قحطان العماني مرعب الاستعمار البرتغالي
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
أثير- نصر البوسعيدي
في ظل ذلك البلاء الذي عانى منه العمانيون في ظل الاستعمار البرتغالي الإسباني لأغلب مدن الساحل العماني لأكثر من قرن ونصف، لم تكن هناك حكومة عمانية مركزية تستطيع جمع وتوحيد المقاومة العمانية ضد هذا الاحتلال الذي خنق عمان كثيرا نتيجة سيطرتهم على التجارة البحرية وواردات الموانئ العمانية وصادراتها.
كان حصارهم خانقًا للغاية، وقضوا على كل محاولات المقاومة المتفرقة بكل وحشية؛ حتى لا تتكرر رغم عدم الخنوع والاستسلام للمحاولات الفردية لمقاومتهم التي باءت بالفشل نتيجة الضعف وبدائية الأسلحة أمام سطوة المدافع البرتغالية!
لقد حالفني الحظ بتتبع هذا الاستعمار وملامحه من خلال الوثائق البرتغالية في بحر عمان لأصدم كثيرًا بأن المقاومة العمانية المنظمة تحت قيادة واحدة لم تتأنَ منذ عام 1507م، حتى عام 1592م، وحينما أشير للتاريخ الأخير فأنا هنا أتحدث عن وثيقة مهمة تذكر شخصية عمانية قيادية باسم الإمام قحطان، أو إمبراطور بلاد العرب مثلما تشير له الوثيقة البرتغالية.
وترجع أهمية هذه الوثيقة إلى أنها الوحيدة التي ذكرت فيها مقاومة عمانية منظمة بقيادة الإمام قحطان، وأما المثير للدهشة بأن شخصية قحطان للأسف ورغم البحث الشديد لم نجد له أي سيرة في كتب التاريخ العماني التي عاصرت تلك الفترة وهو استغراب بالطبع يضاف إلى الغرابة الشديدة في عدم وجود أي مصدر عُماني قديم معاصر للاستعمار كتب عن ويلاته وعن المقاومة!
وأعتقد من وجهة نظري بأن هناك توجها دينيا مقرونا بفتوى عدم الكتابة عن هذا الاستعمار وطمسه كليا مثلما فعل الكثير من المؤرخين العمانيين القدامى بطمس معالم وهوية دولة النباهنة للخلاف الفكري السياسي اتجاه حكمهم.
هذا التفسير الشخصي الذي أجده كالأقرب للمنطق ليس إلا محاولة للهرب من مأزق السؤال الأكبر لنا كباحثين في تاريخ عمان:
لماذا لم يؤرخ أهل عمان المعاصرين للاستعمار كل تلك الأحداث طوال 147 سنة؟!
لقد فقدنا بذلك جهود قادة ودماء شهداء حاولوا جاهدين مقاومة هذا الاحتلال البرتغالي الإسباني الأشبه اليوم بالاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين!
وعطفا على كل ما سبق فهذه الوثيقة البرتغالية التي تم إرسالها للملك وتخبره عن معاناة الراهب سبستيان الذي قدم من لشبونة متجها إلى الهند لبناء عدة كنائس وليأخذ ورث أحد أبناء وزراء هرمز واسمه نور الدين الذي كتب جميع أملاكه لصالح كنيسة دير نوسا بلشبونة بعد وفاته.
الراهب سيبستيان كان على صراع مع الراهب الذي يرأس الكنيسة البرتغالية بالهند واسمه ماركوس بدعم من نائب الملك هناك من أجل سرقة ورث ابن الوزير الهرمزي، لكن الراهب سيبستيان بعد أن وجد في الهند هذه المؤامرة هرب متجها لعمان ومنها إلى هرمز ليأخذ الورث قبلهم جميعا ويعود إلى البرتغال!
وأثناء هروبه من الهند برفقة أتباعه تحطمت سفينته بالقرب من مصيرة ليضطر الذهاب مشيا مع أصحابه على الأقدام إلى رأس الحد ثم صور وبعدها قلهات ومنها إلى مسقط والسويق وصحار وبعدها إلى هرمز!
