همس الحروف – تحسبهم شخوص و هم في الحقيقة مجرد فراغ – الباقر عبد القيوم علي
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
رحم الله الشيخ ياقوت الحموي الذي شخص لنا الحالة السودانية الميؤوس منها قبل ثمانمائة عام أو يزيد و كان متفرساً في شخصيات الذين ينغصون حياة الناس و يكدرون المزاج العام بدون مبررات منطقية و بدم بارد (بقصد) و في أحايين كثيرة (بدون قصد) ، و هو القائل :
وإخوانٍ حسبتهمُ دروعاً
فكانوها و لكن للأعادي
و خلتهمُ سهاماً صائباتٍ
فكانوها ولكن في فؤادي
و قالوا : قد صفت منا قلوب
لقد صدقوا ولكن من ودادي
بكل أسف يتصدر المشهد السوداني نوعية غريبة الأطوار من قيادات العمل العام نجد بعضهم متهور للغاية بصورة يصعب كبح جماحه ، و مستبد لا يضع لنفسه خطوط حمراء و لا يحسب لأدائه العام أي حساب ، غير مبالين بنتائج أفعالهم ولا يدرسون قراراتهم أبداً ، و قد أصاب بعضهم عطش جارف لممارسة السلطة و فرض الأوامر و ممارسة التعسف إشباعاً لنفوسهم المريضة .
يأدون هذه الأدوار بذكاء حاد ، و أحياناً يصبح الذكاء عليهم لعنة ، و أخرى يكون تذاكياً متعمدا ، حيث يصعب التواصل بينهم و بين الآخرين ، و خصوصاً إذا تجاوزت أعمارهم المتذاكين سقف عمري معين و تجاوزوا حدود ال 60 من العمر حينها تبرز عندهم بعض العادات الغريبة و الصفات الشاذة التي تصاحبها افعال فيها درجة من الغرابة و تأتي في أشكال مختلفه على غرار الحسم في بعض الآمور ، و الاجتهاد الخجول أحياناً ، و قد يصاحب عند البعض سلوك يتعلق بالرغبة الجامحة في المخاطرة و يتطور هذا السلوك إلى إستخدام لغة التهديد و الوعيد في بعض الأمور التي لا ترتقى لمستوى أن تكون موضوع من الأصل ، و مثل هذا السلوك يصنف شاذاً و إنفعالياً لأنه يكون متجاوزاً لسقف الجدية التي يتطلبها الموقف ، و يحدث كل هذا فضلا عن سلوك التسامح الذي يجب أن يتوفر مع الآخرين ، و على الرغم من أن الذكاء صفة إيجابية و نعمة إلا أنه قد يصبح نغمة عندما يكتوي بنيرانه الواقعين تحت تأثيره المباشر ، فنجد ضحياهم كثر و يواجهون صعوبات كبيرة خصوصاً إذا كان المتذاكي عليهم في موضع صناعة (القرار) أو (يمتلك سلطة) ، و لو كان حراساً لمدخل أي مؤسسة يتردد عليها الناس كثيراً ، فإن المصيبة حينها ستكون عليهم أكبر .
