سوريا الطاردة لأبنائها.. جاذبة لمن؟
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
إذا صحت التقارير الواردة من لبنان بأن أكثر من 1200 سوري يعبرون الحدود السورية إلى لبنان، فضلا عن أعداد كبيرة تخرج عن طريق المعابر الرسمية (المطارات السورية)، بالتوازي مع خروج أعداد أخرى عن طريق مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية وإدلب، فهذا يعني أن سوريا تفرغ من سكانها الباقين، أو ربما من جيل كان صغيرا أثناء الحرب، وعندما كبر ها هو يشد الرحال إلى أركان الدنيا الأربع هربا من مأساة ما زالت مفتوحة على أفق كوارث عديدة.
لم يحصل في التاريخ البشري أن بلدا ما هجره نصف سكانه، فيما النصف الآخر يدق يوميا أبواب الهجرة، لدرجة أن الحديث عن الهجرة يشغل السوريين أكثر من أي شيء آخر، ما يعني أن كل الكلام عن السلام والاستقرار في سوريا، والمشاريع العربية لإعادة تأهيل النظام وسواها، ليست سوى محاولة لنثر السكّر على الموت، في بلاد أصبحت طاردة لأهلها، وربما بعد وصولهم إلى قناعة بأن لا مستقبل جيدا تخبئه بلاد تحكمها عصابات، وأن مشاريع إسقاط هذه العصابات تراجعت نهائيا، فيما أقصى المطروح حاليا استرضاء نظام الأسد لاستقبال ألف لاجئ، والتخفيف من وتيرة إرسال شحنات المخدرات للعالم الخارجي.
في فترات سابقة، جرى الحديث عن عمليات استبدال للسوريين، عبر المجيء بأناس آخرين، وفي الأغلب أتباع إيران، للحلول مكان أبناء البلد، وربما اشتغلت إيران بالفعل على هذه الاستراتيجية، لكن يبدو أنها في طريقها للفشل، فسوريا الطاردة لأبنائها لن تستطيع جذب الآخرين، لأن الأسباب التي طردت أولئك هي التي تقف حائلا أمام جذب الآخرين، حتى لو كانوا من الفقراء والمعدمين في باكستان وأفغانستان
لم يعد الحلم ممكنا في سوريا، فالجائع والبردان والمرعوب لا يملك رفاهية الأحلام، ولا يلام من لم يحصل حتى على العيش على الكفاف عن التفكير بمخارج لهذا الوضع المغلق من كل الجهات، فيما تتحكم به سلطة فاجرة، تصدّع رأسه صباح مساء بأهزوجة نصرها الذي حققته في مواجهة أكثر من مئة دولة! وتطلب منه عند كل حاجز الهتاف بالروح والدم للقائد الفذ والعبقري الذي حقّق هذا الإنجاز المذهل للسوريين!
تحطمت في سوريا البنية التحتية التي يمكن للمجتمع أن يمارس حياته وفعالياته فوقها، ليست الكهرباء وخطوط الهاتف والطرقات فقط، بل الشبكات الاجتماعية التي تحطمت بالكامل، العلاقات التي يبنيها الإنسان طوال عمره، مع جاره وصاحب البقالة والجزار وبائع الخضار، مع رجل الدين ومختار الحي والطبيب والصيدلاني، مع سائق الحافلة ومدرّس الأبناء، ومع عامل الكهرباء والتمديدات الصحية وصانع المفاتيح، هذه العلاقات، على بساطتها كانت تمثل رأس مال رمزيا وقيمة مضافة لهؤلاء، تحطمت مع جدران البيوت وخراب الشوارع والأحياء.
وفي تلك الأحياء، استطاعت جماعات سورية كبيرة تدبّر أمور معاشها عبر المشاريع والورش الصغيرة، غالبا في المنازل ويعمل بها أفراد الأسرة الواحدة، وكان كل مشروع، من مئات الآلاف هذه المشاريع المنتشرة في حلب ودمشق وحمص وغيرها، يُخرج الطبيب والمعلم والبنّاء والبقال، وفي الأرياف، كان من لديه بقرتان أو بضع دجاجات أو أرض يزرعها، يضع نفسه على سكة الحالمين بصناعة مستقبل أفضل لأولاده، كانت ماكينة لصنع الحياة، تعطلت اليوم.
ما يزال ثمة بصيص أمل في أن يتوقف نزيف الهجرة من سوريا، وتعود البلاد جاذبة لأهلها بعد أن ينزاح الكابوس الثلاثي عن صدرها، الأسد وإيران وروسيا، رغم أن موازين القوى لا ترجح مثل هذا الأمل اليوم، إلا أن انتفاضات مثلما يحصل في السويداء اليوم، وتململا كما هو حاصل في مناطق الساحل السوري، قد تفتح كوة في جدار اليأس، ذلك أن مثل هذه الديناميكيات عندما تبدأ لا أحد يستطيع معرفة إلى أين ستصل
تم تدمير هذه الشبكات وتحطيم الديناميكيات المولّدة لها بمنهجية وتخطيط عميق، الهدف منها ألا تعاود هذه البيئات صناعة وإنتاج الأحلام، لأنه تبين أن في هذا خطرا على السلطة، فقد خرجت من ورشات المنازل ومن المزارع أصوات تطالب بالحرية والعدالة والمساواة، ما يجعل من استمرارها إشكالية معقّدة، لذا فالأفضل أن يهيم أبناء هذه البيئات على وجوههم، نازحين ولاجئين، وأن يدركوا أن لا بدائل أخرى أمامهم سوى الركوع والجوع.
