نشأة قاسية وخالية من التعاطف.. ماسك الملياردير الذي يحلم بأنه سينقذ البشرية
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
لازم الصحفي الأميركي والتر إيزاكسون إيلون ماسك رجلَ الأعمال والملياردير الأقوى، والأكثر إثارة للجدل الوقت الحالي، كظله لمدة عامين، تجول خلالهما صحبته في مصانعه، وسافر معه في طائرته الخاصة، وحضر اجتماعاته الأكثر سرية، ليفك رموز الشخصية المعقدة لمالك "تسلا" و"سبيس إكس" الماهر في الاستفزاز والمجازفة، والذي يرى نفسه منقذا للبشرية.
بهذه المقدمة لخصت صحيفة لوباريزيان أهم محاور مقابلة حصرية مع إيزاكسون بعد صدور السيرة الذاتية التي حاول فيها إلقاء الضوء على المناطق الرمادية من حياة ماسك (52 عاما) من خلال شهادات زوجاته السابقات وشقيقه كيمبال ووالديه المنفصلين الآن، ليقدم صورة للنفسية العميقة والفريدة لرجل أعمال لا يزال فريسة "للشياطين الداخلية" الموروثة من طفولته.
وانطلقت المقابلة -التي حررتها غايتان مورين- من نشأة ماسك جنوب أفريقيا في السبعينيات والثمانينيات في وقت كان فيه العنف في كل مكان، وقد عبر ماسك ذات يوم في بركة من الدماء تسبح فيها جثة لا تزال السكين مغروسة في دماغها.
وفي المدرسة تعرض للتخويف والضرب على يد أقرانه لأنه كان ضعيف البنية، حتى إنه تعرض للتشوه ودخل المستشفى جراء ذلك وغاب عن الدروس أسبوعا كاملا، غير أن الأسوأ أن والده إيرول وقف إلى جانب من ضربوه، ووصفه بأنه غبي ولا يجيد شيئا، مما أثر فيه بعمق، حتى أن إساءة الأب النفسية هذه لا تزال تطارده وتحدد مزاجه وسلوكه.
ولم تتمكن ماي، والدة ماسك التي حرمت من حضانته بعد انفصالها عن والده، من حمايته لأنها كانت مشغولة بحياتها الخاصة، حيث تعمل في وظيفتين أو ثلاث لتتمكن من تدبر أمرها، وكانت ترى أن على "إيلون" أن يصبح أكثر صرامة وأن يتعلم كيف يدافع عن نفسه، ولذلك ترى الأب تاركا لولده الحبل على الغارب تأسيا بما فعل معه والداه، ليتعلم المخاطرة وينقل له طعم المغامرة كما تذوقه هو في الصغر.
أما والده إيرول -تقول الكاتبة- فهو اليوم من أصحاب نظرية المؤامرة، وهو يميني متطرف من الناحية السياسية، ولم يعد إيلون يكلمه، ولكن العين لا تخطئ مع ذلك ملامحه فيه وإن كان يحاول إخفاء ذلك، كما تقول أمه ماي، بل إن اثنتين من زوجاته أكدتا أنه عندما تسوء أموره، يصرخ بنفس الكلام الذي يصدر عن والده.
رجل بلا مشاعر
وعندما سئل كاتب سيرته عن السر في عدم استقرار ماسك الذي أنجب 11 طفلا من 4 زيجات، قال إن ماسك يعترف بأنه مصاب بمتلازمة أسبرجر التي تظهر في عدم حساسية عاطفية، وبالتالي فإن المشاعر لا تمسه فهو خال من التعاطف بارد للغاية، وليست لديه ذرة من الرومانسية.
وكمثال على ذلك، يقول الكاتب، فإن ماسك عندما التقى المغنية الكندية غرايمز على تويتر، كان موعدهما الأول زيارة تسلا، حيث أمضيا الليل وهما ساهران في ممرات المصنع وهو يحاول حل مشكلات العمل، قبل أن يصطحبها لتناول العشاء، وقد عصب عينيها ووضع سيارته على وضع القيادة الآلية، وقالت غرايمز للصحفي "اعتقدت أنه مجنون. شعرت وكأنني في فيلم من أفلام العجائب".
