من قمة بريكس لقمة العشرين: صعود أم انحدار ؟
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
الصعود أم الانحدار من قمة لأخرى؟
سبقت حملة أمريكا الدبلوماسية حملة إعلاميةتهاجم برامج الصين القائمة على مبادرة الطريق والحزام.
سربت أمريكا أنها تضغط منذ عامين على فرنسا لتغيير سياساتها فى الدول الخاضعة لها عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
لم يبالغ أصحاب مشروع «الممر العظيم» عندما تنبأوا بشرق أوسط مختلف في كلياته وفي تفاصيله، إذا قدر لهذا المشروع أن ينفذ كاملاً؟!
عم التفاؤل بقمة بريكس جميع أركان العالم النامى بين جهات تطمئن إلى أنها من الآن فصاعدا سوف تنهض بلادها باستقلال وبعيدا عن التدخل الخارجى.
يحل مشروع «الممر» عُقَدا وقفت فى طريق دمج إسرائيل بحكومتها المتطرفة والعنصرية، مع الدول العربية فى مشروع شرق أوسطى تتبناه قمة العشرين.
السياسات الفرنسية في أفريقيا حسب التسريبات تمثل ضررا مباشرا على مصالح أمريكا واستراتيجياتها الأمنية وبخاصة الساحل واستراتيجيتها بالشرق الأوسط ولبنان خاصة.
اتهمت الحملة الأمريكية الصين بإغراق دول أفريقيا وآسيا بقروض واثقة من عدم قدرتها على سداد فوائدها وأقساطها فينتهى الأمر بانتقال تشغيل أو ملكية المشروعات إليها.
خلاصة مشروع «الممر»، أن تضع الهند إمكاناتها التكنولوجية والسياسية في خدمة فكرة تقضى بمد ممر اقتصادى ينطلق من الهند ويعبر المحيط إلى السعودية فى طريقه إلى إسرائيل ومنتهيا فى أوروبا.
* * *
أطفئت الأنوار فى قاعة مؤتمرات فى جوهانسبرج معلنة نهاية قمة بريكس لتشتعل أنوار أخرى فى قاعة مؤتمرات فى نيودلهى مؤذنة بافتتاح قمة العشرين. لم نكد ننتهى من قراءة بيان بريكس إلا ووجدنا على مكاتبنا نسخة مبكرة من الإعلان المزمع إصداره عن قمة العشرين فى العاصمة الهندية.
بين القمة والأخرى أيام قليلة ولكن حافلة بأكثر من مفاجأة مثيرة. هذا إلى جانب أن كل قمة من القمتين نجحت فى إثارة الاهتمام العالمى ببنود فى جدول أعمالها لم تخل من الطرافة والأهمية، نوقشت فكثرت الاستفسارات.
أغلب البنود استهلك كما اتضح لنا وقتا طويلا فى الإعداد، وبعضها ظهر أكثر ابتعادا عن واقع الحال، وواحد منها على الأقل خرج أقرب ما يكون إلى حكاية افتراضية على نمط وإبداع ما أنتجته مؤخرا استوديوهات هوليوود تحت عنوان «باربى» وحققت من ورائه أرباحا مذهلة وغير مسبوقة فى تاريخ السينما الأمريكية.
* * *
عن صدى قمة بريكس نتحدث أولا. فقد عم التفاؤل جميع أركان العالم النامى بين جهات تطمئن إلى أنها من الآن فصاعدا سوف تنهض بلادها باستقلال وبعيدا عن التدخل الخارجى. بالغ الكثيرون، وهى عادة من يتخلفون فى النهضة.
وصفوا البهجة، التى رافقت الاستعدادات والاتصالات الجارية لعقد قمة بريكس تقرر التوسع فى العضوية لتشمل عددا أكبر من الدول النامية، وصفوها بالثورة الناجحة ضد هيمنة الرجل الأبيض.
بدا منطقيا وتاريخيا التحرك المتوازى فى أفريقيا خلال فترة قصيرة لالتفاتين: التفاتة من جانب فصيل من العسكر فى عاصمة دولة من دول الساحل فى أفريقيا حين تحرك الفصيل ضد حاكم طال عهده يحكم فى حماية مظلة الاستعمار الفرنسى، والتفاتة من مجموعة صغيرة أو كبيرة فى دولة أخرى قررت الخروج إلى الشارع لتعترض على رئيس ورث الاستبداد عن أبيه.
هذا الأب حصل على الاستقلال من فرنسا بشرط أن يكون أول قرار يتخذه دعوة قوات فرنسا للإقامة الدائمة فى بلاده. مئات المتظاهرين اشتغلوا طول حياتهم فى استخراج معادن لحساب شركات أوروبية، لم يتقاضوا لقاء عملهم إلا النزر اليسير وحصلت الشركات والدول الاستعمارية المنتمية لها الكثير والوفير. ليلتها بدت أفريقيا للغرباء قارة بائسة قررت أخيرا أن تتحرك، وتحركت.
