البوابة نيوز:
2025-03-20@08:55:48 GMT

كنوز خالدة.. عمرو بن العاص (2)

تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT

والمثير للدهشة أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب يسأله كيف يتعامل مع المصريين، فأمره أن يستشير البطريرك بنيامين، وأن يلتزم بما يشير به. ويجيء علي بن أبى طالب للخلافة فأرسل مالك الأشتر واليًا على مصر، وقال «وامنح قلبك الشعور بالرحمة على الرعية والمحبة لهم واللطف بهم، فإنهم صنفان إما أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق (فهمى هويدي- مواطنون لا ذميون- ص ٨٣).

ويروى ابن الحكم أن أحد المصريين طلب إلى عمر بن الخطاب «يجب ألا يأخذ من خراج مصر أى شيء إلا بعد عمارتها» فوافقه. لكن من أتى من بعده من الخلفاء- باستثناء على بن أبى طالب- لم يفعلوا ذلك، وكان أن تذمر المصريون. ويقول أحد الباحثين الجدد «كان أغلب تذمر وسخط وثورة المصريين خلال الحكم العربى تدور حول جمع الضرائب أساسًا» (فكرى أندراوس- المرجع السابق- ص ٨٣).

لكن هناك مفارقة مهمة وهى أن أغلب المشرفين على جباية الضرائب كانوا - فى أحيان كثيرة - من الأقباط. فعديد من الأقباط كانوا يجيدون الحساب وأسلوب الجباية، بل كانت لهم نظريات محاسبية خاصة بهم توارثوها كسر من أسرارهم دون غيرهم. وبهذا ارتبطت مصالح الفئات العليا من الأقباط بمصالح الولاة العرب «فارتبطوا بهم وقدموا الهدايا العظيمة إلى بيوت الأمراء وقادة المسلمين فى الأعياد والمناسبات، وكانوا يعمرون الكنائس والأديرة» (تاريخ الجبرتي- الجزء الثاني- ص ٣٩٣).

ونتأمل العبارات السابقة.. كان الأقباط يتذمرون من قسوة النظام الضريبى وأسلوب الجباية، وكانوا فى أحيان عدة يترجمون التذمر إلى تحركات غاضبة. لكن ظلم الضرائب كان يتم على أيدى قيادات قبطية ازدادت ثراء وارتبطت مصالحها بالولاة العرب، لكنهم بفضل هذه الروابط بالحكام استطاعوا أن يحموا الكنائس وأن ينفقوا على بنائها وترميمها، بما أشعر الأقباط رغم تذمرهم الاقتصادى ببعض من الرضا الديني. وكانت الضرائب نوعين: جزية وكانت آنذاك قدرًا محددًا.. والخراج وهو الضريبة المعتادة على ما تخرجه الأرض من محاصيل. ومن ثم فقد كانت تتغير حسب مقدار الفيضان وحالة المحاصيل. و«كان قادة القرى يتدارسون هذا الأمر ثم يقررون، على ضوء البحث، كم تكون أموال الخراج. فإذا جمع ما لا يزيد على ما هو مقرر على قريتهم جرى إنفاقه فى بناء الكنائس وإصلاحها أو بناء الحمامات والمبانى العامة» (جاك تاجر- أقباط ومسلمون- ص٨٢). ولعل من المهم أن نشير إلى أن الولاة العرب قد «منعوا العقاب البدنى المتمثل فى ضرب الفلاحين الذين لم يؤدوا ما هو مفروض عليهم من ضرائب، استنادًا إلى تفسير فقهى بأن الإسلام يحرم العقاب البدني» (أبوسيف يوسف- الأقباط والقومية العربية - ص٧٠). ويبقى أن أضيف أن الحكام العرب الأوائل لمصر قد أعفوا الكنائس والأديرة والرهبان من أي ضريبة إلى الحد الذى دفع بعض المؤرخين إلى القول إن الكثيرين دخلوا فى سلك الرهبنة هربًا من الضرائب.. وإن كنت لا أظن ذلك.

