فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
ـ لماذا أمر الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام بخلع النعال في قوله تعالى: «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى»؟ ما عظمة هذا الوادي عند رب العالمين؟
أما السبب فإن كثيرا من المفسرين ذكروا أن قوله تبارك وتعالى «إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» هو تعليل لهذا الأمر المتقدم: «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» فإن التعليل يكون بمثل هذه الجملة في كتاب الله عز وجل، والمقصود هو تعظيم هذا المكان الذي سيسمع فيه موسى عليه السلام ما يوحيه إليه ربه تبارك وتعالى، فهو مكان مقدس أي مطهر، والذي يفهم من الأمر بخلع النعلين هو زيادة تعظيم للمقام وللمكان، وذكر بعض المفسرين على ما أذكر أن الذي تقدم بعد بدء سماع موسى عليه السلام لوحي الله تبارك وتعالى هو ما توجه به موسى إلى ربه جل وعلا من طلب انشراح الصدر وأن ييسر له أمره، وأن يحلل له عقدة لسانه، وأن يجعل له أخاه هارون وزيرا، فكانت أدعية توجه بها موسى إلى ربه تبارك وتعالى، فلبيت له فضل من الله عز وجل، والآن يدخل موسى في روضة الامتثال لأمر الله تعالى، وهو بدء تلقي الأوامر والطاعة والتنفيذ لله عز وجل، فكان أول ما أمر به، فاخلع نعليك، وهذا أيضا من اللطائف المقبولة في هذا السياق، فهو إذن تعظيم لله تبارك وتعالى، وتعظيم للمقام وللمكان لأنه مكان ذو قدسية وطهارة، وهو إظهار امتثال من موسى لأمر الله عز وجل في أول ما يتلقاه من وحيه جل وعلا، وفي قوله تعالى: «إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» المقدس وصف لما عظم تظهيره ورفع مكانته وقدره عند الله عز وجل، فالتقديس يعني التعظيم والتطهير ورفع المكانة، و«طوى» اختلف فيها، بين قائل بأنه اسم للمكان، وبين قائل بأنه وصف للمكان، لأنه مكان يكون ضيقا من الأسفل منفتحا من الأعلى كما هو الشأن في الطوي، ونحن نسميها «الطوي» لأنها تكون كذلك، وقيل إن طوى هو وصف مؤكد للتقديس، لأن الطوى هو المضاعف، الشيء الذي يثنى فوق بعضه كأنه مطوي، فكأن هذا التقديس مضاعف طبقة فوق طبقة، وبعض المفسرين المتأخرين يقول بأن طوى كأنها مصدر مؤكد أو مبين لنوع التقديس، فهو قريب من القول السابق لكنه يقول بأن هذا المصدر يستعمل للدلالة على عظم هذا التقديس، فبكل هذه المعاني يتبين أن المقصود هو تعظيم المكان وتعظيم المقام وإظهار الامتثال والله تعالى أعلم، وهنالك خلاف في تحديد المكان، وهنالك أقوال غالبة عند المفسرين المتقدمين، ولكن بعض المفسرين له نظرات في هذه القضية والله تعالى أعلم.
ـ ما حكم التخبيب والتحريض بين الزوجين، فكيف نتعامل مع الشخص المخبب إذا كان هذا الشخص أخا أو أختا لأحد الزوجين؟
التخبيب يقصد منه إثارة العداوة بين الزوجين مما يؤدي إلى الفرقة واحتدام الخلاف بينهما، وقد يكون التخبيب تخبيبا للزوج على امرأته، وقد يكون تخبيبا للمرأة على زوجها، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد فيه: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها» وقوله «ليس منها» فيه وعيد وإغلاظ لمن سعى بالتفرقة وإثارة العداوة بين الزوجين، والغالب في أن تكون المرأة عرضة لقبول ما يمكن أن يصلها من الإشاعات والأقاويل الكاذبة وما يثير عاطفتها على زوجها فتنشب بينهما العداوة، لذلك أغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الصورة، ولا يعني أن تخبيب الرجل على امرأته أنه أقل شأنا بل هو أيضا داخل في هذا الوعيد كما صرح بذلك أهل العلم، فهو من قياس الأولى ومن قياس المساواة، هذا لأن النص الشرعي يدل عليه.
أما الموقف ممن فعل ذلك فهو بنصحه أولا وزجره وردعه، وبمنعه عن مثل هذا العمل المنهي عنه، فلا يصح قبول ذلك منه، كما لا يصح السكوت عنه بل الواجب أن يمنع عن مثل هذا الفعل الذي يمكن أن يفضي إلى إفساد الأسر وإلى التفريق بين الزوجين وإلى تشتيت الأولاد، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فلما قالوا له: ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما، قال: بأن تمنعه عن الظلم. وهذا لا شك بأنه ظلم، فمن يسعى مخببا بين زوجين، فهذا من الظلم للزوجين جميعا، فيجب أن ينصح وأن يردع عن ذلك، وأن يحجز عن مثل هذا المسعى، وأن يكشف الأمر للطرف الآخر إن لم يرتدع هذا الذي يسعى بالتخبيب بينهما، والله تعالى أعلم.
