بعد استقالة فولكر.. الخرطوم قد تواجه العزلة وزيادة التوتر مع إيغاد والاتحاد الأفريقي
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
الخرطوم- يرى مراقبون أن استقالة فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان "يونيتاميس" ستدفع الحكومة بالخرطوم إلى التصعيد مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي والرئيس الكيني وليام روتو الذي يرأس اللجنة الرباعية المشكّلة من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد" مما سيضعف دور المنظمتين في حل الأزمة ويفتح الباب لتدويلها.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأربعاء، قبول استقالة ممثله الخاص فولكر بيرتس بعد عامين ونصف العام من مباشرة مهامه في الخرطوم. وعلق الأمين قائلا "نعم، لديه أسباب قوية جدا تدفعه إلى الاستقالة، ويجب أن أحترم إرادته وأقبل استقالته".
وقد أعلن فولكر استقالته أمام مجلس الأمن الدولي، قائلا "أتوجه بالشكر إلى الأمين العام على هذه الفرصة والثقة التي منحني إياها، لكنني طلبت منه إعفائي من مهامي".
وفي تقريره الأخير الذي قدمه إلى مجلس الأمن، حمّل فولكر الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مسؤولية استمرار القتال بينهما منذ 5 أشهر. وقال "ما بدأ كنزاع بين تشكيلين عسكريين يمكن أن يتحول إلى حرب أهلية فعلية" لافتاً إلى أن المعارك "لا تظهر أي دليل على التهدئة، ولا يبدو أي طرف قريبا من نصر عسكري حاسم".
وكانت الخارجية السودانية أعلنت في يونيو/حزيران الماضي فولكر شخصا غير مرغوب فيه، وذلك بعدما طلب رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في مايو/أيار الماضي من غوتيريش استبداله.
أزمة فولكر والحكومة
بعث البرهان -في وقت سابق- رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة اتهم خلالها فولكر بالمساهمة بسلوكه "المنحاز" وأسلوبه "المضلل" في اندلاع النزاع الدامي بالسودان منتصف نيسان/أبريل الماضي.
كما اتهمه بارتكاب "تزوير وتضليل" خلال قيادته عملية سياسية تحولت إلى حرب مدمرة وذلك "لزعمه" أن الاتفاق الإطاري الذي وقعته قوى مدنية يحظى بالإجماع وإصراره على فرضه عبر وسائل وأساليب غير أمينة رغم ما اعترى الاتفاق من ضعف وثغرات مما أفضى إلى ما حدث من تمرد ومواجهات عسكرية.
ويتهم مسؤول بالخارجية السودانية فولكر بتجاهل مهامه الأساسية والتركيز على الجوانب السياسية، وتجنب أي دعوة إلى إجراء الانتخابات، وبأنه لم يشجع عملية الانتقال الديمقراطي.
وحسب المسؤول الذي تحدث إلى الجزيرة نت، فإن المبعوث الأممي مكلّف بالمساعدة في تحوّل البلاد إلى حكم ديمقراطي، ودعم وتعزيز حقوق الإنسان والسلام المستدام، والمساعدة في بناء السلام وتنفيذ الاتفاقيات الخاصة بذلك، وحماية المدنيين وسيادة القانون ودفع عجلة التنمية "وهو ما لم يحقق منه شيئاً طوال فترة استمراره في منصبه حتى تنحيه".
ويكشف المسؤول الدبلوماسي أن فولكر لم يكن يرغب في الاستقالة إلا بعد أن وجد نفسه في موقف حرج، حيث أبلغه مسؤولون بالمنظمة الدولية أن المكان الطبيعي لمباشرة مهامه ينبغي أن يكون من داخل السودان، ولتعذر ذلك إثر موقف الحكومة السودانية فإن استمراره في العمل من العاصمة الكينية سيضعف أداء البعثة الأممية، وإن تقديمه تقارير إلى مجلس الأمن يمكن أن يدفع الخرطوم إلى طرد البعثة الدولية أو مراجعة تفويضها.
وتوقع المسؤول السوداني أن يرشح غوتيريش شخصية أفريقية لخلافة فولكر "لأن أبناء القارة هم الأقرب لاستيعاب تعقيدات المشهد السوداني وفهم طبيعة المجتمع المحلي والتعاطي مع قضاياه".
بالمقابل، قال خالد عمر يوسف المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي إن بعثة "يونيتاميس" عملت بجدية على دعم مطالب وتطلعات الشعب السوداني. ورأى في تغريدة أن البعثة تعرضت لهجوم من "قوى الظلام المعادية للتحول الديمقراطي والسلام" في إشارة إلى تيارات إسلامية مناهضة لفولكر نظمت لطرده.
ويقول يوسف إن البعثة الدولية تعرضت أيضا لانتقادات بعد اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع من عناصر النظام السابق الذي اختطف مؤسسات الدولة ووظفها لخدمة أجندته الضيقة، ورأى أن فولكر استقال بعد تقديمه خطاباً محترماً أمام مجلس الأمن.
