إعصار دانيال: المجتمع المدني يغيث الليبيين رغم سنوات التضييق
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
مقابر جماعية تضم جثث ضحايا إعصار دانيال الذي اجتاح مدينة درنة الليبية
انتهت رحلة بحث السيدة الليبية حليمة رجب عن نجلها يوم الأربعاء (13 سبتمبر / أيلول 2023). وبنبرة يعتصرها الأسى والحزن، قالت حليمة: "وجدت فلذة كبدي ميتاً. لقد دفناه مع 600 جثة في المقبرة"، مضيفة أن مشهد قيام الجرافات بحفر المقبرة الجماعية التي تضم جثة ابنها (22 عاماً) مازالت عالقة في ذهنها وأذهان أقارب الضحايا.
أرسلت ألمانيا طائرتي نقل تابعتين لسلاح الجو الألماني تحملان أول دفعة مساعدات عينية مخصصة للمناطق المنكوبة بالسيول في ليبيا، هذا فيما ناشدت الأمم المتحدة المانحين تقديم 71.4 مليون دولار.
أكثر من 38 ألف مشرد ونداء أممي عاجل لإغاثة ضحايا الفيضانات الليبيةتتسارع الجهود الدولية لمساعدة ليبيا بعد كارثة الفيضانات التي قتلت وشردت آلاف الأشخاص، فقد أطلقت الأمم المتحدة نداء عاجلا لجمع حوالي 70 مليون دولار كمساعدات لتلبية الاحتياجات العاجلة لمساعدة لليبيين.
ومن اللافت أو بالأحرى من المحزن أن جهود إنشاء مقبرة جماعية في مدينة درنة تمت بسرعة، وعلى النقيض الصارخ من المحاولات الأخرى المتعثرة في تنسيق جهود إغاثة المناطق المتضررة من الإعصار "دانيال".
وربما أوجه هذه القصور انعكس في تضارب الأرقام حيال حصيلة الضحايا، حيث قالت وزارة الداخلية الليبية إن عدد القتلى بلغ قرابة 7500، فيما أعلن الهلال الأحمر الليبي أن الحصيلة ارتفعت إلى 11300 قتيل.
ومنذ عام 2014 ، تئن ليبيا تحت وطأة انقسام واقتتال داخلي وتناحر سياسي مع وجود حكومتين متعارضتين في شرق البلاد وغربها، حيث توجد حكومة الوحدة الوطنية، المدعومة من الأمم المتحدة والمعُترف بها دولياً في طرابلس غرب ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في حين تقع حكومة أخرى مدعومة من مجلس النواب في طبرق شرق البلاد برئاسة أسامة حمد.
وتحظى الحكومتان بدعم من ميليشيات محلية وقوى إقليمية وأخرى دولية.
سارعت منظمات المجتمع المدني إلى تقديم المساعدات للسكان في المناطق المتضررة
تعقيدات تنسيق المساعدات
ورغم الفرقة والتناحر السياسي وصراع النفوذ بين الأطراف الليبية، إلا أن كارثة الإعصار جلبت معها لحظة نادرة من الوحدة حيث سارعت المنظمات الحكومية في جميع أنحاء البلاد لمساعدة سكان المناطق المتضررة. وفي ذلك، قادت حكومة طبرق جهود الإغاثة في حين خصصت حكومة طرابلس ما قيمته 412 مليون دولار من التمويل لإعادة إعمار درنة ومدن أخرى في الشرق، بيد أن التنسيق على نطاق أكبر لم يتحقق بعد.
وفي مقابلة مع DW، قالت فيرجيني كولومبييه، المحللة السياسية والأستاذة في جامعة "لويس" في روما (Luiss School of Government)، إن حكومتي شرق وغرب ليبيا "أعلنتا عن إنشاء لجان تنسيق وتخصيص ميزانيات، لكن ما زال من غير الواضح كيف سيتم ترجمة ذلك على أرض الواقع".
وأضافت كولومبييه، الباحثة المشاركة في تأليف كتاب بعنوان "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا"، أنه "حتى في الأوقات العادية، ليس من قبيل المبالغة القول بان التنسيق بين الحكومة المركزية في طرابلس والبلديات في جميع أنحاء ليبيا والمنظمات الدولية يتسم بالتعقيد على نحو كبير".
