أعلنت الهند قبل أيام ضمن اجتماع قمة مجموعة العشرين في نيودلهي إطلاق تحالف عالمي للوقود الحيوي لتعزيز استخدام الوقود النظيف، ويضم التحالف إلى جانب الهند الولايات المتحدة والبرازيل كمؤسسين. وينتظر من هذا التحالف العالمي أن يساعد في تسريع الجهود لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات للصفر من خلال تسهيل التجارة في الوقود الحيوي.

والوقود الحيوي نوع من الوقود مستخرج من مصادر عضوية، مثل النباتات والأعشاب والقش والنفايات العضوية الأخرى، ويمكن استخدامه بديلا للوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم).

ويعد الوقود الحيوي جزءا من منظومة الطاقة النظيفة والمستدامة. حيث يتم معالجة الكتلة الحيوية العضوية لإنتاج أنواع متعددة من الوقود بأشكال صلبة وسائلة وغازية، وأهمها الديزل الحيوي والبنزين الحيوي اللذان يستعملان لتشغيل محركات السيارات والحافلات وتوليد الكهرباء.

ومن أهم المحاصيل الزراعية المنتجة للوقود الحيوي السائل، تلك المحاصيل المحتوية على سكريات أو نشويات كالذرة والقمح وقصب السكر، كما تستخدم بعض المحاصيل الأخرى التي تحتوي على زيوت، كفول الصويا وتبّاع الشمس وغيرها.

الديزل الحيوي والبنزين الحيوي

يصنع الديزل الحيوي من بعض الزيوت النباتية مثل زيت بذور اللفت وزيت النخيل والخردل وحب الصويا الذي يستخدم على نطاق واسع كمصدر رئيسي للإنتاج نظرا لسرعة نمو هذا النبات، وتتلخص أهمية الديزل الحيوي في أنه يمكن استعماله بديلا مباشرا للديزل التقليدي بدون أي إضافات.

بينما الإيثانول الحيوي أو البنزين الحيوي يصنع من عدة مواد عضوية مثل الذرة والقمح وقصب السكر والأعشاب البحرية والسليلوز المكوّن الرئيس لكثير من الأجزاء النباتية والذي يتم الحصول عليه من المخلفات الزراعية ومن بقايا تصنيع الورق، ولكن أفضل مصدر لصناعة الإيثانول هو قصب السكر؛ نظرا لاحتوائه على السكريات التي يتم تخميرها لتتحول إلى كحول.

ولكن لا يعد البنزين الحيوي بديلا مباشرا للبنزين العادي ومن النادر استخدامه وحده كوقود، إذ يستلزم إدخال تعديلات جوهرية على محركات البنزين، أو مزجه بالبنزين التقليدي للاستخدام في المحركات بنسب محددة ويتم تمييزه بالحرف "E" متبوعا برقم يشير إلى نسبة البنزين الحيوي إلى البنزين التقليدي في العبوة.

أجيال صناعة الوقود الحيوي

شهدت صناعة الوقود الحيوي تطورات تقنية خلال العقود الماضية وتنوعت مصادر إنتاجه لتشكل 4 أجيال:

الجيل الأول: تم فيه استخدام بذور وحبوب النباتات لإنتاج الوقود الحيوي كالذرة والقمح وفول الصويا وقصب السكر واللفت والشعير وغيرها. وقد قوبل استخدام المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود باحتجاجات عالمية واعتراضات واسعة، نظرا لأن إنتاجه يكون على حساب سلة الغذاء العالمية، وتسببه في تحويل كثير من الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الغذاء إلى محاصيل وقود حيوي، ما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار الحبوب والزيوت النباتية في تلك الدول. الجيل الثاني: تم فيه استخدام المخلفات النباتية كسيقان القمح والذرة ونشارة الخشب والتبن وغيرها، ورغم أن استخدام المخلفات الزراعية لإنتاج الوقود أفضل من استخدام المحاصيل الزراعية الغذائية، فإنها تحرم الماشية من العلف، والتربة الزراعية من المخلفات النباتية التي تعمل كسماد عضوي يخصبها. الجيل الثالث: يتم فيه استخدام الطحالب لإنتاج الوقود الحيوي، وقد تزايد الاهتمام العالمي بالوقود الحيوي من الجيل الثالث المنتج من الطحالب لأنها لا تنافس الزيوت النباتية والمحاصيل الزراعية المخصصة للاستهلاك البشري. بالإضافة إلى أن زراعة الطحالب لن تكون على حساب الأراضي الزراعية، كما أنها لا تؤثر على مصادر المياه العذبة؛ حيث يتم زراعتها باستخدام مياه البحار أو المياه المعالجة. الجيل الرابع: أحدث اتجاه عالمي لإنتاج الوقود الحيوي، ويعتمد على إجراء تغيير في جينات أحد أنواع البكتيريا بحيث تصبح قادرة على إنتاج الوقود من غاز ثاني أكسيد الكربون.

