لتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
هي عبارة مأخوذة من رسائل الشاعر هوراس “الرسالة الأولى”، وأصلها باللاتينية - Sapere aude وترجمتها "تشجع على المعرفة"، التي صارت شعارًا معبرًا عن روح عصر التنوير، ويرى فيلسوف الحداثة الكبير إيمانويل كانط في التنوير تحرر للإنسان من القصور الذي أحدثه بحق ذاته، ويعني بالقصور حالة معينة لإرادتنا تجعلنـا نقبـل سـلطة شـخص مـا يقودنـا فـي مجـالات يمكـن نحـن شـخصيًا نتولـى أمرها باستعمال العقل، وذلك ليس في افتقاره لعملية التفكير، وإنما لافتقاره العزم والشجاعة على ممارسة فعل التفكير من دون توجيه شخص آخر، فهو قد قيّد نفسه بنفسه، حيث اقنع ذاته بأنه عاجز عن استخدام مقدرته على الفهم من دون أن يدله أحد على ذلك.
إن الكسل والجبن هما السبب وراء انقياد البشر، ما يجعل الناس الناضجين عقليًا - حتى وإن لم يدركوا ذلك - تحت قيادة أوصياء عليهم درسوا وتدرّبوا لكي يمارسوا هذه الوصاية، ينعى كانط على الأنسان (أن يرضى بأن يحل كتاب ما مكانه ممتلكًا الذكاء الذي كان حريًا به هو أن يمتلكه)، وكذلك ينعى على الإنسان أن يأتي دليل روحي، أو طبيب نظامي، ليكون لديهما من الوعي والمعرفة ما يخيّل إلى هذا الإنسان إنه لا يمتلك (وهكذا، حين أستطيع أن أدفع الأجر، لا يعود ثمة أي جهد عليّ إنجازه، الآخرون هم الذين يقومون بهذا الجهد جاعلين من أنفسهم أوصياء). ويرى كانط هنا (أن هؤلاء الأوصياء يسهرون حريصين على أن يعتبر الجزء الأكبر من أبناء البشر، تحرره أمرًا خطيرًا، لا مسألة غير مناسبة وحسب... وهم لتأكيد ذلك يركزون حديثهم دائمًا على المخاطر التي تحيق بالبشر حين ينطلقون وحدهم من دون أدلة ومن دون وصاية).
يرى كانط أن استعمال ملكة العقل استعمالًا سليمًا بعيدًا عن كل الإكراهات، وعن وصاية الآخرين هو الذي يتيح لنا منهجًا سويًا في التفكير بحرية، فنشاط الفكر المستمر هو الذي يجعلنا قادرين على خلق الأسئلة والنقاش والتحليل في أي موضوع، أو أي فكرة حتى لو كانت مناقضة لهويتنا ومعتقداتنا.
من العسير على أي إنسان أن يتمكن بمفرده من التخلص من هذا القصور الذي أوشك أن يصبح طبيعة ملازمة له، بل إن الأمر قد وصل إلى حد أن يعشق هذا القصور، بحيث أصبح عاجزًا عجزًا حقيقيًّا عن استخدام عقله، إنه لم يُسمح له أن يُقدم على هذه التجربة من قبل، إن العقائد والدوغمائيات - الجمود الفكري والفكر الأوحد - هي الأغلال والسلاسل لقصوره الدائم، وإذا ما استطاع أحد أن يرمي عنه هذه الأثقال، فإنه سيظل مترددًا حول الحركة، ولهذا لن نجد إلا قلة ضئيلة استطاعت بفضل استخدامها لعقولها أن تنتزع نفسها من الوصاية المفروضة عليها، وتسير بخطًى واثقة مطمئنة، ويرى كانط أنه: (لمن اليسير على جماعة من الناس أن تتحرر ببطء حين يأتي عدد من الأشخاص الذين ينهضون من بين أوساطها ليجعلوا أنفسهم أوصياء، ويفكون القيود ناشرين من حولهم فكرة تدعو إلى التثمين العقلاني لقيمة كل انسان واختياراته.. وعنده تغيير اتجاه العقول من الاعتماد على الغير إلى الاستقلال الذاتي أمر لا ينفع فيه تحول مفاجىء).