وقد دوّن أحد أتباعه هذا الهروب بكل التفاصيل المدهشة التي ذكر من خلالها رعبهم وخوفهم من أن يُلقى القبض عليهم أو يقتلون من قبل الإمام قحطان وجنوده!
الوثيقة طويلة للغاية لكنني سأحاول جاهدا اختصارها بتصرف حيث وثقت لنا إشارات مهمة للقائد العماني قحطان.
يقول كاتب الوثيقة وهو أحد أفراد هذه الرحلة:
“أبحر الأب سيبستيان فور بداية الرياح الموسمية برفقة 3 رهبان يوم الثالث من إبريل 1591م، في البرشة (السفينة) المسماة سانتا كروس، وبعد رحلة دامت 5 أشهر و13 يوما وصل إلى مرسى وا (الهند)، ولما رست البرشة سانتا كروس شرع السكان في الاحتفال بالأخبار السارة التي وصلتهم عن البرتغال…، ولما وصل الراهب سيبستيان ميناء وا علم بموت الدون ألفونسو نور الدين ابن الرئيس نور الدين وزير هرمز، وأنه أوصى بتركته كلها لدير نوسا سنيور ادا راسا بلشبونة، ولأن الإرث المذكور مهما، حاول نائب الملك الاستحواذ على تلك التركة وشاركه في المؤامرة الأب الراهب ماركوس…،”
هنا نلاحظ كيف أن الصراع على الورث والخلاف الكبير الذي كان بين الأطراف الثلاثة قد توسع بشكل كبير ولم أسرد هنا تلك التفاصيل بغية الاختصار، لكن ما حدث بأن نائب الملك والراهب ماركوس عملوا على خطة محكمة لسلب المال من الراهب سيبستيان وإجباره فيما بعد الرجوع للبرتغال أو اغتياله، وحينما علم الأخير بهذه المكيدة هرب من الهند بسرعة في سفينة رديئة ليصل إل عمان ومنها إلى هرمز..
لذا نكمل الوثيقة وما حدث لهم بعد ذلك حينما وصلوا إلى ساحل عمان باتجاه جزر كوريا موريا ومصيرة:
” وبذلك بدأت رحلته الصعبة في برشة سيئة التجهيز وفي وقت كانت الرياح ضعيفة، وبعد 29 يوما شاهدوا اليابسة بجهة كوريا موريا حيث قصد الربان مدركة…قبل أن يقصد الربان جزيرة مصيرة بحثا عن عمق مياه أكبر…، تغيرت الأحوال الجوية وهبت عواصف هوجاء في وقت كانت البرشة مفتقرة إلى قبطان وربان خبيرين، فقد تسرب اليأس إلى نفوس الركاب، ولم يأبه القبطان بما قاله الراهب لما عاين إشراف السفينة على الغرق وتابع سيره بعيدا عن الطريق المعتادة، وبالفعل جنحت بعد أقل من ساعة بجوار رأس الحد…، فتقاذفتها الأمواج إلى حد أنها تفككت كلها وألقت بمن كانوا على متنها على الأرض، وتدخلت القدرة الإلهية وأنقذتهم بواسطة أوليائه…”
ونلاحظ كيف أن الرحلة الصعبة انتهى بها الحال في تحطم السفينة في رأس الحد، وقد ذكر الكاتب بأن البحارة أخذوا بالبكاء لكل الذي فقدوه من ممتلكات نتيجة هذه الكارثة التي حلت بهم، لتبدأ رحلة المعاناة مثلما يصفونها في المشي برا متجاوزين صور وهم بقمة رعبهم من رجال القائد العماني قحطان لمحاولة الوصول إلى قلهات!
وتؤكد الوثيقة سطوة القائد قحطان الذي استطاع أن يوحد المقاومة العمانية وأن يشجع البقية العاملين لخدمة البرتغاليين بإعلان العصيان والتمرد من أجل الانضمام تحت رايته.
