جالب للرحمة ودافع للنقمة .. خطيب المسجد الحرام: لا تتهاونوا بهذا الذكر
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
قال الشيخ الدكتور بندر بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن من رحمته سبحانه بعباده فَتْحُ بابِ التوبة لهم، ومغفرةُ ذنوبِهم، وسَترُ عيوبِهم؛ إذْ حِلمُه سبق غضبَه، وعفوُه سبقَ مؤاخذتَه، ثم يُدخِلُهُم جنتَه برحمته لا بأعمالهم فحسْب.
جالب للرحمةواستشهد " بليلة " خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بما ورد عن أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما قضى اللهُ الخلقَ كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سَبَقتْ غضبي) وفي رواية: (غَلبتْ غضبي)، مشيرًا إلى أن أسعدَ الناسِ برحمة اللهِ مَن جانبَ المعاصي والمحرمات، وأقبل على الطاعات والقُرُبات.
ونبه إلى أن الاستغفارُ جالبٌ للرحمة، دافع للنِّقمة، فمَن رَحِم عبادَ اللهِ رحمهُ الله، وفي الحديث: (إنما يَرحمُ اللهُ مِن عباده الرحماء) من حديث أسامةَ بنِ زيدٍ رضي اللهُ عنه، منوهًا بأن الله سبحانه وتعالى وضعَ الرحمةَ بين عباده وبين الحيوان ليتراحموا، فما رحمةُ الأمُّ بأولادها.
وأضاف: وما رحمةُ القلوبِ البشريةِ بالضعفاء، وما رحمةُ الطيرِ والوحشِ بعضها ببعض، إلا فيضُ رحمةٍ من رَحَمات الرحيم سبحانه جل وعلا، منوهًا بأن الله عز وجل قد غَمَرَ الخلقَ بفضله وأمطرهم بوابل السحائب، وعمَّهم بنَيله ولطف بهم عند النوائب.
ودلل بما ورد عن أبي هريرة رضي اللهُ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله مائةَ رحمة، أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تَعطِفُ الوحشُ على ولدها، وأخَّرَ اللهُ تسعًا وتسعين رحمة، يرحمُ بها عبادَه يوم القيامة).
معرفةُ اللهِواستطرد : وقال ابنُ القيم رحمه الله: (وأنت لو تأملتَ العالمَ بعَينِ البصيرةِ لرأيتَه مُمتلئا بهذه الرحمةِ الواحدة، كامتلاء البحرِ بمائه، والجوِّ بهوائه)، مشيرًا إلى أن معرفةُ اللهِ سبحانه وتعالى أصلُ الدين، وسُلَّمُ اليقين، واللهُ سبحانه له من الأسماءِ أكرمُها، ومن الصفاتِ أعظمُها، ومن أسمائه سبحانه الرحمنُ والرحيم، ومِن صفاتِه الرحمة، وهي صفةُ كمالٍ لائقةٍ به سبحانه، لا نقصَ فيها بوجه من الوجوه.
وأفاد بأن رحمةَ ربِّنا سبحانه عامةٌ شاملة، عَمَّت الكونَ ومَن فيه، وآثارُ رحمته سبحانه ظاهرةٌ للعَيان، واضحةٌ للأنام، فبرحمته خلق الإنسان في أحسن تقويم، وسوَّى جِسمَه وأحيا روحَه، وأمدَّه بالعقل، وغَذَاه بالنِّعم وبرحمته خَلَقَ الشمسَ والقمر، وجَعَل الليلَ والنهار، وبَسَط الأرض، وجعلها مِهادًا وفِراشًا وقرارا، وكِفاتًا للأحياء والأموات، وبرحمته سبحانه أرسلَ الرُّسُل، وأنزلَ الكتب؛ هُدىً للخَلْق بعد ضلالة، وتعليمًا بعد جَهالة، وتبصيرًا مِن عَمى، ورُشدًا مِن غَي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام بليت خطبة الجمعة من المسجد الحرام
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: إعطاء الصدقات لغير المسلمين من قبيل التعاون والاستباق في الخير
قالت دار الإفتاء المصرية إن الشريعة الإسلامية جاءت بالرحمة بجميع الخلق؛ ومن مظاهر هذه الرحمة ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع غير المسلمين؛ حيث أمر أن يُعْطوا من الصدقات وأن يجري عليهم القوت.
مصارف إنفاق أموال الصدقاتروى العلامة البلاذري في "فتوح البلدان" (ص: 131، ط. دار ومكتبة الهلال)، قال: [حدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند مقدمه الجابيةَ من أرض دمشق، مر بقوم مُجذَّمين من النصارى، فأمر أن يُعطَوْا من الصدقات، وأن يجري عليهم القوت] اهـ.
وعن جابر بن زيد: أنه سئل عن الصدقة فيمَن توضع؟ فقال: "في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم"، وقال: "قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".
وقال الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" (3/ 338، ط. دار الكتب المصرية): [وقال المهدوي: رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم] اهـ.
فالاختلاف في الدين لا ينبغي أن يكون مانعًا من أسباب الود والرحمة بين الناس؛ لأنه سنة كونية أرادها الله تعالى؛ قال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
وإعطاء الصدقات لغير المسلمين من قبيل التعاون والاستباق في الخير بين الأمم المختلفة في الدين؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: 48].
وقال العلامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 261، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وصحَّ دفع غير الزكاة إلى الذمي واجبًا كان أو تطوعًا؛ كصدقة الفطر، والكفارات، والمنذور؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [(و) تحل -أي: صدقة التطوع- لغير المسلم] اهـ بتصرف يسير.