آلاف السودانيين هربوا من الحرب.. فأنعشوا السياحة في أسوان المصرية
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
فرانس برس
لجأ آلاف السودانيين إلى أسوان المصرية، هربا من الحرب الدائرة في بلادهم، فساهموا في إنعاش السياحة في المدينة الفرعونية الجنوبية، خارج موسهما الرئيسي.
ووصل هاشم علي (54 عاما) إلى أسوان، بعدما قطع آلاف الكيلومترات من الخرطوم، التي هرب منها تحت القصف، إلى الحدود المصرية شمالا.
بعدما وجد شقة لتسكن فيها عائلته في هذه المدينة الكبيرة، يأمل الموظف السوداني السابق أن يستفيد أبناؤه الآن من وجودهم فيها.
ويقول علي، وهو جالس على شرفة فندق، عادة ما يكون مزدحما في الموسم السياحي في الشتاء، إنه جاء "لقضاء يوم جميل مع أسرته".
ويتابع فيما يلهو أبناؤه وتعلو ضحكاتهم من حوله، أنه حرص على هذه النزهة لعلها تساهم في أن تنسى عائلته "الحرب والقنابل والغارات الجوية والقصف".
ومنذ بدأت الحرب في السودان في 15 أبريل، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمادن دقلو "حميدتي"، لجأ نحو 310 آلاف سوداني إلى مصر.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، ينتظر الكثيرون، بعد قرار مفاجئ من مصر في يوليو، بإعادة العمل بتأشيرات الدخول لكل السودانيين الفارين من الحرب، بعدما كان الأطفال والأشخاص فوق سن الخمسين يعبرون دون تأشيرة.
ونجحت زينب إبراهيم، البالغة من العمر 30 عاما، في عبور الحدود قبل 3 أشهر.
قبل ذلك، ظلت مع أسرتها محبوسة داخل شقتها في الخرطوم، خوفا من القصف الجوي وقذائف المدفعية ومعارك الشوارع.
وتقول لوكالة فرانس برس: "كنت حاملا ولم يكن هناك أي مستشفى يمكن أن ألد فيه طفلي" في السودان، حيث أصبح الملايين محرومين من الرعاية الصحية، بعدما قضت الحرب على النظام الصحي السوداني، الذي كان هشا في الأصل.
وبمجرد دخلوهم مصر، يتوجه كثيرون من اللاجئين السودانيين إلى القاهرة، بينما يفضل آخرون مثل علي وإبراهيم البقاء في أسوان، وهي أول أكبر مدينة مصرية للقادم من السودان، على بعد قرابة 300 كيلومتر من الحدود بين البلدين.
سباحة في النيل
قبل بداية الحرب، كان 4 ملايين سوداني يقيمون في مصر، وفق الأمم المتحدة.
ويتطلع غالبية الوافدين الجدد إلى الإقامة بشكل دائم في مصر، بعيدا عن بلدهم الذي يرون أنه "لن يتمكن من النهوض مجددا قبل عقود".
وفي موسم الشتاء، تأتي إلى أسوان أفواج من السياح المصريين والأجانب، لاكتشاف الآثار الفرعونية والتنزه على ضفاف النيل، والاستمتاع بدرجات الحرارة المعتدلة في تلك الفترة من السنة.
لكن سكان أسوان لم يتوقعوا مثل هذا التدفق للاجئين، ولا الفرص التي جلبها هؤلاء معهم.
خسائر بشرية ومادية كبيرة بسبب الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان- الصورة بتاريخ الأول من سبتمبر 2023
وفيما يهرب السياح المصريون من أسوان مع ارتفاع الحرارة في الصيف، عادت المراكب السياحية للعمل مطلع سبتمبر.
وبدأت المراكب مجددا بتنظيم الرحلات بين الجزر النوبية في النيل، فيما تصدح أصوات الموسيقى المبهجة. وتستمتع العائلات بتناول القهوة النوبية على ضفة النيل، فيما ينصح المرشدون الركاب بالاستحمام في مياه النهر.
"عنصرية"
يقول محمود الأسواني، البالغ من العمر 19 عاما، وهو يقف على "فلوكة" (قارب صغير) يعمل عليها منذ 5 سنوات: "منذ الحرب ووصول أشقائنا السودانيين، استأنفنا النشاط وزاد الطلب على الرحلات النيلية".
وشكّل ذلك نبأ سارا في بلد يمر بأزمة اقتصادية خانقة، بلغت نسبة التضخم خلالها مستوى قياسيا. غير أنه لا يتم استقبال كل السودانيين بالطريقة نفسها.
ففي القاهرة، يشكو بعض السودانيين من "التمييز والعنصرية"، ومن أصحاب الشقق والمنازل الذين "يبالغون في الأسعار".
لكن في أسوان، حيث يعيش النوبيون الذين يقيمون منذ آلاف السنين عند الحدود بين البلدين، وجد السودانيون متطوعين يستقبلونهم مع وجبات ساخنة. ويكرر علي باستمرار: "أسوان مدينة جميلة وأناسها طيبون".