وفضلاً عن المخاوف من غياب التنسيق بين الحكومتين المتنازعتين، يلقى خبراء بظلال من الشكوك حيال وصول المبالغ التي جرى تخصيصها إلى سكان المناطق المتضررة بشكل كامل.
وفي ذلك، قالت هاجر علي، المتخصصة في الشأن الليبي والباحثة في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية" (GIGA) ومقره هامبورغ، إن المجتمع المدني أصبح لا يثق في طريقة إدارة البلاد بعد سنوات من عدم وجود حكومة موثوقة بها أو أي إدارة توزع موارد البلاد بشكل عادل وفعال في جميع أنحاء ليبيا.
وفي مقابلة مع DW، قالت: "لا ينحصر الانقسام في ليبيا على الشرق والغرب فقط". وتابعت: "سوف يستغرق عملية إصلاح هذا الانقسام الكبير على المستوى السياسي وعلى مستوى البلديات والمنظمات المحلية عقوداً".
وأعرب فولفرام لاشر، الباحث في معهد السياسات الدولية والأمنية الألماني (SWP) ومقره برلين، عن قلقه إزاء احتدام التنافس السياسي في ليبيا حيث تركز الحكومتان و(رجل شرق ليبيا القوي خليفة) حفتر على استغلال الأزمة لتحقيق أهداف سياسية أكثر من محاولة معالجتها، على حد قوله.
وفي مقابلة مع DW، قال فولفرام لاشر، الذي شارك في تأليف كتاب "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا": "أخشى أن يكون اهتمامهم وتركيزهم في المقام الأول منصباً على الظهور كمقدمي مساعدات بهدف التأثير على الرأي العام مع إبداء القليل من الاهتمام نحو تحقيق شيء ملموس. سوف تتضمن الأموال الكبيرة التي خصصتها حكومة طرابلس لمساعدة مدينة درنة، أعمال توزيع غير مدارة بشكل جيد وربما أعمال اختلاس".
المجتمع المدني يأخذ زمام المبادرة
ورغم أن حليمة رجب المكلومة لا تتوقع حصولها في الوقت الراهن على مساعدة حكومية أو مأوى أو حتى دعم نقسي، إلا أنها سعيدة بنجاة شقيقها وعائلته، وتقول: "سوف ندعم بعضنا البعض".
الجدير بالذكر أن الليبيين اعتادوا منذ سنوات على التعويل على جهودهم الذاتية في حالات الأزمة بسبب الأجندات المتضاربة وجهود التنسيق غير الناجحة على المستوى الحكومي.
وفي هذا السياق، قالت هاجر علي: "لقد اضطروا إلى الاعتماد على بعضهم البعض لأنهم يدركون أن لا مساعدة سوف تأتي لهم من كلا الحكومتين".
وقد بدا ذلك جلياً مع انتشار الأخبار الأولى عند حدوث فيضانات بعد انهيار السدّين قرب مدينة درنة شمال شرق ليبيا جراء الإعصار، حيث انخرطت منظمات المجتمع المدني في تقديم يد العون فيما لعب النشطاء خارج البلاد دوراً في جهود جمع التبرعات.
وفي هذا الصدد، قالت كولومبييه إن الليبيين في جميع أنحاء البلاد "أظهروا تضامناً كبيراً وهذا ما يعد إشارة مهمة، نظراً لحالة الاستقطاب الحادة بينهم على مدى السنوات الماضية". وأضافت أن موقع فيسبوك كان أداة اتصال ساعدت على تبادل المعلومات حول الأشخاص المفقودين وأرقام هواتفهم، وتنسيق المعلومات والأسماء، فيما أطلق الليبيون خارج البلاد حملات تبرع عبر الإنترنت.
وأشارت إلى أن هذه الجهود حققت نجاحات، مضيفة "أعرف شخصياً نشطاء وشباب خاصة من شرق ليبيا ذهبوا إلى درنة لمحاولة تقديم الدعم".
عمليات البحث عن أحياء مستمرة في درنة شرق ليبيا
تأثير التناحر السياسي على المجتمع المدني
ورغم الدور الذي لعبه – ومازال يلعبه – المجتمع المدني في تقديم المساعدات لسكان المناطق المتضررة، إلا أن منظمات المجتمع المدني في ليبيا ليست بالقوة ولا بالقدرة على تحمل مثل هذا العبء الثقيل.