حيث يقول البرتغالي مدون هذه الأحداث بالوثيقة ومشيرا كذلك بشكل مهم إلى أن صور كانت لحظتها آخر مدينة عمانية ساحلية تتبع مملكة هرمز التي أعلن ولاتها في بعض المدن العمانية الانضمام للقائد العماني قحطان الذي وصفه بالإمبراطور:
” أما نحن فكنا ننتظر وصول مبعوث شيخ صور، ولأن بلشيور سيلفييرو كان قد حمّل زنوجا رسالة إلى شيخ صور وهي آخر قلعة تابعة لمملكة هرمز رغم أن الولاة الخاضعين لتلك المملكة أعلنوا عصيانهم ودخلوا تحت طاعة قحطان إمبراطور بلاد العرب كلها، لكي يلتحق بهم رفقة رجاله ليتسلّم البرشة ومدفعيتها قبل أن يرتفع أعداد البدو، وتشجيعا لأولئك الزنوج على السير بسرعة منحهم خاتمه النفيس، وما إن دقت الساعة الواحدة حتى كان بالشاطئ أحد مساعدي الشيخ الذي حيانا بأدب كبير وعبر لنا عن أسفه لما حدث لنا…، وقد دعا البرتغاليين إلى الانتقال إلى صور للاستراحة في أمان…، ولقد قصدنا صور عبر جبال شديدة الوعورة دون أن يكون معنا أكثر من ثلاث قلال ماء وبرميل بسكويت وقليل من الجبن…،”
واختصارا للأحداث فقد ساعد هؤلاء البرتغاليين أحد الرعاة وطفله الصغير للوصول إلى قلهات بعدما قرروا الخروج من صور مشيا على الأقدام خشية من هجوم المسلمين عليهم – على حد تعبيره- وفعلا بعد عناء وصلوا إلى قلهات ومنها انتقلوا إلى طيوي حتى قدم إليهم الشيخ سالم شيخ مدينة صور الذي كان – حسب تعبيرهم- يدين بالولاء للملك الإسباني، والذي تكفل بحملهم بسفنه إلى مسقط.
وانتقلوا بعدها إلى مطرح ليكملوا رحلتهم نحو هرمز، لكن سفينتهم كادت أن تغرق فنزلوا في قرية عمانية قال عنها هذا البرتغالي وهو يصف رعبهم من قحطان الذي يلاحقهم:
” نزلنا قرية يقطنها مسلمون، فتغذينا فيها تحت ظل شراع قدموا لنا فيه لحم عنزة لم يطبخ جيدا، وكنا نتوقع أن يقتلونا بعد كل لقمة، لكن الله يرعى باستمرار رجاله المؤمنين، فقد نصحنا مسلم جاء إلى ذلك المكان بحثا عن السمك أن نبحر فورا قبل وصول رجال الإمام قحطان…، لذا سارعنا على الإبحار …وهبت علينا رياح عاتية تسببت في ارتفاع مستوى الأمواج بشكل جعلنا نيأس من النجاة…، وفي الوقت الذي يأسنا فيه جميعا من النجاة، تسنى لنا الرسو بمكان يسمى السويق بعد أن فضلنا أن نصبح أسرى على أن يأكلنا الحوت”..
في هذه الأثناء رغب هؤلاء البرتغاليون الانتقال سريعا من السويق باتجاه صحار التي أعلنت عصيانها على هرمز والاحتلال البرتغالي الإسباني والانضمام للقائد العماني قحطان فقال:
” في يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني من عيد الفصح أمرنا بجلب جمال لنقلنا إلى صحار وهي قلعة تابعة لملك هرمز وأصبحت منذ 12 سنة تابعة لقحطان عدونا وعدو دولة هرمز، ولقد امتنع أنصاره عن قتل البرتغاليين فيها خوفا من أن يعود ملك هرمز لاحتلالها”..
وإكمالا للأحداث فقد انتقل الراهب سيبستيان وأتباعه بعد ذلك إلى هرمز وأخذوا ميراث نور الدين ليعودوا بعدها إلى البرتغال.
وما يهمنا نحن من كل هذا هو الإشارات التي بلا شك تشير إلى قوة الإمام العماني قحطان ومقاومته للاستعمار البرتغالي الإسباني في فترة كانت صعبة جدا من تاريخ عمان، والأغرب من هذا كله بأننا لا نجد حتى الآن أي مصدر تاريخي عماني يذكره ويذكر جهوده في المقاومة إلا هذه الوثيقة البرتغالية عام 1592م، فمن يا ترى هو الإمام قحطان؟!