ويرى أن أنصار الرئيس المعزول عمر البشير استمروا في استعداء الأسرة الدولية وخوض "معارك طواحين الهواء".
تصعيد مع أفريقيامن جانبه، يرى الباحث السياسي إبراهيم عبد القادر أن الحكومة السودانية ستعتبر استقالة فولكر انتصارا، مما يدفعها إلى تصعيد خلافها مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الذي تتهمه بالوقوف وراء تعليق عضوية السودان بالاتحاد منذ سيطرة البرهان على السلطة وإبعاد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وإزاحة قوى الحرية والتغيير في أكتوبر /تشرين الأول 2021.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول عبد القادر إن الحكومة السودانية رفضت التجاوب مع مبادرة الاتحاد الأفريقي بشأن الأزمة باعتبار أن عضويتها مجمدة ولم تتم مشاورتها، ورفضت التعاون مع اللجنة الرباعية التي شكلتها منظمة "إيغاد" برئاسة الرئيس الكيني لحل الأزمة واتهمته بالانحياز لقوات الدعم السريع واستضافة قياداتها.
ويرى عبد القادر أن موقف الحكومة السودانية تجاه الاتحاد الأفريقي و"إيغاد" سيضعف دور القارة في حل الأزمة السودانية، وسيؤدي إلى تراجع تعاطف بعض دول القارة مع الخرطوم وخلق حالة من الاستقطاب، مما يقود إلى تدويل الأزمة.
وشهد نهاية الأسبوع سجالاً بين الاتحاد الأفريقي والخارجية السودانية، إثر لقاء رئيس المفوضية الأفريقية مع يوسف عزت ومختار النور مستشاري قائد الدعم السريع، الأمر الذي عدته الخرطوم سابقة سيئة، متهمة رئيس المفوضية بازدواجية المعايير ومنح المليشيات شرعية لا تستحقها.
وردّ محمد الحسن ولد لبات المتحدث باسم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بلهجة حادة، واصفاً بيان الخارجية السودانية بأنه "منحط وغير المسؤول" وعادت الخارجية لترد على ولد لبات ووصفته بـ "المتطاول" على عضو مؤسس للاتحاد الأفريقي.
وفي موقف آخر، هددت الخارجية السودانية مجدداً بإعادة النظر في استمرار العضوية في "إيغاد" احتجاجا على بيان -صادر عن وزراء خارجية الدول المنضوية بالمنظمة- التمسك برئاسة كينيا للجنة الرباعية لحل الأزمة، وذلك بعد يومين من إعلان الرئيس الكيني أن البرهان تراجع عن اتهامه بالانحياز لقوات الدعم السريع خلال اتصال هاتفي بينهما وأبدى استعداده للتفاوض لوقف الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الخارجیة السودانیة الحکومة السودانیة الاتحاد الأفریقی الدعم السریع مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
تقرير أمريكي: إدارة ترامب تواجه نفس الخيار الذي أربك بايدن بشأن إنهاء تهديد الحوثيين بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)
أفاد تقرير أمريكي بأن الوقت حان للتوقف عن التلاعب بالحوثيين بشأن تهديدات الجماعة وهجماتها على سفن الشحن في البحر الحمر.
وقالت مجلة " commentary" في تقرير ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن إيقاف هجمات الحوثيين، في البحر الأحمر يتطلب من القادة الغربيين مواجهة عواقب سوء تقديرهم الفادح للتهديد الحوثي.
في غضون ذلك، يؤكد التقرير أنه ينبغي النظر إلى قاعدة الحوثيين الجماهيرية في الأوساط التقدمية الغربية على حقيقتها: مُشجّعون للإرهاب الاقتصادي الذي، إن تُرك دون رادع، سيُسبب سلسلة من الموت والدمار في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.
وقال "أعلن الحوثيون عزمهم على استئناف هجماتهم على السفن التجارية المارة عبر ممرات الملاحة في البحر الأحمر والسويس. وتدّعي الطغمة العسكرية اليمنية المدعومة من إيران أمرين: الأول أنها ستهاجم السفن الإسرائيلية فقط، والثاني أنها تفعل ذلك تضامنًا مع حماس في غزة".
وأضاف "كلاهما كذب. ففي الواقع، ستكون كل سفينة عُرضة للهجوم، والحوثيون يختبرون نموذجًا من قرصنة القرن الحادي والعشرين، والذي إن نجح، فسيستمر، ومن المرجح أن يقتدي به آخرون، مما سيُلقي بالاقتصاد العالمي (والأمن العالمي) في حالة من الاضطراب لم يكن مستعدًا لها".
