فى يوم مولده نذكر أن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهب الحريّة للإنسانيّة، وحطّمَ الأصنام والكهانة، واستقل بكرامة الإنسان عن سطوات الأغيار، وعن عبادة الأصنام، وعن أغلال قيودها المستبدة، ومضى يُبصِّره بكشف حقيقته الإنسانية كشفاً من جديد فى ضوء البذرة الإلهية فيه، وفتح ضميره مستقلاً عن التّعلُّق بغير الله والعمل من أجله، واستغلال الطاقة الإنسانية والعمر البشرى فى تحصيل ما بقىَ من كرامة الفرد فى رحاب الله.
فمن خطبه، صلوات الله وسلامه عليه، وهو معلّم البشرية .. أيها الناس (إنَّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإنَّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم؛ فإنّ العبد بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدرى ما الله فاعل فيه، وأجل باق لا يدرى ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه ﻵخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، فو الذى نفسُ محمد بيده: ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلّا الجنّة أو النار.
لابدّ من ملاحظة سريان الوعى العالى فى أدب الخطاب النبوى، وهو خطاب يحمل وضوح الحقيقة وجلاءها من جهة، كما يحمل فى الوقت نفسه خفاءَها وسريتها. ولا بدّ من ملاحظة أنه من الأخطاء التى تتردد دائماً خطأ اعتبار أن كل خفاء وسريّة هما خارج نطاق الوعى، وبالتالى فلا يمكن للوعى أن يمثله أو يُعبر عنه أو يعكسه فى الحقيقة واقعاً مشهوداً للأبصار. هذه فكرة غير صحيحة بالمرة؛ لأنها وإنْ انطبقت على الوعى العادى المحدود، فلا يمكن بحال أن تنطبق على الوعى العالى غير المتناهى وغير المحدود، وهو هنا وعى النبوة ووعى الولاية.
الوعى العالى شأنه أرفع وأسمى فى ملكة الإدراك: دائماً ما يُمْسِك بالنهايات ولا يتناهى فى ذاته؛ ولكونه لا يتوقف عند المنتهى، فهو لا يتناهى بالتفكير المشروط؛ لأنه غير محدود بحدوده على الإطلاق؛ إذْ إنه وعى يدرك ما لا يدركه الوعى العادى المحدود.
وعى النبوة يحيطك بعالم الحقيقة فى كلمات قِصَار نافذة، فهو يهدف مباشرة إلى تقدير العمر البشرى واغتنام اللحظة الفاعلة فيه، المؤسسة عليه. ولا يمكن تقدير العمر البشرى بغير الانتباه إلى هذه المعالم المحددة ووضعها فى الاعتبار : وأن هذا العمر محدود، له نهاية لا بدّ من الانتهاء إليها. ومخافة العبد حين يضع فى الاعتبار تقدير العمر الإنسانى لا تتعدّى إمّا الأجل الذى مضى منه ليس يدرى ما الله فاعل فيه، وإمّا الأجل الباقى الذى لا يدرى ما الله قاض فيه.
وعلى العبد إذن بين هاتين المخافتين أن يقدّر عمره، وأن يحسب للحظاته ألف حساب وحساب، وأن يعرف عدد أنفاسه فيه؛ ليغتنمها فيما بقى ويتدارك منها بالتوبة والاستغفار ما مضى.
الوعى النبوى يختصر الزمن كله فى عبارة موجزة معجزة، دالة، ثاقبة الرؤية، ومحددة الاتجاه كما البوصلة المرشدة إلى صحيح الطريق. وعن هذا الوعى العالى يأتى أدب الخطاب النبوى كما تجىء الرسالة: قيمة ودلالة.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
مشهد مصوّر لمبنى مستهدف بغارة إسرائيلية في منطقة بئر العبد (فيديو)
أظهر مقطع مصوّر حجم الدمار الذي ألحقته غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في بئر العبد. وكان العدوّ الإسرائيلي قد استهدف اليوم بغارتين الضاحية الجنوبية لبيروت، وتحديداً شارع عبد النور ومحيط حارة حريك- برج البراجنة.
مشهد مصوّر لمبنى مستهدف بغارة إسرائيلية في منطقة بئر العبد#lebanon24 pic.twitter.com/CdPzScwqlJ
— Lebanon 24 (@Lebanon24) November 25, 2024