ـ لماذا أمر الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام بخلع النعال في قوله تعالى: «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى»؟ ما عظمة هذا الوادي عند رب العالمين؟

أما السبب فإن كثيرا من المفسرين ذكروا أن قوله تبارك وتعالى «إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» هو تعليل لهذا الأمر المتقدم: «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» فإن التعليل يكون بمثل هذه الجملة في كتاب الله عز وجل، والمقصود هو تعظيم هذا المكان الذي سيسمع فيه موسى عليه السلام ما يوحيه إليه ربه تبارك وتعالى، فهو مكان مقدس أي مطهر، والذي يفهم من الأمر بخلع النعلين هو زيادة تعظيم للمقام وللمكان، وذكر بعض المفسرين على ما أذكر أن الذي تقدم بعد بدء سماع موسى عليه السلام لوحي الله تبارك وتعالى هو ما توجه به موسى إلى ربه جل وعلا من طلب انشراح الصدر وأن ييسر له أمره، وأن يحلل له عقدة لسانه، وأن يجعل له أخاه هارون وزيرا، فكانت أدعية توجه بها موسى إلى ربه تبارك وتعالى، فلبيت له فضل من الله عز وجل، والآن يدخل موسى في روضة الامتثال لأمر الله تعالى، وهو بدء تلقي الأوامر والطاعة والتنفيذ لله عز وجل، فكان أول ما أمر به، فاخلع نعليك، وهذا أيضا من اللطائف المقبولة في هذا السياق، فهو إذن تعظيم لله تبارك وتعالى، وتعظيم للمقام وللمكان لأنه مكان ذو قدسية وطهارة، وهو إظهار امتثال من موسى لأمر الله عز وجل في أول ما يتلقاه من وحيه جل وعلا، وفي قوله تعالى: «إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» المقدس وصف لما عظم تظهيره ورفع مكانته وقدره عند الله عز وجل، فالتقديس يعني التعظيم والتطهير ورفع المكانة، و«طوى» اختلف فيها، بين قائل بأنه اسم للمكان، وبين قائل بأنه وصف للمكان، لأنه مكان يكون ضيقا من الأسفل منفتحا من الأعلى كما هو الشأن في الطوي، ونحن نسميها «الطوي» لأنها تكون كذلك، وقيل إن طوى هو وصف مؤكد للتقديس، لأن الطوى هو المضاعف، الشيء الذي يثنى فوق بعضه كأنه مطوي، فكأن هذا التقديس مضاعف طبقة فوق طبقة، وبعض المفسرين المتأخرين يقول بأن طوى كأنها مصدر مؤكد أو مبين لنوع التقديس، فهو قريب من القول السابق لكنه يقول بأن هذا المصدر يستعمل للدلالة على عظم هذا التقديس، فبكل هذه المعاني يتبين أن المقصود هو تعظيم المكان وتعظيم المقام وإظهار الامتثال والله تعالى أعلم، وهنالك خلاف في تحديد المكان، وهنالك أقوال غالبة عند المفسرين المتقدمين، ولكن بعض المفسرين له نظرات في هذه القضية والله تعالى أعلم.

ـ ما حكم التخبيب والتحريض بين الزوجين، فكيف نتعامل مع الشخص المخبب إذا كان هذا الشخص أخا أو أختا لأحد الزوجين؟

التخبيب يقصد منه إثارة العداوة بين الزوجين مما يؤدي إلى الفرقة واحتدام الخلاف بينهما، وقد يكون التخبيب تخبيبا للزوج على امرأته، وقد يكون تخبيبا للمرأة على زوجها، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد فيه: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها» وقوله «ليس منها» فيه وعيد وإغلاظ لمن سعى بالتفرقة وإثارة العداوة بين الزوجين، والغالب في أن تكون المرأة عرضة لقبول ما يمكن أن يصلها من الإشاعات والأقاويل الكاذبة وما يثير عاطفتها على زوجها فتنشب بينهما العداوة، لذلك أغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الصورة، ولا يعني أن تخبيب الرجل على امرأته أنه أقل شأنا بل هو أيضا داخل في هذا الوعيد كما صرح بذلك أهل العلم، فهو من قياس الأولى ومن قياس المساواة، هذا لأن النص الشرعي يدل عليه.

أما الموقف ممن فعل ذلك فهو بنصحه أولا وزجره وردعه، وبمنعه عن مثل هذا العمل المنهي عنه، فلا يصح قبول ذلك منه، كما لا يصح السكوت عنه بل الواجب أن يمنع عن مثل هذا الفعل الذي يمكن أن يفضي إلى إفساد الأسر وإلى التفريق بين الزوجين وإلى تشتيت الأولاد، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فلما قالوا له: ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما، قال: بأن تمنعه عن الظلم. وهذا لا شك بأنه ظلم، فمن يسعى مخببا بين زوجين، فهذا من الظلم للزوجين جميعا، فيجب أن ينصح وأن يردع عن ذلك، وأن يحجز عن مثل هذا المسعى، وأن يكشف الأمر للطرف الآخر إن لم يرتدع هذا الذي يسعى بالتخبيب بينهما، والله تعالى أعلم.