واستطرد "يمكن، بل يجب، إيقاف الحوثيين، لكن ذلك يتطلب من القادة الغربيين مواجهة عواقب سوء تقديرهم الفادح للتهديد الحوثي. في غضون ذلك، ينبغي النظر إلى قاعدة الحوثيين الجماهيرية في الأوساط التقدمية الغربية على حقيقتها: مُشجّعون للإرهاب الاقتصادي الذي، إن تُرك دون رادع، سيُسبب سلسلة من الموت والدمار في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".
بمعنى آخر، حان الوقت للتوقف عن التلاعب بالحوثيين. وفق التقرير.
وقال "لنبدأ بالكذبة الأولى: أن السفن الإسرائيلية فقط هي المعرضة للخطر. مثال واحد فقط من بين أمثلة عديدة، نقلاً عن نعوم ريدان وفرزين نديمي: "عندما تعرضت ناقلة النفط/الكيماويات "أردمور إنكونتر" (رقم المنظمة البحرية الدولية 9654579) التي ترفع علم جزر مارشال للهجوم في ديسمبر 2023، كانت مملوكة لشركة "أردمور شيبينغ" الأيرلندية، ولم تكن لها أي صلات واضحة بإسرائيل. بعد أسبوعين، كشف تقرير صادر عن شركة "تريد ويندز" عن قضية خطأ في تحديد الهوية - يبدو أن الهجوم كان مدفوعًا باعتقاد أن قطب الشحن الإسرائيلي عيدان عوفر يمتلك حصة في الشركة، لكن أسهم عوفر بيعت قبل أشهر من الهجوم".
وأشار إلى أن روسيا والصين هما المستفيدان الرئيسيان من هجمات الحوثيين، مع أن أحداً لا ينعم بالأمان حقاً.
وبشأن الكذبة الثانية: وهي أن هذه مجرد "مقاومة" إضافية في غزة، وبالتالي لا تشكل تهديداً أوسع. لفهم المدى الكامل لهذه الكذبة، يجدر بنا مراجعة الضرر الواسع النطاق الذي ألحقه إرهاب الحوثيين في البحر الأحمر، والفوائد التي عادت على الحوثيين أنفسهم، وما يُخبرنا به كلاهما عن الاستخدامات المستقبلية لهذه الأساليب.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر/كانون الأول: "يبدو الأمر كما لو أن صناعة الشحن قد عادت إلى أيام ما قبل افتتاح قناة السويس عام 1869". وقد أعادت شركات الشحن توجيه أساطيلها بشكل جماعي حول رأس الرجاء الصالح، مما أضاف 3500 ميل بحري و10 أيام إلى معظم الرحلات. قبل أن يبدأ الحوثيون هجماتهم، كانت قناة السويس تُعالج 10٪ من التجارة العالمية.
في يناير/كانون الثاني، قدّرت مجلة الإيكونوميست أن "شحنات البضائع عبر البحر الأحمر انخفضت بنسبة 70% من حيث الحجم"، وأن التكاليف المتزايدة لشركات الشحن - والتي ترفع تكلفة البضائع المنقولة على المستهلكين - تبلغ حوالي 175 مليار دولار سنويًا.
ولفت التقرير إلى أن هناك، طريقة أخرى للالتفاف على هذا التهديد: رشوة الحوثيين. لدى الجماعة نظام دفع مُعدّ ليعمل تقريبًا مثل نظام E-ZPass، ولكن لقرصنة قناة السويس.
وأكد أن هذه المدفوعات غير قانونية بالطبع، لذا لا تستطيع الشركات الغربية دفعها؛ وسيكون من السهل رصد أولئك الذين بدأوا فجأة بالمرور عبر ممرات الشحن سالمين. تُدرّ أموال الحماية على الحوثيين ما يصل إلى ملياري دولار سنويًا. كما أن الصواريخ والطائرات المُسيّرة التي يستخدمونها لتنفيذ هذا المخطط تنخفض أسعارها عامًا بعد عام.
"بعبارة أخرى، هذه خطة عمل. ربما يستطيع الحوثيون البقاء على قيد الحياة بمفردهم، حتى لو اختفت الرعاية الإيرانية. كما أشارت مجلة الإيكونوميست، "بممارستهم الضغط على مالكي السفن، يكسبون مئات الملايين من الدولارات سنويًا - بل مليارات الدولارات - بينما يفرضون على العالم تكاليف بمئات المليارات. وبدلًا من الصمت عند توقف إطلاق النار في غزة، قد يكون الحوثيون يُبشرون بعالم فوضوي بلا قواعد أو شرطي". وفق التقرير.
وخلصت مجلة " commentary" إلى أن إدارة ترامب تواجه الآن نفس الخيار الذي أربك جو بايدن بشأن إنهاء تهديد الحوثيين للاقتصاد العالمي. مؤكدة أن المخاطر أكبر مما يدركه الكثيرون، نظرًا للآثار المترتبة على إنشاء نموذج قرصنة حديث وفعال قد يُحتذى به للجماعات الإرهابية الأخرى. في الواقع، المخاطر كبيرة بما يكفي لدرجة أن وضع حد للحوثيين هو الخيار البديهي.