لكن بعيدا عن هذه المبادرات الفردية القليلة، يترك اللاجئون لمواجهة مصيرهم بمفردهم.
وتمنع السلطات المصرية وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، من إقامة مخيمات لإيواء اللاجئين، مؤكدة في المقابل أنه يُسمح للوافدين بالعمل والتنقل بحرية.
فرانس برس
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان ...هل تنتهي قريبا أم تتسع؟!
في الخامس عشر من أبريل الجاري تحل الذكرى الثانية لاندلاع الحرب في السودان الشقيق بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني وبين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان «دقلو حميدتي» الذي كان نائبا للبرهان قبل أن يقوم البرهان بإقالته من مختلف مناصبه في إطار الخلاف الحاد بينهما أو بمعنى أدق صراع السلطة بين رئيس مجلس السيادة ونائبه. ومن المفارقات أن كثيرين داخل السودان وخارجه لم يتوقعوا أن تستمر هذه الحرب أكثر من بضعة أسابيع أو أشهر على الأكثر لاعتبارات عديدة تتصل بظروف السودان الداخلية والاقتصادية والتحديات التي يواجهها، ويبدو أن مطامع السيطرة على السودان والاستيلاء على موارده المعدنية وإمكاناته الغذائية الغنية نسبيا قد حركت مطامع وتطلعات أطراف مختلفة تتطلع للسيطرة على السودان وبما يخدم مصالحها وليس مصالح الدولة والمجتمع والشعب السوداني الشقيق، ولعل مما له دلالة في هذا المجال أن أكثر من طرف إقليمي ودولي قد فكر وربط بين مساعدته المحتملة وبين حصوله على مكاسب محددة في شكل قواعد عسكرية في الأراضي والمياه السودانية وهو ما بدأ التمهيد له بشكل أو بآخر في حالات محددة؛ نظرا للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للإقليم والموارد السودانية بما فيها الذهب واليورانيوم وغيرها، والتي وضع قائد قوات الدعم السريع «دقلو» وبعض أنصاره أيديهم عليها ويعملون على استغلالها بعيدا عن الدولة السودانية وهو ما ساعده في الواقع ويساعده على الاستمرار في الحرب وذلك عبر شركات خاصة يشرف عليها هو بشكل مباشر. وليس من المبالغة القول بأن توفر هذه الأموال، فضلا عن المساعدات التي تقدمها أطراف عربية وإقليمية لطرفي الحرب وخاصة لقائد قوات الدعم السريع تؤثر في الواقع على مجرى القتال وهو ما ظهر بوضوح في الأشهر الماضية غير أن ذلك بدأ يتغير بشكل أو بآخر، خاصة مع تغيير تكتيكات الجيش السوداني في التعامل مع العديد من الأطراف ذات الصلة وقيام عدد متزايد من المسؤولين السودانيين بزيارات لدول شقيقة وصديقة قادرة على تقديم بعض مما يحتاجه الجيش السوداني في معاركه. ويمكن القول إن إمدادات السلاح لطرفي القتال في السودان يؤثر على توازن القوى على الأرض بين الجيش وقوات الدعم السريع مع أخذ طبيعة الأوضاع ككل في السودان في الاعتبار. وفي ضوء ذلك تبدلت الأوضاع بين القوتين المتصارعتين بشكل أو بآخر وخلال فترات مختلفة تأثرا بتلك التغيرات. ولعل من أكثر التغيرات أهمية في الأيام الأخيرة أن ميزان القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قد طرأ عليه تغيرات مهمة ومؤثرة إلى حد ملموس، فقد تقدمت قوات الجيش بزعامة عبدالفتاح البرهان في العاصمة السودانية الخرطوم واستعادت مباني القصر الجمهوري من أيدي قوات الدعم السريع التي كانت تستولي عليه منذ بداية القتال كما سيطرت قوات الجيش على الإذاعة السودانية. وأعلن البرهان السيطرة على العاصمة الخرطوم ومن جانب آخر أعلنت قوات الدعم السريع الانسحاب منها والتمركز في أم درمان تمهيدا لإعادة تجميع وتنظيم القوات و«النصر» على حد زعم حميدتي في الأيام القليلة الماضية وهو ما كان بمثابة محاولة منه لرفع الروح المعنوية لقواته التي تعرضت لأكبر هزيمة لها منذ بدء القتال قبل عامين. وإذا كانت الهزيمة والانسحاب من الخرطوم بعد عامين من بدء القتال مؤشرا لا يمكن تجاهله أو الحد من أهميته فإنه من المهم والضروري الإشارة إلى عدد من الجوانب من أهمها أولا، أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة حاولت العمل على حل المشكلة في السودان من خلال التعاون والتنسيق مع المملكة العربية السعودية