وفي ذلك، قالت كولومبييه: "يجب ألا ننسى أن حكومتي شرق وغرب البلاد قامت بقمع منظمات المجتمع المدني لسنوات عديدة. المجتمع المدني في ليبيا يحاول تقديم الدعم، لكنه ضعيف ولا يعمل بكفاءة كبيرة نظراً لما تعرض له من ضغوط كبيرة خلال السنوات الماضية".
الجدير بالذكر أن بعض الدول ومنظمات دولية سارعت إلى إرسال مساعدات وفرق إغاثة للبحث عن ناجين بين الأنقاض، وهو ما بعث بصيص أمل في نفوس أقارب المفقودين.
ورغم حزنها الشديد على فقدان فلذة كبدها، إلا أن حليمة رجب ترحب بالدعم الخارجي، قائلة: "أدعو الله أن يعثروا على المزيد من الأشخاص على قيد الحياة".
جنيفر هوليس / إسلام الأطرش / م. ع
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: ليبيا مدينة درنة ضحايا الفيضانات سيول ليبيا الحكومة الليبية العاصفة دانيال إعصار دانيال الأمم المتحدة مساعدات إغاثة شرق ليبيا خليفة حفتر مدينة سوسة بنغازي منظمات المجتمع المدني قتلى أخبار ألمانيا تقسيم ليبيا ليبيا مدينة درنة ضحايا الفيضانات سيول ليبيا الحكومة الليبية العاصفة دانيال إعصار دانيال الأمم المتحدة مساعدات إغاثة شرق ليبيا خليفة حفتر مدينة سوسة بنغازي منظمات المجتمع المدني قتلى أخبار ألمانيا تقسيم ليبيا منظمات المجتمع المدنی المجتمع المدنی فی المناطق المتضررة فی جمیع أنحاء مدینة درنة شرق لیبیا فی لیبیا إلا أن
إقرأ أيضاً:
الإسلاموفوبيا تجتاح المجتمع البريطاني وتثير قلق الحكومة
لندن- يبدو أن حكومة حزب العمال البريطاني بدأت تستشعر خطر التحريض المتزايد على المسلمين في البلاد، بعد توالي الأرقام التي تؤشر إلى انتشار غير مسبوق لهذا السلوك المتطرف ضد الجاليات المسلمة، ويسود قلق من تبنٍّ لافت لخطاب اليمين الشعبوي، لا سيما في الفضاء الرقمي.
ومع تعالي الأصوات المحذرة من تراخي الحكومة في التصدي للإسلاموفوبيا على غرار سابقاتها، أعلن وزير شؤون العقيدة واجد خان -قبل أيام- تخصيص ما يقارب مليون جنيه إسترليني (1 جنيه إسترليني يساوي 1.29 دولار) لإنشاء هيئة مستقلة لرصد جرائم الكراهية ضد المسلمين والتبليغ عنها ودعم الضحايا.
هذه الخطوة جاءت مدفوعة بأرقام صادرة عن أكثر من جهة، في مقدمتها الشرطة البريطانية التي حذرت من ارتفاع غير مسبوق في شكوى التحريض والعنصرية ضد الأقليات المسلمة، حيث كشفت عن ارتفاع يقدر بـ73% في نسب الحوادث التي على صلة بالإسلاموفوبيا خلال السنة الماضية، مشيرة إلى أن 40% من حوادث العنف المرتبطة بأسباب دينية عام 2024 كان ضحيتها مسلمون.
بطء التدخلبدورها، أعلنت مؤسسة "تيل ماما" البريطانية الحقوقية، التي تُعنى بقضايا الكراهية ضد المسلمين، أنها سجلت العام الماضي أكبر عدد للشكوى من حوادث العنصرية والكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة منذ تأسيسها قبل 12عاما.
إعلانلكن الصورة المقلقة التي ترسمها -على حد سواء- الجهات الحكومية والمستقلة للانتشار السريع للإسلاموفوبيا في بريطانيا، يقابلها بطء في سن التشريعات القانونية لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم.
فقبل أسابيع بادرت حكومة حزب العمال لتشكيل لجنة استشارية من الخبراء لوضع تعريف للإسلاموفوبيا يساعد الدوائر الحكومية والشرطة على التعامل مع شكوى التحريض والكراهية ضد المسلمين.
وكان الحزب قد تعهد خلال حملته الانتخابية بجعل هذا التعريف حيز الوجود حال وصوله للسلطة، حيث أعلن تبنيه تعريفا للإسلاموفوبيا صاغته لجنة برلمانية تمثل مسلمي بريطانيا عن كل الأحزاب "إيه بي بي جيه" (APPG) عام 2019 يصفها بأنها "العنصرية المعادية لأي مظهر من مظاهر الإسلام أو أي تصورات عن المسلمين".
