في خلفيات الغضب الفرنسي من قرار المغرب عدم قبول مساعداتها
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
ثمة أسئلة كثيرة تثار حول خلفيات الحملة الإعلامية التي شنها الإعلام الفرنسي على المغرب بعد أن قرر في سياق التفاعل مع العروض الدولية للمساعدة على مواجهة آثار زلزال الحوز الاكتفاء بقبول أربعة عروض من إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة.
وثمة أسئلة تثار حول الاضطراب في إدارة الموقف الفرنسي بين مكونات داخل الدولة نفسها، فالطريقة التي أدار بها الرئيس إيمانويل ماكرون الموقف، لم تكن شبيهة بتلك التي اختارتها وزارة الخارجية الفرنسية، بل إن الطريقة التي اختار بها الرئيس الفرنسي إسكات الجدل الذي ثار حول خلفيات الموقف المغربي من المساعدات الفرنسية، زاد الطين بلة، بعد أن تجاوز اللياقة الدبلوماسية، وفضل أن يخاطب الشعب المغربي بشكل مباشر متجاوزا بذلك الأعراف المعمول بها.
لكن، في حقيقة الأمر، باريس، وحدها من تصرف بتلك الطريقة، معبرة بذلك عن عجرفة، وقلة حكمة وتوازن، فكثيرة هي البلدان الأوروبية والآسيوية التي عرضت مساعداتها على المغرب، وتفهمت قرار السلطات بالاكتفاء بقبول أربعة عروض في المرحلة الأولى، بحجة أن الحاجة إلى ضرورة تنسيق العمل وعدم تعريض خطة التدخل إلى الارتباك بما يؤدي إلى نتائج عكسية.
الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والهند وغيرها من الدول العظمى، تصرفت بحكمة، وتفاعلت بشكل إيجابي مع بلاغ وزارة الداخلية المغربية، ولم تر في ذلك أي رفض أو تعامل بانتقائية، ولم تر في قرار وزارة الداخلية أي اعتبار سياسي، بل ثمنت ألمانيا اختيار المغرب، واعتبرت خارجيتها أن التعليل الذي قدمته وزارة الداخلية منطقي، واستندت في ذلك إلى خبرة ألمانيا في إدارة الكوارث ومخاطر عدم التنسيق بين الفرق المتدخلة.
وحدها فرنسا قرأت في بلاغ الداخلية المغربية رفضا لمساعدتها الإنسانية والتقنية، وبدأت تتساءل عن خلفيات قبول عروض إسبانيا وبريطانيا وعدم قبول عرضها، مصرة في ذلك على أن تجعل من القرار المغربي قرارا سياسيا.
بعض الصحف الفرنسية، استنادا إلى مصادرها الخاصة «جدا» حاولت تعزيز روايتها بالادعاء برفض الملك محمد السادس الإجابة على مكالمة الرئيس الفرنسي التي كان يعتزم فيها تقديم التعزية، وأنه بسبب ذلك، اضطر إلى تقديمها عبر منصة! X
يهمنا التوقف قليلا عند الموقف الألماني، فبرلين لا يختلف وضعها في شيء عن باريس من حيث عدم قبول عرضها، بل ربما كان المفترض أن تصاب بخيبة أمل أكبر، بحكم أنها ترتبط بشراكة استراتيجية وبعلاقات متميزة مع الرباط لاسيما بعد تعديل موقفها من الصحراء، لكنها على العكس من ذلك، لم تشعر بأي غيرة من إسبانيا أو بريطانيا، ولم تشعر بأي إقصاء لاعتبار من الاعتبارات السياسية، ولم تكتف بتفهم القرار، بل قدمت خارجيتها ما يؤيد صدقيته وحجيته، وذلك الاستناد إلى تجربة ألمانيا وخبرتها في إدارة الكوارث، وأهمية اشتراط التنسيق والفعالية أكثر من الحرص على تعديد المتدخلين وتعرض خطة التدخل لمواجهة آثار الزلزال للارتباك.
