كنوز خالدة.. عمرو بن العاص (2)
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
والمثير للدهشة أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب يسأله كيف يتعامل مع المصريين، فأمره أن يستشير البطريرك بنيامين، وأن يلتزم بما يشير به. ويجيء علي بن أبى طالب للخلافة فأرسل مالك الأشتر واليًا على مصر، وقال «وامنح قلبك الشعور بالرحمة على الرعية والمحبة لهم واللطف بهم، فإنهم صنفان إما أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق (فهمى هويدي- مواطنون لا ذميون- ص ٨٣).
ويروى ابن الحكم أن أحد المصريين طلب إلى عمر بن الخطاب «يجب ألا يأخذ من خراج مصر أى شيء إلا بعد عمارتها» فوافقه. لكن من أتى من بعده من الخلفاء- باستثناء على بن أبى طالب- لم يفعلوا ذلك، وكان أن تذمر المصريون. ويقول أحد الباحثين الجدد «كان أغلب تذمر وسخط وثورة المصريين خلال الحكم العربى تدور حول جمع الضرائب أساسًا» (فكرى أندراوس- المرجع السابق- ص ٨٣).
لكن هناك مفارقة مهمة وهى أن أغلب المشرفين على جباية الضرائب كانوا - فى أحيان كثيرة - من الأقباط. فعديد من الأقباط كانوا يجيدون الحساب وأسلوب الجباية، بل كانت لهم نظريات محاسبية خاصة بهم توارثوها كسر من أسرارهم دون غيرهم. وبهذا ارتبطت مصالح الفئات العليا من الأقباط بمصالح الولاة العرب «فارتبطوا بهم وقدموا الهدايا العظيمة إلى بيوت الأمراء وقادة المسلمين فى الأعياد والمناسبات، وكانوا يعمرون الكنائس والأديرة» (تاريخ الجبرتي- الجزء الثاني- ص ٣٩٣).
ونتأمل العبارات السابقة.. كان الأقباط يتذمرون من قسوة النظام الضريبى وأسلوب الجباية، وكانوا فى أحيان عدة يترجمون التذمر إلى تحركات غاضبة. لكن ظلم الضرائب كان يتم على أيدى قيادات قبطية ازدادت ثراء وارتبطت مصالحها بالولاة العرب، لكنهم بفضل هذه الروابط بالحكام استطاعوا أن يحموا الكنائس وأن ينفقوا على بنائها وترميمها، بما أشعر الأقباط رغم تذمرهم الاقتصادى ببعض من الرضا الديني. وكانت الضرائب نوعين: جزية وكانت آنذاك قدرًا محددًا.. والخراج وهو الضريبة المعتادة على ما تخرجه الأرض من محاصيل. ومن ثم فقد كانت تتغير حسب مقدار الفيضان وحالة المحاصيل. و«كان قادة القرى يتدارسون هذا الأمر ثم يقررون، على ضوء البحث، كم تكون أموال الخراج. فإذا جمع ما لا يزيد على ما هو مقرر على قريتهم جرى إنفاقه فى بناء الكنائس وإصلاحها أو بناء الحمامات والمبانى العامة» (جاك تاجر- أقباط ومسلمون- ص٨٢). ولعل من المهم أن نشير إلى أن الولاة العرب قد «منعوا العقاب البدنى المتمثل فى ضرب الفلاحين الذين لم يؤدوا ما هو مفروض عليهم من ضرائب، استنادًا إلى تفسير فقهى بأن الإسلام يحرم العقاب البدني» (أبوسيف يوسف- الأقباط والقومية العربية - ص٧٠). ويبقى أن أضيف أن الحكام العرب الأوائل لمصر قد أعفوا الكنائس والأديرة والرهبان من أي ضريبة إلى الحد الذى دفع بعض المؤرخين إلى القول إن الكثيرين دخلوا فى سلك الرهبنة هربًا من الضرائب.. وإن كنت لا أظن ذلك.
ويبقى بعد ذلك أن أشير إلى كتاب جديد ومهم جدًا درس هذا الموضوع دراسة جادة هو «المسلمون والأقباط فى التاريخ» للأستاذ فكرى أندراوس وهو كتاب يستحق أن يقرأ.
واختتم باقتباس منه: قال عبد الله بن عمر عن قبط مصر: أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يدًا، وأفضلهم عنصرًا، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة، وبقريش خاصة، ومن أراد أن ينظر الفردوس، أو إلى مثلها فى الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها وتنمو ثمارها.
«البوابة» 6 يناير 2016المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: عمرو بن العاص
إقرأ أيضاً:
من الريف لقمة المجد الفني.. مؤرخ موسيقي: «أم كلثوم» أيقونة خالدة تُنير دروب الأجيال الجديدة|فيديو
قال الناقد محمد دياب، المؤرخ الموسيقي، إن احتفال وزارة الثقافة بكوكب الشرق "أم كلثوم" يساهم في تنوير الأجيال التي لم تعاصرها، خاصةً أنه مرّ خمسة عقود على وفاتها، مما يساعد في تحسين الذوق الغنائي وتعزيز الاستماع لدى الأجيال الجديدة.
وأضاف دياب، خلال تصريحاته عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أن أم كلثوم لم تكمل تعليمها، لكن الشاعر أحمد رامي لعب دورًا مهمًا في تثقيفها وتعليمها. كما أنها اكتسبت الثقافة والمعرفة من المحيطين بها، إلى جانب شغفها بالقراءة والاطلاع، معقبًا: "رغم المجد والشهرة، ظلّت أم كلثوم وفية لجذورها الريفية".
وأشار المؤرخ الموسيقي إلى أن كوكب الشرق عايشت ظروفًا قاسية في طفولتها، سواء الفقر أو السفر إلى قرى الدلتا وغيرها، مما ساهم في تشكيل شخصيتها وصقلها. كما أنها كرّست حياتها لفنها، ووهبت له صحتها ووقتها ومالها، دون أن يشغلها شيء آخر عنه.