قراءة في شعر الراحل كريم العراقي: صوت الصمت؛ نداء الحقيقة في متاهات المسكوت عنه
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
مسقط-أثير
د. رائدة العامري- أكاديمية عراقية
لكل امرأةٍ مظلومة حكايةٌ بدأت كآخر أمل وتحولت إلى نداء بصمت صارخ وتساؤلات ممزوجة بالألم والغضب واليأس. نداءات استقرت بقراءة نقدية لقصيدة : (نداء من امرأة مظلومة) للشاعر كريم العراقي..
نص شعري في تركيب أسلوبه يجمع العديد من الرموز والمعاني العميقة. خطاب استنطاق الذات على الآخر في دوامة النداء.
نداء استغاثة من صوت الصمت يستغيث في متاهات المسكوت عنه للبوح عن عدالة الذات والمشاعر والعواطف الداخلية للمرأة المظلومة، ويلقى الضوء على النص ليعكس قوته وإصراره على مواجهة الظلم بصرختها وندائها للعدالة والمساواة.
يوظف العنوان قيمتي “النداء” و “المظلومة”، كلمات ذات دلالة قوية تشير بشكل تشويقي لجلب انتباه المتلقي وفهم القضية التي تتناولها، وذلك في إيصال رسالة العدالة والتضامن مع المرأة المظلومة.
إذ يقول:
يا صاحبَ الخطأ الكبيرْ
رفقاً بقلبٍ من حريرْ
يا أعرفَ الناسِ بها.. وبما يدور بقلبها
نداء عاطفي يبدأ من المرأة/ الآخر إلى صاحب الظل المظلم يعصف بالجرح المستتر صاحب الخطأ الكبير رفقا بقلب من حرير كعصفور يحمل الأحاسيس المتقاطرة ويختنق في صمت الوهم ليراقب همس الكلمات ويعانق المستحيل… تشبيها يعكس عمق الألم في إيصال رسالة للآخر وأدرك حجم الخطأ والألم الذي يتقاطر بالأسى لحقوق محطمة معاشة ولا سيما فهم ذاتها بإنسانية وعدالة مشيرة إلى هشاشة قلبها وحاجتها للرقة والرعاية.
رموز متسربة لفك شفرات القصيدة ولاستخلاص المعنى الخفي بالإحساس العميق أدركاً حقيقيا للعواطف المكتومة التي تنبض بالأمل والألم المكبوت، تعكس المشاعر والتضاريس الداخلية لتوجه رسالة إلى المتلقي وذلك لفهم النسق الخفي والمكبوت الكامن في الذات يحفز النظر بعمق ورقة إلى تلك الأحاسيس.
مَرضَتْ تُريدك قربها.. بك لا بغيركَ تستجيرْ
أتنام ليلكَ هانئاً.. ودموعُ عينيها سعيرْ؟
ضاقت بها أيامها.. وترادفتْ سودُ الظروفْ
وتكسّرت آهاتها في صدرها مثلَ السيوف
يسهم النص في إثراء المعنى وإيصال المشاعر بشكل أعمق وأكثر تجسيدا إذ يستخدم اللغة بشكل مجازي للتعبير عن المشاعر والأفكار بأسلوب غني ومثير فتظهر الرمزية في النص ليعرض الشاعر حالة انحباس واحتياج ملح في توجه لحظة الاقتراب من الحبيب ذلك الملاذ الوحيد للقوة والأمان في الألم والوجع من خلال توظيف ثيمة (مرضت) التي ترمز إلى الشغف العميق لشفرة العشق وشغف الشاعر للحبيبة، وللإحساس بالأمان بعد الضيق والتعب الذي يعاني منه الشاعر من جانب، ورمز إلى الشوق العميق والحاجة الماسة للحب والوجود المستدام للحبيب من جانب آخر.