تحتاج باريس بدل أن تحاول إقناع المغرب بإزالة نظارته التي ينظر منها إلى مصالحه الحيوية، أن تضع نظارة على عينها، لتعيد قراءة «الآخر» وقدراته ومؤهلاته في القيادة والتدبير، واستقلال قراره، وسيادته وحقه في مراعاة مصالحه
نتفهم أن تكون باريس في وضع حرج، وأنها تبحث عن ذرائع للخروج بالعلاقات الفرنسية المغربية من التوتر دون أن تطرح سؤال سبب ذلك، ولا أن تؤدي كلفة عودة العلاقات إلى طبيعتها، فباريس، تعبت من محاولات إقناع المغرب بضرورة إلقاء نظارته التي ينظر بها لسياسته الخارجية، وتلقت صدمات كثيرة في المنطقة، وهي تراقب بشكل دقيق كيف يتساقط نفوذها في منطقة الساحل جنوب الصحراء وأيضا في غرب إفريقيا، بينما يدير المغرب الموقف بذكاء، ويتكيف مع التحولات، ويعرف كيف يحصن علاقاته ومصالحه في المنطقة، وربما تشعر باريس اليوم، أن الزلزال القوي الذي ضرب المغرب، سيجعله يفقد توازنه، وترتبك قراراته، ويفقد القدرة على السيطرة على الوضع، فيفتح الأبواب مشرعة إلى الخارج، لكي يعينه في تدبير مأساته.
ثمة خلفيات عميقة تدفع باريس إلى عدم تفهم ما قرار السلطات المغربية بعدم قبول عرضها حسب التقييم المرحلي، والادعاء بأن الاعتبارات السياسية هي التي تحكمت فيه، فباريس، التي تعودت النظر باستعلاء إلى الشعوب التي استعمرتها، تعتقد أن المغرب ليست فيه قيادة سياسية قادرة على تدبير الكارثة، وأن نخبه العسكرية والأمنية وقواته في الوقاية المدنية وخبراءه ومتخصصيه التقنيين غير قادرين على السيطرة على الوضع، بل ربما ترى أن الفقر الذي تعاني منه شرائح عديدة من المجتمع، سيجعل جاهزيتها منعدمة في إغاثة المنكوبين وتحريك الفعالة المدنية، ولذلك ما كانت تتصور أن يقول لها بلاغ الداخلية: «نحن نشكركم، لكننا اليوم، ولاعتبارات فنية، وفي إطار توفير شروط الفعالية والنجاعة في التدخل، نكتفي بقبول عروض أربع دول في المرحلة القادمة، ريثما يجري تقييم آخر، يحدد الاحتياجات الجديدة».
باريس لم تتقبل أن يقول لها بلاغ وزارة الداخلية أن المغرب ليس في حاجة اليوم لتدخل فريقها التقني المتخصص، لأنه يملك الكفاية في المرحلة الراهنة، وأن خطته الفنية في التدخل، لا تدخل في الاعتبار كثرة المتدخلين، بقدر ما تشترط الفعالية والتنسيق في ظل شروط الزمان والمكان، ولذلك تصرفت بتعجرف كبير، وبدأت تتحدث عن توجيه المساعدات الإنسانية لمنظمات مدنية بدل الحكومية، وبدأ رئيسها يتحدث مباشرة إلى الشعب المغربي ويحدثه عن جاهزية فرنسا لدعمه متجاوزا بذلك كل الأعراف الدبلوماسية، وذلك في رغبة منه لخلق توتر بين السلطة والمجتمع، وتحريض المتضررين من الزلزال على الدولة. فباريس، تريد أن تقول للمنكوبين الذين تأخرت عنهم المساعدات لاعتبارات لوجستية فرضها حصول الزلزال في مناطق جبلية وعرة:» إن السلطة هي التي تسببت في منع وصول المساعدات الفرنسية إليكم، وإننا مستعدون لكي نمنحها لكم بدل إعطائها للسلطة، فنحن وأنتم سواء في عدم الثقة في السلطة».
باريس في الواقع تعرضت لصدمة جاءتها من ثلاث جهات: من الدول التي تتساوى معها في وضعية عدم الاستجابة لعروضها في المرحلة الراهنة، ومع ذلك تصرفت بحكمة ورزانة وحسن تقدير. ومن الدولة المغربية، والتي أثبتت خبرتها وكفاءتها وفعاليتها العالية في إدارة الأزمات، والسيطرة عليها، وتحريك المجتمع لكي يكون عنصرا فاعلا في التخفيف من الأزمة بدل التحول إلى حركة احتجاجية ضدها. ثم من المجتمع، الذي قدم دروسا كبيرة في الإنسانية وصورا جد متقدمة في التضامن والدعم والإسناد، لا تزال القنوات الأجنبية تسلط عليها الضوء وتفتح نقاشات واسعة لتحليل أبعادها ودلالاتها.
