عربي21:
2024-08-13@09:48:37 GMT

سوريا الطاردة لأبنائها.. جاذبة لمن؟

تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT

إذا صحت التقارير الواردة من لبنان بأن أكثر من 1200 سوري يعبرون الحدود السورية إلى لبنان، فضلا عن أعداد كبيرة تخرج عن طريق المعابر الرسمية (المطارات السورية)، بالتوازي مع خروج أعداد أخرى عن طريق مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية وإدلب، فهذا يعني أن سوريا تفرغ من سكانها الباقين، أو ربما من جيل كان صغيرا أثناء الحرب، وعندما كبر ها هو يشد الرحال إلى أركان الدنيا الأربع هربا من مأساة ما زالت مفتوحة على أفق كوارث عديدة.



لم يحصل في التاريخ البشري أن بلدا ما هجره نصف سكانه، فيما النصف الآخر يدق يوميا أبواب الهجرة، لدرجة أن الحديث عن الهجرة يشغل السوريين أكثر من أي شيء آخر، ما يعني أن كل الكلام عن السلام والاستقرار في سوريا، والمشاريع العربية لإعادة تأهيل النظام وسواها، ليست سوى محاولة لنثر السكّر على الموت، في بلاد أصبحت طاردة لأهلها، وربما بعد وصولهم إلى قناعة بأن لا مستقبل جيدا تخبئه بلاد تحكمها عصابات، وأن مشاريع إسقاط هذه العصابات تراجعت نهائيا، فيما أقصى المطروح حاليا استرضاء نظام الأسد لاستقبال ألف لاجئ، والتخفيف من وتيرة إرسال شحنات المخدرات للعالم الخارجي.

في فترات سابقة، جرى الحديث عن عمليات استبدال للسوريين، عبر المجيء بأناس آخرين، وفي الأغلب أتباع إيران، للحلول مكان أبناء البلد، وربما اشتغلت إيران بالفعل على هذه الاستراتيجية، لكن يبدو أنها في طريقها للفشل، فسوريا الطاردة لأبنائها لن تستطيع جذب الآخرين، لأن الأسباب التي طردت أولئك هي التي تقف حائلا أمام جذب الآخرين، حتى لو كانوا من الفقراء والمعدمين في باكستان وأفغانستان
لم يعد الحلم ممكنا في سوريا، فالجائع والبردان والمرعوب لا يملك رفاهية الأحلام، ولا يلام من لم يحصل حتى على العيش على الكفاف عن التفكير بمخارج لهذا الوضع المغلق من كل الجهات، فيما تتحكم به سلطة فاجرة، تصدّع رأسه صباح مساء بأهزوجة نصرها الذي حققته في مواجهة أكثر من مئة دولة! وتطلب منه عند كل حاجز الهتاف بالروح والدم للقائد الفذ والعبقري الذي حقّق هذا الإنجاز المذهل للسوريين!

تحطمت في سوريا البنية التحتية التي يمكن للمجتمع أن يمارس حياته وفعالياته فوقها، ليست الكهرباء وخطوط الهاتف والطرقات فقط، بل الشبكات الاجتماعية التي تحطمت بالكامل، العلاقات التي يبنيها الإنسان طوال عمره، مع جاره وصاحب البقالة والجزار وبائع الخضار، مع رجل الدين ومختار الحي والطبيب والصيدلاني، مع سائق الحافلة ومدرّس الأبناء، ومع عامل الكهرباء والتمديدات الصحية وصانع المفاتيح، هذه العلاقات، على بساطتها كانت تمثل رأس مال رمزيا وقيمة مضافة لهؤلاء، تحطمت مع جدران البيوت وخراب الشوارع والأحياء.

وفي تلك الأحياء، استطاعت جماعات سورية كبيرة تدبّر أمور معاشها عبر المشاريع والورش الصغيرة، غالبا في المنازل ويعمل بها أفراد الأسرة الواحدة، وكان كل مشروع، من مئات الآلاف هذه المشاريع المنتشرة في حلب ودمشق وحمص وغيرها، يُخرج الطبيب والمعلم والبنّاء والبقال، وفي الأرياف، كان من لديه بقرتان أو بضع دجاجات أو أرض يزرعها، يضع نفسه على سكة الحالمين بصناعة مستقبل أفضل لأولاده، كانت ماكينة لصنع الحياة، تعطلت اليوم.

