لماذا يكون الطعام ألذ عندما تأكله بيديك؟
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
بعد أن ظل تركيز فن الطهو -على مدى عقود- مُنصّبا على تصميم الطعام وشكل وإخراج الطبق نفسه؛ بدون تفكير في كيفية وصول هذا الطعام إلى فم المستهلك؛ بدأت الأبحاث العلمية تقدم الأدلة حول فوائد الأكل باليدين، بدلا من أدوات المائدة؛ ضمن محاولات الباحثين لفهم "كيف يتغير إحساسنا بالطعام عندما نأخذه في لقمة ونضعه في فمنا بدون تدخل أي شيء آخر".
وذكرت مراجعة تاريخية نشرتها "المجلة الدولية لفن الطهو وعلوم الأغذية" في آخر عام 2022، حول التفاعل مع الطعام عن طريق التذوق باليدين؛ أن عددا من الطهاة بدؤوا مؤخرا في "التركيز على تفاعل ضيوفهم مع الطعام الذي يقدمونه، بما يتوافق مع الاهتمام المتزايد بتناوله باليدين".
وبدت ثقافة الأكل باليدين تشهد رواجا ملحوظا، مقابل العزوف التدريجي عن استعمال أدوات المائدة إلا في أضيق الحدود؛ من الشرق في اتجاه الغرب، وخصوصا في المملكة المتحدة وأميركا.
فوفق صحيفة "دايلي ميل" البريطانية، كشف استطلاع للرأي أن "ربع الأشخاص في بريطانيا يرغبون في التخلص من السكين والشوكة والملعقة؛ ومن بين 2500 شخص شاركوا في البحث، قال 19% إنهم شعروا بارتياح أكبر عند تناول الطعام بأيديهم، بينما قال واحد من كل 10 إن ذلك يجعل الوجبة ألذ؛ وقال طبيب نفساني للصحيفة "إننا جميعا نتناول الطعام بطريقة خاطئة، ويجب أن نأكل بأيدينا".
فبعد أن بلغ مجموع أدوات المائدة للطبقات العليا في الغرب أواخر القرن الـ19، حوالي 100 قطعة؛ واقتصرت الأطعمة المسموح بلمسها بالأصابع على الخبز والبسكويت والزيتون والهليون والكرفس فقط؛ شهدت العقود الأخيرة بداية تراجع النمط الغربي لتناول الطعام باستخدام السكين والشوكة والملعقة، وأصبحت أطعمة مثل البرغر والهوت دوغ ورقائق البطاطس والبيتزا وأجنحة الدجاج والآيس كريم، ومعظم الوجبات السريعة؛ يتم تناولها باليدين بشكل عادي ومقبول في الأماكن العامة.
وتضمّن الاتجاه الحديث في بعض المطاعم الراقية في نيويورك، وضع طعام أحد الأطباق مباشرة في أيدي الصحفيين المدعوين في حفل الافتتاح، ودعوة الأزواج لعشاء رومانسي لتناول الطعام من يد بعضهما البعض.
وقبل بضع سنوات، استغنى الطاهي لويس أندوني، الحائز على نجمتي ميشلان؛ عن معظم أدوات المائدة لمدة موسم واحد، في مطعمه بإقليم الباسك الإسباني؛ "وقرر وضع غالبية الأطباق الـ20 التي يقدمها، في قائمة التذوق باليدين".
وأصبح كثير من الطهاة في لندن يشجعون ضيوفهم على "تجربة تناول بعض الأطباق على الأقل بأيديهم"؛ ومن بينهم الشيف جوزيف يوسف، الذي أشار إلى أن هناك شعورا بأن الناس عندما يستخدمون أيديهم لتناول الطعام بدلا من أدوات المائدة "قد يضعهم ذلك في تجربة طعام أكثر وعيا، ناهيك عن الحميمية".
أما جوليا سولداتي، وهي طاهية اشتهرت بتشجيع الناس على استكشاف الطعام الذي تقدمه بأيديهم؛ فتقول "إنها تجربة تفاعلية حسية لتناول الطعام بدون أدوات المائدة".
يقول البروفيسور تشارلز سبنس، من جامعة أكسفورد، "إن التخلي عن أدوات المائدة، هو سر الاستمتاع بالطعام؛ فهو يجعلنا أكثر وعيا بما نأكله، أما الشوكة فتفصلنا عن حواسنا".
وفي معرض حثها على تناول الطعام باليدين؛ كتبت كيت إن جي في صحيفة "إندبندنت" البريطانية "قبل أن تتناول ساندويتش البرغر بيديك وتأخذ قضمة، لاحظ كيف تشعر به على أطراف أصابعك وأنت تضغط للتأكد من طزاجة الخبز ووجود السمسم، وتتفقد الخس والبصل والجبن وشريحة اللحم الطرية؛ ثم فكر في مدى الاختلاف الذي سيكون عليه الأمر إذا استخدمت الشوكة والسكين".
وعقّبت قائلة "إن إيصال الطعام إلى فمي بيدي، تجربة ماتعة للغاية، تشجعني على التفكير في كل قضمة، بدءا من النكهات والقوام الذي أفضله، وحتى الكمية التي يمكنني تناولها".
وقد يجعل الاتصال اللمسي المباشر مذاق الطعام أفضل عند تناوله باليدين، "لكن الأمر يعتمد على من يقومون بالأكل وماذا يأكلون، وعلى العادات المرتبطة بالأكل والاختلافات الجسدية من شخص لآخر".
