عندما ننتقد التقصير الرسمي على كل المستويات لا نقصد التعميم، مع أن "فيروس" الفساد يكاد يصيب الجميع حتى المحصّنين والملقحين. ما سنقوله في هذا الصدد ليس اتهامًا لأحد محدّد بقدر ما هو تعبير عن رفض مطلق لما تعيشه البلاد من حال استسلام غير مسبوق. وهذا الاستسلام ناتج بالتأكيد عن تخّلي الكثيرين من المتعاطين بالشأن العام عن تحمّل مسؤولياتهم كاملة، الأمر الذي دفع التطورات إلى أقصى السلبيات، وإلى تضييع الفرص المتاحة، والتي لن تعود كذلك متى حانت ساعة الحقيقة، وهي صارت على قاب قوسين أو أدنى.
ومن بين الفرص الضائعة ما تمّ إقراره في قمة العشرين في نيودلهي، حيث تم التوافق على الممر الاقتصادي الحيوي الذي يربط أوروبا بالهند عبر منطقة الشرق الأوسط، من دون أن يأتي الكبار العشرون على ذكر لبنان، الذي كنا نتغنّى بأنه همزة الوصل بين الغرب والشرق، وكنا نفاخر بأن مرفأ بيروت من حيث موقعه الجغرافي هو من أهم المرافئ في شرق البحر الأبيض المتوسط، وكنا نتباهى بأن بلاد الأرز هي ملتقى الحضارات والديانات السماوية، لنكتشف ما هو مخيّب للآمال، وبأن هموم العالم في مكان وهموم اللبنانيين في مكان آخر، وبأن دول هذا العالم، ومن بينها دول كنا نصنّفها في آخر ترتيب ما يُسمّى بـ "العالم الثالث"، تتطور وتتقدّم اقتصاديًا وعلميًا وثقافيًا وتكنولوجيًا واجتماعيًا، وتسعى إلى تحسين ظروف معيشة مواطنيها، فيما لا يكتفي اللبنانيون بأن يبقوا يراوحون في أماكنهم ويدورون حول أنفسهم في حلقة ضيقة ومفرغة، بل يتراجعون إلى الوراء ويتقهقرون، حتى أنهم عاجزون عن انتخاب رئيس جمهوريتهم الغائبة عن السمع، وهذا ما لم يحصل حتى في زمن حكم القبائل والعشائر. المشاريع الاقتصادية والاتفاقيات تتبلور يومًا بعد يوم لتربط العالم ببعضه البعض، فيما لبنان واقف يتفرج كأنه خارج لعبة الأمم، وخارج المنظومة التي تعتمد مقياسًا واحدًا في التعاطي مع الأقوياء، الذين يفرضون أنفسهم على أهل بيتهم قبل أن يفرضوها على الآخرين.
في قمة نيودلهي، حيث اجتمع "الكبار" استُبعد لبنان من أن يكون الممر الطبيعي لهذا الخط الذي يربط الغرب بالشرق. وبدلًا من أن يتم اعتماد مرفأ بيروت، تم استبعاد لبنان ومرفأ بيروت، ليحل مكانه مرفأ حيفا في إسرائيل. وهكذا نفقد يومًا بعد يوم الدور الذي كنا نلعبه بإتقان وبحرفية متناهية وبخدمات لم تكن متوافرة لغيرنا يوم كنّا في أوج ازدهارنا كلاعب محوري في المنطقة، ويوم كانت ليرتنا أقوى من العملات الأجنبية، من حيث قيمتها الشرائية، ومن حيث الطلب عليها. أمّا اليوم، وبعدما انشغلنا بأمور كثيرة فيما كان المطلوب كان أمرًا واحدًا. انشغلنا في كيفية تهشيم سمعة لبنان في الداخل والخارج. انشغلنا في إضعاف بعضنا البعض. اهتممنا بمصالحنا الخاصة وأهملنا مصلحة الوطن، التي كان يُفترض أن تعلو ولا يُعلى عليها.
لم نعرف أن نتفق على حكومة كاملة المواصفات، وقد وضعت العصي في دواليب من تبيّن بالفعل والممارسة أنهم غيارى على مصلحة الوطن أكثر بكثير من الذين يدّعون الدفاع عن حقوق هوائية. لم نعرف أن ننتخب رئيسًا للجمهورية كبداية لازمة وموجبة للخروج من الظلمة، التي أوقعنا أنفسنا فيها. نتلهى بالقشور، وهي توضع في طريقنا لكي ننزلق عليها، وكأن لسان حالنا يقول "ألف قلبة ولا غلبة".
هل يُعقل أن يكون أقصى طموحنا أن ننتخب رئيسًا لجمهورية قد جعلناها من الماضي، فيما نحن نخرج أنفسنا من الزمن شيئًا فشيئًا لنصبح صفحة مطوية ومنسية لا أكثر ولا أقل؟
وهل ندرك الآن أن تفجير مرفأ بيروت لم يكن مجرد حادث قضاءٍ وقدرٍ؟ المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مرفأ بیروت
إقرأ أيضاً:
حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
كنت من محبي زيارة متحف السودان القومي..
