قحطان العماني مرعب الاستعمار البرتغالي
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
أثير- نصر البوسعيدي
في ظل ذلك البلاء الذي عانى منه العمانيون في ظل الاستعمار البرتغالي الإسباني لأغلب مدن الساحل العماني لأكثر من قرن ونصف، لم تكن هناك حكومة عمانية مركزية تستطيع جمع وتوحيد المقاومة العمانية ضد هذا الاحتلال الذي خنق عمان كثيرا نتيجة سيطرتهم على التجارة البحرية وواردات الموانئ العمانية وصادراتها.
كان حصارهم خانقًا للغاية، وقضوا على كل محاولات المقاومة المتفرقة بكل وحشية؛ حتى لا تتكرر رغم عدم الخنوع والاستسلام للمحاولات الفردية لمقاومتهم التي باءت بالفشل نتيجة الضعف وبدائية الأسلحة أمام سطوة المدافع البرتغالية!
لقد حالفني الحظ بتتبع هذا الاستعمار وملامحه من خلال الوثائق البرتغالية في بحر عمان لأصدم كثيرًا بأن المقاومة العمانية المنظمة تحت قيادة واحدة لم تتأنَ منذ عام 1507م، حتى عام 1592م، وحينما أشير للتاريخ الأخير فأنا هنا أتحدث عن وثيقة مهمة تذكر شخصية عمانية قيادية باسم الإمام قحطان، أو إمبراطور بلاد العرب مثلما تشير له الوثيقة البرتغالية.
وترجع أهمية هذه الوثيقة إلى أنها الوحيدة التي ذكرت فيها مقاومة عمانية منظمة بقيادة الإمام قحطان، وأما المثير للدهشة بأن شخصية قحطان للأسف ورغم البحث الشديد لم نجد له أي سيرة في كتب التاريخ العماني التي عاصرت تلك الفترة وهو استغراب بالطبع يضاف إلى الغرابة الشديدة في عدم وجود أي مصدر عُماني قديم معاصر للاستعمار كتب عن ويلاته وعن المقاومة!
وأعتقد من وجهة نظري بأن هناك توجها دينيا مقرونا بفتوى عدم الكتابة عن هذا الاستعمار وطمسه كليا مثلما فعل الكثير من المؤرخين العمانيين القدامى بطمس معالم وهوية دولة النباهنة للخلاف الفكري السياسي اتجاه حكمهم.
هذا التفسير الشخصي الذي أجده كالأقرب للمنطق ليس إلا محاولة للهرب من مأزق السؤال الأكبر لنا كباحثين في تاريخ عمان:
لماذا لم يؤرخ أهل عمان المعاصرين للاستعمار كل تلك الأحداث طوال 147 سنة؟!
لقد فقدنا بذلك جهود قادة ودماء شهداء حاولوا جاهدين مقاومة هذا الاحتلال البرتغالي الإسباني الأشبه اليوم بالاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين!
وعطفا على كل ما سبق فهذه الوثيقة البرتغالية التي تم إرسالها للملك وتخبره عن معاناة الراهب سبستيان الذي قدم من لشبونة متجها إلى الهند لبناء عدة كنائس وليأخذ ورث أحد أبناء وزراء هرمز واسمه نور الدين الذي كتب جميع أملاكه لصالح كنيسة دير نوسا بلشبونة بعد وفاته.
الراهب سيبستيان كان على صراع مع الراهب الذي يرأس الكنيسة البرتغالية بالهند واسمه ماركوس بدعم من نائب الملك هناك من أجل سرقة ورث ابن الوزير الهرمزي، لكن الراهب سيبستيان بعد أن وجد في الهند هذه المؤامرة هرب متجها لعمان ومنها إلى هرمز ليأخذ الورث قبلهم جميعا ويعود إلى البرتغال!
وأثناء هروبه من الهند برفقة أتباعه تحطمت سفينته بالقرب من مصيرة ليضطر الذهاب مشيا مع أصحابه على الأقدام إلى رأس الحد ثم صور وبعدها قلهات ومنها إلى مسقط والسويق وصحار وبعدها إلى هرمز!
وقد دوّن أحد أتباعه هذا الهروب بكل التفاصيل المدهشة التي ذكر من خلالها رعبهم وخوفهم من أن يُلقى القبض عليهم أو يقتلون من قبل الإمام قحطان وجنوده!
الوثيقة طويلة للغاية لكنني سأحاول جاهدا اختصارها بتصرف حيث وثقت لنا إشارات مهمة للقائد العماني قحطان.