لكن المؤكد، أن تناول الطعام باليد مباشرة، "يؤثر على أحاسيس التذوق والرائحة أو النكهة، ويُتيح معلومات أكثر دقة من تلك المتاحة للبصر؛ لتقييم مدى نضارته أو نضجه أو طراوته أو درجة حرارته".
كما يمكن أن تكون هناك متعة حقيقية مرتبطة بالشعور بالطعام، تتوافر للأيدي عبر لمس ما نأكله؛ مثل "اللمس المحبب الدافئ الذي يزيد من استمتاعنا بالخبز عند تناوله؛ أو الشعور بقشرة الطماطم الحريرية بين أصابعنا ونحن تقضمها كالتفاحة، ونفس الشيء مع البيضة المسلوقة المغموسة في الملح".
لذا، كانت الطاهية الأميركية الشهيرة أليس ووترز، تستمتع بتناول السلطة بيديها، وتصف تجربتها بأنها "حسيّة وعملية ومُثيرة للتفكير، فعندما تأكل بيديك، فإنك تنخرط بحواسك في التعرف على طعامك".
يقول البروفيسور سبنس "لقد ثبت علميا أن تناول الطعام باليدين، يحقق الكثير من الفوائد الصحية". فالأكل باليدين أكثر من مجرد تقليد ارتبط بالحضارات القديمة، لكنه سلوك يساهم في الأكل الصحي والرفاهية، وفق موقع "إن دي تي في" منها:
يحفز عملية الهضم، عبر إنتاج الإنزيمات الهضمية والعصائر في الفم والمعدة، مما يجعل هضم الطعام أكثر كفاءة، ويقلل عسر الهضم والانتفاخ والغازات. يمنع الإفراط في الأكل، حيث يجعلنا أكثر وعيا بملمس الطعام وطعمه ورائحته، مما قد يزيد من مستويات الرضا والشبع، ويُحد من الإفراط في تناول الطعام، ويساعد في الحفاظ على وزن صحي. يخفض مستويات السكر في الدم، فقد ثبت أن طريقة تناول الطعام "تؤثر على استجابة نسبة السكر في الدم لدى البالغين الأصحاء". وأن تناول الطعام باليدين يمكن أن يبطئ سرعة وتيرة الأكل، مما يخفض من نسبة السكر في الدم؛ ويمنع ارتفاع مستويات السكر لدى من يعانون من مرض السكري. يعزز المناعة، من خلال التعرض لبعض البكتيريا المفيدة الموجودة على الجلد والفم، للحماية من مسببات الأمراض والالتهابات الضارة، وتقوية جهاز المناعة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: لتناول الطعام
إقرأ أيضاً:
العيسي: المحاصصة تقتل الكفاءة وتنهش جسد الوطن
شمسان بوست / عدن:
نشر المناضل الجنوبي أديب العيسي، عبر صفحته الرسمية في موقع فيسبوك، موقفا نقديا حادا من نظام المحاصصة الذي قال إنه يمثل واحدا من أخطر أنماط الحكم في الدول ذات التركيبة الطائفية أو الحزبية المعقدة، معتبرا أن هذا النموذج السياسي يدار بمنطق تقاسم النفوذ، لا بمنطق بناء الدولة.
وأوضح العيسي أن المحاصصة تؤدي إلى تقويض المؤسسات، حيث تدار مواقع الدولة بالولاءات لا بالكفاءات، مما يحول الحكم إلى توازن هش بين مصالح متضاربة، ويجعل مستقبل الدولة رهينة صفقات مؤقتة لا تخدم المواطن.
وأشار إلى أن توزيع المناصب السيادية والتنفيذية يتم على أسس غير موضوعية، ما يسمح بتولي غير المؤهلين لمواقع حساسة، ويضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات، في وقت يستخدم فيه نظام المحاصصة كدرع لحماية الفاسدين من المساءلة، تحت ذريعة عدم استهداف المكونات.
وأكد العيسي أن هذا الواقع يكرس ثقافة الإفلات من العقاب، ويحول الفساد من استثناء إلى بنية متجذرة، كما يعطل عملية اتخاذ القرار، إذ تصبح كل خطوة إصلاحية رهينة لتوافق الأطراف، ما يخلق بيئة سياسية مرهقة، ويحول القرارات إلى أدوات للابتزاز السياسي.
وانتقد العيسي تأثير المحاصصة على وعي المواطن، مشيرا إلى أنها تعيد تشكيل الولاءات على أساس طائفي أو حزبي بدلاً من الولاء للوطن، مما يقوّض فكرة الدولة الجامعة، ويغلق أبواب التغيير أمام الشباب والكفاءات لصالح طبقة سياسية تكرس وجودها عبر تقاسم الحصص.
كما أشار إلى أن المؤسسات تتحول إلى أدوات بيد القوى السياسية، وتفقد دورها في خدمة المواطن، ما يؤدي إلى ترهلها وعجزها عن تقديم الخدمات، ويغيب عنها الحس المهني والوظيفي لصالح منطق المحاصصة.
واختتم العيسي منشوره بالتأكيد على أن الخلاص من أزمات المحاصصة ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب إرادة سياسية جادة، ووعيا شعبيا يتجاوز الانتماءات الضيقة نحو أفق دولة المواطنة، تقوم على الكفاءة والعدالة، وتخضع الجميع للمساءلة، وتحمي النسيج الاجتماعي من خلال إعلام وتعليم يعيدان الاعتبار للهوية الوطنية الجامعة.