لا سيما يرافقها رمز التناقض والتضاد لحالات السعادة والحزن/ النفسية والعاطفية. حيث يشير إلى لحظات السعادة والهناء التي يعيشها الشاعر طول ليلته، فضلا عن المشاعر المتناقضة للألم العميق مع دموع الحبيبة المشتعلة… صور مكتنزة تكونت وتراكمت حولها.
لاسيما يسلط الشاعر الضوء على صورة مترادفة ترمز إلى الأوجاع ذات الارتباط الشديد برمزية سواد الظروف ايقونة للأوضاع الصعبة وظروف الحياة القاسية التي تتكدس حولها… من عزلة وصمت، مما يعزز الفكرة والحالة المؤلمة التي تمر بها.
توظيف عميق يسهم في إيصال المشاعر وإبراز الواقع القاسي بثنائية رمزية لنقل المعاني والأفكار بشكل مجازي وغير مباشر وذلك في إيصال المعنى والرسالة الشعورية بأسلوب شاعري مجازي في خلق تأثير عاطفي وجمالي يضفي على النص الشعور بالغموض والقوة الشعرية. التي تسهم في إيصال الأفكار بشكل فني وجمالي، وتخلق تأثيرا عاطفيا لدى المتلقي.
وتكسّرت آهاتها في صدرها مثلَ السيوف
لو في غيابك يسألون.. تطريك بالصوتِ الحنون
توصيف يقارن تصويرا لآهات شفرات تندب مؤلمة وحادة ــ آهاتها ــ التي تكسرت في صدرها فيبرز الألم الشديد والحزن العميق الذي يختلج صوتها المكسور كالعزف على أوتار الحنين المتسلسل في صدرها لعلها ترضي العاطفة المشتاقة التي تحولت إلى جروح مؤلمة تشبه نفوذ السيوف، فضلا عن إضافة دلالة القوة والحدة العاطفية لمشاعر الشاعر جمال وعمق تحمل تأثيرها العاطفي للنص،إذ يتم وصفها للسيوف التي تتكسر في آهات الذات لتعبير عن حدة الألم الذي تشعر به. فتتناغم السيوف مع الصدر لإظهار كيف أن الألم يؤثر بشكل مباشر على قلبها وروحها.
يتحلى توظيف السؤال بأسلوب رموز مجازية للحضور والغياب ــ لو في غيابك يسألون ــ لإعطاء عمق إضافي وذلك من خلال معنى متعدد الأبعاد. وذلك من خلال استخدام الفعل “يسألون” للدلالة على الاشتياق والحاجة لوجود الشخص الحبيب. لاسيما إبراز الشوق والحنين الشديدين التي تشعر بهما الذات/ الآخر لحبيبها، والسماع لهمس الصوت بوضوح، فيعكس انتظار شدة الحاجة الوجود. فضلا عن تعزز تأثير العمق العاطفي في وجود الآخر القريب البعيد. لمنح النص طابع تأويل الغياب/ الفقد العاطفي العميق لأظهار شدة الألم والاشتياق المتواجدة في النص بشكل فعال للمتلقي، إذ يثري تفسير النص بمعان غير مباشرة ذات طابع مجاز ومعنوي أعمق، ومستوحى من الصور البصرية، التي تعزيز التأثير الجمالي ونقل العاطفة والتأثير المباشر للمتلقي بشكل أكبر.
تكتسب الأبيات الشعرية دلالة قوية وعاطفية. إذ تصف الآخر بحالة الألم والحزن التي تشعر بها الشخصية النسائية في القصيدة بدلالة وصف آهاتها التي تنكسر في صدرها مثل السيوف، مما يعكس حدة الألم الذي تعان منه. كما يوضح السؤال الموجه إليها في حال غياب الحبيب، حاجتها الشديدة إلى صوته الحنون، مما يعبر عن الشوق والحنين. يتم من خلال التعبير عن العواطف القوية والرغبة الشديدة في التواجد مع الحبيب.
