بيان المراد من قوله تعالى ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
قالت دار الإفتاءالمصرية، إن شأن المسلم أن يكون في عبادة الله تعالى في جميع شؤونه وأحواله؛ يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقال الإمام الثعالبي في "الجواهر الحسان في تفسير القرآن": [المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلَّا لآمرهم بعبادتي، وليقرُّوا لي بالعبودِيَّةِ].
أضافت الإفتاء، أن الإمام ابن كثير قال في "تفسير القرآن العظيم": [ومعنى الآية: أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم].
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» أخرجه الترمذي في "جامعه".
قال الإمام المُظْهِري الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح": [قوله: "«وَإِلَّا تَفْعَلْ»، يعني: وإن لا تفعل ما أمرتك من الإعراض عن الدنيا، والاشتغال بطاعتي «مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا»، أي: كثَّرتُ شغلك الدنيويَّ، فتُتعب نفسك بالشغل وكثرة التردُّد في طلب المال والغنى، ولا يحصل لك الغنى، فتُجعل محرومًا من ثوابي، ولا يحصل لك من الرزق إلا ما قدَّرت لك].
مدى شمولية العبادة للعمل وطلب الرزقدار الإفتاء المصريةالعبادة في الإسلام تشمل كلَّ ما يصدر عن المكلف من قول أو عمل أو اعتقاد، وذلك على حسب ما يحبه الله ويرضاه؛ يقول تعالى -في شأن المؤمنين-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5].
يقول الشيخ ابن القيم في "مدارج السالكين": [وبُنَى ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ على أربع قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه، من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح.
فالعبودية: اسم جامع لهذه المراتب الأربع، فأصحاب ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ حقًّا هم أصحابها.
- فقول القلب: هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه، وعن أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته ولقائه على لسان رسله.
- وقول اللسان: الإخبار عنه بذلك، والدعوة إليه، والذب عنه، وتبيين بطلان البدع المخالفة له، والقيام بذكره، وتبليغ أوامره.
- وعمل القلب: كالمحبة له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه والرجاء له، وإخلاص الدِّين له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضا به وعنه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والذل له والخضوع، والإخبات إليه، والطمأنينة به، وغير ذلك من أعمال القلوب التي فَرْضُها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها، وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة.
- وأعمال الجوارح: كالصلاة والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك.. والله تعالى جعل العبودية وَصْفَ أَكْمَلِ خلقه، وأقربهم إليه] اهـ.
وتابعت الإفتاء: وإذا أمعنَّا النظر في نصوص الشرع الشريف لوجدنا أن الإسلام قد جعل العمل والسعي في طلب الرزق وتعمير الكون من العبادات التي يثاب عليها الإنسان، فالشرع الشريف يحث الإنسان على العمل والاجتهاد في كسب الرزق الحلال الطيب؛ يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].
قال العلامة النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل": [﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا﴾ لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها، ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ جوانبها استدلالًا واسترزاقًا، أو جبالها، أو طرقها، ﴿وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ أي: من رزق الله فيها، ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ أي: وإليه نشوركم، فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاءالمصرية خ ل ق ت ال ج ن
إقرأ أيضاً:
أدب الاختلاف / د. زهير طاهات
#أدب_الاختلاف
بقلم: د. #زهير_طاهات
كل الكتب والشرائع السماوية تحث على الصبر على من أساء، وأن لا يجهل أحدكم فوق جهل الجاهلينا؛ لتكون مجتمعاتنا مجتمعات يسودها الحب، والتكافل، والرحمة. وديننا الإسلامي دين رحمة، يحث على الكلمة الطيبة؛ لأنها صدقة، وقوله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾
والانسان الناجح كلما تقدم نحو العلى خطوة من مسيرته المباركة في هذه الحياة، يظهر له من يناصبه العداء ليس لشيء وانما بهدف افشاله وتشويه صورته ،وهناك فئة ضالة مضللة تعمد الى نشر الاشاعات لافشال المؤسسات الرائدة فتقوم باغتيال الشخصيات المؤثرة والعاملة فيها .وتتميز هذه الفئة بالضعف والنفاق والطعن بصدر الوطن وبث الفتنة ، وغرس سهام سامة في الوحدة الوطنية ، والتشكيك بالقدرات ، كما انها تلجأ الى استدراج ضحاياها الغافلة الى مستنقعات راكدة عفنة ، وهذه الفئة من البشر يطلق عليها “قوى الشد العكسي” ، ومن الصعوبة أن يصل أحد معهم إلى حوار عقلاني، ومنطق سليم، وتهدف الى نشر الفرقة والخصومة وتحارب الانجاز ، لكن العاقل الحصيف يبقى دائما حذرا متنبها
لكل ألاعيبهم التي تنطلي فقط على اصحاب العقول الصغيرة ، وكما يقول المثل الإنجليزي
“لا تُصارع خنزيرًا في الوحل، فـتتسخ أنت ويستمتع هو.”
يعني أنك لا تناقش، ولا تُعامل، ولا تُكلم، ولا تبرر، ولا تشرح لأحد لا يُشبهك ولا يُـشبه مستواك، سواء الفكري، أم الأدبي، أم الأخلاقي.
ومستوى تعليم الفرد لا يعطي صكوك غفران بالأخلاق، والقيم ، ولا يعني أن الفرد يسمو إنسانيا .
وكل الديانات السماوية تحث على عدم الرد على السفيه لانه من الواجب مدارات السفيه و الجاهل “
وقوله تعالى: ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) أي : إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، وكما قال تعالى: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي) .
وفي هذا المقام استذكر قول الشافعي في فن الرد على من أساء إليه بقوله :”يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيبا
إذا سبني نذل تزايدت رفعة و ما العيب إلا أن أكون مساببه
و لو لم تكن نفسي علي عزيزة لمكنتها من كل نذل تحاربه
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من أجابته السكوتُ
فإن كلمته فرجت عنه وإن خليته كمدا يموتُ
“قالوا سكت وقد خوصمت”
لذا؛ علينا أن نقابل الإساءة بالحسنة، وأن نقتدي برسولنا الكريم بأن نصفح ونتسامح لنقضي على العنف المجتمعي ونتراحم فيما بيننا . حمى الله وطننا من الفتن وكل من يفتعل الفتن ، لان الفتنة اشد من القتل .