* * *
توقعنا، أقصد توقع أفراد فى مجموعات تراقب، أن تتدخل فرنسا عسكريا بالسرعة الممكنة. توقع آخرون أن تدفع فرنسا أو تحث أو تجبر الجماعات الجهادية المنتشرة بإحكام فى هذه الدول لتثير فوضى وتهاجم العواصم فيستحق إعلاميا للقوات الفرنسية التدخل لاستعادة السيطرة لموظفيها وشركاتها.
توقع بعض آخر أن ترفض أمريكا هذا التوجه الفرنسى الذى تراه جاء متأخرا، وبخاصة بعد أن سربت أنها تضغط من أكثر من عامين على فرنسا لتغيير سياساتها فى الدول الخاضعة لها عسكريا وسياسيا واقتصاديا، لأن هذه السياسات حسب ما ورد فى التسريبات أصبحت تمثل ضررا مباشرا على مصالح أمريكا واستراتيجياتها الأمنية فى أفريقيا وبخاصة الساحل واستراتيجيتها فى الشرق الأوسط وبخاصة فى لبنان.
نذكر أنه كان لدى واشنطن من تجاربها مع الاستعمار البريطانى ما دفع رئيس البيت الأبيض بعد حرب السويس إلى اتخاذ قراره الشهير بإحالة الاستعمار البريطانى إلى الاستيداع وإجبار باريس على الخروج من الجزائر. حدث هذا عندما شعر بأن الاتحاد السوفييتى يتقدم نفوذا وينشئ مصالح فى العالم العربى مهددا نفوذ ومصالح أمريكا.
* * *
لم يكن مفاجئا لنا قرار أمريكا شن حملة دبلوماسية على دول إفريقية مارست التقارب مع روسيا والصين، الأولى حين أقبلت دول بعينها غنية بالثروات أو بالموقع على التعاقد مع مرتزقة فاغنر الروسية، والثانية حين أقدمت هذه الدول نفسها أو مع دول إفريقية أخرى على عقد صفقات لمد خطوط وبناء منشآت بنية تحتية تمولها قروض صينية.
سبق الحملة الدبلوماسية حملة إعلامية أمريكية تهاجم برامج الصين القائمة على مبادرة الطريق والحزام. اتهمت الحملة الصين بأنها تغرق الدول الأفريقية والآسيوية بالقروض واثقة من عدم قدرتها على سداد فوائدها وأقساطها فينتهى الأمر بانتقال مسئولية تشغيل أو ملكية هذه المشروعات إليها.
لم تفلح الحملة الأمريكية واستمرت العلاقة الصينية بأفريقيا تتوطد على حساب الغرب. فجأة، أو للمرة الثانية خلال مائة وخمسين عاما تهرع الدول الكبرى للدخول فى سباق وحشى على موارد الثروة الأفريقية.
من استقر منها فى شكل استعمار مقيم تحت شعار عنصرى بغيض وكاذب، شعار «رسالة الرجل الأبيض» أو شعار آخر لا يقل عنصرية وهو «عبء الرجل الأبيض»، لم يهتم بنشر التعليم أو الاندماج الوطنى بل على العكس عمق أسباب النزاعات القبلية واستغلها لصالحه.
* * *
تابعنا جهود إسرائيل وضغوطها الرامية إلى دفع الدول العربية التى لم تقم بعد علاقات معها، وبخاصة الخليجية، لإقامتها. لم يقصر الرئيس بايدن فى الاستجابة لطلب إسرائيل وضغوطها داخل الكونغرس وخارجه. حاول بالفعل وواجهته عقبات وبخاصة فى مرحلة هامة جدا بالنسبة لغاية تحقيق هدف الفوز بولاية ثانية فى الانتخابات المقبلة.
تفتق الذهن عن فكرة مثيرة. تقرر القفز فوق مختلف العقبات بمشروع مبتكر. خلاصة المشروع تقوم «بهارات»، أقصد الهند بعد تغيير اسمها على الأوراق الرسمية لهذا المؤتمر، بوضع إمكاناتها التكنولوجية والسياسية في خدمة فكرة تقضى بمد ممر اقتصادى ينطلق من الهند ويعبر المحيط إلى السعودية فى طريقه إلى إسرائيل ومنتهيا فى أوروبا.
الممر يتسع لخطوط سكك حديدية فائقة السرعة وخطوط ملاحة وأنابيب تنقل الطاقة وبخاصة الهيدروجينية وكابلات لنقل المعلومات. يشبه مشروع «الممر» هذا، من على البعد، مبادرة الطريق والحزام الصينية لكن لأهداف أكبر وأوسع، أولها وأهمها أنه يحل العقد التى وقفت عقبة فى طريق دمج إسرائيل بحكومتها المتطرفة والعنصرية، مع الدول العربية فى مشروع شرق أوسطى تتبناه قمة العشرين.
فى الوقت نفسه تكون الهند بحكومتها المتهمة والمدانة بالاتهامات نفسها المدانة بها حكومة إسرائيل، مثل العنصرية وتشويه المبادئ الديموقراطية التى أهلتها أصلا لمكانة متقدمة لدى دول الغرب، قد نجحت بفضل قيادتها الناجحة لقمة من هذا النوع أن تفرض نفسها وسياستها «غير المنحازة» على الغرب والشرق والجنوب فى وقت واحد.
براعة فى الأداء الدبلوماسى، أم خيار استراتيجى لتحقيق فوز جيوسياسى على الصين التى توجست شرا فلم يحضر رئيسها، أم انتهازية سياسية فائقة ومن شواهدها المحلية الاحتفال مع أعضاء المؤتمر بذكرى المهاتما غاندى، الرجل الذى مات على يد شاب متطرف كان عضوا فى أحد تنظيمات حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الآن فى الهند والذى ينتمى إليه وعاش يروج له نارندرا مودى الرئيس الحالى للحكومة الهندية ومضيف قمة العشرين؟
* * *
أتصور أنه وعلى ضوء ما خرجت به القمتان وما توافقت عليه سرا أو اختلفت الدول المشاركة دون الإعلان أو التصريح عما توافقت عليه واختلفت، يتعين على بقية دول الشرق الأوسط إعادة النظر فى مشروعات تنمية وإنشاءات وتحولات رقمية نفذت أو جارى تشييدها.
من هذه المشروعات مد طرق للنقل وتطوير الموانئ وبخاصة الواقعة على خطوط مبادرة الحزام والطريق مثل الموانى الإيطالية واليونانية بخاصة، منها أيضا المشروعات ذات العلاقة بقناة السويس والموانئ المصرية والإسرائيلية وطرق الإمداد المقامة لخدمتها.
* * *
لم يبالغ أصحاب مشروع «الممر» العظيم عندما تنبأوا بشرق أوسط مختلف فى كلياته وفى تفاصيله إذا قدر لهذا المشروع أن ينفذ كاملا.
*جميل مطر مفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الهند أمريكا أفريقيا فرنسا الصين قمة بريكس قمة العشرين الشرق الأوسط قناة السويس مشروع الممر مبادرة الحزام والطريق إسرائيل قمة العشرین قمة بریکس
إقرأ أيضاً:
الهيئة العامة للنقل تطلق مشروع NextWave لتعزيز التدريب البحري
الرياض
أطلقت الهيئة العامة للنقل بالتعاون مع شركة “بحري” والمنظمة البحرية الدولية (IMO) مشروع NextWave Seafarers الأول من نوعه، والذي يهدف إلى تدريب 20 طالبًا من الأكاديميات البحرية في الدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDS) وأقل البلدان نموًا (LDCs) خلال عامي 2025-2026.
ويهدف المشروع إلى تمكين المتدربين من اكتساب الخبرة العملية اللازمة للعمل في القطاع البحري، من خلال تدريبهم على متن السفن السعودية.
كما يعزز المشروع التعاون الدولي بين الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية وشركات الشحن، مما يدعم مبادرات بناء القدرات ويعالج النقص العالمي في أطقم السفن.
ويُعد هذا المشروع، الذي تبلغ قيمته الإجمالية 700,000 دولار أمريكي (ما يعادل 2,625,000 ريال سعودي)، خطوةً رائدة نحو تمكين البحارة من الدول الأقل نموًا، حيث يركز على تحليل التحديات التي تواجههم، مثل صعوبة الحصول على فرص التدريب العملي في البحر ومتطلبات العمل على متن السفن.
كما يدعم المشروع الأبحاث المتقدمة الهادفة إلى تحسين اللوائح الدولية المتعلقة بالقطاع البحري وتعزيز فرص التدريب.
ويأتي ذلك في إطار رؤية المملكة لدعم القطاع البحري وتوسيع الفرص الوظيفية أمام البحارة في هذه الدول، مما يسهم في بناء مستقبل مستدام لصناعة الشحن.
من خلال هذا المشروع، تؤكد المملكة التزامها بتطوير معايير النقل البحري العالمية، وتعزيز التعاون الدولي، وتحفيز الاستثمارات في برامج التدريب البحري. كما تسعى إلى تحقيق تغيير إيجابي في القطاع البحري، بما يسهم في دعم النمو المستمر لهذا المجال الحيوي، وتحقيق الاستدامة عبر تمكين البحارة من مختلف أنحاء العالم، خصوصًا من المناطق الأقل حظًا.