ما زال في عينيّ طفلاً.. والأمُّ تغفرُ للصغيرْ
وطنٌ لها آهاتها.. ووحيدةٌ بين الذئابْ
وقويةٌ لكنما.. كم مهجةً سحقَ العذابْ
أعطتْ مثالاً للإباءْ.. غلبت عليها الكبرياءْ
مظلومةٌ مهمومةٌ والظلمُ ظلمكَ يا أميرْ
يجسد النص المعاني العميقة بشكل بصري من خلال إثارة التأمل واستدعاء المشاعر والأحاسيس وتوجيه الأفكار بعمق المعنى والتعبير، رسائل تترك أثرا قويا للمتلقي. لتعطي النص طابع مزيج من الغضب والتحدي.
إذ وظف الشاعر الصورة البصرية ليصف المظهر الجسدي وذلك ليحتفظ بروح الطفولة كصورة تعطي إحساسا بالبراءة والعذوبة التي ما تزال موجودة في داخلها، ولا سيما يعكس الحنان والرعاية التي تقدمها الأم إلى أطفالها على الرغم من وجود القهر والظلم الذي تتعرض لها الذات/ الآخر.
تتواجد أيضا صورة أخرى للأم في النص، من خلال تسلط الضوء على قوتها وشجاعتها وقدرتها على المواجهة بمفردها في وجه الصعاب والتحديات. وإظهار القوة والصلابة الداخلية للأم في مواجهة الصعاب والتحديات الحياتية المستمرة، فتشعر الأم بالوحدة بين الذئاب، “ووحيدة بين الذئاب” صورة بصرية وتشبيه يعبر عن الوحدة والعزلة التي يشعر بها الشاعر والأم في هذا العالم المليء بالتحديات والصعوبات.
تجسيد لإيصال الشعور بالألم والمحنة كمهجة تطحن العذاب لتبرز القوة الداخلية للأم وقدرتها على مواجهة الصعاب والمعاناة التي تنال منها. “كمْ مهجة سحق العذاب” شفرة رمزية إلى العالم القاسي والاختبارات الصعبة التي تواجهها الأم وحدها، لا يزال لديها رغبة العودة والأمان في وطنها… فالوطن رمز إلى الانتماء يعكس مشاعر الحب كإحساس بقوة وصمود الأم أمام الصعاب والالتزام تجاهها فضلا عن استلاب الهوية وتعزيز فكرة الظلم الذي يواجهها وتحديها في حياتها.
النص يحمل الصور البصرية بين القوة والوحدة والظلم والمعاناة، وصبر وإباء الأم التي تتجاوز كل الصعاب وتبقى واقفة رغم الظروف الصعبة والظلم الواقع عليها للتعبير عن صعوبة حياة الأم ومعاناتها النفسية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه تبرز قوتها وصمودها في مواجهة التحديات التي تعاني منها الأم في مجتمع قاس ولا يدعمها في معاناتها. فيعكس السعي للبقاء والتأقلم في بيئة ضعيفة وعدم وجود دعم ومساندة من الجميع
يتحلى النص بأفكار ومشاعر عميقة ومعقدة بطريقة مشوقة وجمالية بالكبرياء يرمز إلى القوة والصمود والشموخ القوة والكبرياء كرمز القوة النفسية والعقلية للتغلب على المحن والصعوبات. فقوة الأم وكبريائها الذي يمكنها من التغلب على الصعاب والمحن على الرغم من ذلك تظل الأم يافعة ومهمومة في أعين الشاعر، على الرغم من المحن والصعوبات التي مرت بها الأم، فإنها لم تستسلم للعذاب وظلم الظروف إذ استطاعت أن تظهر قوتها ومثابرتها إذ- أعطت مثالا للإباء ــ إشارة إلى الشجاعة والقوة التي تتحلى بها الأم في مواجهة التحديات، وتتجاوز التحديات وتثبت هويتها وكيانها رغم الظروف الصعبة. وتعبر عن تفوقها على المشاعر الضعيفة والهزيمة. تعكس استمرار الأم في صمودها وتصميمها على التغلب على الصعاب، تعبر عن قوة الإرادة والتصميم التي تمتلكها الأم، وعن كبريائها الذي ينهض رغم المحن التي تواجهها. لغة مجازية بارعة تبوح بمظلومة مهمومة والظلم ظلمك يا أمير، وتؤكد استمرار تحملها للهموم والظلم المباشر، مع الأمل في أن يأتي يوم من العدل والتحرر.