في بداية اندلاع الحرب، فإن محاولات التدخل هذه لم تنجح إلا في وضع بعض الأسس التي يمكن أن يدور الحل في إطارها أو الاسترشاد بها، وظلت هذه الأسس والمبادئ أفضل إلى جانب خريطة الطريق الأفريقية تمثل الأساس للعمل في نطاقها غير أن المشكلة ظلت متمثلة في عدم القدرة، أو بمعنى أدق عدم الرغبة في التحرك العملي الجاد لإيجاد الحل المناسب واكتفت واشنطن والرياض بإحالة الأمر إلى الأطراف السودانية وتحميلها مسؤولية عدم الرغبة في الحل؛ بسبب اعتقاد كل جانب في الحرب أنه يمكنه حسم الأمر لصالحه في النهاية بالوسائل العسكرية وبينما تم بالفعل قبول استقالة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان السابق وتعيين ممثل جديد مؤخرا، فقد أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستعمل من أجل حل الأزمة السودانية وهو ما يعني أن جهدا أمريكيا سيضاف إلى الجهود المبذولة وهو ما قد يفتح آفاقا جديدة على طريق الحل، ومن المعروف أن هناك جهودا من جانب الاتحاد الأفريقي و«إيجاد» وأن هناك خريطة طريق أفريقية منذ مايو 2023 وهناك لجنة أفريقية برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني إلى جانب إعلان جدة برعاية أمريكية سعودية مشتركة، ومن المنتظر أن تسهم زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للرياض في أول زيارة له للخارج قريبا في دفع الأزمة السودانية نحو الحل بشكل أو بآخر، ومن المأمول ألا يؤدي تعدد الجهات الراغبة في العمل لحل الأزمة السودانية إلى تعارض الجهود وتعطيلها بدلا من العمل على دفعها على طريق الحل وقد يؤدي الزخم الأمريكي العام بالنسبة لأوكرانيا وسوريا ولبنان إلى فتح الطريق أمام تحركات أمريكية فاعلة خاصة بعد هزيمة قوات الدعم السريع في الخرطوم مؤخرا.
ثانيا، أنه من المهم أن تؤكد قوات الدعم السريع على أنها لا تقبل بالهزيمة التي تعرضت لها مؤخرا، حتى لو استخدمت تبريرات ساذجة أو مكشوفة ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى الإسراع، في الاشتراك في معارك أو مواجهات متفرقة من أجل أن يؤدي ذلك إلى رفع معنويات منتسبيها بشكل أو بآخر، ومن هنا جاءت عملية إسقاط طائرة تابعة للجيش في الخرطوم والعمل ضد الجيش السوداني قبل أيام للتأكيد على قدرة قوات الدعم السريع على الانخراط في القتال مرة أخرى وأنها ستعمل بقوة من أجل تعزيز قدراتها القتالية وذلك لن يعوض على أي نحو الخسارة المتمثلة في طرد قواتها من الخرطوم وما يترتب على ذلك من نتائج. يضاف إلى ذلك أنه إذا كانت قوات الجيش السوداني ستعمل من جانبها على تعزيز قدراتها القتالية وتوحيد ودمج قواها البشرية معا ضمن وحداتها لسد الفجوات وغلق نقاط التسلل البينية ستكون أمامها فترة اختبارات بين وحداتها فإن الفترة القادمة ستحتاج بالضرورة إلى نفقات كثيرة لشراء معدات متطورة ولتعزيز القدرة القتالية للقوات بما يزيد من قدرات الجيش ويعزز قرارات التصدي لقوات الدعم السريع التي تحاول النهوض مرة أخرى وهو ما يعني أن أمامها فترة اختبار لاستعادة قواتها وقدراتها السابقة. ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك على الموقف في أرض المعركة وعلى قدرة الجيش على إنهاء القتال من ناحية وعلى قدرة قوات الدعم السريع على توسيع رقعة القتال مرة أخرى من ناحية ثانية، وهي تحديات من الصعب حسمها الآن إلا إذا ضمن الجيش إمدادات أسلحة كافية ومن نوعيات مؤثرة وبشكل يتجاوب مع الاحتياجات العملية للقوات المسلحة في الميدان وهي أمور تحتاج في الواقع إلى تعاون مع أطراف أخرى موثوق فيها ولديها الإمكانيات الكافية لتوفير احتياجات الجيش السوداني بشكل كاف وفي الوقت الملائم، أما قوات الدعم السريع فمصيرها سيتوقف على ما ستتعرض له ومدى قدرتها على تعويضه وإيجاد السبل الملائمة لتعويض خسائرها على الأرض وإلا تحولت إلى فلول وبقايا ميليشيات تتسبب في كثير من المشكلات المباشرة وغير المباشرة وهو ما تحتاج القوات المسلحة إلى أن تأخذه في الاعتبار وتستعد له وإن كان ثمنه يظل غاليا في النهاية.
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري