لا شك أن ملازمة الإنسان المسلم لتقوى الله تعالى، وتَسلُّحه بسلاح الصبر في حياته الدنيا ورحلته إلى الدّار الآخرة، لخير ما يواجه به مصائب الدنيا ومحنها، وهذا طريق سار عليه أنبياء الله تعالى، واستعانوا به في دعوتهم ومواجهة أعدائهم؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وإن المسلم في زماننا لفي حاجة ملحّة، وضرورة بالغة للسير على هذا النهج الربّاني والهدي النبويّ، لا سيما وأننا نعيش في زمن عظمت فيه المحن، وتتابعت فيه الابتلاءات، وكثرت فيه المصائب، ولا تزال جراح زلزال مراكش، وفيضانات درنة تنزف دماً، وآلامها تضرب، وآثارها تتتابع.

إن النظر في سير أنبياء الله تعالى وأحوالهم مع المحن والابتلاءات، لهو الدواء الشافي بإذن الله تعالى؛ فيه نُسلّي أنفسنا، ونصبّر أفئدتنا، ونداوي جراحنا، والحول والقوة والمعونة – أوّلاً وآخراً – من الله سبحانه وتعالى.

1- أهمية التقوى والصبر في التمكين ليوسف (عليه السلام):

من مشاهد قصة يوسف (عليه السلام) كما ذكرتها سورة يوسف، أنَّ إخوته ذهبوا إليه مرّة أخرى بعد ما قدموا إليه أول مرة، ورجعوا من عنده بغير أخيهم الأصغر فأمرهم أبوهم بالرجوع مرة أخرة إلى مصر ليتحسسوا من يوسف وأخيه، بعدما ابيضت عيناه من شدة الحزن لقساوة وقع الخبر في نفسه، قال تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 88 – 90].

إن من شروط التمكين المهمة التي حققها يوسف (عليه السلام)، واتصف بها في حياته تقوى الله عز وجل، وإن تقوى الله عز وجل تجعل بين العبد وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهي أن نعمل بطاعة الله على نور من الله نرجو ثواب الله، وأن نترك معصية الله على نور من الله نخاف عقاب الله. وهذا ما قام به يوسف (عليه السلام)، وظهرت ثمرات التقوى العظيمة في حياته.

– كالمخارج من كل ضيق وشدة.

– والسهولة واليسر في الأمور.

– تيسير العلم النافع.

– إطلاق نور البصيرة.

– محبة الله وملائكته والقبول في الأرض.

– ونصرة الله وتأييده وتسديده.

– والبركات من السماء والأرض.

– والحفظ من كيد الأعداء ومكرهم وغير ذلك من الثمرات… (فقه النصر والتمكين، 6/37)

وقدم التقوى للأهمية: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾؛ فهي الأصل والأساس الذي يبنى عليه الصبر الإيماني، فصبر دون تقوى دنيا بلا آخرة كالذي يصبر عن الزنا خشية الفضيحة والأمراض، لا خوفا من الله. وأردف الصبر، لأن تقوى الله في عبادته والتزام نعمه والاستقامة على ذلك تحتاج إلى صبر دائب. (يوسف أيها الصديق، ص 386)

والصبر لا بد منه على أمر الله وعن معصية الله وعلى كل مصيبة قدرها الله عز وجل. فالتقوى والصبر سلاح المؤمن وعدته في كل أحواله وتقلباته وخاصة في أوقات المصائب والمحن. وقد جاء ذكر الصفتين لمناسبتهما في المعنى، فقد اتقى وصبر يوسف (عليه السلام) على كيد إخوته وعلى مراودة امرأة العزيز. (التفسير الموضوعي، 4/220)

وقال: ﴿إنه﴾ لتعم كل متق وصابر. وجاء بصيغة المضارع لتفيد الحاضر والاستمرار، فقد يتوقف المرء عن التقوى والصبر وتتقلب حاله ويختم له بسوء الخاتمة والعياذ بالله (يوسف أيها الصديق، ص 386).

2- ثُلاثية التقوى والصبر والإحسان:

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾:

– ﴿فَإِنَّ﴾: الفاء للتعقيب القريب أو للسببية، أي بسبب التقوى والصبر لله لا يضيع أجر المحسنين.

– و (إن) للتأكيد ﴿اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قدم الأجر للأهمية ليدل في هذه المناسبة على ما صار إليه يوسف من أجر كريم وإحسان في الدنيا والآخرة.