يجب على سعادة وزير التعليم العالي و البحث العلمي بروف دهب أن يفهم حقيقة واحدة فقط و هي أن هذه الحرب كانت ضد وجودية السودان ، و أنها لا تتمثل في العمليات الحربية (فقط) التي تدور رحاها في الخرطوم و بعض ولايات دارفور ، بل هي حرب شاملة إستهدفت إستإصال كل شيء حتى التأريخ و الطبيعة و الجغرافيا لم تسلم منها ، و هي كما أسلفت ضد وجودية السودان (يكون أو لا يكون) ، حيث أراد صانع هذه الحرب إفراغ السودان من أي محتوى يمكن ان يستفاد منه ، و أن القوة الغاشمة و الغشيمة التي تدير هذه الحرب قامت بمحق و سحق أي رصيد يدخره الشعب السوداني من كل شيء ، و كان من أولويات مشروع هذه الحرب هو تهجير الشعب قسرياً إلى الشتات في أرض الله الواسعة ، و ما زال هذا الإفراغ و إفقار الشعب مستمراً في غير ميادين القتال ، ففي بعض الأحيان يتم هذا العمل الجبان بصورة ناعمة و على أيادي نحسبها وطنية خبرت كيف تستخدم سلطاتها في تنفيذ هذا المخطط الأسود ، و يتم ذلك عبر مجموعة خطيرة من المختبئين في دهاليز السلطة المظلمة و ما زالوا على رأس أعمالهم يتصرفون كما يشاؤون و يديرون هذه العمليات بصمت شديدة مستخدمين فيها ذكائهم الحاد و نفوذهم القوي لأجل صناعة (الخراب) ، فبعضهم ينفذ المخطط بوعي تام بمالاته و البعض الآخر بدون وعي ، ففي كل الحالتين فإن النتيجة تصب في ماعون أجندات الحرب ، و يعاونهم على ذلك بعض مرضى النفوس ، و كل من فضل أن يكون مطية ضد أهله وشعبه ، و كذلك أيضاً هنالك بعض المغيبين الذين لا يعون ما يفعلون ، و أقرب دليل على ذلك القرار الذي أصدرته وزارة التعليم العالي و البحث العلمي بشأن تعطيل الدراسة في جميع مؤسسات التعليم العالي إلى أجل غير مسمى و أكاد أجزم باليقين النافي للشك بأن هذا القرار تم تجيره فقط بإسم السيد الوزير ، لأنه قرار يصعب أن يخرج من شخص متشبع بالوطنية و يعمل لأجل المصلحة العامة و لا أظن أن السيد دهب يمكن أن يكون ضد المصالح العليا للوطن ، و تتمثل خطورة هذا القرار في إنه أسهم إسهاماً مباشراً في إفراغ الجامعات الوطنية و الحكومية و الخاصة و الأهلية من طلابها و تهجيرهم بالإكراه تهجيراً قسرياً إلى الدول المجاورة لأجل لحاق ما يمكن لحاقه من أعمارهم التي ضاعت بدون مبرر ، و على الرغم من أن هذا القرار يضع وزير التعليم العالي في خانة العداء تجاه مستقبل إبنائنا الطلاب إلا إنه لم يراودني في يوم ما أدنى شك في وطنية هذا الرجل ، و كما إنني لم و لن أطعن في أدائه العام لصالح الدولة السودانية و لا يجوز لي إتهامه بالخيانة ، فهو رجل مهني ، و لكن نعتبر له ما مسنا من ضر (سقطة معلم) ، و لكن قد أجد له المبرر الكافي ، و ذلك لبعده المكاني عن المشهد السوداني ، فهو مقيم في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية مما جعل إحساسه ضعيفاً تجاه ما يحدث في الساحة ، الشيء الذي جعل فعله لا يتناغم مع المزاج العام للشعب في خضم تداعيات هذه الحرب ، التي كانت للشعب أفضل مدرسة و قد كشفت له العدو من الصليح ، و تعلم منها الشعب الكثير و المفيد الذي لا يحصى و لا يعد .
على العموم أتى قرار السيد الوزير خاوياً من الموضوعية و القانونية و العقلانية ، و الادهى و الأمر (غير مسبب) ، و كما لا يدانيه المنطق ، حيث مارس السيد الوزير في هذا القرار درجة من الذكاء أو التذاكي من أجل ان يسجل به لنفسه حضور في دفتر الأحوال ، و ينفي به غيابه و يدارى به قضية عدم تواجده داخل الوطن في مثل هكذا ظروف ، أي من أجل ان يقول للناس (أنا موجود) و لا أكثر من ذلك ، هذا القرار من المؤكد مؤشر و إنزار مخيف لتطورات تفيد بتصدع باتا وشيكاً في الجهاز التنفيذي في كامل الدولة ، و هذا الأمر سيهد كامل المعبد على العابد ، لأن جميع منتسبيه يغردون خارج السرب و كأن بهم جُنة ، و لكن هذا القرار الذي أحدث فرقة ضخمة لم يزعجني أبداً ، و يجب أن يطمئن الجميع لأن مثل هذه القرارات لن تصمد طويلاً ، و لذلك لا أرى ان تكون هنالك ضرورة لمطالبة سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للتدخل و إيجاد معالجة حاسمة لمثل هذه الأفعال التي تعتبر في مقام الترهات ، لأن هذا القرار أضعف من أن يصمد أمام القضاء الإداري لمدة ربع ساعة فقط ، و لقد جرب سعادة الوزير تلك الحرب القانونية التي أشعلها مع نفسه ضد جامعة أفريقيا العالمية سابقاً في شأن داخلى يخصها و ليس للوزارة سلطة في ذلك ، حيث ذهب ذلك القراره الأبتر في مهب الريح ، و تم كسر حلقته في ظرف ساعة واحدة فقط حينما تمت مواجهه بالقانون ، و من هذا المنطلق أهيب بجميع مدراء و عمداء الجامعات و الكليات أن يطمئنوا تماماً ، و ألا يضغطوا على أعصابهم ، لأن مسيرة التعليم أقوى من أن يتحكم فيها شخص أو قرار ميت قبل أن يولد ، و لهذا يجب ألا يكون لهم شاغل ، و أن يتركوا الامر لأصحاب الشأن من الشباب ليأخذوا حقوقهم الدستورية عبر المحاكم الإدارية التي ستنصفهم في الحال ، أو من خلال الشرعية الثورية إن أرادوا ذلك ، و يجب أن يعلم كل الذين يغردون خارج السرب و يتفسحون خارج الصندوق أن مسيرة التعليم العالي ستستمر رغم أنف من أبى ، و الله من وراء القصد .
