليوم.. عرض عربي أول لفيلم "غزة التي تطل على البحر" بمهرجان القاهرة السينمائي

يشهد اليوم، العرض العربي الأول للفيلم "غزة التي تطل على البحر" ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، والتي تقام ضمن فعاليات الدورة الـ 45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

فيلم "غزة التي تطل على البحر" وثائقي، تدور أحداثه في قلب قطاع غزة ينتقل ٤ رجال عبر مسارات متباينة سعيا وراء تعريفاتهم الخاصة بالنجوم وتتشابك مصائرهم وسط تعقيدات الحياة والحب والبقاء وبينما تتكشف أحداث الفيلم ينغمز المشاهدون في الحياة اليومية لهؤلاء الرجال ومراقبة انغماسهم في روتين حياتهم جنبا إلى جنب مع عائلاتهم فب مدينتهم الحبيبة.

ينطلق عرض الفيلم الذي تبلغ مدته 82 دقيقة، في تمام الساعة السادسة مساءً، بالمسرح الصغير في دار الأوبرا المصرية، وهو من إخراج محمود نبيل أحمد.

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

وتستمر فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي حتى يوم 22 نوفمبر الجاري، بمشاركة 190 فيلمًا من 72 دولة بالإضافة لحلقتين تلفزيونتين، وتشمل الفعاليات 16 عرضًا للسجادة الحمراء، و37 عرضًا عالميًا أول، و8 عروض دولية أولى، و119 عرضًا لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، هو أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي وأفريقيا وينفرد بكونه المهرجان الوحيد في المنطقة العربية والأفريقية المسجل ضمن الفئة A في الاتحاد الدولي للمنتجين بباريس "FIAPF".

مقالات مشابهة

  • مهاجمو الطوفان على اختلاف اتجاهاتهم.. ما دوافعهم وبماذا يطالبون المقاومة؟
  • اللغة التي يفهمها ترامب
  • لقد تبين أن التعايش مع الدعم السريع خطأ، وأنهم إن تركوك اليوم سيغدرون بك غدا أو بعده
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: اختراعان استعماريان باقيان
  • مزور: النفايات التي ننتجها غير كافية للصناعة و العالم كيضارب عليها
  • اليوم.. عرض عربي أول لفيلم "غزة التي تطل على البحر" بمهرجان القاهرة السينمائي
  • عرض فيلم «غزة التي تطل على البحر» في مهرجان القاهرة السينمائي اليوم
  • الإعلامية هبة جلال: مصر تواجه حملات تشويه من الغرب حول حقوق الإنسان
  • احداها بروتوكولية.. سياسي يحدد حجم الاختلاف بين زيارتي السوداني إلى أربيل والسليمانية
  • تبسة.. حجز 3360 من المؤثرات العقلية في عمليتين منفصلتين