ـ في قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف نجد تكرار كلمة «أهل» في الأية: «فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا» هل الكلمتان تدلان على معنيين مختلفين؟
اطلعت عند الإمام الطاهر بن عاشور أنه نقل أن الصلاح الصفدي توجه بسؤال نظما إلى تقي الدين السبكي في خصوص هذه المسألة وأن هذه المحاورة نقلها الألوسي في تفسيره، وقد بحثت في تفسير الألوسي ووجدتها، وإن كان الطاهر بن عاشور يرى بأن السؤال والجواب لا نفع منه، وإنما الجواب مختصر، لكن هنا لما رجعت إلى ما دار بين الصفدي والسبكي وجدت فوائد حرية أن يتعرف عليها أهل الاختصاص لأنها تكشف وجوه البلاغة والإعجاز في كتاب الله عز وجل حينما تجتمع مع علم النحو ومع الملكة والذوق الرفيع في النظر لآيات الكتاب العزيز ومع علوم البلاغة، ويمكن أيضا للسائل أن يرجع في تفسير الألوسي سيجد هذه المناظرة في سورة الكهف في هذا الموضع.
وباختصار نجد أن الإمام السبكي أجاب عن هذا السؤال أن محل هذه الجملة «اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا» هذه الجملة وصف للقرية وليس وصفا للأهل، وهي جملة من فعل وفاعل ومفعول به، وموسى عليه السلام والعبد الصالح لا يتصور أنهما مرا على كل أهل القرية، لعلهما مرا على النفرين والثلاثة، أو مرا على جمع هنا أو هنالك، فاستطعماهم فأبوا أن يضيفوهما، فهل لو أن القرآن الكريم قال: فاستطعماهم أي أولئك الذين لقيهما موسى عليه السلام والخضر دون سواهم من أهل القرية، فسيصبح الوصف بالامتناع عن الضيافة أولئك النفر أو الجمع الذين لقيهما موسى والخضر، لكن المقصود هو وصف القرية كلها الذين لقيهم موسى والخضر عليهما السلام والذين لم يلتقوا بهم، هذا المعنى الذي يريد الإمام السبكي في جوابه.
لكن الحاصل أنه لزيادة التشنيع في تحقير فعل أهل القرية، فالإتيان بالاسم الظاهر يراد منه تشنيع وصفهم بالشح والبخل، والتأكيد على هذا المعنى، فمن المفسرين الأوائل من قال بأن المقصود هو التأكيد، فالبعض تعقب هذا المعنى أن التأكيد غير ظاهر، لكن الصحيح هو تأكيد معنى الآية الكريمة الذي تريد أن تبرزه، وهو تحقير شأن هذه القرية بإبائهم عن الضيافة، وكانت معهودة من عهد إبراهيم عليه السلام وأن هذا الأصل فيهم، ولكن بإبائهم استحقوا هذا الوصف، فأراد القرآن الكريم أن يشنع على أهل هذه القرية بحقارة ما أتوه، والله تعالى أعلم.
ـ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى لله تعالى أربعين يوما جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتبت له براءتان، براءة من النار، وبراءة من النفاق» هل يمكن للمرأة المسلمة أن تنهل من هذا الجزاء المذكور في الحديث أم أن فضل جزائه للرجال فقط؟
هذه الرواية محل خلاف عند علماء الحديث، وأكثر العلماء المتقدمين، ومنهم أشهر راو لهذا الحديث وهو الإمام الترمذي يضعفون هذه الرواية، ومنهم من يقول بأنها موقوفة على أنس بن مالك، وفيها ضعف وفيها وقف، وبناء على هذا فإن الرواية لا تصح، فلا يترتب عليها ما يمكن أن يبحث عنه مما يتوهم أن فيه إشكالا.
لكن بعض المتأخرين حسن هذه الرواية بمجموع طرقها، فرأى أنها من الحسن لغيره، وبناء على هذا فإن معنى الرواية لا يميز بين رجل وامرأة وإنما يجعل حيازة هذا الفضل بالبراءة من النار والبراءة من النفاق لمن حقق هذا الشرط، وهو أن يشهد صلاة الجماعة أربعين يوما لا يفوته في هذه الصلوات في أي صلاة منها تكبيرة الإحرام، إذ إن من شرح الحديث رأى أن المقصود بالتكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام، وعلى هذا جماهير أهل العلم، والحديث قال «من صلى» فذلك يصدق في أمر الرجل والمرأة، فأما في أمر الرجل فظاهر، وأما في شأن المرأة فهي إن شهدت صلاة الجماعة في المساجد وحققت هذا الشرط أنها أدركت تكبيرة الإحرام، فإن هذا الفضل ثابت لمن أدى هذا الشرط، لكن كما تقدم، الأقرب أن هذه الرواية ضعيفة مرسلة، ولا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عن رسول الله صلى الله علیه وسلم هذه الروایة بین الزوجین الله عز وجل على هذا
إقرأ أيضاً:
أوقاف الفيوم تفتتح ثلاثة مساجد بعد الإحلال والتجديد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
افتتحت مديرية أوقاف الفيوم ثلاثة مساجد بعد الإحلال والتجديد مسجد محمود أغا، عزبة محمود أغا، قرية دسيا، مركز الفيوم جنوب، ومسجد الرحمن، عزبة الفقي، مركز سنورس، ومسجد الرحمة، منشأة رحمي، مركز إطسا،اليوم الجمعة، بعد الإحلال والتجديد.
