أسفل العالم وحروب محو الأوطان
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
ترى ما المعيار الذي بموجبه تستحق بلدان أو مجتمعات ما أن توصف بكونها تعيش أعلى أو اسفل العالم؟ (عالم اول- عالم ثالث) (عالم ما فوق التنمية- ما تحت التنمية)؟.
في غالب التجارب والأحوال سيكون المعيار الحيوى لإقامة الوصف هو جودة الحياة أو المستوى المعيشي في تلك الأشكال من الوجود البشري.
فإذا ما أشارت نتائج عمل المعيار إلى الجودة الفائقة فإن ذلك لا بد وأن يعني جملة من الأسباب المعاونة، والظواهر المرتبطة بالجودة الفائقة وفي مقدمتها جودة- الأوضاع الاقتصادية والخدمات الصحية، والمعيشية، وتطور التعليم، والاكتفاء الذاتي في المخرجات الزراعية والصناعية والتقنية في توفر الاستقرار العسكري والأمني وبحيث يلقي ذلك بنتيجته في أدق العلاقات والشبكات والتفاعلات الوجودية.
ولكن، وفي القراءة النقدية فإن التحسن في الأوضاع الاقتصادية على النحو المنظم المنتظم الذي يخفف من الصراعات بأوفر درجة أمر قد تفتقده حتى الكثير من المجتمعات المتقدمة بأوروبا وأميركا وكندا واستراليا ما يطعن في التكوين الثقافي الفردي العام لأفراد تلك البلدان والمجتمعات، وبحيث تعني جودة الحياة جودة خدمات وأداءات الدولة في الخطط والبرامج التنموية وضبط الدساتير والقوانين وبسط العدالة الاجتماعية، وهو ما يعني تحكم العقل الجمعي الإداري ودوره في جعل الجودة صناعة وتقنية والرفاه الاقتصادي غاية ومبتغى. فكثير من مجتمعات الجودة الفائقة وتحقق وتحقيق الرفاه لأفرادها تفتقر إلى جملة من الشروط والمحسنات الأخلاقية في مستوى الأداء الثقافي والأخلاقي، السبب الذي يكشف أحياناً عن أمراض مزمنة كالعنصرية والتفرقة على أساس المنشأ والأصل العرقي مما يقدح في التكوين الثقافي للفرد خاصةً عندما يتأمل المرء محتوى وقائع الخروقات التي تقع على صعد الجريمة كما التعدي على حريات الآخرين.
إذن صورة الجودة الفائقة في نموذج التجربة الحداثية للمجتمعات والأفراد بالبلدان المتقدمة ورغم تفوقها عند المقارنة مع المجتمعات الأخرى لا تعني بأي حال من الأحوال الكمال والأخذ بكلياتها نموذجاً يحتذى به رغم التناسق والتقارب النسبي بين تطور الأفراد والدولة.
في مقابل ذلك العالم الذي نصنفه كعالم فائق الجودة يقوم عالم منخفض الجودة متواضع في التطور الاقتصادي الإنتاجي والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والأخلاقية مما يحط من قيمة الحياة ويصورها كمنخفض حضاري، ويعمق إساءة الإنسان للوجود بإشاعة كافة أسباب الانحطاط والموت الرمزي في تجاربه.
وتتوفر عدد التفسيرات أو الاتجاهات التحليلية لموضعة العالمين وإجراء المقارنات والمقاربات بتصويرهما كعالمين متضادين يمضيان في خطين لا يلتقيان.
ومن أوضح تلك الاتجاهات أو النظريات المنظومة العالمية او مناقشات نظرية الشمال والجنوب للمفكر الاقتصادي المصري سمير أمين صاحب نظرية المركزية الأوروبية والذي بذل جهوداً في إثبات كيف أن الشمال يحوز على ثروات وخيرات الجنوب بما أسسه من مراكز اقتصادية وأشكال استغلال عبر التاريخ للجنوب ممثلة في ظاهرة الاستعمار السياسي والاقتصادي.
غير أن المنتج الكولونيالي لتلك العلاقة وفي كافة الارتباطات بين دول الشمال والجنوب وبرغم عمله الدؤوب في تحسين جودة الحياة ببلدانه قد اقترف من الانتهاكات الأخلاقية ما لا يمكن مقارنته بانتهاكات أخرى عندما نهب واستولى على ثروات تلك البلدان وحولها إلى فائض قيمة وحركة صناعية ومن ثم تكنولوجية صارت تعيد إنتاج العالم الثالث في منظومات تساعد على تفريغ حيويته أكثر كلما يوم وتؤجل بالتالي صعوده ونهضته المؤملة من شعوبه المغلوبة.
