ألقى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بليلة خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وأوصى المسلمين في افتتاحيتها بتقوى الله؛ فالتقوى أفضل المكاسب وأجزل المواهب.
وقال فضيلته: الله غَمَرَ الخلقَ بفضله، وأمطرهم بوابل السحائب، وعمَّهم بنَيله، ولطف بهم عند النوائب.. فمعرفة الله تعالى أصلُ الدين، وسُلَّمُ اليقين، والله سبحانه له من الأسماء أكرمُها، ومن الصفاتِ أعظمُها، ومن أسمائه سبحانه الرحمنُ والرحيم، ومِن صفاتِه الرحمة، وهي صفة كمالٍ لائقة به سبحانه، لا نقصَ فيها بوجه من الوجوه.


وأضاف: إنَّ رحمة ربِّنا سبحانه عامة شاملة، عَمَّت الكونَ ومَن فيه، وآثارُ رحمته سبحانه ظاهرة للعَيان، واضحة للأنام، فبرحمته خلق الإنسان في أحسن تقويم، وسوَّى جِسمَه وأحيا روحَه، وأمدَّه بالعقل، وغَذَاه بالنِّعم، وبرحمته خَلَقَ الشمسَ والقمر، وجَعَل الليلَ والنهار، وبَسَط الأرض، وجعلها مِهادًا وفِراشًا وقرارًا، وكِفاتًا للأحياء والأموات، وبرحمته سبحانه أرسلَ الرُّسُل، وأنزلَ الكتب هُدى للخَلْق بعد ضلالة، وتعليمًا بعد جَهالة، وتبصيرًا مِن عَمى، ورُشدًا مِن غَي.
وبيّن أن من دلائل رحمة الله سبحانه: إنشاءُ السحاب، وإنزالُ الغيث، وإحياءُ الأرضِ بعد موتها، فمنها يأكل الخلقُ ويقتاتون ويدَّخرون؛ إذ وضعَ سبحانه الرحمة بين عباده وبين الحيوان ليتراحموا، فما رحمة الأمُّ بأولادها، وما رحمة القلوبِ البشرية بالضعفاء، وما رحمة الطيرِ والوحشِ بعضها ببعض، إلا فيضُ رحمة من رَحَمات الرحيم سبحانه. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تَعطِفُ الوحشُ على ولدها. وأخَّرَ الله تسعًا وتسعين رحمة، يرحمُ بها عبادَه يوم القيامة”. قال ابنُ القيم رحمه الله: “وأنت لو تأملتَ العالمَ بعَينِ البصيرة لرأيتَه مُمتلئًا بهذه الرحمة الواحدة، كامتلاء البحرِ بمائه، والجو بهوائه”.
ولفت إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن من رحمته سبحانه بعباده فَتْحُ بابِ التوبة لهم، ومغفرة ذنوبِهم، وسَترُ عيوبِهم؛ إذْ حِلمُه سبق غضبَه، وعفوُه سبقَ مؤاخذتَه، ثم يُدخِلُهُم جنتَه برحمته لا بأعمالهم فحسْب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لما قضى الله الخلقَ كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سَبَقتْ غضبي”. وفي رواية: “غَلبتْ غضبي”.
وقال فضيلته: إن أسعدَ الناسِ برحمة الله مَن جانبَ المعاصي والمحرمات، وأقبل على الطاعات والقُرُبات. والاستغفارُ جالبٌ للرحمة، دافع للنِّقمة، فمَن رَحِم عبادَ الله رحمه الله، ففي الحديث: “إنما يَرحمُ الله مِن عباده الرحماء” من حديث أسامة بنِ زيدٍ رضي الله عنه.
* وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ عبدالله البعيجان المسلمين بتقوى الله تعالى؛ قال جل من قائل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّه حَقَّ تُقَاتِه وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن من أعظم الواجبات وأجلّ الطاعات وأزكى القربات وأولاها بالأداء حقوق ذوي القربى والرحم؛ قال تعالى {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْه اللَّه وَأولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وتابع فضيلته: إن الله تعالى قرن حق ذوي الأرحام والقربى بتوحيده؛ قال تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِه شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.
وأوضح فضيلته أن صلة الرحم من أعظم الحقوق والواجبات، وأفضل الأعمال؛ قال تعالى {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْه اللَّه وَأولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
أوضح البعيجان أن من تمام صلة الرحم أنها تثير العاطفة في القلوب، والمحبة والوفاء والأخوة والصفاء.. مشيرًا إلى أن ذلك سبب في شرع صلة الرحم بالزيارة والإحسان والرحمة، فبها أخذ الميثاق ممن قبلنا؛ قال عز وجل {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ}.
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن صلة الرحم من مقتضيات ولوازم الإيمان بالله واليوم الآخر، وأسباب بسط الرزق وطول العمر والبركة في المال.. ففي الحديث {مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه}.
وتابع فضيلته بأن صلة الرحم حق أوجبه الله، وعبادة يُتقرب بها إلى الله.. مشيرًا إلى الأجر العظيم لصلة من قطع رحمه، وبذل العطاء لهم، والعفو عنهم، والإحسان إليهم، والألفة والوفاء والزيارة.
وفي الخطبة الثانية أكد إمام وخطيب المسجد النبوي حرمة قطع الرحم، والتحذير منها؛ قال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}. مشيرًا إلى أن قطع الرحم ذنب وكبيرة وظلم ينفر القلوب.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الرحم مشتقة الرحمة، ومن آثار رحمة الله، ومشتبكة معها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم؛ فقالت: هذا مقام العائذِ بكَ من القطيعة؛ قال: نعم؛ أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك. قالت: بلى، قال: فذلِكَ لكِ”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها: “الرَّحِمُ مُعَلَّقَة بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَه اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَه اللَّهُ”.
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله اشتق اسمًا من اسمه تعالى، فهو الرحمن، وهي الرحم، فعن عبدالرحمن بن عوف قال, قال الله تبارَك وتعالى: “أنا الرَّحمنُ، خلَقْتُ الرَّحِمَ، وشقَقْتُ لها اسمًا مِن اسمي، فمَن وصَلها وصَلْتُه، ومَن قطَعها قطعته”.
وختم فضيلته بأن الصلة بقاء وأجر وثواب، والقطيعة فناء وإثم وعقاب.. ففي الحديث “لا يدخل الجنة قاطع رحم”. فهي أعجل ثوابًا وأعجل عقوبة. وفي الحديث: “ما ذَنْبٌ أَحْرَى أنْ يُعَجِّلَ الله لِصاحِبِه العُقُوبَة في الدنيا، مع ما يَدَّخِرُ له في الآخرة، من قَطِيعَة الرَّحِمِ والبَغْيِ”.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم رضی الله عنه الله تعالى صلة الرحم قال تعالى ال ق ر ب ى ل الله

