الحناوي يلتحق بالهجري.. رصاص البعث يشعل غضب شيوخ العقل في السويداء
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
أثارت حادثة إطلاق النار على متظاهرين في السويداء غضب رجال الدين في المدينة خلال الساعات الماضية، وبينما وجه الشيخ حكمت الهجري عبارات هجومية طالت إيران وميليشياتها الداعمة للنظام السوري انضم إليه، الخميس، شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، أبو وائل حمود الحناوي.
وحصلت حادثة إطلاق الرصاص أمام فرع "حزب البعث" ظهر الثلاثاء، وأسفرت عن 3 إصابات بالتزامن مع محاولة محتجين اقتحام المكان من أجل تحطيم تمثال حافظ الأسد، وإعادة إغلاق المقر الحزبي، بعدما أقفل شبان أبوابه بالحديد، قبل أسبوع.
وتحدث شهود عيان وناشطون لموقع "الحرة" أن عناصر من حرس مقر "حزب البعث" كانوا يعتلون الأسطح، وعندما حاول المحتجون اجتياز الأسوار أطلقوا الرصاص عليهم، ما أدى إلى إصابات بسبب الشظايا، فيما نقل أصحابها إلى مشافي المدينة.
وفي أعقاب الحادثة الأولى من نوعها منذ انطلاق المظاهرات الشعبية في المدينة، قبل 3 أسابيع توجه عدد من المحتجين إلى مضافة الشيخ الهجري، وأظهر تسجيل مصور نشرته شبكات إخبارية، الهجري وهو يلقي كلمة، بدأها بالتأكيد على "عدم استغرابه مما حصل".
ودعا الشيخ الهجري، وهو أحد المشايخ الثلاث البارزين في السويداء، إلى "ضبط النفس"، وإلى البقاء في الشارع وعدم التنازل عن المطالب، مضيفا: "نحن على حق ومطالبنا لا نتنازل عنها والشارع إلنا ليوم ويومين وشهر وشهرين وسنوات. شعارنا السلمي للبلد والسلطة ولكل العالم والأمم المتحدة".
وفي حين هاجم "البعثيين الساقطين" حسب تعبيره، قال إن "إيران ومنذ دخولها للبلد محتلة ويجب الجهاد ضد ميليشياتها التي نعتبرها احتلالا". وجاء ذلك بعد حديثه عن معلومات وصلت له بأن من أطلق الرصاص هم من "الميليشيات الإيرانية".
وسرعان ما انضم إليه الشيخ الحناوي، إذ ظهر في تسجيل مصور نشرته شبكات إخبارية الخميس، وقال فيه أمام جموع من الناس إن "إطلاق النار لا يمكن السكوت عنه. إلي بدو يطلق النار على ولادنا بعدوا ما عاش".
وتابع الحناوي: "ليعلم من هم على رأس السلطة أنهم هدموا الإنسان. سكتنا طويلا لنحافظ على وحدة الوطن ودم الأبناء. دوام الحال من المحال والعروش لاتدوم بالعبث والقهر والظلم والتعديات".
#شاهد: كلمات هامة لسماحة شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين، أبو وائل حمود الحناوي، أمام وفد أهلي اليوم الخميس، تعليقاً على إطلاق النار أمام فرع حزب البعث أمس الأربعاء.
- ما حدث البارحة لا يمكن أن نسكت عنه أبداً.
- العروش لا تدوم بالعبث والقتل والظلم
- لم نترك وسيلة معهم (السلطة)… pic.twitter.com/zfFtH1UA7U
وتحدث شيخ العقل من مضافته في منطقة سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للمحافظة أن "لهم تجربة مع النظام ولم نترك وسيلة معهم إلا واتخذناها"، في إشارة منه إلى السلطة.
"كرجال دين فإن القتل محرم عنا لكن إذا تعرضنا لأي خطر سنكون في الأمام وليس في الخلف"، وأكد الحناوي على "سلمية الحراك"، خاتما حديثه بعبارة: "البلد بدها حل لمشاكلها.. مش قادر تحل المشاكل في غيرك بحلها".
"مظلة وغطاء"ورغم أن الحناوي والهجري كانا قد أيدا الحراك السلمي في الشارع، منذ اليوم الأول، يعتبر الموقف الذي عبرا عنه في أعقاب حادثة إطلاق الرصاص لافتا، من زاوية الهجوم الذي استهدف بشكل مباشر النظام السوري، وحليفته إيران.
وبعدما التزم النظام السوري الصمت على مدى الأسابيع الماضية، نشرت "قيادة فرع السويداء لحزب البعث" بيانا، الخميس، أوضحت فيه حيثيات إطلاق النار على المحتجين.
وجاء في البيان أن "مجموعة من المطلوبين والتابعين لفصائل محلية بادرت الثلاثاء إلى الهجوم على مقر حزب البعث وسط المدينة، بحثا عن استفزاز وإشكال مباشر مع عناصر حراسة المقر، الأمر الذي دفع بعناصر الحراسة إلى طردهم".
