المشاجرات الطلابية سلوكيات عدوانية تقود إلى المساءلة القانونية
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
وضع برامج وأنشطة مفيدة للطلبة وقت الاستراحة لشغلهم عن التجمع -
ضبط سلوك الطالب المعتدي ودراسة الأسباب المؤدية لظهور«التنمر» -
وقائع وأحداث نشهدها في كل عام في المدارس من مشاجرات طلابية وتنمر سواء كان لفظيا أو جسديا، وتفشت بشكل مخيف بين الطلبة في ساحات المدارس ووقت الفسحة وما بين الحصص، وأشار أولياء الأمور إلى أن المشاجرات الطلابية تسفر عن أضرار وأذى بليغ لقلة الوعي والمعرفة السلوكية في المحيط المدرسي، وأوضح محامون أن هذه السلوكيات السلبية قد توقِع مرتكبيها تحت طائلة القانون الجزائي من خلال تفردها الخاص بالتدابير العقابية التي تطبق عليهم بهدف الردع والزجر والتأهيل.
ويقول زياد بن طارق الحوسني: من المؤسف أن نرى اعتداءات بعض الطلبة على بعضهم بالقسوة والحدة وقد يسفر عنها إصابات بليغة، مما يولد الأثر النفسي للمعتدى عليه أمام زملائه بإحساس الضعف والإهانة وفقدان القدرة على الدفاع عن نفسه، وقد يؤدي ذلك إلى تغيبه عن المدرسة حتى لا يواجه من شهدوا على الاعتداء عليه.
ويعلق راشد بن حمود الريامي: مشكلة المشاجرات للأسف تحدث سنويا في مدارس الطلبة ولا حلول جذرية لذلك الأمر، وعادة تنجم عن المشاجرات أضرار وأذى بليغ، مضيفا: لا أنكر دور المدرسة في ضبط سلوك الطلبة ووضع لائحة تتضمن ضوابط حسن السيرة والسلوك، ولكن من الأفضل وضع برامج وأنشطة مفيدة للطلاب وقت الاستراحة لشغلهم عن التجمع والتشاجر.
من جهته قال نصر بن منذر الكندي: للأسف تشهد ساحات الفصول أو الساحات الخارجية عند أبواب المدارس أثناء خروج الطلبة أو في الحافلات المدرسية مشاجرات واعتداءات سواء كانت لفظية أو جسدية، ويرجع ذلك لقلة الوعي ومعرفة الطلبة بواجباتهم السلوكية في المحيط المدرسي إلى ضعف أو غياب الإشراف اليومي واشتغال المناوبين في أعمال أخرى، إلى جانب الشللية ورفقاء السوء والتجمعات المخالفة بين الطلاب.
تقول لبنى بنت سليمان البلوشية: ابني كثير ما يتعرض للتنمر المدرسي مثل الشتائم والاستهزاء ولا توجد أي أسباب فعلية على الإطلاق تسوغ ذلك، الأمر الذي بات يتطلب معالجة ومتابعة تتشارك في مسؤوليتها كل من المدرسة والبيت من أجل المحافظة على بيئة مدرسية آمنة وجذابة.
سلوكيات سلبية
ويشير الطالب هيثم بن علي الحارثي إلى أن المشاجرات بين الطلبة تحدث عادة بسبب الفتن، وتحدث في الأماكن التي لا توجد بها الهيئة التعليمية، وإذا حدثت في ساحة المدرسة أو الفصل يتم التدخل لفك المشاجرة من قبل الأساتذة، لكن للأسف التنمر هو ما يولد الفتن وإثارة الغضب بين الطلبة.
ويتساءل الطالب إلياس بن ماجد العامري: عن التصرفات غير اللائقة من بعض الطلبة في تصوير بعض المشاجرات بين شخصين بدلا من محاولة فكها، وعلو ضحكات الزملاء وتشجعيهم على استمرار المشاجرة والسخرية، مما يغرس الحقد والكراهية بينهم.