جاء ذلك بتوجيهات من وزير الأوقاف الدكتور أسامة السيد الأزهري،وبحضور كل من : الدكتور محمود الشيمي مدير المديرية، والشيخ يحى محمد مدير الدعوة، والشيخ أحمد سيد عبدالله، مدير إدارة سنورس ثان، والشيخ سعيد مصطفى مدير إدارة مركز جنوب ،والشيخ أحمد محمد حسانين مدير إدارة إطسا غرب؛ ليتحدثوا جميعا بصوت واحد تحت عنوان:"المال العام وحرمة التعدي عليه".
وفي خطبهم أكد العلماء أن المالَ هو قِوام الحياة الإنسانية، وضرورة من ضرورياتها،فقال تعالى:{ولَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا{،وهو نوع من أنواع الزينة في هذه الحياة الدنيا،كما قال تعالى:}الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{،وهو من أهمِّ الأساليب التي من خلالها نُعمّر الأرض في شتى المجالات، فللمال أهمية في تسيير أمور الحياة، والنهوض بالأفراد والأمم لتحقيق وسائل العيش الكريم، وقد جاءت نصوص الشرع الشريف تأمرنا بالمحافظة على هذا المال،فنهى عن أكل الحرام بكل صوره وأشكاله نهيًا قاطعًا لا لبس فيه، قال سبحانه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا.. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {.
وأشار العلماء أنه إذا كان المال الخاص المملوك للإنسان، يَبذُل - الإنسان- لأجله ما في وسعه وطاقاته وإمكاناته بما يُمكّنه من المحافظة عليه، فإنَّ الناس(كل الناس ) مُكَلفون أيضًا بالمحافَظة على المال العام؛ ذلك لأن نفْعَه غير مُختزل أو منحصر على فرد أو جماعة، بل يعود نفعه على الناس كل، ومن ثمَّ فالمال العام محمي بموجب الشرع مثل حماية المال الخاص؛ بل إن المال العام قد يكون أشدَّ حرمة لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، ولذلك حذر الإسلام من سرقته أو الإضرار به، قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{، ويقول: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، ويدخل في المال العام أيضا (حق الطريق ) من حيث المحافظة على آدابه، واحترام القوانين وقواعد المرور والإرشادات الخاصة بالسير فيه للأفراد والمركبات؛ حفاظا على أمن المجتمع وسلامته من ناحية، وعدم إتلاف وإهدار الجهود التي قامت بها الدولة من جهة ثانية، فالحفاظ على المال العام وحمايته هو من الواجبات الشرعية والضرورية التي على المواطن تجاه وطنه، وتُعدُّ من الأمانات التي يجب عليه أن يقوم بها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{.
كما أوضح العلماء أنه يلحق بذلك أيضا من يسرق الكهرباء أو يتلاعب في عدادات قراءتها، أو سرقة أسلاكها وأبراجها، وكذلك من يعتدي على أملاك الدولة، أو يحتال على صرف دعم لا يستحقه، أو يقوم بتزوير البيانات للحصول على عطاء من التموين لا يستحقه، أو يحتال للحصول على إسكان مدعم لا يستحقه، فهؤلاء جميعًا يضيعون الفرصة والحق على مستحقيه الحقيقيين ، أو اغتصاب الأرض بوضع اليد عليها ظلمًا، أو الاعتداء على أملاك الدولة والأوقاف، فعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عن رَسُولِ اللَّه قال: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
وقد شملت الافتتاحات إلى جانب أداء خطبة الجمعة،مقارئ القرآن،وفعاليات البرنامج التثقيفي للطفل.
IMG-20241115-WA0255 IMG-20241115-WA0254 IMG-20241115-WA0252 IMG-20241115-WA0253 IMG-20241115-WA0250 IMG-20241115-WA0251 IMG-20241115-WA0249 IMG-20241115-WA0248 IMG-20241115-WA0247 IMG-20241115-WA0246 IMG-20241115-WA0244 IMG-20241115-WA0245 IMG-20241115-WA0238 IMG-20241115-WA0236