ما يزال ثمة بصيص أمل في أن يتوقف نزيف الهجرة من سوريا، وتعود البلاد جاذبة لأهلها بعد أن ينزاح الكابوس الثلاثي عن صدرها، الأسد وإيران وروسيا، رغم أن موازين القوى لا ترجح مثل هذا الأمل اليوم، إلا أن انتفاضات مثلما يحصل في السويداء اليوم، وتململا كما هو حاصل في مناطق الساحل السوري، قد تفتح كوة في جدار اليأس، ذلك أن مثل هذه الديناميكيات عندما تبدأ لا أحد يستطيع معرفة إلى أين ستصل
تم تدمير هذه الشبكات وتحطيم الديناميكيات المولّدة لها بمنهجية وتخطيط عميق، الهدف منها ألا تعاود هذه البيئات صناعة وإنتاج الأحلام، لأنه تبين أن في هذا خطرا على السلطة، فقد خرجت من ورشات المنازل ومن المزارع أصوات تطالب بالحرية والعدالة والمساواة، ما يجعل من استمرارها إشكالية معقّدة، لذا فالأفضل أن يهيم أبناء هذه البيئات على وجوههم، نازحين ولاجئين، وأن يدركوا أن لا بدائل أخرى أمامهم سوى الركوع والجوع.

في فترات سابقة، جرى الحديث عن عمليات استبدال للسوريين، عبر المجيء بأناس آخرين، وفي الأغلب أتباع إيران، للحلول مكان أبناء البلد، وربما اشتغلت إيران بالفعل على هذه الاستراتيجية، لكن يبدو أنها في طريقها للفشل، فسوريا الطاردة لأبنائها لن تستطيع جذب الآخرين، لأن الأسباب التي طردت أولئك هي التي تقف حائلا أمام جذب الآخرين، حتى لو كانوا من الفقراء والمعدمين في باكستان وأفغانستان.

لكن، وبالرغم من كل هذا الأسى، ما يزال ثمة بصيص أمل في أن يتوقف نزيف الهجرة من سوريا، وتعود البلاد جاذبة لأهلها بعد أن ينزاح الكابوس الثلاثي عن صدرها، الأسد وإيران وروسيا، رغم أن موازين القوى لا ترجح مثل هذا الأمل اليوم، إلا أن انتفاضات مثلما يحصل في السويداء اليوم، وتململا كما هو حاصل في مناطق الساحل السوري، قد تفتح كوة في جدار اليأس، ذلك أن مثل هذه الديناميكيات عندما تبدأ لا أحد يستطيع معرفة إلى أين ستصل، وخاصة إذا أحرق أصحابها مراكب الهجرة.. والرجوع لحضن الاستبداد.

twitter.com/ghazidahman1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا نازحين سوريا لاجئين تهجير نازحين مقالات مقالات مقالات أفكار رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

مباحثات ليبية - بريطانية حول تداعيات الهجرة غير الشرعية

حسن الورفلي (بنغازي)

أخبار ذات صلة بريطانيا تسجل الاثنين أعلى درجة حرارة هذا العام بريطانيا تبقي على حالة التأهب رغم تراجع الشغب

بحث النائب في المجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني، مع سفير المملكة المتحدة لدى ليبيا، مارتن لونغدن، أمس، التطورات في جنوب ليبيا وأهمية الالتفات لهذه المنطقة التي تعتبر «عمقاً استراتيجياً لليبيا ومصدر خيراتها». وشدد الكوني خلال اللقاء على أهمية رؤيته العمل بنظام المحافظات، لقدرتها على تحقيق العدالة في توزيع موارد الدولة الليبية، والحد من الفساد عبر تقديم خدماتها للمواطن الليبي مباشرة، ولتخفيف الأعباء عن الحكومة التي ستتفرغ لدورها السيادي.
 كما تناول اللقاء تطورات المشهد السياسي في ليببا، وعدداً من الملفات لاسيما الهجرة غير الشرعية وتداعياتها على ليبيا باعتبارها بلد عبور. وفي جنوب ليبيا، تمكنت الوحدات العسكرية التابعة للجيش الوطني الليبي، من تسيير دوريات صحراوية انطلقت من منطقة الجفرة، متوجهةً نحو مدينة سبها، وصولاً إلى أوباري، وتنفيذ ثلاث بوابات أمنية بمحيط المدينة، لتستكمل بعدها عملياتها عند أقصى الحدود الليبية - الجزائرية.

مقالات مشابهة

  • الهجرة الدولية: السودان وصل إلى نقطة انهيار كارثية
  • وزير الاستثمار السعودي: نظام الاستثمار يؤكد التزام المملكة بتوفير بيئة جاذبة للمستثمرين السعوديين والأجانب
  • مباحثات ليبية - بريطانية حول تداعيات الهجرة غير الشرعية
  • منظمة الهجرة: السودان عند "نقطة انهيار كارثية"  
  • المنافسات الرياضية وجهة سياحية جاذبة في عسير
  • العصيمي: رياضة الهجن أصبحت جاذبة للرياضيين والمستثمرين
  • الصراع المُتَجذِّر بين أعوان الحق وهمجية الباطل
  • الفالح: نظام الاستثمار يؤكد التزام المملكة بتوفير بيئة جاذبة وداعمة للمستثمرين
  • وزير الاستثمار يؤكد التزام المملكة بتوفير بيئة جاذبة وداعمة وآمنة للمستثمرين
  • بالأرقام.. كيف أثر طوفان الأقصى في الهجرة العكسية من إسرائيل؟