صراعات نفسية
وعن الأثر النفسي الذي قد يعترض المعتدي عليه قالت فاطمة بنت سعيد الزعابية باحثة تربوية: لابد من تمكين الطالب المعتدي لتجاوز التجربة السيئة التي مر بها وإعلامه أن أسباب السلوك التنمري تعود عن تجربة يمر بها المتنمر نفسه فينقل السلوك الذي يتعرض له لأشخاص آخرين ومن الأسباب كذلك عدم ثقة المتنمر بنفسه مما يدخله في صراعات نفسية ينتج عنها تنفيسا خاطئا للمشاعر في صورة مشكلات سلوكية مع الآخرين والاعتداء عليهم، مشيرة إلى أن المتنمر لا يجيد بناء العلاقات الاجتماعية فيتخذ هذا الأسلوب، ومن هنا فمعرفة المعتدى عليه لأسباب سلوك الشخص المتنمر تساعده كثيرا في تخطي المشكلة وذلك حتى لا يربطها بذاته أو شخصه.
خطة تعديل السلوك
ومن طرق تجاوز الحالة النفسية للمعتدى عليه أوضحت الباحثة التربوية: يجب إتاحة المساحة الكافية له للتعبير عن نفسه ومشكلته بالطريقة الصحية المناسبة، ومشاركته مواقف لأشخاص آخرين تعرضوا وكيف تم حل المشكلة، بالإضافة إلى مشاورته ومناقشته لوضع الحلول المناسبة حتى يزيد ثقته بنفسه وإقناعه بالتحدث عن المشكلة وعدم الخجل منها وتزويده بأساليب للإبلاغ والتصرف في الموقف وتعليمه فنون الدفاع عن النفس لزيادة ثقته النفسية.
وأضافت: كما لابد من ضبط سلوك الطالب الذي يعتدي ودراسة الأسباب المؤدية لظهور سلوك التنمر لديه والتعرف على محيطه وهل يتعرض لاعتداء فيظهر في سلوكه في بيئات أخرى، ويجب معرفة أصدقائه وهل يشجعونه على التنمر لأسبابهم الخاصة والتعرف على المحفزات التي تساعد على إدارة سلوكه بالإضافة إلى إلحاقه بدورات لضبط السلوك والمشاعر والذكاء الاجتماعي وخصوصا إذا كان لا يجيد بناء العلاقات الاجتماعية، ومن المهم بناء خطة تعديل السلوك وفقا لمعطيات تم تناولها عن الطالب من محيطه وسماته وسلوكه وتنفيذها سواء بعقد اتفاق معه أو توظيف أنواع المعززات المختلفة والتي قد تشمل سحب المثير الإيجابي الذي يحبه فيضطر لإيقاف مثل هذا السلوكيات.
التنشئة الأسرية
وعن كيفية تعامل القانون مع السلوكيات التي تكون ناتجة من الطلبة وهم في مراحلهم الدراسية يشير أحمد بن خلفان الذهلي محام ومستشار قانوني: إلى أن السلوكيات التي تصدر من بعض الطلبة غالبا ما تكون لها أسباب اجتماعية وأحد أسبابها التنشئة الأسرية التي قد تؤدي إلى انحراف الطلبة عن المسار السليم والقويم، ونتاج هذا الانحراف هو ما يدخلهم تحت طائلة المسؤولية القانونية التي تستوجب الردع والزجر بهدف الإصلاح والرعاية.
مضيفا: أن سلطنة عمان كغيرها من الدول التي وضعت أنظمة ونطاقا قانونيا معينا يستوجب اتباعه عند ظهور مثل تلك الحالات، فكما هو معلوم بأن تلك السلوكيات السلبية غالبا ما تصدر من فئة عمرية محددة من عمر التاسعة وحتى الثامنة عشرة، وقد صدر قانون مسائلة الأحداث العُماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٣٠/٢٠٠٨) حينما عرّف الحدث بأنه «كل ذكر وأنثى لم يكمل الثامنة عشرة من عمره “ ويفهم من ذلك بأن القانون العماني قد أدخل تلك الفئة عند المسائلة القانونية تحت ظل مصطلح الحدث وقد حدد مصطلح آخر وهو الحدث الجانح وتحديدا المادة (١) من القانون ذاته وعرفه بأنه “ كل من بلغ التاسعة ولم يكمل الثامنة عشرة وارتكب فعلا يعاقب عليه القانون “ أي بمعنى أن الأفعال التي نص عليها قانون الجزاء العماني والتي ترتكبها تلك الفئة، وهنا نعود إلى الغاية التي أرادها المشرع العماني عندما حدد لها تنظيما خاصا حماية ورعاية لهم، ونرى من وجهة نظرنا أن الهدف الأسمى للمشرع ضمان عدم التأثير على مستقبل الحدث الجانح المهني والنفسي وغيرها من التأثيرات، وهذا ما نلتمسه من غاية المشرع العماني عندما حدد نصوصا قانونية خاصة في التعامل مع مرتكبي تلك السلوكيات السلبية التي قاموا بها والتي تدخلهم تحت طائلة القانون الجزائي من خلال تفردها الخاص بالتدابير العقابية التي تطبق عليهم بهدف الردع والزجر والتأهيل.