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: البرتغالی الإسبانی نور الدین إلى هرمز
إقرأ أيضاً:
برنامج الجينوم العماني رؤية طموحة لتطوير الرعاية الصحية وتحسين السياسات
-د.خالد الرصادي: البيانات الجينومية .. أمن قومي يستوجب وضع سياسات ولوائح ومعايير أخلاقية
-د.المنذر المعولي: استخدام تقنيات تسلسل الحمض النووي عالية الإنتاجية وأدوات الحوسبة المتقدمة
-د.مسلم العريمي: إنشاء قاعدة بيانات وراثية موسعة قفزة نوعية في البحوث والتخطيط المستقبلي
- تعزيز الاكتفاء الذاتي للكوادر المحلية في مجال الجينوم والمعلوماتية الحيوية
-تعزيز مكانة سلطنة عمان كمركز علمي في أبحاث الجينوم
أكد أطباء ومختصون على أهمية إنشاء البرنامج الوطني للجينوم والبيانات البشرية "الجينوم العماني" الذي أقره مجلس الوزراء في اجتماعه مؤخرا، وأشاروا إلى أن هذا البرنامج يمثل خطوة استراتيجية نحو تحسين الرعاية الصحية وفتح آفاق جديدة في مجال الطب الشخصي والعلاج الجيني مما يعزز من قدرة النظام الصحي في سلطنة عمان حيث يهدف إلى إنشاء قاعدة وطنية مرجعية للبيانات والمعلومات الجينومية بالمجتمع العماني.
كما أكدوا على الدور الحيوي للبرنامج في تطوير اكتشاف العلاجات والصناعات الجينية للأمراض، وشددوا على أهمية وضع سياسات ولوائح لتأمين البيانات بالإضافة إلى تطوير معايير أخلاقية تضمن حماية خصوصية وحقوق الفرد والمجتمع..
وتحدث الأستاذ الدكتور خالد بن حميد الرصادي، مدير مركز البحوث الطبية بجامعة السلطان قابوس عن برنامج الجينوم العماني، موضحا أن البرنامج الوطني يركز على دراسة تركيب الخريطة الجينومية الكاملة لدى المجتمع العماني ودراسة التنوع والتغير الوراثي أو الجيني للسكان والذي قد يرتبط ببعض الظروف الصحية في سلطنة عمان.
وأشار إلى أن الهدف الرئيسي للبرنامج هو إنشاء قاعدة وطنية مرجعية للبيانات الجينومية للمجتمع العماني مما يعزز مكانة سلطنة عمان كمركز علمي في أبحاث الجينوم ويدعم الاكتفاء الذاتي الوطني للكوادر المحلية في مجال الجينوم والمعلوماتية الحيوية. كما يسعى إلى تحفيز الاقتصادي المعرفي في مجالات التكنولوجيا الحيوية والجينوم، وتطوير اكتشافات العلاجات والصناعات الجينية.
وتطرق الرصادي إلى العوامل التي تجعل من البرنامج أمرًا ضروريًا في الوقت الحالي، حيث أكد أن العينات البيولوجية الجينية والبيانات الجينومية تمثل محتوى أمن قومي يتطلب وضع سياسات لتأمين البيانات ولوائح ومعايير أخلاقية لجمع البيانات وتحليلها واستخدامها بما يضمن خصوصية وحقوق الفرد والمجتمع.
وفيما يتعلق بتحسين الرعاية الصحية وتطوير علاجات جديدة للأمراض الوراثية، أوضح الدكتور أن البرنامج سيعزز الاتجاهات المستقبلية للطب والرعاية الصحية في سلطنة عمان من خلال تطوير برامج الفحوصات والمسوحات الجينية للسكان مثل الفحوصات الجينومية قبل الزواج وحديثي الولادة للأمراض الوراثية النادرة، والتركيز كذلك على الأمراض الشائعة، مثل أمراض القلب والشرايين والأورام، ومرض السكري وعوامل نمط الحياة مما سيسهم في التقصي والاكتشاف المبكر وتجنب الأمراض الوراثية في المستقبل بإذن الله، وكذلك تطوير العلاج الحديث القائم على الطب الشخصي والدقيق مثل العلاج بالتدخلات الجينية والذي سيسهم في توجيه التخطيط الصحي وتحسين الرعاية الصحية الوقائية وتخفيض تكاليف الرعاية الصحية للأمراض الوراثية.