ماسك لا يعرف كيف يقدر نجاحاته ولا اللحظة التي يعيشها، فهو يتوقع دائما الأزمات القادمة، وقد أكد لي ذلك -كما يحكي إيزاكسون- بالقول "أنا لا أحب الهدوء. أنا مخلوق للعواصف" لدرجة أنه عندما يسير كل شيء على ما يرام يختلق كوارث، بحيث يضغط مثلا على فرقه للتقدم بشكل أسرع وإنتاج المزيد، مما قد يسبب مشاكل أو "ضجة سيئة".
ويطلب ماسك الكثير من موظفيه، وقد نجح في استقطاب أفضل المهندسين سواء في "تسلا أو سبيس إكس" ولكن الكثيرين منهم غادروا بمرارة "وقد شهدت بنفسي (يقول كاتب السيرة) مشاهد كان فيها قاسيا جدا. إنه يدفعهم إلى الجنون" فهو يتصرف كجنرال في ساحة المعركة، وقد نصب سريره في المصنع عندما كادت "تسلا" أن تتوقف عن العمل عام 2018.
يقول الملياردير إنه بعد الاستحواذ على تويتر عام 2022، أراد نقل الخوادم من سكرامنتو في كاليفورنيا إلى بورتلاند بأوريغون في أسرع وقت ممكن، ولكن مديريها طلبوا مهلة تتراوح بين 6-9 أشهر لتنفيذ الأمر بأمان، فخرج غاضبا. وفي الطائرة، سأله أحد مرافقيه لماذا لا نقوم بالأمر على الفور، فأمر بالعودة فورا، وظهر أمام موقع سكرامنتو طالبا الوصول إلى الخوادم، حيث كان هناك أكثر من 150 ألف جهاز حاسوب.
وأخذ ماسك سكينا من أحد الحراس ودخل تحت الأرض لفصل الكابلات دون أي احتياط، ثم استأجر جميع الشاحنات المتوفرة وقام بتحميل أجهزة الحاسوب التي وصلت بأعجوبة إلى وجهتها دون أي ضرر، ولكن هذا تسبب في اضطرابات كبيرة على تويتر لمدة شهرين، واعترف ماسك في النهاية بخطئه.
ماسك ومليارديرات التكنولوجيا
أما علاقة ماسك بمليارديرات التكنولوجيا الأميركيين، فعرضها كاتب سيرته من خلال رفضه التعاون مع بيل غيتس الذي طلب منه إجراء مقابلة على أمل إقناعه بالمساهمة المالية في مكافحته لظاهرة الاحتباس الحراري، فقال له ماسك "لا أستطيع أن آخذ أعمالك الخيرية المتعلقة بالمناخ على محمل الجد بسبب محاربتك شركة تسلا التي تبذل قصارى جهدها لحل مشكلة تغير المناخ.
أما جيف بيزوس مؤسس أمازون وبلو أوريجين، فلا يجده فعالا بما فيه الكفاية، ولا يراه يستثمر بما فيه الكفاية في عمله، وهو يأسف لرؤيته يضيع وقته وماله في المنازل الفخمة واليخوت، أما مارك زوكربيرغ فقد تحداه ماسك في نزال لفنون القتال المختلط على سبيل الدعابة والاستفزاز.
يحب ماسك حرف إكس الذي يجده غامضا لأنه يمثل المجهول في الرياضيات، وهو إشارة إلى أبطاله الشباب، لذلك سمى أحد أبنائه إكس، وأطلق على شركته اسم "سبيس إكس" وأعاد تسمية "تويتر" وأطلق عليها "إكس" ليمحو الاسم الجميل المرتبط بطائر صغير ساحر كان يمقته.
وقد استثمر ماسك في الذكاء الاصطناعي عام 2017 حتى لا تتحكم غوغل في كل الذكاء الاصطناعي وحدها -كما يقول- ولكن إغلاق الشركة التي كان يشارك فيها يدفعه للتفكير بإنشاء شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح، لأنه قلق من أننا نخترع ذكاءً اصطناعيًا يهدد البشرية.