وهي التي خطفتكَ من حدبِ الهموم
حملتك من بئرِ الأسى نحو النجوم
إبك اعتذاراً يا ملولْ.. كي تسعد الوجه الخجولْ
وأسرع كطيرٍ خائفٍ.. هذا النداءُ هو الأخيرْ
يوحي النص إلى لحظة تحول حاسمة في حياة الآخر إذ يستخدم الشاعر التوظيف الدلالي بالانتقال من حالة الحزن إلى حالة السعادة والأمل. من خلال الكلمات “خطفتك، وحملتك” إشارة إلى القوة والقدرة التي تشعر بها الذات التي تمكنت من إيقاع الهموم والأعباء التي تحاصر الآخر، لتعكس تحرر الشاعر من الأحزان والمتاعب والتطلع للمستقبل القريب.
نص يوحي بانسنة الأشياء بين ذات الآخر والطير كخطاب بنداء أخير “أسرع” مع صورة مجازية للخوف وحركة مفاجئة تشبه حركة الطير المذعور. ينم عن ضرورة الاستجابة من خلال التبادر بالتسامح وتقديم الاعتذار وانتزاع الحزن من الذات المكبوتة التي تأمل بالتعويض، بهدف إدخال السعادة والبهجة في وجه الآخر الخجول الذي فقد طاقته وحيويته. كي تعزز الرغبة في التغيير والتقدم والشعور بالأمل والتحفيز. صور بصرية تعزز الرؤية والمشاعر بشكل أكثر قوة وإثارة التي يحاول الشاعر إيصالها المتلقي في مواجهة التحديات والتغلب على المخاوف والتألق كالنجوم.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: فی مواجهة فی إیصال فی صدرها الأم فی من خلال فضلا عن
إقرأ أيضاً:
الصمت المفرط للرجال.. رهاب اجتماعي يعرقل المشاعر والاحتياجات
رغم التحديات والضغوط اليومية التي يواجهها الكثير من الرجال، فإنهم غالبًا ما يختارون الصمت ويحمِلون أعباءهم بمفردهم، وكأن المشاعر والأحاسيس حكرًا على فئة معينة دون غيرها في مجتمع يفرض معايير صارمة للرجولة، حيث يُتوقع من الرجل أن يكون صامدًا كالصخرة، لا يلين ولا يضعف، تظل العديد من الأرواح مثقلة بالآلام خلف هذا الصمت.
من خلال هذا الاستطلاع، نسلط الضوء على أهمية كسر حاجز الصمت المفرط لدى الرجال، وضرورة تعزيز الوعي حول الصحة النفسية لديهم. فذلك لا يساهم فقط في تحسين حياتهم الشخصية، بل يساهم في خلق بيئة اجتماعية متوازنة وبناء أسر مستقرة، تسودها الطمأنينة والتفاهم النفسي.
أكد الدكتور محمد بن خميس البلوشي، الطبيب النفسي بمستشفى المسرة، أن رغم الجهود المبذولة لتعزيز الوعي بالصحة النفسية وأهميتها في حياة الأفراد، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الهدف، خاصة فيما يتعلق بتقبل وفهم هذا المفهوم في المجتمعات العربية، وأوضح أن هناك تفاوتًا في النظرة تجاه الصحة النفسية بين الثقافات العربية والغربية، ففي حين تشهد المجتمعات الغربية تقدمًا ملحوظًا في فهم الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة، لا يزال هذا المفهوم يعاني من قصور في الوعي في بلداننا العربية، ويرتبط هذا القصور -بحسب البلوشي- بالفهم الخاطئ الذي يربط الصحة النفسية بالاضطرابات العقلية، مما يثير مخاوف لدى الأفراد ويجعلهم يتجنبون طلب المساعدة.