تحديات أخلاقية
وأشار إلى التحديات الأخلاقية المرتبطة بجمع البيانات الجينومية وضرورة ضمان حماية خصوصية الأفراد، فقال: التحديات موجودة وربما لا تقتصر على البيانات الجينومية، بل على كل البيانات الصحية والحيوية بشكل عام ولكن تتميز البيانات الجينومية بحساسيتها وخصوصيتها ولذلك من الأهداف الاستراتيجية لبرنامج الجينوم العماني تطوير تشريعات وسياسات بالاستناد للمعايير الأخلاقية البيولوجية المحلية والدولية لتنظم جمع وحفظ وتحليل واستخدام البيانات الجينومية وكذلك الاستفادة من البيانات الصحية الأخرى المكملة وذلك لحفظ سرية، وخصوصية، وحقوق الفرد، والمجتمع. وهذا يتطلب مشاركة المجتمع لدور برنامج الجينوم العماني في الرعاية الصحية والطب الوقائي والدقيق وضمان وحفظ حقوق الأفراد المشاركين والالتزام بحمايتهم وحماية بياناتهم الجينومية، كما يصل إلى وعي ملم بأهم التبعات الصحية والاجتماعية والأخلاقية والمالية والقانونية المحتملة مع هذه المشاركة.
وأضاف: إن البرنامج يعزز مجال البحث العلمي والدراسات حيث سيسهم في تطوير قاعدة البيانات الجينومية العمانية المرجعية المساهمة في إثراء مجال البحث والابتكار لدى الباحثين والأكاديميين في سلطنة عمان لتطوير فحوصات وعلاجات مبتكرة وتمكين الأبحاث التجريبية والتجارب السريرية في مجال الطب الدقيق، مثل أمراض القلب والشرايين ومرض السكري والأورام، والأمراض الوراثية النادرة.
تطوير سياسات صحية
وفي السياق ذاته أكد الدكتور المنذر بن عبدالله المعولي استشاري أول الطب الوراثي رئيس قسم علم الوراثة بمستشفى جامعة السلطان قابوس في المدينة الطبية الجامعية أن إنشاء برنامج وطني للجينوم يعد خطوة حيوية لفهم أعمق للتغيرات الوراثية وعلاقتها بالأمراض على مستوى سكان في سلطنة عمان، وهذا البرنامج سيمكن تطوير سياسات صحية فعالة تستند على الأدلة العلمية.
وأشار إلى أن هذه البرامج قد تكشف عن الروابط بين الجينات والعوامل البيئية التي تسهم في ظهور الأمراض مما يعزز الرعاية الطبية والصحة العامة خاصة تشخيص الأمراض الوراثية النادرة، وأوضح أن البيانات السكانية الجينومية تساعد على التشخيص السريع وتطوير برامج صحية للوقاية من هذه الأمراض.
ولفت الدكتور إلى أهمية البرنامج في تحسين جودة الحياة حيث قال: إن البيانات الجينية تسهم في تحسين جودة الحياة من خلال تمكين الطب الشخصي في المستقبل، حيث يتم تخصيص العلاجات وتكييفها مع التركيب الجيني لكل فرد، مما يزيد من فعالية العلاجات ويقلل من الآثار الجانبية. كما تتيح الكشف المبكر والوقاية من الأمراض الوراثية النادرة من خلال برامج صحية عامة.
كما أشار استشاري أول الطب الوراثي إلى أن برامج الجينوم الوطنية تعزز البحث العلمي من خلال توفير بيانات جينية واسعة النطاق تسمح بتحليل الجينات والتنوع الجيني، مما يدفع بالابتكارات في مجال علم الوراثة خاصة وبشكل عام في جميع المجالات الطبية حيث إن هذه البحوث تعطي فهمًا جديدًا للأمراض مما يسهم في تطوير استراتيجيات صحية جديدة.
