مبادرة التحالف العالمي للوقود الحيوي ما بين الجدوى والتحديات
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
أعلنت الهند قبل أيام ضمن اجتماع قمة مجموعة العشرين في نيودلهي إطلاق تحالف عالمي للوقود الحيوي لتعزيز استخدام الوقود النظيف، ويضم التحالف إلى جانب الهند الولايات المتحدة والبرازيل كمؤسسين. وينتظر من هذا التحالف العالمي أن يساعد في تسريع الجهود لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات للصفر من خلال تسهيل التجارة في الوقود الحيوي.
والوقود الحيوي نوع من الوقود مستخرج من مصادر عضوية، مثل النباتات والأعشاب والقش والنفايات العضوية الأخرى، ويمكن استخدامه بديلا للوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم).
ويعد الوقود الحيوي جزءا من منظومة الطاقة النظيفة والمستدامة. حيث يتم معالجة الكتلة الحيوية العضوية لإنتاج أنواع متعددة من الوقود بأشكال صلبة وسائلة وغازية، وأهمها الديزل الحيوي والبنزين الحيوي اللذان يستعملان لتشغيل محركات السيارات والحافلات وتوليد الكهرباء.
ومن أهم المحاصيل الزراعية المنتجة للوقود الحيوي السائل، تلك المحاصيل المحتوية على سكريات أو نشويات كالذرة والقمح وقصب السكر، كما تستخدم بعض المحاصيل الأخرى التي تحتوي على زيوت، كفول الصويا وتبّاع الشمس وغيرها.
الديزل الحيوي والبنزين الحيوييصنع الديزل الحيوي من بعض الزيوت النباتية مثل زيت بذور اللفت وزيت النخيل والخردل وحب الصويا الذي يستخدم على نطاق واسع كمصدر رئيسي للإنتاج نظرا لسرعة نمو هذا النبات، وتتلخص أهمية الديزل الحيوي في أنه يمكن استعماله بديلا مباشرا للديزل التقليدي بدون أي إضافات.
بينما الإيثانول الحيوي أو البنزين الحيوي يصنع من عدة مواد عضوية مثل الذرة والقمح وقصب السكر والأعشاب البحرية والسليلوز المكوّن الرئيس لكثير من الأجزاء النباتية والذي يتم الحصول عليه من المخلفات الزراعية ومن بقايا تصنيع الورق، ولكن أفضل مصدر لصناعة الإيثانول هو قصب السكر؛ نظرا لاحتوائه على السكريات التي يتم تخميرها لتتحول إلى كحول.
ولكن لا يعد البنزين الحيوي بديلا مباشرا للبنزين العادي ومن النادر استخدامه وحده كوقود، إذ يستلزم إدخال تعديلات جوهرية على محركات البنزين، أو مزجه بالبنزين التقليدي للاستخدام في المحركات بنسب محددة ويتم تمييزه بالحرف "E" متبوعا برقم يشير إلى نسبة البنزين الحيوي إلى البنزين التقليدي في العبوة.
أجيال صناعة الوقود الحيويشهدت صناعة الوقود الحيوي تطورات تقنية خلال العقود الماضية وتنوعت مصادر إنتاجه لتشكل 4 أجيال:
الجيل الأول: تم فيه استخدام بذور وحبوب النباتات لإنتاج الوقود الحيوي كالذرة والقمح وفول الصويا وقصب السكر واللفت والشعير وغيرها. وقد قوبل استخدام المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود باحتجاجات عالمية واعتراضات واسعة، نظرا لأن إنتاجه يكون على حساب سلة الغذاء العالمية، وتسببه في تحويل كثير من الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الغذاء إلى محاصيل وقود حيوي، ما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار الحبوب والزيوت النباتية في تلك الدول. الجيل الثاني: تم فيه استخدام المخلفات النباتية كسيقان القمح والذرة ونشارة الخشب والتبن وغيرها، ورغم أن استخدام المخلفات الزراعية لإنتاج الوقود أفضل من استخدام المحاصيل الزراعية الغذائية، فإنها تحرم الماشية من العلف، والتربة الزراعية من المخلفات النباتية التي تعمل كسماد عضوي يخصبها. الجيل الثالث: يتم فيه استخدام الطحالب لإنتاج الوقود الحيوي، وقد تزايد الاهتمام العالمي بالوقود الحيوي من الجيل الثالث المنتج من الطحالب لأنها لا تنافس الزيوت النباتية والمحاصيل الزراعية المخصصة للاستهلاك البشري. بالإضافة إلى أن زراعة الطحالب لن تكون على حساب الأراضي الزراعية، كما أنها لا تؤثر على مصادر المياه العذبة؛ حيث يتم زراعتها باستخدام مياه البحار أو المياه المعالجة. الجيل الرابع: أحدث اتجاه عالمي لإنتاج الوقود الحيوي، ويعتمد على إجراء تغيير في جينات أحد أنواع البكتيريا بحيث تصبح قادرة على إنتاج الوقود من غاز ثاني أكسيد الكربون. الفوائد الاقتصادية للوقود الحيوييعد الوقود الحيوي من المصادر البديلة للنفط ومشتقاته وبالتالي فإنه فاعل في تقليل الانبعاثات الغازية الدفيئة، كما أن زراعة المحاصيل لإنتاج الوقود الحيوي يزيد من دخل المزارعين، ومن خلال إنتاج رشيد ومتوازن يمكن أن يسهم في تحقيق الأمن الغذائي. فضلا عن فرص العمل التي تخلقها صناعة الوقود الحيوي في مجالات البحث والتطوير والهندسة والزراعة.