وأشار البلوشي إلى أن طلب المساعدة النفسية لا يعني بالضرورة الإصابة باضطراب عقلي، لكن الثقافة السائدة، التي تُحمّل الرجل مسؤولية التماسك وقوة الشخصية تُعرقل الحوار حول المشاعر والاحتياجات النفسية، هذه الوصمة الاجتماعية تجعل العديد من الأشخاص يتجنبون التحدث عن مشاعرهم خوفًا من الحكم عليهم أو تصنيفهم بشكل سلبي.
وأوضح البلوشي أن المجتمعات العربية غالبًا ما تركز على الصحة الجسدية، مثل اتباع الأنظمة الغذائية والرياضة، بينما تُهمَل الصحة النفسية التي لا تقل أهمية عنها. كما أشار إلى أن هناك ضعفًا في الوعي بفرق حاسم بين مشاعر الحزن العابرة والاكتئاب الذي يتطلب تدخلًا علاجيًا، وهو ما قد يجعل البعض يعيشون في معاناة نفسية طويلة دون إدراك أنهم بحاجة إلى دعم نفسي، وهذه المعاناة تتفاقم بسبب النظرة السلبية للمجتمع تجاه من يعبرون عن مشاعرهم، مما يؤدي إلى تعزيز الكبت العاطفي ويزيد من المشكلات النفسية والجسدية.
وأوضح الدكتور محمد البلوشي أن الدراسات تشير إلى توفر خدمات الصحة النفسية في معظم المناطق، سواء عبر المؤسسات الحكومية أو الخاصة، حيث يمكن الحصول على موعد في مدة لا تزيد عن أسبوعين. ومع ذلك، يبقى الوعي بهذه الخدمات وأهميتها منخفضًا مما يحد من إقبال الكثير من الأفراد، وخاصة الرجال، على الاستفادة منها.
وأضاف أن المشكلة ترجع جزئيًا إلى الثقافة الاجتماعية السائدة التي تبرز الرجل كرمز للقوة والصلابة فتُحرمه من فرصة التعبير عن مشاعره. منذ الطفولة، يُعلم الصبيان أن "الرجال لا يبكون"، أو أن مشاعرهم تُعتبر علامة على الضعف، وهي عبارات قد تبدو بسيطة، لكن في واقع الأمر، تزرع بذور الكبت التي تشكل حواجز أمام التعبير عن المشاعر.
ودعا البلوشي إلى ضرورة تغيير هذه الثقافة من خلال تشجيع أفراد المجتمع على استخدام عبارات تعاطفية تدعم الرجل بدلاً من انتقاده أو ربط الصحة النفسية بالضعف، مثل هذه العبارات "أنا مقدّر ما مررت به" أو "كيف يمكنني مساعدتك؟"، يمكن أن تفتح أبواب التواصل وتعزز من دعم الشخص نفسيًا.
وأكد البلوشي أن الكبت النفسي يمكن أن يتجلى في أعراض جسدية، حيث يعبر الجسم عن المشاعر المكبوتة بطرق غير صحية مثل الصداع، وآلام البطن، والإرهاق العام، وفي كثير من الأحيان يلجأ الأشخاص إلى العيادات الطبية دون أن يدركوا أن السبب الأساسي لمشاكلهم الصحية هو القلق أو التوتر النفسي.