وخلص كاتب السيرة إلى أن ماسك عبقري مجنون ولكنه ليس سيئا بالضرورة، مع أنه ليس حكيما ولا متعقلا، ويريد مساعدة الإنسانية -كما يقول- فمثلا عندما كانت جميع شركات السيارات خائفة من البدء في إنتاج السيارات الكهربائية، بدأ هذه الحركة نحو الطاقة المستدامة، وها هو بعد أن حاولت الدول الكبرى غزو الفضاء، يرسل أقمارا صناعية إلى المدار أكثر من جميع الدول والشركات الخاصة مجتمعة.
وأرسل لي -يقول الكاتب- رسالة نصية ذات يوم حول الصراع الروسي الأوكراني قال فيها إن الأوكرانيين يريدون استخدام ستارلينك (كوكبة الأقمار الصناعية الخاصة بها) لشن هجوم سري على الروس بشبه جزيرة القرم، وهو ما رفضه خوفا من رد نووي روسي، وقد أظهر لي رسائل الوزير الأوكراني وقال "بنيت ستارلينك حتى يتمكن الناس من مشاهدة الأفلام ولعب ألعاب الفيديو، فكيف أجد نفسي وسط هذه الحرب؟".
وختم إيزاكسون بأن دافع ماسك لما يقول به ليس المال فحسب، وقال "أعتقد أنه يريد حقا أن يكون مثل الأبطال الخارقين في قصص الخيال العلمي المصورة التي قرأتها صغيرا. إنه يشعر بالاستثمار في مهمة إنقاذ البشرية، وهي أيضا وسيلة لترك طفولته الصعبة وراءه. ولهذا السبب يريد أن يرشدنا إلى الطريق للطاقة المستدامة، والذكاء الاصطناعي الآمن، وتجاوز الحدود المكانية".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
تدمير الأراضي في غزة.. ضربة قاسية في خاصرة المزارعين
لم يسبق أن تعرض المزارع عامر مسلم ذو الستة والأربعين عامًا، لصدمة نفسية وخسارة مادية أعمق وأشد من تلك التي تسببت بها الحرب على قطاع غزة، وأدت إلى تجريف مزرعة الفراولة التي تبلغ مساحتها عشرات الدونمات وبلغت تكلفتها أكثر من 100 ألاف دولار أمريكي، لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المزرعة والمنازل والسيارات والجرافات الزراعية التي يمتلكها مسلم بل قام الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على الأرض الزراعية بالكامل شمال بيت لاهيا.
منذ عشرات السنين ومزارعو منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزه يزرعون الفراولة التي يتم تصديرها إلى معظم دول العالم، من منطقة قريبة من أرضه، وبشكل حذر أخذ ينظر مسلم إلى دبابات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة في مكان المزرعة وبقلب مليء بالحسرة عبَّر عن حزنه قائلًا: "لم أر في حياتي أقسى من هذا المشهد الذي رأيت فيه أرضي ومزرعتي وشقاء عمري بتحول إلى خراب، تعرضت الأرض للتجريف في السنوات السابقة لكنني رغم ذلك كنت أقوم بزراعتها وترميمها بشكل سريع، لكن هذه الحرب قضت على الأخضر واليابس ولم تبق لنا شيئا، للعام الثاني على التوالي مُنعنا من الوصول إلى أراضينا وزراعتها ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي عازم على البقاء فيها، أشعر أن قطعة من قلبي قد سُلبت مني، لقد تحولت حياتي إلى جحيم ".
توقف الكلام وأصبح العجز سيد الموقف، لقد تحولت حياة هذا المزارع إلى جحيم بعد أن فقد مزرعته التي كانت كما قال تدر دخلاً على أسرته المكونة من 12 فردًا، إلى جانب عشرات العمال الآخرين الذين كانوا يفتحون بيوتًا وينفقون عليها من رواتبهم الشهرية مقابل عملهم في المزرعة.
صمت الرجل لوهلة، ثم تنهد بحزن قبل أن يضيف: "خسرت آلاف الدولارات، وحجم خسائري بلغ أكثر من 100 ألف دولار، لقد أُثقل كاهلي بديون تبلغ 40 ألف دولار لتجار الأسمدة والأدوية الزراعية، بالتأكيد سأواجه أكبر مأساة في حياتي، فالأزمة المالية التي أتعرض لها ستمتد إلى سنوات، في ظل غياب أي أفق لتقديم تعويضات عاجلة لي وللمزارعين من جراء الدمار الذي حل بنا، قمنا بمناشدة وزارعة الزراعة من أجل مساعدتنا وتعويضنا عن الضرر الذي لحق بنا ولكن للأسف حتى اللحظة لم نتلق أي دعم مادي أو معنوي لمساعدتنا".