محاكم خاصة
وبيّن المحامي أحمد: أن قانون مسائلة الأحداث العماني جاء بتحديد دائرة تتولى شؤون الأحداث ومتابعتهم وتقديم تقارير دورية عنهم وأن يكون هناك مراقب اجتماعي خاص بهم يتابع حالاتهم، كما جاء القانون بتحديد وحدة شرطة للأحداث تكون خاصة بجمع الاستدلالات الخاصة بقضايا الأحداث وضبط الجانحين منهم، ومن مهامها القيام بالتحقيق ورفع الدعوى العمومية فيما يتعلق بالجانحين وهذا وفق ما جاء في نصوص المواد (٤،٥،٦،٧) من القانون ذاته، كما أن القانون حدد محاكم خاصة تكون مختصة بنظر قضايا الأحداث وذلك بأن حدد محاكم خاصة في مسقط وصحار وإبراء وعبري وصلالة ونزوى تُنظر بها الدعاوى العمومية المرتكبة من قبلهم وفق ما جاء بنص المادة (٣٤) وقد شدد القانون بأن تكون محاكمتهم سرية وليست علنية ولا يجوز نشر أسمائهم كما لا تنشر أحكامهم في صحيفة السوابق الجرمية، وقد وضع القانون عددا من التدابير والعقوبات التي يتم تطبيقها على الحدث الجانح فقد نص على أن تكون هناك تدابير رعاية كتسليم الحدث إلى من هو مشهود لهم بالأخلاق الحميدة وحسن الرعاية، وإلى التوبيخ ومنع الحدث من ارتياد أماكن معينة أو منعه من القيام بعمل معين، وقد نص أيضا على تدابير إصلاحية كالإيداع في دار الإصلاح أو وضعه تحت الاختبار القضائي أو إلحاقه بتدبير مهني معين أو إلزامه بواجبات معينة أو إيداعه في مؤسسة صحية وهذا ما قد نصت عليه المواد (١٥،٢٠) من القانون ذاته.
أبرز القضايا
وأوضح الذهلي تناول المحاكم العديد من قضايا الأحداث كالقتل والإيذاء والتعدي على الغير بالسب والقذف وتعاطي المخدرات وحيازتها وغيرها من الجرائم التي نص عليها قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٧/٢٠١٨)، أما من حيث أبرز الدعاوى التي تشهدها المحاكم والتي تكون غالبا في التعدي على الغير بالضرب وتعاطي المخدرات وحيازتها، وهذا يعود غالبا للأسباب التي ذُكِرت سلفا بالإضافة إلى أن الدراسات الاجتماعية التي بحثت في هذا الشأن توصلت أن أحد أسباب انخراط الطلبة في تلك السلوكيات المؤدية للجرائم، هي التنشئة الأسرية وهنا ننبه إلى أنه يتوجب على أي رب أسرة الاهتمام ورعاية أبنائه الرعاية التي تجعل من أبنائه متحلين بالأخلاق الحميدة التي تجنبهم القيام بأي سلوك خاطئ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
مؤتمر العدالة لضحايا الإبادة الجماعية في غزة: محطة مفصلية في مسار المساءلة الدولية
لم يكن مؤتمر "العدالة لضحايا الإبادة الجماعية في غزة" الذي عقد في إسطنبول، في 8-9 شباط/ فبراير 2025، تحت رعاية اتحاد المحامين العرب ونقابة المحامين الأردنيين والتحالف القانوني الدولي من أجل فلسطين، مجرد لقاء حقوقي أو ندوة أكاديمية، بل كان حدثا نابضا بالحيوية والطاقة، حيث التقى خبراء قانونيون وأكاديميون وناشطون ميدانيون من 23 دولة تحت سقف واحد، في مشهد يعكس حجم الالتزام العالمي بمكافحة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
ولم يكن المشاركون في هذا المؤتمر مجرد متحدثين عابرين، بل كانوا شخصيات بارزة في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان، يتمتعون بسجل أكاديمي وحقوقي وميداني غني. فقد ضمّ المؤتمر قضاة ومحامين دوليين، وأكاديميين متخصصين في القانون الجنائي الدولي، ومدافعين حقوقيين، ونشطاء ميدانيين ممن كرسوا حياتهم لمكافحة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للضحايا.
من بين الدول البارزة التي شهدت حضورا فاعلا؛ البرازيل، وتشيلي، وجنوب إفريقيا، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وسويسرا، والنمسا، وبلجيكا، وبولندا، وإيطاليا، والأردن، والجزائر، ومصر، وتونس، والمغرب، وفلسطين، وهولندا، ولبنان، وإندونيسيا، وتركيا، والهند.
ومن بين الشخصيات البارزة التي شاركت في المؤتمر، كان لوزيرة خارجية جنوب أفريقيا السابق، د. غريس ناليدي باندور، حضور لافت، حيث أكدت في مداخلتها على التزام بلادها بملاحقة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، مشددة على أن هذه الخطوة ليست مجرد موقف سياسي، بل استجابة قانونية تستند إلى الأدلة والمواثيق الدولية التي تثبت ارتكاب جرائم إبادة ضد الشعب الفلسطيني. كما دعت إلى توسيع نطاق الدعم القانوني لهذه القضية على مستوى الدول والمنظمات الحقوقية الدولية.
إحساسٌ قوي بأن هذه القضية لا تزال تحمل زخما كبيرا، وأن الجهود الحقوقية يجب أن تتواصل بلا توقف. كانت الأجواء مفعمة بالتفاؤل، رغم إدراك الجميع للصعوبات والتحديات التي تواجه العمل القانوني الدولي
كما قدّمت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، مداخلة محورية حول دور المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة مرتكبي الجرائم في فلسطين، حيث شددت على أهمية المضي قدما في التحقيقات رغم الضغوط السياسية التي تحاول عرقلة العدالة. وأكدت أن ما يحدث في غزة يشكّل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي الإنساني، ويجب أن يُقابل بإجراءات قانونية صارمة تضمن محاسبة المسؤولين.
روح الحماس والإصرار على تحقيق العدالة
منذ اللحظة الأولى للمؤتمر، كان واضحا أن المشاركين لم يأتوا لمجرد تبادل الأفكار، بل حملوا معهم اندفاعا حقيقيا، وإصرارا صادقا على تقديم كل ما بوسعهم لدعم القضية الفلسطينية قانونيا وحقوقيا. لم تكن نقاشاتهم مجرد تحليلات نظرية، بل كانت مدفوعة بوعي عملي وتجارب ميدانية، تعكس خبرتهم العميقة وإيمانهم بضرورة التحرك القانوني الفعّال لمحاكمة مرتكبي الجرائم بحق الفلسطينيين.
ما لفت انتباهي أيضا حجم الإقبال والتفاعل من قبل المشاركين، حيث شهدت الجلسات حضورا مكثفا، ولم يكن هناك أي لحظة فتور أو تراجع في مستوى النقاش. كل مداخلة كانت تلقى اهتماما كبيرا، وكل قضية طُرحت للنقاش كانت تتبعها مداولات جادة، مما يعكس مستوى الاحترافية والالتزام لدى الحضور.
تنظيم متميز وإدارة احترافية
لا يمكن الحديث عن نجاح هذا المؤتمر دون الإشادة بحسن التنظيم الذي تميزت به الجهة المنظمة. فقد كان التنظيم مهنيا للغاية، بدءا من الاستقبال والتنسيق اللوجستي، مرورا بجداول الجلسات المحكمة زمنيا، وانتهاء بإدارة النقاشات بشكل يضمن استيعاب جميع وجهات النظر وإعطاء الفرصة لكل المشاركين للتعبير عن رؤاهم.