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: الحروف همس التعلیم العالی هذا القرار هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
محكمة إسرائيلية تحبط مساعي نتنياهو لتأجيل مثوله أمامها.. أمهلته 3 أسابيع
أحبطت محكمة إسرائيلية مساعي نتنياهو للتملص من المثول أمامها، بعد أن رفضت طلبا تقدم به لتأجيل هذه الخطوة، تحت ذريعة الأوضاع الأمنية غير الملائمة.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إن قضاة المحكمة المركزية في القدس، رفضوا الأربعاء طلب نتنياهو تأجيل الإدلاء بشهادته في المحكمة.
ونقلت عن قضاة المحكمة قرارهم: "رغم الأحداث التي وقعت أثناء الحرب، والتي تم تفصيل بعضها في الطلب المعروض علينا، إلا أن بعضها كان معروفا وقت اتخاذ القرار، ولم نقتنع بأنه قد حدث تغيير جوهري في الظروف التي قد تبرر تغيير الموعد المحدد في القرار".
والاثنين، قدم محامون عن نتنياهو طلبا بتأجيل شهادته أمام المحكمة بالقدس، بداعي الانشغال بالحرب على غزة ولبنان.
وطلب نتنياهو تأجيل مثوله أمام المحكمة التي تنظر في اتهامات موجهة له بالرشوة والاحتيال وإساءة الثقة، لمدة 10 أسابيع.
وأضاف القضاة: " في قرارنا الصادر في 9 تموز/ يوليو 2024، مُنح الدفاع فترة خمسة أشهر للتحضير، وفي قرارنا الحالي، أخذنا في الاعتبار الوقت المحدد في القرار المذكور، والوقت المتبقي حتى موعد الجلسة".
وأشاروا إلى أنه "أمام طاقم الدفاع عن نتنياهو فترة 3 أسابيع للتحضير حتى تجدد المداولات التي سيتم فيها الاستماع إلى شهادة نتنياهو نفسه".
وذكرت هيئة البث أنه "من المقرر أن تبدأ شهادة نتنياهو في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بعد أن تم تأجيلها في السابق لعدة أشهر بناء على طلبه".
وانعقدت أولى جلسات محاكمة نتنياهو يوم 24 آيار/ مايو 2020، ووفقا للقانون الإسرائيلي، لا يُطالب بالاستقالة من منصبه إلا إذا أدانته المحكمة العليا، وهو قرار قد يستغرق تبنيه شهورا طويلة.
ويواجه نتنياهو اتهامات بالرشوة والاحتيال وإساءة الثقة، إلا أنه ينفي تلك الاتهامات.
ويتهم قادة في المعارضة نتنياهو بالإصرار على مواصلة الحرب على غزة وفتح جبهة حرب على لبنان بهدف التهرب من محاكمته، ومحاولة تحقيق نصر ربما ينقذه من المحاكمة ويحافظ على منصبه رغم إخفاقاته منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ومنذ ذلك اليوم ترتكب دولة الاحتلال بدعم أمريكي إبادة جماعية بقطاع غزة، خلّفت أكثر من 147 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.