وأوصى البلوشي بأن يكون لدى الرجل شبكة دعم قوية، سواء من الأسرة أو الأصدقاء، وأن يسعى للحصول على المساعدة إذا شعر بصعوبة في مواجهة تحدياته النفسية، وأوضح أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل هي أساس النجاح في جميع أدوار الحياة، وإذا لم تُعالج المشكلات النفسية في وقت مبكر فإنها قد تتفاقم لتؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية مثل اندلاع النزاعات الزوجية أو الشجارات المتكررة، وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة.
كما أشار إلى أن "التنفيس" يعد جزءًا أساسيًا من الحفاظ على الصحة النفسية، وقد يختلف من شخص لآخر، فالبعض يجد راحته في الأنشطة البدنية مثل الجري أو رفع الأثقال، بينما يفضل آخرون قضاء الوقت في الطبيعة أو على الشاطئ. ويشمل التنفيس أيضًا ممارسات روحية مثل التأمل أو الصلاة التي تساعد على تهدئة العقل وتعزيز الطمأنينة النفسية.
واختتم البلوشي حديثه بالتأكيد على أهمية التحفيز في حياة الرجل للحفاظ على استمراريته في تحقيق أهدافه، ويمكن أن يكون التحفيز بسيطًا مثل شرب كوب من القهوة في لحظة هدوء أو قضاء وقت على الشاطئ بعد أسبوع عمل مرهق. أما التحفيز الأكبر، مثل تحقيق أهداف أو مكافآت أكبر، يتطلب تخطيطًا ومثابرة لتحقيق طموحات أكبر.
أهمية الجانب النفسي
وأكد المدرب الرياضي سلطان بن سيف الحراصي أن ممارسة الرياضة تتجاوز كونها نشاطًا بدنيًا، إذ تمثل وسيلة أساسية لتحفيز المهارات الحياتية وتعزيز التوازن النفسي، مشيرًا إلى أن الوعي النفسي يعد ركيزة أساسية للرياضيين في التعامل مع التحديات التي يواجهونها في التدريب والمنافسات الرياضية على مستوى العالم.
وأوضح الحراصي أن الجانب النفسي يعد من أكبر التحديات التي يواجهها اللاعبون، حيث إن التعامل مع الضغوط النفسية مثل حالات التنمر والمشاكل الشخصية يتطلب فهمًا عميقًا ودعمًا متواصلًا، ورغم أن تدريب المهارات البدنية قد يكون سهلاً نسبيًا، فإن المعاناة النفسية التي يمر بها اللاعب قد تؤثر بشكل مباشر على أدائه داخل الملعب؛ إذ يعكس سلوك اللاعب في بعض الأحيان مشكلاته الشخصية أو الضغوطات النفسية التي يواجهها، مما قد يدفعه إلى التصرف بشكل عدواني أو انفعالي، ويؤثر ذلك في قراراته داخل المباراة، مثل الحصول على بطاقة حمراء، وهذا يبرز أهمية وجود أخصائي نفسي لمساعدة اللاعبين في التعبير عن مشاعرهم وتقديم الدعم النفسي اللازم.
وفيما يخص أهمية التحضير النفسي للرياضيين، أشار سلطان الحراصي إلى أن الاستعداد الذهني هو الأساس لتحقيق النجاح الرياضي في أي مجال، وأوضح أن الرياضي قد يكون في أفضل حالاته البدنية، إلا أنه إذا لم يكن مستعدًا عقليًا لمواجهة التحديات والضغوطات النفسية فقد يعاني من مشاكل مثل القلق أو التوتر، خاصة في الأجواء الحماسية أو أمام الجمهور، وأكد أن التحضير النفسي لا يقل أهمية عن التحضير البدني، وأن على المؤسسات الرياضية والمجتمعية أن تكون أكثر وعيًا بأهمية الدعم النفسي لضمان تحقيق الأداء الأمثل للرياضيين.