ـ في قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف نجد تكرار كلمة «أهل» في الأية: «فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا» هل الكلمتان تدلان على معنيين مختلفين؟

اطلعت عند الإمام الطاهر بن عاشور أنه نقل أن الصلاح الصفدي توجه بسؤال نظما إلى تقي الدين السبكي في خصوص هذه المسألة وأن هذه المحاورة نقلها الألوسي في تفسيره، وقد بحثت في تفسير الألوسي ووجدتها، وإن كان الطاهر بن عاشور يرى بأن السؤال والجواب لا نفع منه، وإنما الجواب مختصر، لكن هنا لما رجعت إلى ما دار بين الصفدي والسبكي وجدت فوائد حرية أن يتعرف عليها أهل الاختصاص لأنها تكشف وجوه البلاغة والإعجاز في كتاب الله عز وجل حينما تجتمع مع علم النحو ومع الملكة والذوق الرفيع في النظر لآيات الكتاب العزيز ومع علوم البلاغة، ويمكن أيضا للسائل أن يرجع في تفسير الألوسي سيجد هذه المناظرة في سورة الكهف في هذا الموضع.

وباختصار نجد أن الإمام السبكي أجاب عن هذا السؤال أن محل هذه الجملة «اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا» هذه الجملة وصف للقرية وليس وصفا للأهل، وهي جملة من فعل وفاعل ومفعول به، وموسى عليه السلام والعبد الصالح لا يتصور أنهما مرا على كل أهل القرية، لعلهما مرا على النفرين والثلاثة، أو مرا على جمع هنا أو هنالك، فاستطعماهم فأبوا أن يضيفوهما، فهل لو أن القرآن الكريم قال: فاستطعماهم أي أولئك الذين لقيهما موسى عليه السلام والخضر دون سواهم من أهل القرية، فسيصبح الوصف بالامتناع عن الضيافة أولئك النفر أو الجمع الذين لقيهما موسى والخضر، لكن المقصود هو وصف القرية كلها الذين لقيهم موسى والخضر عليهما السلام والذين لم يلتقوا بهم، هذا المعنى الذي يريد الإمام السبكي في جوابه.

لكن الحاصل أنه لزيادة التشنيع في تحقير فعل أهل القرية، فالإتيان بالاسم الظاهر يراد منه تشنيع وصفهم بالشح والبخل، والتأكيد على هذا المعنى، فمن المفسرين الأوائل من قال بأن المقصود هو التأكيد، فالبعض تعقب هذا المعنى أن التأكيد غير ظاهر، لكن الصحيح هو تأكيد معنى الآية الكريمة الذي تريد أن تبرزه، وهو تحقير شأن هذه القرية بإبائهم عن الضيافة، وكانت معهودة من عهد إبراهيم عليه السلام وأن هذا الأصل فيهم، ولكن بإبائهم استحقوا هذا الوصف، فأراد القرآن الكريم أن يشنع على أهل هذه القرية بحقارة ما أتوه، والله تعالى أعلم.

ـ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى لله تعالى أربعين يوما جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتبت له براءتان، براءة من النار، وبراءة من النفاق» هل يمكن للمرأة المسلمة أن تنهل من هذا الجزاء المذكور في الحديث أم أن فضل جزائه للرجال فقط؟

هذه الرواية محل خلاف عند علماء الحديث، وأكثر العلماء المتقدمين، ومنهم أشهر راو لهذا الحديث وهو الإمام الترمذي يضعفون هذه الرواية، ومنهم من يقول بأنها موقوفة على أنس بن مالك، وفيها ضعف وفيها وقف، وبناء على هذا فإن الرواية لا تصح، فلا يترتب عليها ما يمكن أن يبحث عنه مما يتوهم أن فيه إشكالا.

