لا شكّ أنّ أحدًا لم يتفاءل لدرجة الاعتقاد بأنّ زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت ستكون "حاسمة"، عملاً بالمقولة الشهيرة "الثالثة ثابتة"، ولو أنّ الرجل سبق أن حدّد شهر أيلول "موعدًا للحسم"، بل اعتبره بمثابة "الفرصة الأخيرة" من أجل الإنقاذ، ولو أنّه أيضًا استبق الزيارة بـ"تنسيق" مع شركاء باريس في "المجموعة الخماسية" المعنيّة بالملف اللبناني، وفي مقدمّتهم المملكة العربية السعودية.


 
لكن ما لم يكن متوقّعًا أيضًا أن توصَف الزيارة في بعض الأوساط السياسية بـ"الباهتة"، على الأقلّ بالمقارنة مع الزيارتين السابقتين للموفد الفرنسي، واللتين استقطبتا اهتمامًا إعلاميًا بالحدّ الأدنى، لم يُلحَظ هذه المرّة، حيث تقدّمت عليها الاشتباكات المتواصلة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، ومساعي تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، بل إنّها لم تحجب الاهتمام، حتى على المستوى المحلية، بالكوارث الطبيعية من المغرب إلى ليبيا.
 
وفي وقتٍ لم يُعرَف إن كانت "الثالثة ثابتة"، إن لم يكن على صعيد "الفرح"، فعلى الأقل بالنسبة إلى لودريان، بمعنى أنّه لن يعود إلى بيروت في المدى المنظور، بعدما يتفرّغ لمهامه الجديدة في العلا السعودية، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فهل تكون هذه الزيارة "إعلان فشل" للمبادرة الفرنسية بالفعل؟ وهل يمكن تصنيفها على أنّها "باهتة" فعلاً؟ وما هي المفاعيل التي يتوقع أن تترتّب عليها بشكل أو بآخر؟!
 
الأجواء التشاؤمية سابقة للزيارة
 
يقول العارفون إنّ الأجواء السلبية التي أحاطت بزيارة لودريان إلى بيروت لم تكن وليدة لحظتها، فأجواء "التشاؤم" إن جاز التعبير سابقة للزيارة، بل سابقة حتى للرسالة التي وجّهها الرجل إلى القوى السياسية، والتي قوبلت بتحفّظات واعتراضات، ولا سيما بعدما أعلنت معظم قوى المعارضة رفضها كلّ أفكار "الحوار الوطني"، على الرغم من المرونة والليونة التي أبدتها خلال جولة الموفد الفرنسي السابقة، وقبل حادثة الكحالة الشهيرة.
 
أكثر من ذلك، يقول العارفون إنّ معظم المتابعين كانوا يتعاملون مع زيارة لودريان في الأيام الأخيرة على أنّها تأتي "لرفع العتب" ليس إلا، وإنّ الرجل لو لم يكن قد التزم بالموعد سلفًا، لما عذّب نفسه وأتى إلى البلد، بل إنّ الكثيرين اعتبروا الزيارة "وداعية" ليس إلا، وأنّ الهدف منها أن يقول لودريان للبنانيين إنّه أدى قسطه للعلا، وإنّه فعل كلّ ما يستطيع، لكن اللبنانيين لم يتجاوبوا معه، ولم يسهّلوا مهمّته بل عقّدوها، حتى أفرغوها من مضمونها.
 
وثمّة من يضيف إلى كلّ ما سبق التوقيت الذي لم يكن في صالح الزيارة، التي جاءت على وقع انشغال العالم بأسره بما يجري في ليبيا والمغرب بعد كارثتي الزلزال المدمّر والفيضانات القاتلة، واللتين لا يزال هولهما عصيًّا على التصديق، فضلاً عن انشغال اللبنانيين بالاشتباكات التي انفجرت من جديد في مخيم عين الحلوة، والتي ما كان يمكن لزيارة "غير مضمونة النتائج" أن تحجب الاهتمام عنها، أو أن تخطف الصدارة منها.
 
لا أفكار جديدة حملها لودريان
 
وعلى طريقة "تثبيت" الأجواء السابقة للزيارة، جاءت المعطيات الموازية للقاءات التي عقدها لودريان، لتؤكد المؤكد، حيث تبيّن أنّ الرجل الذي أدلى بدلوه في زيارتيه السابقتين، لا يحمل أفكارًا جديدة معه هذه المرّة، بل إنّه جاء "داعمًا" للمبادرة الحوارية التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بما يناقض كلّ الاستنتاجات والتأويلات التي حاولت الإيحاء بأنّ الأخير أراد "ضرب" مهمّة لودريان في مهدها، أو "القوطبة" عليها.
 