الفوائد الاقتصادية للوقود الحيوي

يعد الوقود الحيوي من المصادر البديلة للنفط ومشتقاته وبالتالي فإنه فاعل في تقليل الانبعاثات الغازية الدفيئة، كما أن زراعة المحاصيل لإنتاج الوقود الحيوي يزيد من دخل المزارعين، ومن خلال إنتاج رشيد ومتوازن يمكن أن يسهم في تحقيق الأمن الغذائي. فضلا عن فرص العمل التي تخلقها صناعة الوقود الحيوي في مجالات البحث والتطوير والهندسة والزراعة.

إلا أن وضع الصناعة الحالي يشكل مساهمة محدودة في سد احتياجات العالم من الطاقة، حيث إنه على سبيل المثال في عام 2021 كان الإنتاج العالمي للنفط 90.3 مليون برميل يوميا بينما كان الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي بأنواعه 2.23 مليون برميل نفط مكافئ في اليوم أي ما نسبته 2.43% فقط.

وتتصدر الولايات المتحدة الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي، تليها البرازيل ثم إندونيسيا، بينما تحتل الهند صاحبة مبادرة التحالف من أجل الوقود الحيوي المرتبة السابعة ضمن أكبر المنتجين للوقود الحيوي عالميا.

وحاليا هناك نحو 80 دولة لديها تشريعات لمزج الوقود الحيوي السائل مع الوقود التقليدي، حيث إن الانخفاض في أسعار النفط في عام 2020 وتغير أولويات الحكومات بسبب جائحة كورونا، أديا إلى زيادة الاهتمام بالوقود الحيوي، رغم زيادة أسعاره للضعف منذ عام 2020، والذي حدث نتيجة لارتفاع تكلفة المواد الخام وتكاليف الطاقة نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا واضطرابات أخرى في إنتاج المحاصيل العالمية.

وخلال النصف الأول من عام 2022، بلغ سعر الوقود الحيوي من الجيل الأول والثاني (ما يشكل 90% من اجمالي ما ينتج من الوقود الحيوي) متوسط 270 دولارا للبرميل من النفط المكافئ، وكان هذا السعر أعلى بحوالي 70 دولارا للبرميل من متوسط أسعار البنزين التقليدي في محطات الوقود في الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها، وفق الوكالة الدولية للطاقة. كما زادت أسعار الوقود الحيوي من الجيل الثالث والرابع بنسبة 70% منذ عام 2020، ومتوسطها حتى الآن بين 350 و400 دولار للبرميل من النفط المكافئ.

التحديات الرئيسية

لعل التحدي الأكبر الذي يواجه التوسع في إنتاج الوقود الحيوي يكمن في تهديده للأمن الغذائي أو أن يقلل من الإيرادات في حال كانت تلك المحاصيل تنتج لغرض التصدير؛ كما حدث في بدايات التجربة البرازيلية. فضلا عن تحويل الأراضي الزراعية من منتجة للمحاصيل الغذائية إلى حقول لإنتاج مدخلات الوقود الحيوي، وبالتالي قد يتسبب في خلل في التنوع الزراعي العالمي، واجتثاث كثير من الغابات والمحميات الطبيعية بسبب الحاجة لمساحات كبيرة من الأراضي.

كما أن ارتفاع التكلفة الإنتاجية التي تفوق مثيلاتها من مصادر الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية والرياح يقف عائقا أمام صناعة الوقود الحيوي ويجعل منافسة البدائل التقليدية للطاقة صعبا جدا. فعلى سبيل المثال تسعى الهند خلال السنوات القادمة لزيادة طاقتها الإنتاجية من خلال بناء وتشغيل 12 منشأة لإنتاج الجيل الثاني من الوقود الحيوي من بقايا النباتات، ووقفا للموقع الرسمي لوزارة النفط والغاز الطبيعي الهندية فإن تكلفة بناء تلك المنشآت فقط تصل إلى 140 مليار روبية (1.6 مليار دولار) فضلا عن تكاليف المدخلات والتشغيل.

أما في البرازيل والولايات المتحدة فإن المقارنة بين الديزل الحيوي والديزل التقليدي من حيث تكلفة إنتاج اللتر الواحد بالدولار تظهر الأفضلية للديزل التقليدي كما هو موضح بالشكل التالي:

التوجهات المستقبلية

إن النقطة الأهم والتي يجب الوقوف عندها هي التوقعات المستقبلية للوقود الحيوي ودوره القادم في منافسة النفط ومشتقاته والبدائل من مصادر الطاقة المستدامة، ففي توقعات تقرير الطاقة العالمي لوكالة الطاقة الدولية العام الماضي ستبلغ مساهمة الوقود الحيوي بأنواعه في العام 2050 قرابة 5.3 ملايين برميل نفط مكافئ في اليوم، وهي مساهمة ضئيلة لا تهدد عرش الوقود التقليدي، خصوصا مع ازدياد التوجه نحو استخدام أكبر للسيارات الكهربائية، وعلى صعيد توليد الطاقة الكهربائية لا تزال الفرصة أكبر لازدهار صناعات البدائل المستدامة كالطاقة الشمسية وتوربينات الهواء وغيرها.

