منذ اجتياح الحوثيين المسلح وانقلابهم على السلطة في 2014، لم يكن أمام اليمنيين غير خيارين للمواجهة خلال سنوات الحرب، إما استعادة وطنهم بالمقاومة عسكرياً، أو بالمقاومة سلمياً، والأخيرة كانت الأكثر حظوة وديمومة، وفي ظل اتساع دائرة التضييق الحوثي وخذلان التحالف والحكومة اليمنية للشعب في الداخل، ابتكر اليمنيون أساليب جديدة قوبلت بتفاعل واسع، وتحديث مستمر.

.

ورغم انتهاء الهدنة المعلنة بعد ستة أشهر في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ونجاحها بخفض التصعيد بين الأطراف المتحاربة في ظل مفاوضات ثنائية تيسرها عُمان بين الحوثيين والسعودية تصاعدت وتيرة المقاومة المجتمعية أمام التعنت الحوثي الرافض للسلام.

وأمام حالة الخذلان التي تعرض لها المجتمع بالداخل الرافض للحوثيين من قبل الشرعية والتحالف لكنه لم يصمت وواصل احتجاجاته ورفضه السلمي في مواجهة غطرسة المليشيا الحوثية بطرق مختلفة ومتعددة ووفق إمكانياته المتاحه.

أدب الباصات

وفي ظل تدهور الوضع المعيشي للمواطنين في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ومصادرتهم لرواتب الموظفين للعام الثامن على التوالي أخذت مسارات السخط الشعبي المتنامي من ظلم وإرهاب وعنصرية عصابة الدجل والنهب والتخلف الحوثية أشكالاً متعددة يعبر فيها المواطنون كل بطريقته وأسلوبه الخاص.

واختار السائقون (زجاجات الباصات) كسلاح من نوع جديد أشهروه للتعبير عن سخطهم في وجه واقعهم المأساوي بفعل انقلاب مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، وفي الثلاث السنوات الأخيرة انتشر هذا النوع من المقاومة بشكل لافت في شوارع صنعاء والمدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.

(ايش شعور المسيح الدجال عندما يخرج وقد به دجالين أكثر منه) عبارة لها أكثر من دلالة، ولكن صاحبها لم يجد متنفساً للتعبير إلا عن طريق هذه العبارة التي ألصقها على الزجاج الخلفي لباصه ضمن ما أصبح يعرف بـ"أدب الباصات".

(كلامهم بحر.. وأفعالهم ما تعبي قلص) عبارة ساخرة تشير إلى كثرة الكلام وقلة الأفعال من قبل المسؤولين، في إشارة ضمنية إلى قيادة سلطة الأمر الواقع، وغيرها من العبارات التي تتنوع ما بين حكيمة وطريفة وغالباً تتندر وتسخر من الوضع العام بطريقة هزلية مثل (احنا ميتين بس عايشين في اليمن نتحاسب).

(كل أغنياء العالم بدؤوا مشوارهم من الصفر إلا عندنا من 2015) (كُن قائداً فالجنود لا يبنون عمائر) عبارتان لها معانٍ ودلالات عميقة على التغير الجذري للقيادات والأسر الحوثية السلالية بعد التمكين عقب الانقلاب والاستئثار بالمناصب والتحول في ظرف سنين إلى أكثر الأسر ثراءً في أوساط المجتمع.

الأعراس

ووجد الكثير من المواطنين القابعين في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية من المناسبات الطلابية كـ"حفلات التخرج" الجامعية والاجتماعية كـ"الأعراس" والوطنية كـ"26 سبتمبر"... وغيرها فرصة للتعبير عن رفضهم لها ولفكرها الطائفي المستورد من إيران ولتجديد العهد والولاء للثورة والجمهورية.

وتعمد المواطنون استقدام كُوشة العريس للأعراس التي تحمل شعار "الطير الجمهوري" وتزيين جدران قاعات المناسبات بشعارات الجمهورية، وافتتاح مراسيم الزفاف بوقوف كافة الحاضرين في القاعة احتراما لترديد "النشيد الوطني" في صورة تعكس تمسكهم بالجمهورية والثورة التي اسقطت الحكم الإمامي البائد في ظاهرة لم تكن حاضرة قبل انقلاب ميليشيا الحوثي على الحكم واجتياحها المدن قبيل 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

ليس هذا وحسب، فقد تجد أسرة العريس توزع قبيل الاحتفاء بالعرس دعوات حضور الزفاف تحمل الطير والعلم الجمهوري والخط المسند، وخلال الاحتفاء بالعرس قد يلقي شاعر قصيدة ينتقد فيها سلطة الأمر الواقع وما آلت إليه الأمور في مناطق الانقلاب وتدعو اليمنيين للتمسك بالهوية الوطنية، أو طلبات متكررة من الحضور لفنان العرس لعزف أغنية وطنية شهيرة في إعلان لرفض المشروع الحوثي.

وبالمقابل، تحاول المليشيا قمع ذلك الرفض المجتمعي بين الحين والآخر عبر منع "حفلات التخرج" الجامعية بذريعة الاختلاط، وإرسال ما يعرف بـ مشرفها "الثقافي" لالقاء محاضرة اجبارية طائفية داخل الاعراس والدفع بمسلحيها لمنع الفنان عن الغناء بمبررات واهية تحت مسمى الحفاظ على "الهوية الإيمانية".