إلا أن وضع الصناعة الحالي يشكل مساهمة محدودة في سد احتياجات العالم من الطاقة، حيث إنه على سبيل المثال في عام 2021 كان الإنتاج العالمي للنفط 90.3 مليون برميل يوميا بينما كان الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي بأنواعه 2.23 مليون برميل نفط مكافئ في اليوم أي ما نسبته 2.43% فقط.
وتتصدر الولايات المتحدة الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي، تليها البرازيل ثم إندونيسيا، بينما تحتل الهند صاحبة مبادرة التحالف من أجل الوقود الحيوي المرتبة السابعة ضمن أكبر المنتجين للوقود الحيوي عالميا.
وحاليا هناك نحو 80 دولة لديها تشريعات لمزج الوقود الحيوي السائل مع الوقود التقليدي، حيث إن الانخفاض في أسعار النفط في عام 2020 وتغير أولويات الحكومات بسبب جائحة كورونا، أديا إلى زيادة الاهتمام بالوقود الحيوي، رغم زيادة أسعاره للضعف منذ عام 2020، والذي حدث نتيجة لارتفاع تكلفة المواد الخام وتكاليف الطاقة نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا واضطرابات أخرى في إنتاج المحاصيل العالمية.
وخلال النصف الأول من عام 2022، بلغ سعر الوقود الحيوي من الجيل الأول والثاني (ما يشكل 90% من اجمالي ما ينتج من الوقود الحيوي) متوسط 270 دولارا للبرميل من النفط المكافئ، وكان هذا السعر أعلى بحوالي 70 دولارا للبرميل من متوسط أسعار البنزين التقليدي في محطات الوقود في الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها، وفق الوكالة الدولية للطاقة. كما زادت أسعار الوقود الحيوي من الجيل الثالث والرابع بنسبة 70% منذ عام 2020، ومتوسطها حتى الآن بين 350 و400 دولار للبرميل من النفط المكافئ.
التحديات الرئيسيةلعل التحدي الأكبر الذي يواجه التوسع في إنتاج الوقود الحيوي يكمن في تهديده للأمن الغذائي أو أن يقلل من الإيرادات في حال كانت تلك المحاصيل تنتج لغرض التصدير؛ كما حدث في بدايات التجربة البرازيلية. فضلا عن تحويل الأراضي الزراعية من منتجة للمحاصيل الغذائية إلى حقول لإنتاج مدخلات الوقود الحيوي، وبالتالي قد يتسبب في خلل في التنوع الزراعي العالمي، واجتثاث كثير من الغابات والمحميات الطبيعية بسبب الحاجة لمساحات كبيرة من الأراضي.
كما أن ارتفاع التكلفة الإنتاجية التي تفوق مثيلاتها من مصادر الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية والرياح يقف عائقا أمام صناعة الوقود الحيوي ويجعل منافسة البدائل التقليدية للطاقة صعبا جدا. فعلى سبيل المثال تسعى الهند خلال السنوات القادمة لزيادة طاقتها الإنتاجية من خلال بناء وتشغيل 12 منشأة لإنتاج الجيل الثاني من الوقود الحيوي من بقايا النباتات، ووقفا للموقع الرسمي لوزارة النفط والغاز الطبيعي الهندية فإن تكلفة بناء تلك المنشآت فقط تصل إلى 140 مليار روبية (1.6 مليار دولار) فضلا عن تكاليف المدخلات والتشغيل.
أما في البرازيل والولايات المتحدة فإن المقارنة بين الديزل الحيوي والديزل التقليدي من حيث تكلفة إنتاج اللتر الواحد بالدولار تظهر الأفضلية للديزل التقليدي كما هو موضح بالشكل التالي:
التوجهات المستقبليةإن النقطة الأهم والتي يجب الوقوف عندها هي التوقعات المستقبلية للوقود الحيوي ودوره القادم في منافسة النفط ومشتقاته والبدائل من مصادر الطاقة المستدامة، ففي توقعات تقرير الطاقة العالمي لوكالة الطاقة الدولية العام الماضي ستبلغ مساهمة الوقود الحيوي بأنواعه في العام 2050 قرابة 5.3 ملايين برميل نفط مكافئ في اليوم، وهي مساهمة ضئيلة لا تهدد عرش الوقود التقليدي، خصوصا مع ازدياد التوجه نحو استخدام أكبر للسيارات الكهربائية، وعلى صعيد توليد الطاقة الكهربائية لا تزال الفرصة أكبر لازدهار صناعات البدائل المستدامة كالطاقة الشمسية وتوربينات الهواء وغيرها.