تحتاج باريس بدل أن تحاول إقناع المغرب بإزالة نظارته التي ينظر منها إلى مصالحه الحيوية، أن تضع نظارة على عينها، لتعيد قراءة «الآخر» وقدراته ومؤهلاته في القيادة والتدبير، واستقلال قراره، وسيادته وحقه في مراعاة مصالحه. وتحتاج فوق هذا وذاك، ألا تخلط بين المعاناة الإنسانية وبين السياسة، وأنها إذا أرادت أن تقدم مساعدتها، فعليها أن تقدم طلبها وتنظر قرار المغرب مثلها في ذلك مثل بقية الدول، وإن أرادت أن تصحح علاقتها مع المغرب، فليكن ذلك بعيدا عن زلزال الحوز، وأن تطرق الباب الذي منه يكون الدخول، لا أن تدخل من النافذة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المغرب الزلزال المغرب الزلزال الغضب الفرنسي سياسة سياسة أفكار اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وزارة الداخلیة فی المرحلة فی إدارة عدم قبول فی ذلک
إقرأ أيضاً:
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم الطوارئ
نيودلهي- في تصعيد جديد للتوترات بين الهند والأقلية السيخية، أثار إصدار الفيلم الهندي "الطوارئ" جدلاً واسعا ليصبح نقطة جديدة في الصراع السياسي المستمر بين الطرفين، سواء داخل البلاد أو خارجها.
وتعرض الفيلم لانتقادات حادة من لجنة إدارة "الغوردوارا" العليا التي تشرف على المعابد السيخية في ولاية البنجاب والولايات المجاورة في الهند، وأكدت اللجنة أن الفيلم يقدم صورة سلبية عن السيخ ويروج لرواية منحازة ومشوهة ضدهم، مما أثار استياءً واسعا داخل المجتمع السيخي.
الفيلم، الذي أخرجته وأنتجته وقامت ببطولته الممثلة الهندية وعضوة البرلمان عن حزب "بهاراتيا جاناتا" كانجانا رانوت وجسدت فيه شخصية رئيسة الوزراء الهندية السابقة إنديرا غاندي، مستوحى من حالة الطوارئ التي استمرت لمدة 21 شهرا في الهند من عام 1975 إلى 1977، خلال ولايتها.
وبعد إصدار الفيلم الأسبوع الماضي، احتجت جماعات سيخية في المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، تتهمها الهند بدعم حركة "خالستان" الساعية لإنشاء دولة في البنجاب، مطالبةً بحظره، مما دفع بعض دور السينما لحذف مشاهد أو سحبه بالكامل في البنجاب والمملكة المتحدة.
السيخ يعترضون على فيلم "الطوارئ" بحجة أنه يقدم صورة سلبية عنهم (الجزيرة) لماذا المعارضة؟يقول جاسوير سينغ كبير مسؤولي الصحافة في جمعية الصحافة السيخية في لندن، وهي منظمة إعلامية معنية بالتثقيف حول قضايا السيخ، إن "الفيلم يقدم تصورا سلبيًا عن زعماء السيخ المقدسين وشهدائهم"، كما يرى أن الفيلم يسعى لتبييض "إرث غاندي في العنف ضد السيخ".
إعلانوأضاف، في حديثه للجزيرة نت، أن "عملية الإنتاج والعروض الترويجية للفيلم كشفت عن توجهه لتصوير حياة إنديرا غاندي، بما في ذلك دورها في الإبادة الجماعية للسيخ واغتيالها على يد حراسها السيخ الشخصيين، بطريقة يراها المجتمع السيخي غير متوازنة وغير دقيقة".
الفيلم من إنتاج وإخراج وبطولة عضوة البرلمان عن حزب "بهاراتيا جاناتا" كانجانا رانوت (غيتي)وفي ظل احتجاجات السيخ بالمملكة المتحدة ضد الفيلم، أكد المتحدث باسم الخارجية الهندية راندهير جايسوال توقع بلاده أن يكون هناك تحرك بريطاني، وقال إن "حرية التعبير لا يمكن تطبيقها انتقائيا"، مشددا على محاسبة من يعرقلونها.
وأضاف جايسوال أن الهند تعرب باستمرار عن مخاوفها للحكومة البريطانية بشأن حوادث الاحتجاجات العنيفة والترهيب من قبل "عناصر معادية للهند".
يذكر أن إنديرا غاندي أمرت في يونيو/حزيران 1984 بعملية عسكرية ضد زعيم السيخ المسلح جارنايل سينغ بيندرانوالي في المعبد الذهبي، وهو أقدس موقع ديني للسيخ على الإطلاق، وقد أسفرت العملية عن دمار أجزاء من المعبد وأثارت غضبًا واسعا في المجتمع السيخي.