يقول كاتب الوثيقة وهو أحد أفراد هذه الرحلة:
“أبحر الأب سيبستيان فور بداية الرياح الموسمية برفقة 3 رهبان يوم الثالث من إبريل 1591م، في البرشة (السفينة) المسماة سانتا كروس، وبعد رحلة دامت 5 أشهر و13 يوما وصل إلى مرسى وا (الهند)، ولما رست البرشة سانتا كروس شرع السكان في الاحتفال بالأخبار السارة التي وصلتهم عن البرتغال…، ولما وصل الراهب سيبستيان ميناء وا علم بموت الدون ألفونسو نور الدين ابن الرئيس نور الدين وزير هرمز، وأنه أوصى بتركته كلها لدير نوسا سنيور ادا راسا بلشبونة، ولأن الإرث المذكور مهما، حاول نائب الملك الاستحواذ على تلك التركة وشاركه في المؤامرة الأب الراهب ماركوس…،”
هنا نلاحظ كيف أن الصراع على الورث والخلاف الكبير الذي كان بين الأطراف الثلاثة قد توسع بشكل كبير ولم أسرد هنا تلك التفاصيل بغية الاختصار، لكن ما حدث بأن نائب الملك والراهب ماركوس عملوا على خطة محكمة لسلب المال من الراهب سيبستيان وإجباره فيما بعد الرجوع للبرتغال أو اغتياله، وحينما علم الأخير بهذه المكيدة هرب من الهند بسرعة في سفينة رديئة ليصل إل عمان ومنها إلى هرمز..
لذا نكمل الوثيقة وما حدث لهم بعد ذلك حينما وصلوا إلى ساحل عمان باتجاه جزر كوريا موريا ومصيرة:
” وبذلك بدأت رحلته الصعبة في برشة سيئة التجهيز وفي وقت كانت الرياح ضعيفة، وبعد 29 يوما شاهدوا اليابسة بجهة كوريا موريا حيث قصد الربان مدركة…قبل أن يقصد الربان جزيرة مصيرة بحثا عن عمق مياه أكبر…، تغيرت الأحوال الجوية وهبت عواصف هوجاء في وقت كانت البرشة مفتقرة إلى قبطان وربان خبيرين، فقد تسرب اليأس إلى نفوس الركاب، ولم يأبه القبطان بما قاله الراهب لما عاين إشراف السفينة على الغرق وتابع سيره بعيدا عن الطريق المعتادة، وبالفعل جنحت بعد أقل من ساعة بجوار رأس الحد…، فتقاذفتها الأمواج إلى حد أنها تفككت كلها وألقت بمن كانوا على متنها على الأرض، وتدخلت القدرة الإلهية وأنقذتهم بواسطة أوليائه…”
ونلاحظ كيف أن الرحلة الصعبة انتهى بها الحال في تحطم السفينة في رأس الحد، وقد ذكر الكاتب بأن البحارة أخذوا بالبكاء لكل الذي فقدوه من ممتلكات نتيجة هذه الكارثة التي حلت بهم، لتبدأ رحلة المعاناة مثلما يصفونها في المشي برا متجاوزين صور وهم بقمة رعبهم من رجال القائد العماني قحطان لمحاولة الوصول إلى قلهات!
وتؤكد الوثيقة سطوة القائد قحطان الذي استطاع أن يوحد المقاومة العمانية وأن يشجع البقية العاملين لخدمة البرتغاليين بإعلان العصيان والتمرد من أجل الانضمام تحت رايته.
حيث يقول البرتغالي مدون هذه الأحداث بالوثيقة ومشيرا كذلك بشكل مهم إلى أن صور كانت لحظتها آخر مدينة عمانية ساحلية تتبع مملكة هرمز التي أعلن ولاتها في بعض المدن العمانية الانضمام للقائد العماني قحطان الذي وصفه بالإمبراطور:
” أما نحن فكنا ننتظر وصول مبعوث شيخ صور، ولأن بلشيور سيلفييرو كان قد حمّل زنوجا رسالة إلى شيخ صور وهي آخر قلعة تابعة لمملكة هرمز رغم أن الولاة الخاضعين لتلك المملكة أعلنوا عصيانهم ودخلوا تحت طاعة قحطان إمبراطور بلاد العرب كلها، لكي يلتحق بهم رفقة رجاله ليتسلّم البرشة ومدفعيتها قبل أن يرتفع أعداد البدو، وتشجيعا لأولئك الزنوج على السير بسرعة منحهم خاتمه النفيس، وما إن دقت الساعة الواحدة حتى كان بالشاطئ أحد مساعدي الشيخ الذي حيانا بأدب كبير وعبر لنا عن أسفه لما حدث لنا…، وقد دعا البرتغاليين إلى الانتقال إلى صور للاستراحة في أمان…، ولقد قصدنا صور عبر جبال شديدة الوعورة دون أن يكون معنا أكثر من ثلاث قلال ماء وبرميل بسكويت وقليل من الجبن…،”
واختصارا للأحداث فقد ساعد هؤلاء البرتغاليين أحد الرعاة وطفله الصغير للوصول إلى قلهات بعدما قرروا الخروج من صور مشيا على الأقدام خشية من هجوم المسلمين عليهم – على حد تعبيره- وفعلا بعد عناء وصلوا إلى قلهات ومنها انتقلوا إلى طيوي حتى قدم إليهم الشيخ سالم شيخ مدينة صور الذي كان – حسب تعبيرهم- يدين بالولاء للملك الإسباني، والذي تكفل بحملهم بسفنه إلى مسقط.