يشعر مسلم بمرارة مضاعفة، ليس فقط بسبب فقدانه مصدر رزقه، بل أيضاً لتجاهل الجهات المختصة لمحنته ومحنة آلاف المزارعين الآخرين، الذين وجدوا أنفسهم في صفوف البطالة، بلا أي دعم أو تعويض.
ومِثل مسلم، هناك قرابة 40 ألف مزارع فقدوا مصدر رزقهم في بيت لاهيا شمال قطاع غزة حسب الإحصائيات.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، كانت غزة تشتهر بزراعة الفراولة في أراضيها الخصبة تحديدًا في مدينة بيت لاهيا ذات التربة الخصبة والمياه العذبة، التي كانت تصدر للمناطق المختلفة، وبفضل مناخ المنطقة ومواردها المائية، ازدهرت الزراعة حتى بلغت المساحات المزروعة 3500 دونم تُنتج 11 طنًّا؛ لكن الحرب الأخيرة أحدَثت دمارًا شاملًا.
في ذات السياق أكّد الناطق الإعلامي باسم وزارة الزراعة في قطاع غزة محمد أبو عودة، أنَّ مزارع الفراولة تعرَضت لتدميرٍ شامل بنسبة 100بالمائة بفعل الحرب الإسرائيلية، وقال أبو عودة: "هذا الدمار الهائل وغير المسبوق هدم إحدى ركائز القطاع الزراعي والاقتصادي بشكل متعمد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، فالتوت الأرضي "الفراولة" أحد المحاصيل الزراعية التي تُدر دخلاً، وتسهم في دعم الاقتصاد الوطني".
وأشار أبو عودة إلى أنّ حجم الصادرات لمحصول الفراولة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية ودول عربية وأوروبية بلغ 5.500 طن، فيما بلغت القيمة المالية لتصدير الفراولة 11 مليون دولار. كما تساهم الفراولة في قيمة صادرات الإنتاج الزراعية بقيمة 13.5%، وهو ما يُشير إلى أن كمية إنتاج الفراولة من كمية صادرات الإنتاج الزراعي شكَّلت 11%.
وفي ختام حديثه قال أبو عودة: "إنّ فقدان نسب ومبالغ كهذه أدى إلى كارثة بالمقاييس كلها على القطاع الزراعي والاقتصادي".
لم يكن حال سماح أبو طير ذات (38) عامًا، أفضل وهي أرملة وأمّ لخمسة أطفال، كانت تعمل في مزارع البطاطا، شرق خانيونس، يعتبر هذا العمل مصدر رزقها الوحيد؛ لكنها وبفعل الحرب نزحت إلى منطقة مواصي خانيونس غربًا بعدما شهدت المنطقة التي تقطن فيها دمارًا كبيرًا امتد إلى الأراضي الزراعية شرق المدينة.
خلال شهور النزوح كانت تأمل بالعودة والعمل من جديد لكن الحرب الإسرائيلية دمرت كل شيء، ومع اجتياح جرافات الاحتلال للأراضي الزراعية، تحولت المزارع إلى أرض جرداء، فخسرت المرأة أملها في تحسين ظروف حياتها واستعادة مصدر دخلها الأساسي.
أصبحت أبو طير تقطن الخيام مُجبرة في جنوب قطاع غزة بعد هدم منزلها وتجريف أرضها، عاجزة عن تأمين قوت يومها. هذه السيدة كغيرها من سيدات قطاع غزة كانت تعلق آمالا واسعة على استئناف عملها، لكن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يمنع المواطنين من العودة إلى المناطق الشرقية للقطاع ومن يصل هناك يتم استهدافه من قبل الآليات الإسرائيلية الموجودة في المنطقة.