ويبقى بعد ذلك أن أشير إلى كتاب جديد ومهم جدًا درس هذا الموضوع دراسة جادة هو «المسلمون والأقباط فى التاريخ» للأستاذ فكرى أندراوس وهو كتاب يستحق أن يقرأ.

واختتم باقتباس منه: قال عبد الله بن عمر عن قبط مصر: أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يدًا، وأفضلهم عنصرًا، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة، وبقريش خاصة، ومن أراد أن ينظر الفردوس، أو إلى مثلها فى الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها وتنمو ثمارها.

«البوابة» 6 يناير 2016

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: عمرو بن العاص

إقرأ أيضاً:

زكي نسيبة: بصمة إنسانية خالدة في تاريخ الإمارات

أكد زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، أن يوم زايد للعمل الإنساني الذي يوافق التاسع عشر من شهر رمضان من كل عام، مناسبة وطنية نستذكر فيها أسمى معاني البذل والعطاء للقائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أرسى بفكره ومبادراته الإنسانية دعائم العمل الإنساني، ليسجل التاريخ بصمة إنسانية خاصة تحمل اسم زايد الخير والعطاء ولتغدو دولة الإمارات بعدها رمزاً للخير والتسامح والعمل الإنساني عبر صوره المختلفة.
وأضاف في تصريح بمناسبة يوم زايد للعمل الإنساني، أن القائد المؤسس كان يولي العمل الإنساني اهتماماً خاصاً في قراراته وتوجيهاته كافة، حيث إن سمة العمل الإنساني كانت جزءاً من سماته الشخصية المجبولة بالإنسانية وحب الخير والعطاء، وكانت أياديه البيضاء ممتدة للجميع، حتى بات ذلك شعاراً ومنهجاً تعمل دولة الإمارات على تعزيزه في جميع المجالات والمناسبات، تتجاوز فيه حدود الجغرافية الإقليمية، حيث لا يوجد مكان في العالم إلا وكان فيه للشيخ زايد بصمة إنسانية واضحة، ما جعل العمل الإنساني نهجاً حضارياً وإرثاً وطنياً ورؤية استراتيجية لقيادتنا الرشيدة، التي اتخذت منه رسالة إنسانية، حتى تصدرت دولة الإمارات قوائم الدول الأكثر عطاءً على مستوى العالم، لافتاً إلى أن يوم زايد للعمل الإنساني أصبح محطة مضيئة في تاريخ الإمارات.
وأشار إلى أنه من هذا المنطلق تحرص جامعة الإمارات «الجامعة الوطنية الأم» على تجسيد هذه الرؤى النبيلة إلى واقع عملي في مناهجها التعليمية، لإعداد جيلٍ على قدر عالٍ من المسؤولية المجتمعية والإنسانية، علاوةً على إطلاق المبادرات التي تعزز هذا النهج بالشراكة مع كافة المؤسسات الوطنية المختلفة، ترسيخاً لهذا الإرث بأبهى صوره، وتتويجاً لجهود الدولة وتعزيز رسالتها الإنسانية السامية.
(وام)

مقالات مشابهة

  • البابا تواضروس الثاني يهنئ الأقباط بحلول عيد الصليب المجيد
  • زكي نسيبة: بصمة إنسانية خالدة في تاريخ الإمارات
  • مجلس الكنائس العالمي يُصدر تقريرًا حول الروحانيات الأصلية وحقوق الأرض والعدالة المناخية
  • مجلس الكنائس العالمي يهنئ رئيس أساقفة تيرانا ودوريس وسائر ألبانيا المنتخب
  • زايد .. أيادٍ بيضاء ومآثر خالدة
  • مجلس الكنائس العالمي يدين الهجمات الإسرائيلية والأمريكية في غزة واليمن
  • الضرائب والتنمية
  • كل أسبوع.. «بدر» معركة فاصلة ودروس خالدة
  • السجن 3 سنوات لموظفة اختلست مصروفات طلاب بمدرسة فى بورسعيد
  • السجن 3 سنوات لموظفة اختلست مصروفات مدارس الطلاب ببورسعيد