وبعد أربعة أشهر، تم اغتيال إنديرا غاندي على يد حارسها السيخ الشخصيين، مما أدى إلى موجة عنف ضد السيخ في شمالي الهند، قُتل فيها 2733 شخصا.
حركة خالستانوفي ظل تصاعد الجدل حول احتجاجات السيخ في الخارج، تربط وسائل الإعلام الهندية والسياسيون الهنود هذه التحركات بحركة خالستان، وهي أيديولوجية تدعو إليها المنظمات السيخية لإنشاء دولة للسيخ في البنجاب، ترى بعض الجماعات السيخية أن حدود هذه الدولة ينبغي أن تمتد لتشمل مناطق مجاورة، وفقًا لسينغ.
وحسب ما أوضح سينغ للجزيرة نت، فإن هناك ثلاث نقاط تدفع السيخ للعمل من أجل إنشاء دولة مستقلة:
من حيث الخلفية اللاهوتية، إذ تقول عقيدة السيخ إن لهم الحق بأن يتمتعوا بالسيادة. دافع تاريخي، إذ سبق أن كانت هناك إمبراطوريات سيخية. ما يتعرض له السيخ في الهند من اضطهاد في السياق الحديث.وفي الماضي، كانت هناك حركات تمرد سيخية عديدة في الهند، لكن بحسب سينغ، فإن حركة خالستان الآن تتبنى وسائل سلمية.
إعلانوفي السياق ذاته، قال سينغ للجزيرة نت إن "حركة خالستان حاليا مدعومة باستفتاء ديمقراطي غير ملزم أجرته حركة السيخ من أجل العدالة، وهو قانوني وسلمي، ويجري تنفيذه عالميًا، بما في ذلك إيطاليا وأستراليا وكندا، لكن الهند تصنفه ضمن الإرهاب".
وأضاف "نحن نرى المزيد من الدعم لحركة خالستان، مئات الآلاف من الناس يشاركون في هذا الاستفتاء، وإذا ذهبت إلى أي حدث سيخي عام أو غوردوارا كبير، فسوف ترى الدعم لحركة خالستان".
وخلافًا لما يدّعيه مؤيدو خالستان، أعلنت الحكومة الهندية أنها قدّمت للمحكمة أدلة لتمديد الحظر المفروض على حركة السيخ من أجل العدالة، وقد تم إعلان الموافقة على الحظر أمس الأربعاء.
وفي هذا السياق، أفادت وزارة الداخلية الهندية بتلقي رسالة صوتية على الهاتف الثابت لمنزل وزير الدفاع راجنات سينغ، نُسبت إلى زعيم الحركة جورباتوانت سينغ بانون، زعمت بأن السيخ يواجهون تهديدات وجودية، وحذرت أعضاء البرلمان من مغادرة منازلهم إذا لم يرغبوا في رؤية استفتاء خالستان.
وقالت وزارة الداخلية للمحكمة إن "بانون حرض المزارعين الهنود المحتجين على تسليح أنفسهم ومحاربة القوات الهندية، وصرح بأن الأسلحة ستصل إليهم عبر الحدود".
وأضافت أن "حركة السيخ من أجل العدالة تواصل دعم أيديولوجية الانفصال وأشكال التطرف العنيفة والتشدد في البنجاب من أجل إقامة ما تسمى بدولة خالستان على أراضي الهند".
الهند تتهم زعيم حركة "السيخ من أجل العدالة" جورباتوانت بالسعي إلى إنشاء دولة مستقلة للسيخ داخل الهند (رويترز) دعم للفيلمقال عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين بوب بلاكمان إن "إرهابيين ملثمين من حركة خالستان اقتحموا دار السينما، وهددوا الجمهور وأجبروا القائمين على الدار على وقف العرض".
وأشار بلاكمان إلى أن الفيلم مثير للجدل للغاية، لكنه شدد على أنه لا يعلق على جودته أو محتواه، وأضاف "لكنني أدافع عن حق من انتخبني، وناخبي أعضاء آخرين، في أن يتمكنوا من مشاهدته واتخاذ قرار بشأنه".
إعلانمن جهتها، رحبت منتجة الفيلم والممثلة رانوت بموقف بلاكمان لدعم الفيلم في المملكة المتحدة، وأعربت عن خيبة أملها بسبب نقص الدعم من السياسيين الهنود.