أما بلدان ومجتمعات العالم الثالث (العالم الأسفل) الممثلة في دول أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط والمشرق بصفة عامة ممن تكبدت فظائع تلك التجارب من الاستعمار ولأسباب تتصل بارتباطات معظمها بأنظمة حكم معادية لرغبات وأحلام شعوبها في التطور والوصول إلى حياة الجودة فقد بقيت في حيز النمط والتنميط بممسكات الاستبداد والقهر السياسي والاقتصادي والديني والثقافي بتواطؤ أيضاً بين أنظمة الحكم فيها وأنظمة الحكم الاستعماري القديمة والحديثة وما تربطهما من مصالح مشتركة تولدت منذ لحظات المغادرة الفيزيائية للدول الاستعمارية وجيوشها الأراضي المستعمرة، وبحيث تحولت النخب والطبقات الاجتماعية العليا بها إلى وكيلة ومسهلة للخدمات الاستعمارية قبل أن تتحول من النخب المنتهكة لحقوق شعوبها بالفساد إلى ظاهرة إدمان اللصوصية (الكلِبتوقراطية) المفرطة في وحشية النهب مع الابقاء على فقر الجودة في الحياة.
ومن اللافت توفر علاقة وطيدة بين بقاء واستمرار حكم تلك الأنظمة الوكيلة وظاهرة صناعة الحروب وإدامتها، ومنها الحروب الأهلية. فقد وجدت تلك الأنظمة في الحروب وسيلة مثلى للقضاء على تطلعات الشعوب في التغيير والتخلص من إشكال مقاومتها ومواجهاتها الساخنة لها.
السودان إحدى تلك الدول وبحيث واجه عبر ثلثي سنوات ما تلى استقلاله ظاهرة تحكم النخب الاقتصادية للاقتصاد الريعي خاصته الممثلة في نشاط بعض النخب المدنية والجيش كمؤسسة عسكرية وتحكمهما بالتماهي معاً، وبما جرى من اختلاط مصالح بينهما اتخذت فيها الروابط الحزبية جوهر ذلك الزواج المقدس عبر تاريخ ما بعد الاستقلال.
الحرب الدائرة حالياً بين مؤسسة القوات المسلحة السودانية والدعم السريع وبما وجدته من تعريف مكثف ومتعدد تبقى وفي نهاية المطاف حرب صفات الجوهر الكولونيالي للدولة ممثلة في استدامة نزعة احتكار الدولة من قبل الإخوان المسلمين بالسودان خاصةً بعد التضييق الذي مارسته عليهم ثورة الثامن عشر من ديسمبر 2018 دون أن تتمكن من إزاحتهم تماماً من مفاتيح إدارة الدولة. فهذه الحرب وفي الحسابات الكولونيالية والمركزية الأوروبية تمثل غلبة إرادة السطو والرغبة في امتلاك الثروة بإلغاء المجتمعات المحلية المتوارثة ومحاولة محوها من الوجود إمعاناً في التخلص من مهددات المقاومة الحضرية والمدنية التاريخية المناوئة في مراكزها وديموغرافيتها للنزعة الاستعمارية باسم تمكين الإسلام السياسي وما ولدتها من لصوصية مما يسهل مهمة إلحاقها كهامش اقتصادي أصيل وعضو دائم مكتمل العضوية في نادي الشعوب المنتهكة الثروات والعديمة الاستقلالية للقرار.
لكل ذلك فإن المهمة الملقاة على شعوب السودان بمؤسساتها المدنية من أحزاب وقوى مدنية تستوجب الدفاع المستميت عن الحقوق ومقاومة المحو من الوجود عبر استحداث طرق المقاومة وابتكار دروب جديدة للوحدة فيما بينها حتى لو استحق الأمر حملها كقوى مدنية للسلاح في معركة أشبه بمعركة الذئاب التي لا تستثني أحداً من الدفاع عن حقوقه ووجوده مهما كلف ذلك من الوقت والتحضير والاقناع بجدوى الفكرة
wagdik@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مرافعة نارية من النيابة بمحاكمة سيدة وآخر.. قتلت زوجها وألقت جثته أسفل كوبرى
قدمت النيابة العامة، ممثلا عنها محمد حمدان وكيل النائب العام لنيابات الدخيلة الجزئية، مرافعة نارية، أمام هيئة محكمة جنايات الإسكندرية، بشأن واقعة مقتل عامل بمحافظة الإسكندرية، على يد زوجته واخر وترك جثته يومين والقائها أسفل كوبرى فى وادى القمر، حيث أكد أن المتهمين كانوا ذئابا بشرية لم يشفع ضعف المجنى عليه لهم برحمته، ولم تأخذهم به شفقة لإشباع نفوسهم الدنيئة سواء من أفعالهم المحرمة.