وأشار الحراصي إلى أمثلة لأبرز الرياضيين مثل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، اللذين يحققان نجاحاتها ليس فقط بفضل قدرتها البدنية، ولكن بفضل توازنها بين الجوانب البدنية والعقلية، حيث يعتمدان على تقنيات مثل التنفس الصحيح والتأمل لتحسين أدائهم. كما استشهد الحراصي بتجربة السباح الأمريكي مايكل فيلبس، الذي تعرض لاضطرابات نفسية بعد خسارته في بطولة 2012، ومع ذلك، بعد برنامج تأهيلي مكثف لتقوية عقله، تمكن من العودة بقوة أكبر، مما يعكس أهمية الدعم النفسي في تمكين الرياضيين من التغلب على التحديات.
وشدد الحراصي على أهمية الاعتراف بمشاعر اللاعبين وتقديم الدعم النفسي لهم، سواء في الأوقات الصعبة أو عند تحقيق الإنجازات، وقال الحراصي: إن إظهار التفهم للضغوط النفسية التي يمر بها اللاعب لا يعزز فقط من أدائه، بل يسهم أيضًا في تعزيز صحته النفسية العامة.
كما تناول المدرب الرياضي في حديثه مفهوم "الرجولة" في الثقافة المجتمعية، مؤكدًا أن الرجولة لا تقتصر على القوة البدنية أو الصمود أمام التحديات، بل تشمل أيضًا القدرة على التعبير عن المشاعر والضعف عندما يستدعي الأمر، وأشار إلى تجربته الشخصية في التعامل مع الحزن بعد فقدان قريب له، حيث كان يشعر بالخجل من إظهار مشاعره خوفًا من أن يُنظر إليه بشكل سلبي كـ"رجل". ومع مرور الوقت، أدرك الحراصي أن التعبير عن الحزن ليس ضعفًا بل هو جزء من الإنسانية، وأضاف أن الشجاعة تكمن في الاعتراف بالمشاعر والعمل على معالجتها، مؤكدًا أن الرجولة الحقيقية تتمثل في قدرة الرجل على مواجهة التحديات النفسية بأسلوب ناضج وواعٍ.
وشدد الحراصي على أهمية تبنّي المجتمع والرياضيين الوعي النفسي كأساس لتحقيق التوازن في الحياة الشخصية والمهنية، مع تعزيز بيئة رياضية داعمة تتيح للرياضيين أن يعبروا عن أنفسهم بشكل صحي وواقعي.
كما أكد عبد العزيز بن ناصر الغيثي ناشط في مجال الصحة النفسية وعضو حملة "نحن معك للصحة النفسية" أهمية فهم الرجال لتحدياتهم النفسية في ظل الضغوط الاجتماعية، وكيفية تجاوز هذا التحدي من خلال طلب الدعم النفسي دون الشعور بالضعف أو النقص، وأوضح الغيثي أن هذا الشعور ينبع من المفاهيم التقليدية التي يتم ترسيخها منذ الطفولة، حيث يُربى الرجل على أن يكون قويًا، وأن يُظهر فقط القوة والصلابة دون إظهار أي مشاعر ضعف أو عجز.
وأشار الغيثي إلى أن المجتمع ما يزال يتعامل بحساسية كبيرة مع موضوع الصحة النفسية، حيث يفضل الكثير من الرجال التزام الصمت عند مواجهة ضغوط نفسية، وقد يعتقدون أن هذا الصمت يعكس قوتهم وقدرتهم على السيطرة، لكن في الواقع، فإن تراكم المشاعر المكبوتة على مدى طويل قد يؤدي إلى انفجار عاطفي في وقت ومكان غير مناسبين.
وأضاف الغيثي أن أحد الأسباب التي تدفع الرجل إلى الصمت هو عدم العثور على الشخص المناسب للاستماع إليه، أو شعوره بأن الآخرين سيحاولون توجيهه أو تقديم نصائح قد لا تكون مفيدة في اللحظة التي يحتاج فيها فقط إلى شخص يتيح له التعبير عن مشاعره، وأكد على أن إحدى الطرق التي يمكن أن تساعد الرجل هي التوجه إلى شخص موثوق به، سواء كان شريك الحياة أو صديقاً مقرباً، للحصول على الدعم النفسي اللازم.