لطالما شكّل قطاع الزراعة في قطاع غزة دعامة أساسية للاقتصاد في القطاع، حيث وفر فرص عمل واسعة وأسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات والفواكه، ما حدّ من الحاجة إلى الاستيراد بل كان هناك تصدير للكثير من الأصناف إلى الأسواق العربية والدولية.
لكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي استمرت لعام ونصف العام، وجهت ضربة قاصمة لقطاع الزراعة، تاركة المزارعين في مواجهة كارثة اقتصادية غير مسبوقة، طال الإفلاس العديد منهم، وتوقفت عجلة الإنتاج، مما أدى إلى نقص حاد في الخضروات والفاكهة، وإن توفرت، باتت أسعارها باهظة تفوق قدرة الفئات الأكثر هشاشة على شراءها.
كما أظهر تقييم أجرته منظمة الأغذية والزراعة أن نحو 30% من مساحة البيوت البلاستيكية (الدفيئات الزراعية) في قطاع غزة لحقت بها الأضرار حتى يوم 23 أبريل، فيما شهدت مناطق مدينة غزة وشمال غزة أشد الأضرار (نحو 80% من مساحات البيوت البلاستيكية فيها دُمرت). وتضررت مئات المباني الزراعية ولحقت الأضرار بها، بما فيها 537 حظيرة منزلية و484 مزرعة دجاج لاحم و397 حظيرة أغنام و256 مستودعًا زراعيًا، فضلًا عن نحو 46 في المائة من الآبار الزراعية في غزة (1,049 من أصل 2,261 بئرًا).
وبحسب مختصين في مجال البيئة فإنّ ما تستخدمه "إسرائيل" من متفجرات ممنوعة دوليًا، يؤثر على الأراضي الزراعية حيث إن المواد الكيميائية المنبعثة من الصواريخ المتفجرة مثل النحاس والرصاص وغيرها تترسب في التربة؛ مما يؤدي إلى تلوثها على المدى القريب والبعيد، ويجعل التربة غير صالحة للزراعة، وهذا سيؤدي مستقبلًا إلى تقليل الإنتاجية الزراعية، ولذلك يجب ترميم ومداواة الأرض بطرق آمنة ليتمكن المزارع من زرع البذور.
ويؤكد المركز الأورومتوسطي أن الغالبية العظمى من هذه الأراضي التي باتت ضمن نطاق المنطقة العازلة التي يحظر على السكان والمزارعين الوصول إليها كانت تمثل الجزء الأكبر من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، وعمل الجيش الإسرائيلي على تجريف وتدمير جميع المباني والمنشآت فيها بشكل شبه كامل، مبينًا أنها كانت تضم مئات المزارع المقامة على مئات الدونمات المزروعة بالخضروات والفواكه إلى جانب مئات مزارع الطيور والمواشي.
ولم يقتصر التدمير على هذه الأراضي، بل هناك أراض خارج هذه المنطقة العازلة تعرضت أيضًا للتدمير خلال التوغلات الإسرائيلية أو جراء القصف الجوي والمدفعي، والذي طال ما لا يقل عن 34 كيلو مترًا مربعًا من الأراضي الزراعية والشوارع التي تخدمها، وبذلك يكون إجمالي الأراضي المدمرة هو 36.9%، وهذه المساحة تمثل أكثر من 75% من المساحة المخصصة للزراعة في قطاع غزة، وفق المركز "الأورومتوسطي".
وأبرز الأورومتوسطي أن فرقه الميدانية وثقت تعمد الجيش الإسرائيلي قتل العديد من المزارعين خلال عملهم أو محاولتهم الوصول إلى أراضيهم ومزارعهم، فضلًا عن تدمير آلاف المزارع والدفيئات الزراعية وآبار المياه وخزاناتها ومخازن المعدات الزراعية، إلى جانب قتل عدد من الصيادين وتدمير مرافئ الصيد وغالبية قوارب الصيد منذ بداية الهجوم؛ ما يدلل على أنها عملت عن عمد لتدمير مقومات الحياة والبقاء دون أي ضرورة، وهو ما سيكون له أثر على توفير الغذاء الصحي المناسب لأكثر من 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، محذرًا بأن الآثار ستبقى لعدة سنوات قادمة حتى بعد وقف الهجوم العسكري الإسرائيلي.