لكن بعض المتأخرين حسن هذه الرواية بمجموع طرقها، فرأى أنها من الحسن لغيره، وبناء على هذا فإن معنى الرواية لا يميز بين رجل وامرأة وإنما يجعل حيازة هذا الفضل بالبراءة من النار والبراءة من النفاق لمن حقق هذا الشرط، وهو أن يشهد صلاة الجماعة أربعين يوما لا يفوته في هذه الصلوات في أي صلاة منها تكبيرة الإحرام، إذ إن من شرح الحديث رأى أن المقصود بالتكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام، وعلى هذا جماهير أهل العلم، والحديث قال «من صلى» فذلك يصدق في أمر الرجل والمرأة، فأما في أمر الرجل فظاهر، وأما في شأن المرأة فهي إن شهدت صلاة الجماعة في المساجد وحققت هذا الشرط أنها أدركت تكبيرة الإحرام، فإن هذا الفضل ثابت لمن أدى هذا الشرط، لكن كما تقدم، الأقرب أن هذه الرواية ضعيفة مرسلة، ولا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عن رسول الله صلى الله علیه وسلم هذه الروایة بین الزوجین الله عز وجل على هذا

إقرأ أيضاً:

هل يشترط الوضوء عند ترديد الأذكار.. أمين الفتوى يحسم الجدل

قال الشيخ عويضة عثمان، مدير الفتوى الشفوية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الدعاء والذكر هو نوع من أنواع العبادات، منوها بأنه لا يشترط فيه ما يشترط للصلاة.

وأوضح «عثمان» في إجابته عن سؤال: «هل يشترط أو يجب أن يكون الإنسان على طهارة عند الدعاء؟»، أنه ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله تعالى في كل أحيانه».

وأوضح أن الدعاء هو نوع من أنواع العبادات والذكر لله تعالى، فلا يشترط فيه ما يشترط للصلاة من طهارة "وضوء".

هل يجوز الذكر والاستغفار بدون وضوء

في سياق متصل قال الدكتور محمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الذكر والاستغفار للجنب جائز، مضيفا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله.

وأضاف أمين الفتوى، خلال لقائه على فضائية "الناس" أن الذكر طمأنينة وسكن وراحة للإنسان المؤمن، ومن اعتاد لسانه على ذكر الله لن يستطيع أن يلجمه بعد ذلك.هل يأثم من يخرج من بيته وهو جنب

هل الشك في عدد ركعات الصلاة يتطلب إعادتها؟.. دار الإفتاء توضحدار الإفتاء توضح حكم نسيان الإمام سجدة التلاوة في الصلاةحكم قراءة الفاتحة للمتوفى بعد صلاة الجنازة.. دار الإفتاء تجيبهل ثواب العمل الصالح يتضاعف في مكة؟.. دار الإفتاء تكشف الحقيقة


وورد سؤال إلى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، مفاده، «هل يأثم من يخرج من بيته وهو جنب لقضاء متطلبات في غير مواقيت الصلاة سواء كان الخروج لحاجة ضرورية أو غير ضرورية؟».

وقالت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، إنه لا بأس بخروج الجنب إلى السوق وغيره مما لا بد منه لقضاء حوائجه، ولا إثم عليه في هذا إلا إذا ضيع الصلاة عن وقتها، لكن يستحب له المبادرة إلى الاغتسال.

وأوضحت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، أن من السنة المبادرة إلى الاغتسال بعد الجماع، ويجوز أن ينام الإنسان أو يأكل أو يشرب وهو جنب.

هل يجوز ذكر الله تعالى على جنابة
ورد سؤال لدار الإفتاء من سائل يقول " هل يجوز التسبيح والذكر والإنسان على جنابة".

أجابت الدار، في فتوى لها، أنه يجوز للإنسان شرعا ذكر الله تعالى ولو كان على جنابة؛ لأن الأمر بالذكر جاء مطلقا فدل ذلك على جواز الذكر في أي حال يكون عليها الإنسان؛ قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ۞ وسبحوه بكرة وأصيلا﴾ [الأحزاب: 41-42]، وقال تعالى: ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ۞ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار﴾ [آل عمران: 190-191].

وأضافت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذاكرا لله سبحانه في كل حركاته وسكناته وفي كل أحواله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه" رواه مسلم.

ونقل الإمام النووي إجماع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء؛ فقال في كتابه "الأذكار" (ص: 11): [أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء وغير ذلك].

مقالات مشابهة

  • هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟
  • جلسة حوارية بعنوان عُمان كما تراها نساء ألمانيات بمعرض مسقط الدولي للكتاب
  • خطيب الأوقاف: الله خصّ أرض سيناء بثمار لا تصلح في مكان غيرها
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • حكم من ترك الجهر في الصلاة الجهرية.. هل يؤثر في صحتها؟.. أزهري يجيب
  • كلمة واحدة وصف بها رسول الله من يحافظ على صلاة الضحى.. اغتنمها ولا تتركها
  • محمد مفقود... هل من يعرف عنه شيئاً؟
  • عمان.. وسيط السلام الموثوق
  • هل يشترط الوضوء عند ترديد الأذكار.. أمين الفتوى يحسم الجدل
  • ما المقصود بقول الله تعالى كتب على نفسه الرحمة ؟.. علي جمعة بوضح