فيضانات ليبيا... لماذا تأزم الأمر إلى هذا الحد؟
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
عندما تلتقي أزمة المناخ ودولة فاشلة، تكون النتيجة كارثة من النوع الذي تشهده درنة الليبية.
كان الاستثمار في البنية التحتية دائماً في حده الأدنى
ويقول باتريك وينتور في صحيفة "غارديان" إن أي مدينة كانت ستعاني من المستوى غير العادي للأمطار التي حملتها العاصفة "دانيال" على الساحل الشمالي لليبيا. وفي شكلها السابق الأكثر اعتدالاً، تسببت العاصفة في أضرار جسيمة في اليونان قبل عبورها البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك، فإن حجم الدمار وجرف ربع المدينة إلى البحر في ما يوصف بأحداث 11 سبتمبر (أيلول) في ليبيا، يرجع أيضاً إلى السياسة الفاشلة في البلاد. إدارتان متنافستان
منذ الإطاحة الدموية بمعمر القذافي بدعم من الغرب عام 2011، حكمت البلاد بشكل رئيسي إدارتان متنافستان، واحدة في طرابلس والأخرى في طبرق.
وفي ظل اشتراكية القذافي الزائفة في أواخر السبعينيات والثمانينيات، قام الزعيم الليبي بتفكيك القطاع الخاص الليبي الغني بالنفط من خلال إدارة الشركات المملوكة للدولة، مما أدى إلى تحطيم قاعدة القوة المستقلة للطبقات العليا.
Libya’s floods are result of climate crisis meeting a failed state https://t.co/QC97SkpSoq
— Guardian Environment (@guardianeco) September 13, 2023
ويقول ولفرام لاشر، المحرر المشارك لمجموعة من المقالات نُشرت مؤخرًا بعنوان "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا": "أصبحت مؤسسات الدولة شبكات رعاية".
وفي مرحلة ما بعد القذافي، أصبح الجانبان مركزيين على نحو مماثل. ورشحت الميليشيات وزراء في حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها غرب البلاد. وفي الشرق، انتهت حملة مركزية للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر إلى ظهور العديد من المسؤولين التنفيذيين المتصارعين.
دخل الفريقان في حرب شاملة حتى عام 2020. وحاصرت قوات حفتر طرابلس في حملة عسكرية استمرت لمدة عام لمحاولة الاستيلاء على العاصمة التي قُتل فيها آلاف الأشخاص. ثم في عام 2022، حاول الزعيم السابق للإدارة الشرقية فتحي باشاغا نقل حكومته إلى طرابلس قبل أن تجبره الاشتباكات بين الفرق المتنافسة على الانسحاب.
ويعتبر باتريك وينتور إن هذا الصراع الهادر، والمنخفض الحدة في الأغلب، يتطلب من القادة تهدئة قواعدهم بالصدقات.
Libya’s floods are the result of the climate crisis meeting a failed state https://t.co/xpj7soj9p4
— Guardian World (@guardianworld) September 13, 2023
وفي درنة، المدينة التي عانت لفترة طويلة منذ سقوط القذافي، وخصوصاً خلال وقوعها في أيدي تنظيم "داعش" الإرهابي كان الاستثمار في البنية التحتية دائماً في حده الأدنى. وحاول حفتر، الذي تلقى تعليمه الثانوي في المدينة، الحفاظ على سيطرته الوثيقة على سياساتها.
وكان من المقرر إجراء انتخابات المجالس البلدية هذا الشهر، مع إعداد القوائم وتسجيل الناخبين. لكن في الأسابيع الأخيرة، أحرق أعضاء من كتائب أولياء الدم ملصقات انتخابية وهددوا المرشحين بالخطف والقتل، مطالبين بإلغاء الانتخابات وتنصيب حاكم عسكري في المدينة.
وأفاد رئيس اللجنة الانتخابية أنه تعرض للتهديد. واقترح عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في برلمان شرق البلاد، تشكيل مجلس إدارة مؤقت، وهي طريقة لتأجيل الانتخابات.
كان السدان الكبيران اللذان بُنيا في الوادي الضيق فوق درنة بمثابة خطر وشيك الحدوث، خصوصاً أن المساكن سيئة البناء المبنية بالقرب من النهر أصبحت كثيفة وشاهقة بشكل متزايد. وشيّد السدان في السبعينيات من شركة يوغوسلافية، وكان الخطر الذي يشكلانه وحالة اضمحلالهما موضوعًا لمقال أكاديمي مطول في عام 2022، حيث تم احتساب وزن الماء الذي قد يسحقهما وكيف يمكن أن ينفجر في ضوء التضاريس.