إن يوسف u يقرر حقيقة إيمانية يعلل بها لإخوته المدهوشين السبب من إنعام الله عليه، وفي إيصاله إلى ما وصل إليه، فيقول: ﴿إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

هذه القاعدة الإيمانية الربانية التي قررها يوسف (عليه السلام)، والتي علل بها سر توفيقه ونجاحه لقد تحققت فيه هذه الصفات الثلاثة، فأهلته لنيل فضل الله وإنعامه وهي: التقوى، والصبر والإحسان ولم تفارق هذه الصفات يوسف في أي مرحلة من مراحل حياته، فصاحبته هذه الصفات عندما كان في بيت العزيز، وعندما راودته اِمرأة العزيز، وعندما راودته نسوة المدينة، وعندما أخل السجن، وعندما تعالم مع المساجين وعندما دعاهم إلى الله وعندما قابل الملك، وعندما ولي منصب عزيز مصر وعندما استلم اقتصاد البلاد، كان في كل هذه المراحل والمواقف تقياً صابراً محسناً قد كافأه الله على صبره وتقواه ولإحسانه أحسن الله له الجزاء في الدنيا فصار في هذا المنصب الكبير: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وهذا في جانب يوسف (عليه السلام) الذي عرّف إخوته على نفسه وعل سير نجاحه.

وأما من جانب إخوته فإن الموقف أحرجهم وأخجلهم، حيث تذكروا ما فعلوه به وهو صغير، فشعروا بالندم، ثم ها هم يقابلون يوسف عزيز مصر ثلاث مرات، وهو يعلم أنهم إخوته وأنهم فعلوا به ما فعلوا، ومع ذلك كان يكرمهم ويحسن إليهم في كل مرة، ولم يعاقبهم أو يحاسبهم أو يعاتبهم، لقد قابل إساءتهم بالإحسان وجهلهم بالعلم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

المراجع:

التفسير الموضوعي لسور القرآن، عبد الحميد محمود طهماز، دار القلم، دمشق، ط1، 1435ه. فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، ط1، 2005م. النبي الوزير يوسف الصديق (عليه السلام)، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، ط1، 2023م. يوسف أيها الصديق، محمد عاطف السقا، دار المكتبي، ط1، 1429ه – 2008م.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: علیه السلام الله تعالى من الله

إقرأ أيضاً:

هل عليه قضاؤها؟.. حكم صلاة المأموم منفردا خلف الصف

بيّنت دار الإفتاء المصرية، حكم صلاة المأموم منفردا خلف الإمام أو خلف الصف، مشيرة إلى أنه إذا كان المأموم واحدًا للمأموم الواحد فإن السُنة أن يقف عن يمين الإمام.

وأوضحت الإفتاء، أن وقوف المأموم الواحد خلف الإمام من غير عذرٍ صحت صلاته مع الكراهة، وتنتفي هذه الكراهة في حال العذر. 

وتابعت دار الإفتاء "كذلك الأمر في الصلاة منفردًا خلف الصف، فإنها تصح مع الكراهة عند عدم العذر، فإن وُجد العذر فإن الكراهة حينئذٍ تنتفي". 

وأضافت الدار، "يجوز للمأموم إذا لم يجد مكانًا في الصف أن يجذب واحدًا من الصف المكتمل إن غلب على ظنه أنه سيطيعه في ذلك من غير فتنة، وإلا لم يفعل، فإذا لم يجد مكانًا في الصف، فإنه تصح صلاتُه خلف الصف وَحدَه، ولا إثم عليه في ذلك.

ما حكم الصلاة بالحذاء؟.. الإفتاء: يجوز بشرطمن لم يصل صلاة العيد أول يوم.. 9 حقائق قد تجعلك تندمفضل صلاة الجماعة

وحددت دار الإفتاء فضل صلاة الجماعة، بأنَّها عاصمةٌ مِن الشيطان وحزبه، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» أخرجه الأئمة: أبو داود، والنسائي، والحاكم.

وتابعت "صلاة الجماعة حثَّ عليها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، ورغَّب فيها، ورتَّب على إقامتها خيرًا كثيرًا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفقٌ عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما".

أقل عدد تنعقد به صلاة الجماعة

وأشارت إلى أن أقلُّ ما تنعقد به الجماعة: اثنان -واحدٌ سِوَى الإمام-، وذلك بإجماع المسلمين، كما في "شرح الإمام النَّوَوِي على صحيح الإمام مسلم" (5/ 175، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"المغني" للإمام موفَّق الدين بن قُدَامَة (2/ 131، ط. مكتبة القاهرة).

مقالات مشابهة

  • علامات قبول الطاعة بعد رمضان.. 5 أمارات ترقبها في نفسك
  • علامات قبول العبادات وكيفية الاستمرار على الطاعة بعد رمضان
  • لمن قل إيمانه وتكاسل عن العبادة بعد رمضان.. 14 كلمة تجعلك نشيطا
  • هل عليه قضاؤها؟.. حكم صلاة المأموم منفردا خلف الصف
  • الدفاعات الجوية تسقط طائرة أمريكية في أجواء محافظة مأرب
  • إسقاط طائرة أمريكية في أجواء محافظة مأرب
  • حماس: من يراهن على انكسار شعبنا ومقاومته عليه مراجعة حساباته
  • ديوان حاكم رأس الخيمة ينعى الشيخة حصة بنت حميد الشامسي
  • ماذا يحدث بعد صلاة العيد؟.. الملائكة تبشر المصلين بـ3 أرزاق في الدنيا
  • صلاة عيد الفطر اليوم.. أحكامها لتصليها مثل النبي وترقب 7 عجائب