وأقدمت المجموعة، حسب ما نقلت صحيفة "الوطن" عن "قيادة الفرع الحزبي" خلال الأيام الماضية على إغلاق الباب الرئيسي لمقر فرع الحزب وعدد من مقرات الشعب والفرق الحزبية على ساحة المحافظة.
كما عملت على منع مفرغي وقيادات الحزب من الدوام في مقراتها، فيما "تعاملت المؤسسات الحزبية في المحافظة مع هذا الموضوع بضبط النفس تجنبا للصدام والفوضى".
وتابع البيان: "لكن حالة الاحتواء والاستيعاب التي تعاملت بها مؤسسات الحزب قوبلت بالمزيد من التمادي من قبل هذه المجموعات، ما استدعى ضرورة الدفاع عن مقر الفرع والوقوف في وجهها، وعدم السماح لهم بالدخول".
وأورد البيان أن الاحتجاجات في المحافظة يخرج بها "العشرات"، وأن "ما حصل أوصل المحافظة إلى حالة من الفوضى ستكون لها نتائج خطرة".
لكن ناشطين ومشاركين في الاحتجاجات وتسجيلات مصورة تنشرها شبكات إخبارية بشكل يومي تظهر مشاركة الآلاف من المحتجين في اعتصام "ساحة الكرامة" (ساحة السير).
ويردد هؤلاء، من بينهم رجال دين ونساء وطلاب جامعات وسياسيين معارضين منذ 25 يوما شعارات تطالب برحيل النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالحل في سوريا.
ومن المقرر أن يشهد يوم الجمعة مظاهرة كبيرة في "ساحة الكرامة"، كما حصل يوم الجمعة الفائت، حسب ما يقول الصحفي ومدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف.
ويوضح معروف لموقع "الحرة" أن المحتجين أقدموا صباح الخميس وفي أعقاب حادثة إطلاق الرصاص على إغلاق مقرين لـ"حزب البعث" في بلدتي المزرعة والغارية بمحافظة السويداء.
في غضون ذلك أشار الصحفي السوري إلى أن "الأهالي قرروا تحويل مبنى فرقة الغارية، إلى روضة للأطفال تحمل اسم الحرية".
ويضيف معروف أن "الهيئات الروحية في المحافظة وتحديدا الشيخين الهجري والحناوي يشكلان غطاء ومظلة للحراك"، وأن "حديثهم في الساعات الماضية واضح ولا ينفصل عن الشارع ورؤيته".
ويتابع: "رجال الدين هم جزء من المجتمع منذ بداية الحراك، وعكسوا حالته بالتفصيل".
"دور اطمئنان وحماية"و"مشيخة العقل" في السويداء هي عبارة عن هيئة روحية وزعامة دنية متوارثة.
ومنذ العهد العثماني كان هناك 3 شيوخ عقل يتصدرون رأس الهرم في الطائفة الدرزية، حسب ما يشرح الصحفي معروف.
وتعتبر مكانة المشايخ متوارثة ولا يمكن أن تخرج المشيخة عن أسماء ثلاث عوائل (الهجري، الجربوع، الحناوي). وتنحصر مكانة الشيخ الهجري الدينية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء (دار قنوات)، فيما يبرز اسم الشيخ حمود الحناوي في منطقة سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للمحافظة.
ويعد الشيخ يوسف الجربوع المسؤول عن دار الطائفة في "مقام عين الزمان"، ويتركز نفوذه الديني في مدينة السويداء والقرى الصغيرة المجاورة لها.
ورغم أن الشيخين الهجري والحناوي بات لهما مواقف واضحة من الحراك في الشارع ومطالب المحتجين، لم ينضم إليهما كثيرا الشيخ يوسف الجربوع.
لكن الجربوع ذاته كان قد ألقى بيانا حمل 6 مطالب قبل أسبوعين، ووجهه للسلطة في دمشق، نيابة عن "دار طائفة الموحدين الدروز".
أولى هذه المطالب "إجراء تغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات".
وطالب بيان الشيخ الجربوع أيضا بـ"التراجع عن كل القرارات الاقتصادية الأخيرة، التي لم تبق وتذر، والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين"، و"محاربة الفساد والضرب على أيدي المفسدين بكل مصداقية وتقديمهم للعدالة".
ومن بين المطالب أيضا "أن تمارس المؤسسة الأمنية والشرطية دورها في الحفاظ على الأمن، وأن تكون عونا للمواطن لا عليه"، إلى جانب "المحافظة على وحدة الأراضي العربية السورية وتحقيق السيادة الوطنية"، و"إعداد دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصاديا".
لكن النظام السوري لم يعلّق أو يتطرق إلى المطالب المذكورة، والتي تعتليها تفاصيل تتعلق بالحياة اليومية للمواطنين.
ويرى الكاتب والباحث السوري، الدكتور جمال الشوفي أن "موقف شيخي العقل الحناوي والهجري متعقل ومتبصر، ولا يلجأ للفتنة"، مشيرا إلى أنهما حذرا خلال الساعات الماضية من "مخطط لبعض المتآمرين على أمن وسلامة الناس".