إنفاق جزء من الأموال المخصصةولكن رغم تخصيص الأموال للعمل على بناء السدود، تظهر المراجعة المتداولة عبر الإنترنت أنه تم إنفاق القليل منها على ما يبدو. وبمجرد أن غمرت مياه الفيضان السد الأول، تراكمت بسرعة خلف السد الثاني، مما أدى إلى انفجاره أيضًا.
ولم يتم إصدار تعليمات بإجراء عملية إخلاء مع اقتراب العاصفة. وبدلاً من ذلك تم فرض حظر التجول، وهو الرد المعتاد في ليبيا على أي أزمة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
المدينة المستدامة يتي تراث الأجداد في مجتمعات عصرية
مسقط - الرؤية
تميزت حياة الشعب العُماني، على مدى قرون من الزمان، بالتناغم والوئام مع الطبيعة، فلم يأخذ من مواردها سوى القدر الذي يلبي احتياجات أفراده الأساسية فقط، من دون إسراف، ما أسهم في الحفاظ عليها والحد من التأثيرات السلبية على البيئة. وتَجَسد هذا الأسلوب المستدام في الحياة جميع جوانبها بدءاً من الفن المعماري وصولاً إلى الممارسات المجتمعية. واليوم، تستمد شركات التطوير العقاري الطموحة نهجها من أسلوب حياة الآباء والأجداد الذي شكل مصدر إلهام لها لابتكار مجتمعات سكنية متكاملة ومستدامة تلبي متطلبات السكان مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأجيال القادمة.
ومن بين هذه الشركات، يبرز اسم "دايموند ديفلوبرز"، إحدى شركات مجموعة سي القابضة، التي تعمل حالياً على تطوير مشروع المدينة المستدامة - يتي بالتعاون مع الشركة العًمانية للتنمية السياحية (مجموعة عُمران)، والذي يقع على ساحل بحر عُمان بالقرب من العاصمة مسقط.
صُمم هذا المشروع الطموح وفق أعلى معايير الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وليصبح أكبر مجتمع سكني قائم ومستدام في المنطقة، وأول مدينة تحقق مستقبل صافي صفري الانبعاثات في العالم بحلول العام 2040.
وتعكس جميع جوانب مشروع المدينة المستدامة- يتي التراث الغني لسلطنة عُمان، كونها أقدم دولة مستقلة في العالم العربي وواحدة من أقدم البلدان المأهولة بالسكان على وجه المعمورة، وبالتالي سيأخذ تصميم المدينة وبيئتها العامة الانسجام التام مع الطبيعة مما يخلق إحساساً بالتناغم بين المدينة والطبيعة.
تقدم المدينة المستدامة يتي عالماً غنياً بالتصاميم المعمارية والحضرية المستوحاة من ماضي المنطقة العريق مع تبني مفاهيم أساسية لمستقبل مستدام، إذ يزخر مخطط المدينة الرئيسي بمساحات خالية من السيارات، مستوحاة من مفهوم "الفريج" التقليدي، وهي السمة التي تتفرد بها الأحياء العربية القديمة، والتي تعتبر التواصل والتفاعل المجتمعي أمراً جوهرياً، حيث اعتاد الجيران التواصل عبر أزقة وممرات ضيقة للمشاة، تسمى السكة، والتي كانت ملاذاً للأطفال للعب والمرح بأمان خارج جدران منازلهم. ويبدو هذا المفهوم جلياً في تصميم شوارع المدينة المستدامة - يتي المخصصة للمشاة، فغياب السيارات في شوارعها تشجع السكان على الاستمتاع بالمشي والتنزه، وتوطيد الروابط الاجتماعية، وتوفير مساحات كافية للأطفال للعب والمرح بحرية، تماماً كما كان الوضع خلال أيام "الفريج" القديمة.
من الناحية المعمارية، تمزج تصاميم فلل المدينة ومبانيها بين الأسلوب المعماري المعاصر وجماليات الطراز التقليدي المحلي، مما يضفي على المدينة مظهراً عصريًا يحافظ في الوقت نفسه على هوية وثقافة المكان. وقداستخدمت في العمارة تصاميم شبكية مستوحاة من المشربيات (زخارف خشبية تقليدية معروفة بتفاصيلها الدقيقة) لإضفاء لمسة جمالية وتراثية تدمج بين الأصالة والتصميم الحديث. كما تجمع تصاميم هذا المشروع بين الجانب الجمالي والثقافي للعمارة العمانية التقليدية والجانب العملي الذي يوفر الراحة البيئية مثل دخول الضوء والتهوية، مع مراعاة الخصوصية، وهي سمة مهمة من الإرث المعماري في المنطقة.