وسرعان ما قررت حكومة حزب المحافظين السابقة برئاسة ريشي سوناك إيقاف عمل لجنة شكلتها لصياغة تعريف للإسلاموفوبيا عام 2022، دون أن تنتهي من وضع إطار واضح لتعريف جرائم الكراهية ضد المسلمين يسمح بملاحقة الضالعين فيها.
حلول فعالةلكن ما التزم به حزب العمال هو على مقاعد المعارضة، ويبدو أنه يتمهل في تبنيه مع وصوله للحكم، حيث قال وزير شؤون العقيدة واجد خان إن "التعريف الذي قدمته المجموعة البرلمانية يتعارض مع قانون المساواة البريطاني ويمس بحرية الرأي والتعبير والحق في انتقاد الأديان".
وفضلت الحكومة البريطانية حصر مهام اللجنة الحكومية التي ألفتها في تقديم استشارات غير ملزمة للهيئات الحكومية لمساعدتها على محاربة جرائم الكراهية ضد المسلمين، مما أثار مخاوف من غضها النظر عن سن تعريف قانوني ملزم للإسلاموفوبيا يوفر إطارا تشريعيا لمحاسبة المتورطين في هذه الجرائم.
وفي حين رحب مسعود أحمد نائب الأمين العام للمجلس الإسلامي البريطاني، أكبر هيئة إسلامية في بريطانيا، بسعي حكومة حزب العمال لوضع تعريف للإسلاموفوبيا، فإنه يرى أن صياغته والتوافق عليه قد تمت في السابق وأيده الحزب ولم تعارضه إلا المجموعات اليمينية المتطرفة المعروفة بعدائها للمسلمين في البلاد.
إعلانودعا الحكومة للعمل مع المجتمعات المحلية لإيجاد حلول فعالة تحاصر كل أنواع السلوك التحريضي ضد المسلمين. وأضاف للجزيرة نت أن الساسة البريطانيين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تجاهل خطاب الكراهية المتنامي وتحمل التداعيات المترتبة عن ذلك، أو مواجهته بشكل صحيح من خلال التصدي للتمييز الممنهج ضد المسلمين في الخطاب السياسي والإعلامي والفضاء الرقمي.
موجة متناميةومع بلوغ حالة الاستقطاب الحاد، التي تعيش على وقعها الساحة السياسية البريطانية، ذروتها في ظل حرب الإبادة في غزة، ارتفعت أصوات في الفضاء الافتراضي والمجال العام تَسم المسلمين بمعاداة السامية والتطرف ودعم الإرهاب، قبل أن ينفجر هذا التحريض على شكل موجة أعمال شغب غير مسبوقة في البلاد قادها محسوبون على اليمين المتطرف الصيف الماضي ضد الأقليات المسلمة.
كما لم تستثنِ موجة الإسلاموفوبيا المتنامية مؤخرا وجوها سياسية بارزة، كعمدة لندن صادق خان، المسلم من أصول باكستانية، حيث كشفت إحصاءات صادرة عن السلطات البريطانية أن خان أصبح هدفا لهجوم عنصري ممنهج يعادي أصوله المسلمة على منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن تضاعفت التعليقات التي تبث خطاب كراهية ضده خلال السنة الماضية مقارنة مع السنوات السابقة منذ توليه منصبه.
وقال محمد كوزبر أحد أمناء مجلس مسلمي بريطانيا -للجزيرة نت- إن اليمين المتطرف في بريطانيا يحاول الاستثمار في الظرف الدولي الذي يتميز باستمرار الانقسام حول الحرب في غزة ووصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلطة الداعم للتيارات الشعبوية في أوروبا، لنشر ثقافة كراهية المسلمين والتخويف منهم.
وبرأي كوزبر، الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس مسجد فينسبري بارك أكبر مساجد لندن، أن الصرامة التي تواجه بها الحكومات البريطانية حوادث معاداة السامية غائبة بشكل لافت في مواجهة انتشار خطاب التحريض ضد المسلمين في البلاد.
إعلانوحذر من أن ارتفاع منسوب الكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة يعمق إحساس الأقليات المسلمة في البلاد بعدم الأمان ويضعف قدرتهم على الاندماج.