واكاد اجزم أني احفظ المعروضات في القاعات في الدور الاول والثاني..
واعرف ممر الكباش والضفادع الحجرية علي البحيرة الصناعية والمعابد التي نقلت كما هي ووضعت في ساحة المتحف كمعبد دندرة وحيث اثار العهد الاسلامي في الطابق الثاني كدولة سنار
◾️- الصورة المرفقة صورتها بنفسي بجوالي النوكيا في ابريل 2011 ولازالت احتفظ ببعض الصور من ساحات العرض..
◾️- حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع وتم سرقة مشغولات ذهبية عمرها الاف السنين وبعض الاثار الصغيرة من العاج والحجر والابنوس تعود للعهد المروي ولعهد دولة نبتة
– مع ان السودان اطلق حملة لاستعادة المسروقات بالتعاون مع اليونسكو الا ان الامل ضعيف في العثور عليها لان هناك هواة جمع تحف واثار يشترون مثل هذه المقتنيات ويحتفظون بها في خزائنهم لمدد طويلة ولا يعرضونها ابدا وبذا تقل فرص مطاردتها واسترجاعها..
????- الحل في نظري هو اطلاق حملة قومية للتنقيب عن الاثار مرة اخري.. هناك مواقع اثرية كبيرة ومتعددة متناثرة في السودان..
◾️- مثلا في العام 1998 زرت الولاية الشمالية باللواري في سفرة استغرقت عدة ايام فرايت كثير من الاثار ملقاة علي الطريق قريبا من شواطئ نهر النيل , احجار ضخمة واعمدة معابد لايستطيع اي احد ان يحركها من مكانها وربما هذا سبب حفظها حتي الان.. فلو تم التنقيب حول هذه الاماكن فالبتاكيد سنحصل علي اثار جديدة..
◾️هناك ايضا موقع النقعة والمصورات الاثري الذي يشرف عليه معهد حضارة السودان التابع لجامعة الخرطوكم تحت اشراف البروف جعفر ميرغني – وقد زرته من قبل في العام 2010 – الثلات صور الاخيرة – ففي هذا الموقع تتناثر الاثار علي العديد من التلال والسهول و الموقع ذات نفسه يقع علي نهاية وادي العوتيب وهذا الوادي الان عبارة عن رمال ولكنه حتما في قديم الزمان كان من روافد النيل الموسمية فعلي ضفاف هذا الوادي وحتي موقع النقعة والمصورات هناك احتمال وجود عشرات الاثار التي قد تغير التاريخ ذات نفسه
◾️- ايضا سفح جبل البركل وكثير من المواقع التي يمكن اعادة التنقيب فيها
◾️- في العام 2010 كانت هناك شركة تقوم بحفريات لبناء عمارة في احد الاحياء شرق مطار الخرطوم فعثرت علي ما يشبه المدفن لقرية تعتبر اول اثر علي وجود الانسان في منطقة الخرطوم والمقرن قدرت بالاف السنين..
– وكثير من الاثار هنا وهناك علي ضفاف النيل الذي كان علي الدوام جاذبا للمستعمرات البشرية منذ القدم
????- بهذه الطريقة يمكننا اعادة ملء المتحف القومي مرة اخري والحفاظ علي التاريخ الذي اراد تتار العصر ان يمحوه لهدم رواية الامة السودانية عن عراقتها وحضارتها الممتدة من الاف السنين وحتي الان..
♦️- بهذا يمكننا مرة اخري ان نضع قطع الاحجية جنبا الي جنب ونعيد بناء قصة متماسكة تمتد من الان الي عمق التاريخ ونضع معلما لاطفالنا والاجيال القادمة تحاجج به وتفتخر.
♦️- بعض الدول تحفر في اللاشئ وتعثر علي صخور صماء لايوجد عليها نقش واحد فتضعها في متحف ضخم لتقول للناس ان هذا الحجر استخدمه شخص في هذه البقعة قبل اربعة الف سنة كوسادة او كمسند او مربط لحيوان لتقول للعالم انها دولة ذات تاريخ وذات عراقة..
♦️- نحن كبلد اولي بان تكون لنا قصة لها شواهد وعليها ادلة والاسهل والحل الذي بين ايدينا هو اطلاق حملة جديدة للتنقيب عن الاثار تحت الارض والكشوفات الجديدة هذه توكل كمشاريع لكليات الاثار والدراسات الانسانية كالتاريخ وعلم الاجتماع مع التمويل من الدولة والشركات الوطنية مع مواصلة جهود البحث عن الاثار المفقودة.
النور صباح
إنضم لقناة النيلين على واتساب