في فترات سابقة، جرى الحديث عن عمليات استبدال للسوريين، عبر المجيء بأناس آخرين، وفي الأغلب أتباع إيران، للحلول مكان أبناء البلد، وربما اشتغلت إيران بالفعل على هذه الاستراتيجية، لكن يبدو أنها في طريقها للفشل، فسوريا الطاردة لأبنائها لن تستطيع جذب الآخرين، لأن الأسباب التي طردت أولئك هي التي تقف حائلا أمام جذب الآخرين، حتى لو كانوا من الفقراء والمعدمين في باكستان وأفغانستان.
لكن، وبالرغم من كل هذا الأسى، ما يزال ثمة بصيص أمل في أن يتوقف نزيف الهجرة من سوريا، وتعود البلاد جاذبة لأهلها بعد أن ينزاح الكابوس الثلاثي عن صدرها، الأسد وإيران وروسيا، رغم أن موازين القوى لا ترجح مثل هذا الأمل اليوم، إلا أن انتفاضات مثلما يحصل في السويداء اليوم، وتململا كما هو حاصل في مناطق الساحل السوري، قد تفتح كوة في جدار اليأس، ذلك أن مثل هذه الديناميكيات عندما تبدأ لا أحد يستطيع معرفة إلى أين ستصل، وخاصة إذا أحرق أصحابها مراكب الهجرة.. والرجوع لحضن الاستبداد.
twitter.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا نازحين سوريا لاجئين تهجير نازحين مقالات مقالات مقالات أفكار رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
عالم مغربي يحصل على براءة اختراع جديدة في الصين.. ماذا ابتكر؟
تمكّن العالم المغربي، رشيد اليزمي، في الآونة الأخيرة، من الحصول على براءة اختراع جديدة في الصين، تتعلق بتقنيته في الشّحن السريع لبطاريات الليثيوم، وهي الموجّهة بشكل خاص للسيارات الكهربائية.
وأوضح اليزمي، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أنا فخور بأن أعلن أنه بعد اليابان في فبراير الماضي، جاء الدور على الصين لمنحنا براءة اختراع عن تقنية الشحن السريع للبطاريات، وخاصة للسيارات الكهربائية ".
تجدر الإشارة إلى أن هذه التقنية، تعتمد على منهجية مبتكرة تعرف بـ"الجهد غير الخطي"، ما يمكن من تقليص مدة شحن بطاريات الليثيوم بشكل كبير. أظهرت الاختبارات التي أجريت في سنغافورة، حيث يقيم الباحث، أداء وصف بكونه "استثنائيا"، حيث وصلت أوقات الشحن إلى 15 دقيقة، وحتى 5 دقائق في بعض الحالات.
وبحسب موقع "سي أن أن"، فإن: الشريحة تدمج مع بطارية الهاتف الذكي وتتيح تنبيه مستخدمه في حالة ما ارتفعت حرارة البطارية، كي لا يتم إتلاف الهاتف أو إحداث حرائق، فضلا عن الزيادة في عمر البطارية، وسرعة شحن الهاتف بالطاقة.
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام مختصة في التقنية، فإنه سوف يقع تسويق هذه الشريحة الذكية التي اخترعها فريق من ثلاثة باحثين، يترأسهم المغربي رشيد يزمي، ابتداء من نهاية عام 2016.
وسوف تمكن، للمرة الأولى، كل الهواتف الذكية من شحن قياسي للغاية ينهي معاناة مستخدميها مع انتظار ساعات طوال لأجل ذلك، بعدما كان تقليل الوقت حكرا على بعض الأنواع.
إلى ذلك، يأتي هذا الابتكار في سياق تطوير الطاقات المتجددة بالمغرب، خاصة عقب توقيع اتفاقية استثمار بقيمة 1,3 مليار دولار بين المجموعة الصينية الأوروبية لبطاريات السيارات الكهربائية "غوشن هاي تيك" والحكومة المغربية من أجل بناء وحدة صناعية ضخمة بمدينة القنيطرة.
وسبق للعالم المغربي، رشيد يزمي، الذي عاش في فرنسا واليابان والولايات المتحدة، قبل أن يحط الرحال بسنغافورة منذ عام 2010، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة في مدينة فاس، بالمغرب، أن قام بإنجاز أكثر من 200 اختراع، فضلا عن 250 إصدار علمي.
إثر ذلك، حاز يزمي على عدة جوائز منها جائزة "تشارلز ستارك درابر" التي تمنحها الأكاديمية الوطنية للهندسة في الولايات المتحدة، كما سبق له أن عمل مع وكالة الناسا الأمريكية.