كان هناك اهتمام كبير براحة الضيوف وتوفير بيئة تفاعلية، حيث أُتيحت للمشاركين فرصة التواصل المباشر والتنسيق المستقبلي ضمن أجواء مريحة، مما جعل المؤتمر لا يقتصر فقط على كونه حدثا أكاديميا، بل منصة حقيقية لتوحيد الجهود الحقوقية الدولية.
برنامج متكامل وجلسات نقاش حيوية
افتُتح المؤتمر بكلمات ترحيبية قدمها كل من بروفيسور أحمد الخالدي، رئيس التحالف القانوني الدولي من أجل فلسطين، وياسين شاملي، رئيس نقابة المحامين الثانية في إسطنبول، وأ. ناصر كمال ناصر، الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب، وأ. يحيى أبو عبود، نقيب المحامين الأردنيين. وقد أكدوا جميعا على أهمية الجهد القانوني في دعم القضية الفلسطينية، مشددين على ضرورة تسخير كافة الآليات القانونية لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
شهد المؤتمر نقاشات معمقة حول مختلف الجوانب القانونية، بدءا من المحكمة الجنائية الدولية، ودور محكمة العدل الدولية، والولاية القضائية العالمية، وحتى سبل العمل الحقوقي على المستوى الوطني والدولي لضمان تحقيق العدالة.
تكريم المشاركين وتقديم هدايا تذكارية
في لفتة تعكس التقدير للجهود المبذولة، تم تقديم دروع تكريمية للمشاركين الرئيسيين، عرفانا بمساهماتهم في إنجاح هذا الحدث الحقوقي، مما أضفى لمسة إنسانية جميلة عززت روح التضامن بين المشاركين، وأكدت على أن هذا المؤتمر ليس نهاية الجهد، بل بداية لمزيد من العمل المشترك.
البيان الختامي وتعهد بمواصلة الجهود
اختُتم المؤتمر ببيان ختامي تمت تلاوته باللغتين العربية والإنجليزية، أكد فيه المشاركون على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وضرورة مكافحة الإفلات من العقاب، ومواصلة التحركات القانونية لمحاسبة مرتكبي الجرائم في فلسطين.
كما أشاد البيان بجهود جنوب إفريقيا في مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، ودعا الدول الأخرى إلى اتخاذ خطوات مماثلة لتعزيز الالتزام بالقانون الدولي. وشدد على أهمية تعزيز الولاية القضائية العالمية، بحيث تتمكن المحاكم الوطنية من محاكمة المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن أماكن ارتكابها.
كما رحّب المشاركون بجهود مجموعة لاهاي، واعتبروها مبادرة واعدة لتعزيز التعاون القانوني الدولي في مواجهة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. وأكد البيان على أهمية تطوير آليات الدعم لهذه المجموعة، وتوسيع نطاق عملها، بما يضمن تكامل الجهود القانونية من مختلف الدول في ملاحقة مرتكبي الجرائم وتعزيز العدالة الدولية.
الرسالة الأهم: هذا الجهد لا يمكن أن يتوقف
ما خرجتُ به من هذا المؤتمر لم يكن مجرد معطيات قانونية جديدة، بل هو إحساسٌ قوي بأن هذه القضية لا تزال تحمل زخما كبيرا، وأن الجهود الحقوقية يجب أن تتواصل بلا توقف. كانت الأجواء مفعمة بالتفاؤل، رغم إدراك الجميع للصعوبات والتحديات التي تواجه العمل القانوني الدولي.
لكن ما يبعث على الأمل هو أن هذا المؤتمر أثبت أن هناك تحركا حقوقيا دوليا جادا لا يمكن تجاهله، وأن الإرادة القانونية موجودة، وتحتاج فقط إلى التنسيق والتكاتف لضمان تحقيق العدالة لضحايا غزة. لقد عكست النقاشات عمق الالتزام القانوني لدى المشاركين، وأظهرت أن هناك وعيا متزايدا بضرورة تحويل الجهود الحقوقية إلى خطوات عملية تؤثر في منظومة العدالة الدولية.
مكاسب قانونية متراكمة تُعزز الأمل في تحقيق العدالة
رغم التحديات التي تواجه العمل الحقوقي، إلا أن الجهود القانونية الدولية بدأت تؤتي ثمارها، مما يبعث الأمل في أن العدالة ليست بعيدة المنال. لقد شهدت الأشهر الأخيرة تطورات قانونية غير مسبوقة، أبرزها تحرك المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وهو تطور تاريخي يُعزز مبدأ عدم الإفلات من العقاب ويضع المسؤولين الإسرائيليين تحت طائلة المساءلة الدولية.