وفي حين لم يبدُ أنّ لدى لودريان "النيّة" بدعوة الافرقاء إلى حوار وطنيّ جامع في قصر الصنوبر أو خارجه، كما روّج البعض بعيد زيارته الثانية، فإنّ مثل هذا "الخرق" بدا بعيد المنال بالنسبة إلى المتابعين، ولا سيما أنّ مواقف من التقاهم الرجل أتت "مطابقة للتوقعات"، فالمؤيدون لمبادرة رئيس البرلمان الحوارية شجّعوا على التوافق والتفاهم، فيما تمسّك المعارضون بموقفهم الرافض لـ"تضييع الوقت" عبر حوار لا يسمن ولا يغني من جوع.
 
لهذه الأسباب، اعتبر كثيرون زيارة لودريان "باهتة"، إذ كان الاعتقاد سائدًا منذ اللحظة الأولى أنّها لن تقدّم ولن تؤخّر، ولذلك فقد غاب "التشويق" عنها بالكامل، ولم تُنتظَر نتائجها، بل إنّ هناك من يشير إلى أنّه فيما كان لودريان يجري مشاوراته الثنائية مع مختلف الأفرقاء، كان هؤلاء يبحثون في مرحلة ما بعد الزيارة، وسط استعدادات لحراك قطري قد يتسلّل إلى المشهد من بوابة انكفاء الدور الفرنسيّ، وهو ما يتحضّر له الجميع.
 
قد لا يكون عادلاً اعتبار زيارة لودريان "باهتة"، ولا الحكم على المبادرة الفرنسية بـ"الفشل"، كما يحلو للبعض القول، لكنّ الواقع هو أنّ القادة اللبنانيين هم الذين تعاملوا "ببرودة" مع الزيارة، وحكموا عليها بالفشل سلفًا. وإذا كان هناك من يراهن على دور قطري مختلف عن الدور الفرنسي، يبقى السؤال: هل يمكن فعلاً الوصول إلى انتخاب رئيس من دون الحوار والتفاهم بين اللبنانيين، وهو جوهر المبادرة الفرنسية؟! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

من الفاجر؟!

كثيراً ما ورد عن الحكماء والفلاسفة الكثير من الحكم التى أثرت وتؤثر فى نفوس الناس على مدار الأجيال، لعل من تلك الحكم حكمة الصمت وقالوا عنه أن الصمت يُكسب صاحبه الاحترام والوقار. كثيراً من الأحيان يكون أفضل من الكلام عندما يكون الكلام بلا معنى، ما أكثر الكلام الذى نسمعه هذه الأيام، ويُقال فى الأمثال عن فائدة الصمت من كثُر كلامه قل احترامه وفى هذا هناك حكاية عن سقراط أبو الفلاسفة الذى يحظى بشهرة واسعة بين الأزمنة، إذ قال له رجل عند مشاهدته لامرأة تمر من أمامهما: إن هذه المرأة فاجرة، فقال له سقراط: هل تعرفها !! قال الرجل: لا أعرفها، فقال سقراط: إذاً ما سبب اعتقادك هذا ؟ قال الرجل: ألا ترى كيف تبدو ملابسها؟ قال سقراط: أيهما يُحقق الفضيلة.. الظُلم أم الحق ؟ قال الرجل: الحق بالطبع.. قال سقراط: وهل الحكم بالظن من أوجه الظُلم أم الحق ؟ قال الرجل: إنه من أوجه الظُلم بالتأكيد.. قال سقراط: وهل حكمت على تلك المرأة من باب الظن أم اليقين ؟ قال الرجل: من باب الظن.. قال سقراط: أيهما أقرب للفجور من يحكم على الناس بالظن أو بالظاهر ولم يلتزم الصمت طالما لا يعرف.. قال الرجل: من يحكم بالظن والظاهر.. قال سقراط: فمن إذاً هو الفاجر.. أنت أم تلك المرأة!! بالتأكيد أنت الفاجر لأنك تحكم على الناس بالظاهر وتتنمر عليهم وتسخر منهم وتلعنهم دون أن تعرف عنهم شيئًا.. يا فاجر!!
لم نقصد أحداً!! 

مقالات مشابهة

  • لا اجتماع للجنة الخماسية في دارة البخاري ودعوة للحوار برئاسة لودريان!
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ
  • الكشف عن ابرز الملفات التي حسمها وفد الحكومة الاتحادية خلال زيارة الإقليم - عاجل
  • الفاشر حقيقة لن تهزمها إشاعة!!
  • محافظ جنوب سيناء يبحث مع رئيس الاتحاد المصرى للهجن إقامة مهرجانات سنوية ثابتة
  • الحمل وعظام الحوض
  • عضو بـ«مجلس النواب»: استراتيجية حقوق الإنسان تخطو خطوات ثابتة نحو المستقبل
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ 3-3
  • لماذا اعتمر بايدن قبعة ترامب التي تروج لانتخابه؟
  • من الفاجر؟!