علاجات دوائية
وحول المجالات التي يمكن أن تستفيد من البيانات الجينية، أوضح الدكتور أن علم الأدوية وعلم الأورام وزراعة الأعضاء من بين المجالات التي ستستفيد بشكل كبير، وفي مجال علم الوراثة والأمراض النادرة سوف تكون الاستفادة من هذا المشروع الوطني مباشرة وسوف تكون من أوائل الأهداف.
وتابع: البرنامج يساعد في فهم المتغيرات الجينية للسكان مما يمكن العلماء من تحديد العوامل المرتبطة بمخاطر الأمراض الوراثية بالإضافة إلى الأمراض الأكثر شيوعا كأمراض القلب والسكري وغيرها. والوقاية من الأمراض الوراثية من خلال تحليل البيانات الجينومية السكانية الذي يقود إلى تطوير استراتيجيات وقائية وتدابير مبكرة تهدف إلى خفض حدوث هذه الأمراض أو تخفيف شدتها.
والفهم الدقيق لهذه التغيرات يمكن أن يساعد في تطوير برامج فحص وتدخلات وقائية تتناسب مع الخصائص الجينية للسكان في سلطنة عمان، مما يعزز الصحة العامة ويقلل من عبء الأمراض.
معلومات وراثية
أما عن سرية البيانات فقد أكد المعولي على أهمية حماية المعلومات الجينية فقال: إن قاعدة المعلومات الوراثية جدا مهمة وسوف يولي هذا المشروع الوطني أهمية قصوى لهذا المجال حيث إن حفظ سرية البيانات الجينومية يتم عبر عدة استراتيجيات وأدوات تكنولوجية متطورة لضمان الخصوصية والأمان. هناك عدة طرق رئيسية مثل استخدام التشفير لحماية البيانات الجينومية أثناء النقل والتخزين. كما يتم تقييد الوصول إلى البيانات الجينومية عبر استخدام أنظمة تحكم دقيقة تضمن أن فقط الأشخاص المصرح لهم يمكنهم الوصول إلى البيانات. وسوف يتم تخزين البيانات الجينومية بطريقة تفصل بين البيانات الشخصية المعرفة والبيانات الجينية وذلك لتقليل احتمال الربط بين البيانات الجينية والهوية الشخصية.
وتحدث الدكتور المنذر عن الأدوات والتقنيات المستخدمة في جمع وتحليل البيانات الجينية، فقال: تشمل الأدوات والتقنيات المستخدمة في جمع وتحليل البيانات الجينية تقنيات تسلسل الحمض النووي عالية الإنتاجية وأدوات تقنيات الحوسبة المتقدمة. التي تعتبر ضرورية لتحليل هذه البيانات الكبيرة وتستخدم الحوسبة وتقنيات التعلم الآلي بشكل متزايد لإدارة وتحليل البيانات الجينية بكفاءة.
الفحص الجينومي
وأوضح رئيس قسم علم الوراثة أن خطوات أخذ عينة لفحص الجينوم، تشمل عدة خطوات أساسية تتيح الحصول على الحمض الريبوزي (المادة الوراثية) بجودة عالية وكمية كافية للتحليل الجينومي. العملية تشمل عدة أنواع من العينات، وأكثرها شيوعًا هي أخذ عينة من الدم ويتم فحص الدم بالطريقة المعتادة. يمكن أيضا أخذ عينات من الأنسجة في حالة الدراسات الطبية البحثية المختلفة. أيضا وبشكل قليل يمكن استخدام مسحة الفم ويستخدم قطن أو فرشاة خاصة لجمع خلايا من الجزء الداخلي للخد. هذه الطريقة سهلة ولكن لا تنتج كمية كافية من المادة الوراثية.
وعند أخذ عينة للفحص سوف يتم الحصول على موافقة من المشاركين وسوف يتم شرح كيفية جمع بياناتهم، استخدامها، ومشاركتها، وكذلك حقوقهم في حماية هذه البيانات.