وأضافت النيابة فى مرافعتها، ان ما قاما به المتهمين هو اعتداء على حق من حقوق الإنسان هو أيضا افتئات على حق من حقوق الله، لقد خشى المتهمان افتضاح أمرهما من جريمة اقدما على ارتكابها فارتكبا ما هو ابشع جرما وأعظم إثما، فالقتل جريمة شنعاء تشمئز منها النفوس وتذرف لبشاعتها القلوب قبل العيون، وطالب ممثل النيابة العامة بتطبيق العدل، العدل الذى شرعة الله فى كتابة والذى نص عليه القانون فى مواده وهو من قتل يقتل وتطبيق أقصى عقوبة قبل المتهمين وهى الإعدام شنقا، جزاء لما اقترفته أيديهما.
قررت محكمة جنايات الإسكندرية برئاسة المستشار عبد المنعم حسن الشناوى رئيس المحكمة وبعضوية كل من المستشار أحمد حسين مدين والمستشار أحمد محمد مدكور، والمستشار محمد حمدان وكيل النائب العام لنيابات الدخيلة الجزئية، وسكرتير المحكمة فايز بيومى القطعانى، إحالة أوراق كل من " ا.م.ت" ربة منزل و" أ.ر.ال" بائع ملابس إلى فضيلة مفتى الديار المصرية لإبداء الرأى الشرعى فى إعدامهم لاتهامهم بقتل المجنى عليه " ع.ا.ع" وحددت جلسة دور الانعقاد القادم للنطق بالحكم.
تعود احداث القضية المقيدة برقم 14091 لسنة 2024 جنايات قسم شرطة الدخيلة، عندما تلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الإسكندرية إخطارا من ضباط قسم شرطة الدخيلة بالعثور على جثة المجنى عليه ملقاه داخل جوال بلاستيكى أسفل كوبرى الدولى بمنطقة وادى القمر بدائرة القسم.
وتبين من التحقيقات، إلى أنه اثر خلافات زوجية بين المجنى علية " ع.ا.ع" عامل وبين زوجته المتهمة الاولى " ا.م.ت" ربة منزل، توجهت للسكن لدى المتهم الثانى " ا.ر.ال" بائع ملابس ونشأت بينهم علاقة عاطفية، وعلى اثر بحث المجنى عليه عنها، نما إلى علمه مكان تواجدها رفقة المتهم الثانى، فتوجه له وهاتفها فسمعت صدى صوته فايقظت المتهم الثانى وصعدت درج المنزل لتختبئ باعلاه وما أن التقاء المتهم الثانى بالمجنى عليه حتى اختلى به داخل مسكنه وتعدى عليه بالضرب حتى نزلت المتهمة الاولى وما أن أبصرتهما يتشاجران حتى عقدت والمتهم الثانى العزم وبيتا النية على قتله فقاما بطرح المجنى عليه أرضا ووثقا يديه وقدمية واحضرت قطعة قماشية كممت لها فمه لمنع استغاثته وأخذا برأيه يرطمانها بالأرض حتى شجوها واغدقتها الدماء مما ادى إلى وفاته، وقاما بحمل الجثمان إلى الحمام وتركوه بداخله لمدة يومين حتى انبعثت منه رائحه كريهه فقاما بتدثيره داخل بطانية وجلباب ومن فوقها اكياس بلاستيكية وقاما بإحضار دارجة بخارية وواهم سائقها بنقل بعض القطع الجلدية، وقام المتهم بالقاء الجثمان بمنطقة وادى القمر وتركه وفر هاربا، وعقب كشف الواقعة تحرر محضر وتولت النيابة التحقيق التى قررت إحالتهم إلى محكمة جنايات الإسكندرية التى أصدرت قرارها.