المساجد

تواصلاً للرفض الشعبي لمليشيا الحوثي الإرهابية وأفكارها الإيرانية الدخيلة على ديننا الإسلامي ومجتمعنا اليمني رفض عشرات المصلين لخطيب حوثي اعتلاء منبر أحد المساجد بمدينة الحديدة لأداء خطبتي الجمعة.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر خروجا جماعيا للمصلين من مسجد سعد بن أبي وقاص في وجه مليشيا الحوثي الإرهابية رافضين اعتلاء خطيب حوثي لمنبر المسحد بديلا عن خطيب الجامع السابق، حيث كانت المليشيا الحوثية تريد فرض أحد اتباعها لإلقاء خطبتي صلاة الجمعة.

ويظهر المقطع المسجل أن المسجد خَلا خلال دقائق من المُصلّين الذين لم يتبق منهم غير بضعة أشخاص لا يتجاوزون اصابع اليد، قبيل خطبتي الجمعة، ما يعكس حالة الرفض المجتمعي لفكر الحوثي الطائفي وفرضه خطيبا من سلالته.

وقبلها بأيام، في حادثة مماثلة، وثق مقطع فيديو آخر إلقاء أحد خطباء مليشيا الحوثي محاضرة طائفية داخل مسجد "زهره"، أحد مساجد حي حدة بصنعاء وهو خال بشكل شبه كلي من المُصلّين، ما أثار موجة تندر وسخرية واسعة بين رواد التواصل الاجتماعي.

ومنذ انقلاب المليشيا يلجأ الكثير من المصلين في المناطق الخاضعة للحوثيين إلى مغادرة المساجد أو المكوث خارجها، أو البقاء في المنازل إلى حين تنتهي خطبة الجمعة، والاكتفاء بالصلاة خارج الجامع، في احتجاج ضمني على تغيير خطباء تلك المساجد، وتعبير عن رفضهم لمضمون الخطب التي تحولت إلى نشاط تعبوي بصبغة طائفية تفرضها المليشيا على المصلين بالإكراه.

وعزا مراقبون عزوف المُصلّين عن المساجد في صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة إلى فرض الحوثيين الأفكار العقائدية الدخيلة ذات الصبغة الطائفية على المجتمع اليمني والتي فرضتها الجماعة المسلحة على المساجد، منذ فرض خطبائها والتكبيرات التي تمجد الجماعة وتمدح زعيمها، فضلاً عن تحول منابر المساجد إلى منابر لنشر الأيديولوجيا والتحريض الطائفي ونشر ثقافة العنف والكراهية في المجتمع، والدعوة للقتال في صفوف المليشيا.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

إقرأ أيضاً:

انفلات أمني يضاعف معدلات الجريمة في مناطق الحوثي

تشهد صنعاء ومناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، انفلاتاً أمنياً غير مسبوق، وسط ارتفاع نسبة الجريمة تحت مرأى ومسمع أجهزة الأمن والشرطة المختطفة من قبل الميليشيات المدعومة من إيران.

وفي جريمة جديدة، أقدم مسلح موالٍ للميليشيات الحوثية بارتكاب جريمة وُصفت بالبشعة، بقتل والده وزوجة والده. حيث قام المسلح بإطلاق النار عليهما بصورة مباشرة ما أسفر عن مصرعهما على الفور.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء: إن المجني عليه ضابط رفيع في وزارة الداخلية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وأن الابن شارك خلال الفترة الماضية في دورات ومحاضرات أقامتها قيادات حوثية لشباب وطلاب المراكز الصيفية التي تقيمها الميليشيات الحوثية لنشر الأفكار والمعتقدات الخاطئة.

وأقرت ميليشيات الحوثي بتسجيل 2875 جريمة، خلال الشهر الماضي، في مختلف المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرتها. وتنوعت الجرائم بين السرقة والقتل والإصابة والاعتداء والنهب والنصب، وجرائم أخرى. ولا تشمل هذه الإحصائية جملة الجرائم التي ترتكبها ميليشيا الحوثي وعناصرها بشكل يومي بحق المواطنين في المناطق القابعة تحت قبضتهم.

وترتبط الكثير من الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون بعناصر تابعة للميليشيات الحوثية، وهو ما كشفته إحصائية صادرة عما يسمى مركز الشكاوى والبلاغات في وزارة الداخلية بصنعاء.

وأشار المركز أنه تم تسجيل 620 شكوى تقدم بها مواطنون ضد عناصر ومنتسبين في أجهزة الأمن الواقعة تحت سيطرتهم. واحتلت صنعاء قائمة الشكاوى المقدمة ضد العناصر الأمنية الحوثية بواقع 122 شكوى، في حين توزعت باقي الإحصائية على باقي المحافظات غير المحررة.

مقالات مشابهة

  • كيف ردت المليشيات على من تخلفوا عن حضور (يوم الخرافة) لتأكيد الأحقية المزعومة لعائلة عبد الملك الحوثي في حكم اليمنيين؟
  • يوم الخرافة.. إجماع شعبي واسع لحماية الهُوية اليمنية من التزييف الحوثي
  • كساد المحاصيل الزراعية يفضح أكاذيب ذراع إيران حول خلية التجسس
  • يوم النشور.. عيد تقليدي أصيل يكشف عمق وحدة القبيلة اليمنية ويزعج المليشيا الحوثية
  • عمران.. مليشيا الحوثي تواصل احتجاز شيخ قبلي صفع مشرفاً وطعن أحد مرافقيه
  • تقرير أمريكي يكشف عن مصادر تمويل مليشيات الحوثي وأجور مقاتليها
  • حرام على اليمنيين وحلال للحوثيين.. حفل زفاف صاخب لـ3 من أبناء كبار القيادات الحوثية بعمران وأغاني ورقص إلى آخر الليل
  • الحوثيون يحشدون لفرض مزاعم خرافة الولاية على اليمنيين
  • اختطافات الحوثي تطال الفنانين والتهمة الحرب الناعمة
  • انفلات أمني يضاعف معدلات الجريمة في مناطق الحوثي