إقرأ أيضاً:

شهيدُ القرآن

بكيل همدان عمير

كان اليمن في الماضي يعيش حالة صعبة من الجهل والإضلال التام.

كان بعيدًا كُـلّ البعد عن القرآن الكريم وعن توجيهات الله سبحانه وتعالى.

وكان الوهَّـابية هم المتحكمون في زمام الأمور.

عملوا بكل جهد وحوّلوا الأُمَّــة إلى أُمَّـة منحطة في كُـلّ شيء. وكذلك عملوا بكل جهد على تحويل وتدجين الأُمَّــة للحاكم الظالم، كيفما كان، فَــإنَّه لا يجوز الخروج عن طاعة الأمير، حَيثُ إنهم قالوا في حديث كذب نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أطِعِ الأميرَ وإن أخذ مالك وَقالو يا رسول الله حتى إن زنا وسرق قال وإن زنا وسرق”.

قدموها على أنها هي الثقافة التي يريدها الله لعباده المؤمنين.

دجّنوا الأُمَّــة على هذه الثقافة.

ولكن إرادَة الله سبحانه وتعالى كانت عكس ما يريدون.

فقد لاح في الأفق قائد من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو (الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه).

بدأ تحَرّك الشهيد القائد رويدًا رويدًا في تثقيف الناس وتوعيتهم بخطوة اليهود وخطورة المرحلة التي هم عليها.

وحارب حربًا ثقافية وهزم المنافقين، فلم يقدر أي منافق على مواجه فكر وثقافة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.

لأنها ثقافة استمدها من كلام الله سبحانه وتعالى. والباطل بطبيعته زاهق عندما يظهر الحق (مصير حتمي). كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:

(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).

هكذا هي سنة الله سبحانه وتعالى.

الشهيد القائد صدع بكلمة الحق في زمن الذل، صرخ بشعار الحق ولم يبالي بأي شيء.

قالت له السلطة العميلة: اصمت، فعلينا ضغوط من أمريكا. فقال لهم: وأنا علينا ضغوط من الله سبحانه وتعالى.

(قال: مهما حاولوا أن نصمت فلن نصمت).

برز بموقف قوي بكل ما تعنيه الكلمة، قوة استمدها من قوة الله سبحانه وتعالى؛ لأَنَّه واثق بالله وبوعد الله لعباده المؤمنين بأنه معهم ولن يتخلى عنهم أبدًا.

الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه قال: عندما يلمس الله سبحانه وتعالى الصبر والإخلاص والإيمان والتسليم في واقع عباده المؤمنين، فَــإنَّه يتدخل فيصنع المتغيرات التي لا تخطر على بالك أبدًا.

هذا الكلام عظيم جِـدًّا وقد تحقّق في واقع الشهيد القائد وفي واقع هذه المسيرة من ذلك اليوم إلى اليوم، بل إن بإمْكَان كُـلّ إنسان أن يقرأ ويتأمل وسوف يدرك بنفسه.

كل هذا التمكين وكل هذه الانتصارات التي تتجلى في واقعنا والتي نحن عليها هي بفضل الله سبحانه وتعالى وبفضل دم الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ودماء كُـلّ الشهداء.

ومن هذا المنطلق ومن هذه الثقافة وهذا الطريق والنهج الذي ساروا عليه، نُعاهدك بدمك الطاهر يًّا سيدي أننا لن نستكين ولن نتخاذل. مهما كانت التحديات والصعوبات والمخاطر، نحن قومٌ مصيرنا مكتوب في جبيننا، أننا خُلِقنا لنصرة المستضعفين في الأرض، ولقتال الجبابرة والظالمين والحاقدين.

مقالات مشابهة

  • “مجلس الإمارات للإفتاء” يدعو لتحري هلال رمضان مساء الجمعة
  • إفيه يكتبه روبير الفارس: اللعب بالنار
  • شهيدُ القرآن
  • الشؤون النسائية بالمسجد الحرام تطلق مبادرة “تبصرة”
  • هل أفتى الدكتور علي جمعة بفناء النار؟ اعرف الحقيقة
  • رمضان عبد المعز: هذا دعاء الملائكة لعباد الله الصائمون «فيديو»
  • إمام وخطيب الحرم المكي يتعرض لوعكة صحية
  • دعاء الملائكة لعباد الله الصائمين .. «يا باغي الخير أقبل»
  • شاهد بالفيديو.. القائد “كيكل” يفاجئ جمهور مواقع التواصل الاجتماعي: (عافي لوجه الله تعالى لي أي زول اتكلم عني كلام شين أو أساء لي)
  • حزنٌ مولِّدٌ للغضبِ ومحرّكٌ للإعداد