وانتقلوا بعدها إلى مطرح ليكملوا رحلتهم نحو هرمز، لكن سفينتهم كادت أن تغرق فنزلوا في قرية عمانية قال عنها هذا البرتغالي وهو يصف رعبهم من قحطان الذي يلاحقهم:
” نزلنا قرية يقطنها مسلمون، فتغذينا فيها تحت ظل شراع قدموا لنا فيه لحم عنزة لم يطبخ جيدا، وكنا نتوقع أن يقتلونا بعد كل لقمة، لكن الله يرعى باستمرار رجاله المؤمنين، فقد نصحنا مسلم جاء إلى ذلك المكان بحثا عن السمك أن نبحر فورا قبل وصول رجال الإمام قحطان…، لذا سارعنا على الإبحار …وهبت علينا رياح عاتية تسببت في ارتفاع مستوى الأمواج بشكل جعلنا نيأس من النجاة…، وفي الوقت الذي يأسنا فيه جميعا من النجاة، تسنى لنا الرسو بمكان يسمى السويق بعد أن فضلنا أن نصبح أسرى على أن يأكلنا الحوت”..
في هذه الأثناء رغب هؤلاء البرتغاليون الانتقال سريعا من السويق باتجاه صحار التي أعلنت عصيانها على هرمز والاحتلال البرتغالي الإسباني والانضمام للقائد العماني قحطان فقال:
” في يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني من عيد الفصح أمرنا بجلب جمال لنقلنا إلى صحار وهي قلعة تابعة لملك هرمز وأصبحت منذ 12 سنة تابعة لقحطان عدونا وعدو دولة هرمز، ولقد امتنع أنصاره عن قتل البرتغاليين فيها خوفا من أن يعود ملك هرمز لاحتلالها”..
وإكمالا للأحداث فقد انتقل الراهب سيبستيان وأتباعه بعد ذلك إلى هرمز وأخذوا ميراث نور الدين ليعودوا بعدها إلى البرتغال.
وما يهمنا نحن من كل هذا هو الإشارات التي بلا شك تشير إلى قوة الإمام العماني قحطان ومقاومته للاستعمار البرتغالي الإسباني في فترة كانت صعبة جدا من تاريخ عمان، والأغرب من هذا كله بأننا لا نجد حتى الآن أي مصدر تاريخي عماني يذكره ويذكر جهوده في المقاومة إلا هذه الوثيقة البرتغالية عام 1592م، فمن يا ترى هو الإمام قحطان؟!
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: البرتغالی الإسبانی نور الدین إلى هرمز
إقرأ أيضاً:
منظر مرعب.. شاهدة عيان تروي تفاصيل مؤلمة في دهس ابن شيف شهير لعامل دليفري
روت شاهدة عيان تفاصيل صادمة في حادث دهس ابن شيف شهير لعامل دليفري ونشرت عبر صفحتها الشخصية منشورا.
تضمن المنشور: "حادث رهيب في الشيخ زايد المتسبب فيه ابن شيف شهير.. الجثة شكلها مرعب علي الأسفلت دليفري مسكين اسمه عبد الرحمن فراج محفوظ من بني سويف ومحدش من أهله موجود والمتهم ساب عربيته ومشي.
وذكر آخرون أن ابن الشيف كان يقود السيارة بسرعة جنونية "كان طاير بالعربية" ما أدى لتحطيم الدراجة التي يستقلها المجني عليه وإصابته بإصابات مرعبة.
وشهدت مدينة الشيخ زايد حادث مروع راح ضحيته عامل دليفري بعدما دهسته سيارة رانج روفر يقودها ابن شيف شهير.
كان طاير بالعربية.. شهود عيان يروون تفاصيل دهس ابن شيف شهير لعامل دليفري| صور مصرع عامل دليفري تحت عجلات سيارة ابن شيف شهير بالشيخ زايد.. صور
تلقت غرفة النجدة بلاغا بوقوع حادث دهس بالشيخ زايد وسقوط ضحية، انتقلت على الفور قوات الامن وتبين من الفحص ان سيارة ماركة رانج روفر اطاحت بعامل دليفري "طيار" يستقل دراجة نارية ما اسفر عن تهشم الدراجة واصابة العامل باصابات خطرة ثم تم نقله الى المستشفى ليفارق الحياة متاثرا باصابته.
تحفظت قوات الأمن على السيارة وقائدها ومازال الفحص جاريا، وتبين أن المجني عليه عامل دليفري في تطبيق توصيل شهير.