كما أن قرار محكمة العدل الدولية الذي اعترف بوجود أدلة معقولة على ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة، وألزمها بوقف الانتهاكات في غزة، واتخاذ تدابير لحماية المدنيين، يمثل نقطة تحول مهمة في المسار القانوني للقضية الفلسطينية. هذا القرار، وإن لم يكن يحمل طابعا جنائيا، فإنه يرسّخ الأساس القانوني لمحاسبة إسرائيل على جرائمها أمام المؤسسات الدولية، ويفتح المجال أمام مزيد من التحركات القضائية لملاحقتها.
إلى جانب ذلك، فإن السردية الإسرائيلية التي طالما فرضت نفسها في الخطاب الدولي باتت في حالة انهيار، حيث أدى التوثيق المستمر للجرائم، والشهادات الحقوقية، والتغطية الإعلامية إلى كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم، مما جعلها في موقع دفاعي غير مسبوق. لم تعد دولة الاحتلال قادرة على تسويق نفسها كضحية، بل باتت عبئا على المجتمع الدولي بسبب ارتكابها جرائم إبادة، وانتهاكها للقانون الدولي، وتعطيلها عمل مؤسسات دولية حيوية مثل وكالة الأونروا.
التفاعل القانوني وحده ليس كافيا ما لم يقترن بدعم دبلوماسي، وقرارات سياسية شجاعة، والتزام رسمي بإنفاذ القوانين الدولية. وهذا ما يجعل دور الحكومات والبرلمانات والأحزاب السياسية الداعمة لحقوق الإنسان محوريا في تحويل المساءلة القانونية من هدف إلى واقع ملموس
ولا شك أن هذه الإنجازات القانونية لم تأتِ من فراغ، بل كانت ثمرة جهود حقوقيين وخبراء قانونيين مثل الذين شاركوا في هذا المؤتمر، والذين كرّسوا خبراتهم وإمكاناتهم للدفاع عن حقوق الضحايا، والعمل على توثيق الجرائم، ورفع القضايا أمام المحاكم الدولية، وتقديم الاستشارات القانونية للدول والمنظمات التي تدعم العدالة. إن مثل هذه المؤتمرات لا تمثل مجرد لقاءات للنقاش، بل هي جزء من حراك حقوقي عالمي يهدف إلى ترجمة القانون الدولي إلى واقع ملموس، يضمن عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.
كل هذه التطورات تؤكد أن العمل الحقوقي ليس جهدا عبثيا، بل هو مسار تراكمي يحقق اختراقات جوهرية في جدار الحصانة السياسية والقانونية التي تمتعت بها إسرائيل لعقود. وما تحقق حتى الآن، رغم كل الضغوط والعراقيل، يثبت أن الإصرار على المساءلة القانونية قادر على إحداث تغيير حقيقي في ميزان العدالة الدولية.
أهمية الرعاية الدولية لتعظيم الزخم القانوني
ومع ذلك، فإن نجاح هذه التحركات الحقوقية، على أهميتها، لا يمكن أن يعتمد فقط على جهود النشطاء والخبراء القانونيين، بل يحتاج إلى دعم ورعاية من الدول التي تلتزم بالقانون الدولي وتسعى لحماية مبادئ العدالة. فتعظيم الزخم القانوني لا يتحقق فقط عبر الاجتماعات والمؤتمرات، بل من خلال تبني الدول لهذه المبادرات الحقوقية في سياساتها الخارجية، ودعمها في المؤسسات الدولية، وخلق تحالفات قانونية تعزز من فرص محاسبة مرتكبي الجرائم.
إن التفاعل القانوني وحده ليس كافيا ما لم يقترن بدعم دبلوماسي، وقرارات سياسية شجاعة، والتزام رسمي بإنفاذ القوانين الدولية. وهذا ما يجعل دور الحكومات والبرلمانات والأحزاب السياسية الداعمة لحقوق الإنسان محوريا في تحويل المساءلة القانونية من هدف إلى واقع ملموس.