وختم المعولي بالتأكيد على أن برامج الجينوم الوطنية ستؤثر بشكل إيجابي على السياسات الصحية من خلال توفير رؤى قائمة على الأدلة العلمية التي يمكن أن توجه القرارات. هذا يشمل تطوير برامج الفحص ومبادرات الطب الوقائي واستراتيجيات الصحة العامة، مما يدعم إطارات السياسة التي تعطي الأولوية لصحة المجتمع ويمكن أن تؤدي إلى تحسين نتائج الصحة على مستوى السكان.
رؤية طموحة
ومن جانبه، أعرب الدكتور مسلم بن سعيد العريمي، استشاري الطب الوراثي بالمركز الوطني للصحة الوراثية في المستشفى السلطاني، عن خالص الشكر لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله - على توجيهاته لإنشاء البرنامج الوطني للجينوم والبيانات البشرية، الذي يمثل رؤية طموحة لتحقيق تطور علمي وصحي يليق بمكانة سلطنة عمان وتعزيز جودة الحياة. كما أعرب عن تقديره لوزير الصحة على دعمه المستمر لتطوير القطاع الصحي بما يضمن أن يظل القطاع نموذجا للتميز والإبداع في خدمة الوطن والمواطن.
تحسين جودة الحياة
وقال العريمي: تشهد الصحة الوراثية اهتمامًا عالميًا متزايدًا نظرا لقدرتها على تحسين جودة الحياة والوقاية من الأمراض الوراثية. ويمثل البرنامج الوطني للجينوم والبيانات البشرية، المعروف باسم "الجينوم العماني"، مبادرة استراتيجية مهمة في سلطنة عمان تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات وراثية موسعة وشاملة تحوي بيانات جينية مفصلة، مما يمثّل قفزة نوعية في مجال البحوث الصحية الوراثية والتخطيط المستقبلي.
وأضاف: يركز البرنامج الوطني للجينوم العماني على مجموعة من الأهداف الحيوية، أهمها إنشاء قاعدة بيانات جينية شاملة حيث يعتبر البرنامج الطموح حجر أساس لتطوير منظومة صحية مستدامة وأكثر كفاءة.
ويتطلع البرنامج إلى تعزيز البحوث الصحية حيث يوفر البرنامج الفرصة للعلماء والباحثين لإجراء دراسات معمقة حول الأمراض الوراثية وتحديد الطفرات الجينية. وتحسين الصحة العامة كأداة قوية لدعم الخطط الوقائية والعلاجية من خلال الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية والعمل على الحد من انتشارها. ودعم الطب الشخصي بتمكين استخدام البيانات الجينية لتطوير خطط علاجية تعتمد على الخصائص الجينية لكل فرد.
تقنيات طبية فعّالة
وحول الفوائد المتوقعة أشار استشاري الطب الوراثي إلى أن البرنامج يمثل خطوة استراتيجية لتحقيق العديد من الفوائد على المستويات العلمية والصحية والاقتصادية تتمثل في الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية بإتاحة البيانات الجينية في تحديد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأمراض وراثية مما يساعد على تقديم الرعاية الصحية الوقائية لهم.
كما أنه سيدعم البحث العلمي والتطوير بمساعدة الباحثين على تعزيز فهم التركيبة الجينية للمجتمع العماني، مما يمكّن من تطوير أدوية وتقنيات طبية فعّالة. وسيعمل على تحسين جودة الخدمات الصحية من خلال استهداف الأسباب الجينية للأمراض وتحسين طرق العلاج والوقاية، ما يسهم في تقليل العبء الصحي والاقتصادي على الدولة. بالإضافة إلى ذلك سيوفّر البرنامج قاعدة بيانات للسياسات الصحية تساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة في التخطيط المستقبلي.
واختتم الدكتور قائلا: يعد البرنامج الوطني للجينوم والبيانات البشرية مبادرة رائدة تعكس رؤية سلطنة عمان نحو تعزيز البحث العلمي والابتكار في مجال الصحة الوراثية. من خلال هذا البرنامج، يمكن تحقيق تحسينات كبيرة في جودة الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض، مما يعزز مكانة السلطنة كمركز إقليمي بارز في هذا المجال. كما يسهم البرنامج في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الصحة الوراثية ودورها في تحسين جودة الحياة وبناء الكوادر الوطنية المتخصصة في علم الجينوم من خلال التدريب والبحث العلمي.