ويعكس تصميم الفلل الأهمية الثقافية للخصوصية وآداب السلوك الاجتماعي في المنازل العمانية. فالمجلس هو المكان التقليدي المخصص لاستقبال الضيوف، والذي يجب أن يكون منعزلاً عن مناطق المعيشة العائلية والمطبخ، ما يضمن تحقيق التوازن بين الضيافة والخصوصية، والذي يعد أساسياً في الثقافة العربية، وقد حافظ على أهميته في حياتنا المعاصرة.
كما تعيّن على أسلافنا معالجة التحديات التي تفرضها الحرارة المرتفعة بوسائل وفرتها لهم الطبيعة، حيث أسهمت منهجية تسمى "التصميم السلبي"، والتي تعمل بأسلوب مبتكر يتماشى مع طبيعة المناخ المحلي، في الحفاظ على درجة حرارة مريحة داخل المباني عبر التخطيط الدقيق لشكل المبنى واختيار المواد التي تقي من حرارة الشمس وتخفف من حدتها. ومن هنا جاء حرص مشروع المدينة المستدامة - يتي على استخدام تصاميم مستوحاة من فن العمارة العربية المحلية لتحقيق أقصى استفادة من إمكانيات التبريد الطبيعي للمباني، وامتد هذا النهج ليشمل المناطق الخارجية، حيث تعمل "السكة" (أزقة مظللة) والأرصفة المسامية (التي تسمح بتسرب الهواء) على التخفيف من تأثيرات الحر الشديد، بينما تساعد الممرات التي تسمح بتدفق الهواء بتخفيف درجة حرارة المكان.
ولم يقتصر دور هذا المشروع الرائد في الحفاظ على البيئة فقط، بل سيسهم أيضاً في ترميم واستعادة الإرث الطبيعي لمنطقة يتي، إذ يعتمد تصميم المساحات الخضراء في المشروع على استخدام نباتات محلية تتكيف مع البيئة الحارة والجافة، مما يقلل من الحاجة للمياه والصيانة ويسهم في استدامة المناظر الطبيعية بشكل يتناسب مع مناخ المنطقة.
تحظى الزراعة بمكانة راسخة في الثقافة العًمانية، وتُعد زراعة التمور من أهم المحاصيل الزراعية والركيزة الأساسية في اقتصاد البلاد، وقد اعتمدت المجتمعات المحلية على مر التاريخ على الزراعة ليس فقط من أجل الحصول على الغذاء، بل باعتبارها أيضاً وسيلة للارتباط بالأرض ودعم نمط حياة يعتمد على الموارد المحلية ويتمتع باكتفاء ذاتي. وهذا التقليد نجده متجسداً في مشروع المدينة المستدامة يتي، القائم على دمج الزراعة الحضرية والحدائق المجتمعية. ومن خلال دمج ممارسات الزراعة المستدامة بمشاركات السكان، يضع المشروع المحافظة على هذا الإرث وترسيخه ضمن أولوياته مع ضمان تعزيز أسلوب حياة أكثر استدامةً وصحةً، حيث ستسهم المساحات الخضراء الواسعة في المشروع في تلطيف الجو المحيط وخفض درجات الحرارة وتحسين جودة الهواء.
وسيحافظ مشروع المدينة المستدامة - يتي، إلى جانب تبنيه لأفضل ممارسات الاستدامة وتعزيزه الارتباط الوثيق بالطبيعة، على التراث الثقافي والتقاليد العُمانية من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات، حيث سيوفر المجتمع مركزاً للموسيقى يعمل على تقديم الدروس وتنظيم حفلات وفعاليات موسيقية أخرى، وكذلك مركزاً للفنون مع فصول دراسية لجميع الأعمار. كما سيضم مركز الترحيب في المدينة متحفاً صغيراً يعرض محتويات تراثية بالتعاون مع وزارة السياحة، ويسهم في منح الزوار فرصة لاستكشاف الثقافة العُمانية. كما يمكن للمقيمين والزوار قضاء يوم ممتع مع الصيادين المحليين على متن المراكب الشراعية التقليدية للاطلاع عملياً على الطرق التي اتبعها الأجداد لكسب قوت يومهم.
تسعى المدينة المستدامة - يتي إلى تحقيق تغيير فعلي في سلوك المجتمع نحو الاستدامة، وذلك عن طريق الاستناد إلى التراث المحلي في تصميم نموذج حياة مستدام يمكن محاكاته في أماكن أخرى، بهدف ترك أثر طويل الأمد على البيئة والمجتمع للأجيال المستقبلية.