كما أكدا أن "الحراك مستمر حتى الوصول للمطالب، مع عدم الانجرار إلى مقتلة يدبرها غير المريدين لمصلحة الخير لنا".
ومنذ عام 2013، وبحسب ما يقول الشوفي لموقع "الحرة": "اختار الهجري والحناوي الحياد الإيجابي في وقت كان الشحن الطائفي في البلاد على أوجه".
وخلال السنوات الماضية أكدا على مقولة: "دم السوري على السوري حرام، وبذلك حرموا قتل السوري منا وعلينا، وهو ما دفع أبناء السويداء للانسحاب من الخدمة الإلزامية في الجيش، كي لا يكونوا قاتلا أو مقتول".
لكن ما حدث يوم الثلاثاء كان "طارئا وجديدا"، وفي حين "من المفترض أن يلتزم أبناء المحافظة بضبط النفس، قد يتطور الأمر إلى أفعال لا يحمد عقباها في حال توجهت البندقية باتجاههم".
"أهل السويداء غير متدينيين. المتدين متدين والآخر علماني"، ومع ذلك يشير الباحث الشوفي إلى أن "الأهالي في المحافظة ظلّوا يطلبون شيئا من الاطمئنان والحماية، وهو ما بات يعكسه الدور الذي يلعبه الهجري والحناوي الآن".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: النظام السوری إطلاق الرصاص إطلاق النار فی السویداء حادثة إطلاق فی المحافظة حزب البعث حسب ما
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة بالحرمين: حين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران وتنحرف القاطرة عن القضبان.. والإفلاس الحقيقي إتيان المرء يوم القيامة متلبسًا بظلم الناس
ألقى الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال: اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون، اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم، ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم. ومن أدب الفراق دفن الأسرار. من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى: {وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا}.
وأضاف فضيلته بأن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض وإصلاحها، أركان متلازمة، والمسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد. الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله. مستشهدًا بقوله تعالى {اقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. والعلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
وأفاد الشيخ ابن حميد بأن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بيّن ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد، فقال جل وعلا: {إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد}، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}. غرتهم قوتهم، وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا. ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بقوله: {كِتَبُ أَنزَلْتَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}، وقال جل وعلا: ﴿هُوَ الَّذِي يُنزّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيات بَيِّنَتِ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة. مبينًا أن الدين الإسلامي ليس ذمًا للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعات وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصًا من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الازدهار الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورًا بالسيارات والقاطرات، وفي بريد الرسائل من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله، لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح فضيلته أن القوة الحقيقية هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
وأبان الشيخ ابن حميد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق والباطل، والصالح والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح. وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام بأن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره يعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}. وسنة الله أن الصالح يبقى؛ لأن فيه نفعًا للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.
* وفي المسجد النبوي الشريف ألقى خطبة الجمعة الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله تعالى، والمسارعة إلى مرضاته، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
وقال: إن من التوفيق الأعظم، والسداد الأتم، أن يحرص العبد على حفظ طاعاته لربه عز وجل، فيكون حريصًا أشد الحرص على حفظ طاعته، يجاهد نفسه على السلامة من حقوق الخلق، ويجاهدها على البعد التام عن الوقوع في ظلم المخلوقين، بأي نوع من أنواع الظلم القولية والفعلية، يقول تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.
وأوضح فضيلته أن من أعظم البوار، وأشد الخسارة، ترك العنان للنفس في ظلمها للآخرين وانتهاك حقوقهم، قال صلى الله عليه وسلم: “اتَّقُوا الظلم، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القيامة”. مبينًا أن أعظم ما يجب على المسلم حفظ حسناته، وصيانة دينه والحفاظ عليه، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَسِينَ}.
وأكّد الدكتور آل الشيخ أن الإفلاس الحقيقي والخسارة الكبرى أن توفّق للخيرات والمسارعة للطاعات، وتأتي يوم القيامة حاملاً حقوق الناس متلبسًا بظلمهم فتلك البلية العظمى والخسارة الكبرى، مستشهدًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: “أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال صلى الله عليه وسلم: “إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فَإِن فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار”. رواه مسلم.
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين إلى المبادرة بأداء حقوق العباد، والتحلل منهم، وكف اللسان عن شتم الخلق، وقذفهم، وغيبتهم، والطعن في أعراضهم، محذرًا من الظلم والاعتداء على الخلق، وأكل أموالهم، والتهاون في إرجاعها، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}.
وختم الخطبة مبينًا أن الواجب على كل مسلم أن يجتهد في براءة ذمته من حقوق الخلق، فقد ورد في الحديث الصحيح أن الجهاد في سبيل الله يكفر الخطايا إلا الدَّين، وأن التساهل به يورد العبد الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة، مستشهدًا بقوله صلى الله عليه وسلم: “من أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدى الله عنه، ومَن أخذَ يُرِيدُ إتلافها أتْلَفَهُ الله” رواه البخاري.