إن المطلوب هو تلك الحرية التي تعتبر- عادة - أكثر الحريات براءة: حرية أن يعقل الإنسان الأمور في رأسه، وفي ما يتعلق بأي موضوع من المواضيع - أي حرية الاستخدام العلني للعقل في كل الأمور، يضع كانط شرط «الحرية» بوصفه مطلبًا ضروريًا لنشأة التنوير واستمراره، ويبين في: “تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق” - وهو سوف يظهر بعد أقل من عام من ظهور مقال الجواب على سؤال ما التنوير؟ - كيف أن الخضوع الإرادي للقانون الذي يضعه الإنسان هو نفسه لنفسه لا يعني إلغاء الحرية الفردية، بل على العكس تدعمها وتقويها.
ويستخلص كانط أن الواجب الأول الذي يتعين على كل دولة متنورة أن تمارسه إنما يكمن في تربية الناس على مفهوم الحرية، أما احترام النقد والاستقلال الفكري فيتعين أن يعتبر واحدًا من المبادئ الأساسية في الوجود.
لا يجوز لعصر من العصور أن يجمع على التآمر على العصر اللاحق، بحيث يزج به في وضع يستحيل عليه فيه أن يوسع معارفه، وينقيها من الأخطاء، وأن يتقدم بوجه عام على طريق التنوير، إن ذلك لو حدث لكان جريمة تُرتكب ضد الطبيعة البشرية التي تقوم ماهيتها الأصلية على هذا التقدم.
يقول ميشيل فوكو: يبدو لي إن التنوير يمكــن نعتــه بـ”الاستفهام النقدي حول الحاضر”، و”حول ذواتنا”، إن التنوير هو حالة مستمرة من المساءلة والنقد للحاضر والذات - الروح النقدية المتسائلة المدققة -.ذلـك التقليـد الـذي صاغـه كانـط خلال تأملـه الفلسـفي للتنويـر، ويبدو لي أن تأمل كانـط هـو أيضا طريقة في التفلسف.. وحياة فلسفية قائمة على نقد (النحن)، وهو في الوقت ذاته “تحليل لحدود المعرفة” المفروضة علينا، و”ممارسة التجربة” بالإمكانات التي تتخطى تلك الحدود.
*كاتب مهتم بقضايا التنمية البشرية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: من دون
إقرأ أيضاً:
تامر كروان يكشف الأوقات المناسبة لاستخدام الموسيقى في الأفلام
كشف الموسيقي تامر كروان عن الأوقات الفارقة في الفيلم التي لاتحتاج للموسيقى، وذلك في محاضرته الخاصة ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي 45.
أكد تامر كروان على وجود مشاهد معينة داخل الفيلم لا تحتاج للموسيقى خاصة وإن كان الممثل في حالة عميقة من أجائه ف إذا وضعنا الموسيقى من الممكن أن تشتته هو والمشاهد سويا فـ هنا لن يكن للموسيقى دور فارق.
وأضاف“ خلو مشهد ما من الموسيقى يخضع لشروط صعبة بداية من الممثل ف يجب أن يقدم عناصر المشهد بالكامل إلى درجة عدم الاحتياج لأي رتم، وهناك مشاهد تكون صامتة تماما من صناعها والموسيقى تصبح سيدة الموقف"
المحاضرة يديرها مدير المهرجان عصام زكريا وسيتم استكشاف خلالها فن تأليف ووضع الموسيقى التصويرية للأفلام مع تامر كروان الذي يعد أحد أهم الموسيقيين البارزين في صناعة السينما.
بداية من 1999، وضع كروان الموسيقى التصويرية لأفلام مصرية شهيرة، نذكر منها: "باب الشمس" و"احكي يا شهرزاد".
فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما (CID)، والتي تقام في الفترة من 15 إلى 20 نوفمبر 2024، تمثل منصة حيوية تهدف إلى دعم وتعزيز مشروعات السينما، وتقديم فرص نادرة للتفاعل بين صناع الأفلام من جميع أنحاء العالم، وتشهد هذه الفعالية مشاركة متميزة من مخرجين، منتجين، وخبراء في مختلف جوانب الصناعة السينمائية، يجتمعون لاستكشاف أحدث الاتجاهات وتبادل الأفكار والتجارب.
تتضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما ورش عمل وجلسات حوارية ونقاشات تتناول تحديات واحتياجات السوق، مما يعزز من فرصة المساهمة في نمو وتطوير مشاريع سينمائية جديدة ويُعيد تأكيد مكانة مصر كمركز إقليمي للإبداع السينمائي