ويبقى انتظار الإعلان عما سيقدمه التحالف الدولي للوقود الحيوي من حيث الإعانات الحكومية أو التسهيلات والحوافز الضريبية أو الإجراءات الحمائية التي قد تحقق للوقود الحيوي إسهاما أكبر في سوق الطاقة العالمي، فهو بدونها لن يتمكن من منافسة الوقود التقليدي على نطاق واسع بسبب التكلفة الباهظة للإنتاج وخصوصا في الجيلين الثالث والرابع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المحاصیل الزراعیة للوقود الحیوی
إقرأ أيضاً:
الصيد التقليدي الضواغي في ولاية صحم
تعد مهنة صيد سمك السردين، والمعروفة محليا بـ"الضواغي" (جمع ضاغية)، من أقدم وأهم الحرف التي مارسها أهالي ولاية صحم في سلطنة عمان. وقد ارتبطت هذه المهنة ارتباطا وثيقا بحياة السكان المحليين، حيث كانت تمثل مصدر رزق رئيسي لهم منذ القدم، ولا تزال تلعب دورا اقتصاديا مهما حتى اليوم. ويمتد موسم صيد الضواغي من شهر أكتوبر إلى شهر أبريل من كل عام، حيث يتهيأ البحر في هذه الفترة لاحتشاد كميات كبيرة من سمك السردين، الذي يُصطاد باستخدام وسائل وتقنيات تقليدية. ويعتبر هذا الموسم وقتا حاسما للصيادين في ولاية صحم، حيث يعتمدون عليه للحصول على دخل جيد يكفل لهم مستلزمات حياتهم. ورغم تطور مهن أخرى، ما زال صيد الضواغي يشكل مصدرا مهما للدخل للأسر في المنطقة. وفي ولاية صحم، يعتبر الصيد التقليدي للسردين (الضواغي) جزءا من الأنشطة الاقتصادية الأساسية إلى جانب الزراعة والرعي، حيث يعتمد العديد من الصيادين على هذا النشاط كمصدر رئيسي للرزق، خاصة في فصل الشتاء، حيث يكون البحر أكثر غزارة في إنتاج السردين. وكانت هذه المهنة تاريخيا من أهم مصادر الدخل في الولاية، وأدت إلى تحفيز العديد من المشاريع المرتبطة بها، مثل تجفيف السردين واستخدامه في صناعات أخرى.
استخدامات السردين المجفف
السردين المجفف يعد من أبرز المنتجات الناتجة عن مهنة صيد الضواغي، بحيث يستخدم السردين المجفف في عدة أغراض، أبرزها: العلف الحيواني: حيث يعتمد العديد من المزارعين في ولاية صحم على السردين المجفف كعلف للحيوانات في فصل الصيف، حيث يكون المصدر الرئيسي للعلف الطبيعي قليل التوفر، والسماد الزراعي: يتم استخدام السردين المجفف أيضا كسماد عضوي للزراعة، إذ يسهم في تحسين خصوبة التربة ويعزز نمو المحاصيل الزراعية، وكذلك يستخدم في الاستهلاك البشري: يُحفظ السردين المجفف أيضا ليُستهلك من قبل الأهالي في وجباتهم اليومية، ويعد طعاما تقليديا مميزا في بعض الأوقات.
وعلى صعيد متصل، تتابع لجنة سنن البحر بولاية صحم تحديد وتنظيم مواعيد الصيد ومراقبته لضمان استدامته والحفاظ على الثروات السمكية، وتُسهم هذه اللجنة في تنظيم الصيد من خلال وضع قوانين تحكم فترات الصيد وحجم السمك المسموح به للصيد، إضافة إلى تعزيز التوعية بين الصيادين بشأن أهمية الحفاظ على البيئة البحرية من خلال ممارسات صيد مستدامة، كما تسعى دائرة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه في ولاية صحم إلى نشر الوعي بين الأهالي والصيادين حول أهمية صيد الضواغي بشكل مستدام. وتقوم الدائرة بتنظيم ورش عمل ومحاضرات توعوية للصيادين حول طرق الصيد الصحيحة وضرورة الحفاظ على الثروة السمكية، كما يتم العمل على تحسين تقنيات الصيد وتطوير أدواته لزيادة الإنتاجية دون التأثير على البيئة.
وتشير الإحصائيات إلى أن ولاية صحم تستمر في إنتاج كميات كبيرة من السردين سنويا، رغم التحديات التي تواجه هذا القطاع، ففي السنوات الأخيرة، لوحظ زيادة في عدد الصيادين الذين يعتمدون على هذه المهنة.