وأشار عبدالعزيز إلى أن العزلة لفترة معينة قد تكون مفيدة في بعض الحالات، ولكن بشرط أن تكون بهدف تجديد الطاقة والتفكير العميق في الأمور التي قد يكون الشخص غافلاً عنها. ورغم ذلك، شدد على أن العزلة المفرطة قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة والضياع، مما قد يفاقم المشكلة.
وفي سياق آخر، لفت الغيثي إلى أن بعض الشباب يلجؤون إلى حلول خاطئة للتعامل مع الضغط النفسي، مثل التدخين أو تعاطي المخدرات، مما يؤدي إلى تدمير أنفسهم بدلاً من مواجهة المشاكل بشكل مباشر، وأكد أن الهروب من المشكلة لا يعالجها، بل الحل يكمن في مواجهة التحديات بشجاعة للتغلب عليها والانطلاق نحو حياة أفضل.
كما أكد الغيثي على ضرورة توفير جلسات منتظمة للتنفيس عن المشاعر ومناقشة التحديات في بيئة آمنة خالية من الأحكام، وأضاف أن مثل هذه الجلسات تتيح للأفراد فرصة التحدث بحرية، مما يسهم بشكل كبير في تحسين الصحة النفسية وتعزيز الشعور بالدعم والتقدير.
من جانبها أوضحت سعاد بنت عبدالله الغيلانية أخصائية العلاج النفسي في عيادة "يونيا"، أن المجتمعات غالباً ما تحدد مفاهيم القوة والرجولة بطرق قد تؤثر سلباً على قدرة الرجال على التعامل مع تحدياتهم النفسية، وأكدت أن الصحة النفسية تشكل أساساً لحياة متوازنة ومستقرة وليست دليلاً على الضعف، بل هي جزء لا يتجزأ من صحة الإنسان بشكل عام، وأشارت إلى أهمية كسر حاجز الصمت لفهم أعمق لما يمر به الرجال من تحديات نفسية، مؤكدة أن القوة الحقيقية تكمن في مواجهة هذه التحديات والبحث عن الدعم عند الحاجة.
وأضافت الغيلانية أن توسيع الفهم المجتمعي للصحة النفسية أمر بالغ الأهمية، بما في ذلك إعادة تعريف القوة الحقيقية ودور الأسرة في دعم أفرادها، خاصةً الرجال عند مواجهتهم لأزمات نفسية، وأكدت أن تأثير الصحة النفسية يمتد إلى العلاقات الاجتماعية، وبالتالي يجب على المجتمع أن يكون أكثر وعيًا ودعماً للحوار حول هذه القضايا.
وأشارت الغيلانية إلى ضرورة كسر حاجز الصمت بشأن الصحة النفسية في المجتمعات التي ترى القوة والصلابة كسمات أساسية للرجولة، وأوضحت أن القوة الحقيقية تتمثل في القدرة على الاعتراف بالتحديات النفسية والبحث عن الدعم المناسب للتوصل إلى حلول عملية لمشاكل الصحة النفسية التي يواجهها الرجال.
وتحدثت الغيلانية عن وجهين لتأثير الصمت على الصحة النفسية، حيث يمكن أن يكون الصمت إيجابياً إذا استُخدم للتفكير والتأمل، ولكن إخفاء المشاعر والضغوط لفترات طويلة قد يؤدي إلى تأثيرات جسدية ونفسية سلبية، مثل الانفعالات العصبية المفرطة وتدهور الأداء الشخصي والمهني.
وأكدت الغيلانية على ضرورة كسر حاجز الصمت في المجتمع لتحسين الصحة النفسية، مشيرة إلى أن هذا يتطلب التعاون بين الأفراد والمؤسسات من أجل توفير بيئة داعمة تشجع على الحوار المفتوح حول قضايا الصحة النفسية.