ويبقى انتظار الإعلان عما سيقدمه التحالف الدولي للوقود الحيوي من حيث الإعانات الحكومية أو التسهيلات والحوافز الضريبية أو الإجراءات الحمائية التي قد تحقق للوقود الحيوي إسهاما أكبر في سوق الطاقة العالمي، فهو بدونها لن يتمكن من منافسة الوقود التقليدي على نطاق واسع بسبب التكلفة الباهظة للإنتاج وخصوصا في الجيلين الثالث والرابع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المحاصیل الزراعیة للوقود الحیوی

إقرأ أيضاً:

وقاية النباتات ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز حماية المحاصيل البقولية من الآفات

نظم معهد بحوث وقاية النباتات برنامجا تدريبيا تحت عنوان " المكافحة المتكاملة لآفات المحاصيل البقولية في الحقل والمخزن" و ذلك خلال الفترة 23-24 يونيو 2024 بفرع المعهد بالمنصورة، في إطار توجيهات السيد القصير وزير الزراعة و استصلاح الأراضي باستخدام أحدث الممارسات والتقنيات الفعالة في مراقبة وتشخيص إصابات المحاصيل الإستراتيجية بالآفات الضارة في الحقول الزراعية والمخازن، وتطبيق طرق الوقاية والمكافحة المتكاملة لخفض تعدادها. و تعليمات الدكتور عادل عبد العظيم رئيس مركز البحوث الزراعية بتقديم الدعم والإرشادات والتوصيات بما يضمن سلامة المحاصيل البقولية وجودتها.

 

أشار الدكتور أحمد عبدالمجيد مدير المعهد لدور وقاية النباتات في الحفاظ على صحة المحاصيل وزيادة إنتاجيتها من خلال جهوده المتواصلة في مكافحة الآفات التي قد تؤثر سلباً على نمو النباتات وجودة المحصول و التصدي لها بشكل فعال من خلال التحديث المستمر لبرامج إدارة المكافحة المتكاملة للآفات لا سيما في ظل التحديات البيئية والمناخية المعاصرة ضمان الأمن الغذائي وتعزيز الاستدامة الزراعية. 

 

وقاية النباتات ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز حماية المحاصيل البقولية من الآفاتوقاية النباتات ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز حماية المحاصيل البقولية من الآفات

و أوضح الدكتور طارق عفيفي وكيل المعهد لشئون الإرشاد و التدريب أن البرنامج شمل تدريب المشاركين و تزويدهم بالمهارات اللازمة للتعرف على أهم الآفات التي تصيب المحاصيل البقولية في الحقول و المخازن و طرق الوقاية منها و أحدث مجاميع المبيدات الفعالة الموصي بها لمكافحة الحشرات، كما تطرق لأهمية المستخلصات النباتية ودورها في الحد من أضرار الآفات الزراعية كاتجاه آمن للزراعة النظيفة.

 

يأتي هذا البرنامج ضمن سلسلة من البرامج التدريبية التي يقوم بها المعهد في فروعه بالمحافظات المختلفة، و قد قام بالتدريب فيه نخبة متخصصة من الأساتذة و الباحثين بمعهد بحوث وقاية النباتات و تم تحت اشراف الدكتور نبيل غانم رئيس فرع المعهد بالمنصورة- محافظة الدقهلية.

مقالات مشابهة

  • «المركزية لمكافحة الآفات» تتابع المحاصيل الإستراتيجية ومكافحة الجراد
  • وزير الزراعة يُشرف على أوضاع المحاصيل الصيفية
  • «الزراعة» تجري تحليلا لصفات الجودة ودراسة الجدوى الاقتصادية لنبات الكسافا
  • ارتفاع قياسي للإنتاج العالمي للوقود الحيوي
  • نقص مياه الري تهدد محصول الأرز في الدقهلية
  • اقتصادية قناة السويس: تعزيز الشراكات يحقق طفرة في مشروعات الطاقة الخضراء
  • «أرامكو السعودية» توسع استثماراتها في تحول الوقود
  • بعد توقيع اتفاقية لإنتاجها.. ماذا تعرف عن الأمونيا الخضراء وأبرز مزاياها؟
  • أبو اليزيد: الدولة حققت إنجازات عديدة رغم التحديات الكبيرة
  • وقاية النباتات ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز حماية المحاصيل البقولية من الآفات