عين على أوكرانيا في مهرجان تورونتو السينمائي
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
تورونتو (كندا) "أ.ف.ب": بعد أكثر من 18 شهرا على الغزو الروسي لأوكرانيا، قدّم عدد من صنّاع الوثائقيات أعمالاً عن النزاع، خلال مهرجان تورونتو السينمائي، مع تشديدهم على ضرورة الاستمرار في الحديث عن هذا الموضوع أكثر من أي وقت مضى.
وقدّم المخرج المصري كريم عامر الذي رُشح في السابق لنيل جائزة أوسكار، فيلمه الوثائقي "ديفاينت" ("Defiant") الذي يروي أحداث العام الأول من الحرب في عيون وزير الخارجية دميترو كوليبا وغيره من كبار المسؤولين الأوكرانيين.
واعتمد المخرج البولندي ماتشيك هاميلا من جانبه نهجاً مختلفاً في فيلم "إن ذي رير فيو" ("In the Rearview")، حيث صوّر رحلاته الخاصة لمساعدة المدنيين الأوكرانيين على الفرار من البلاد خلال الأشهر الأولى من الصراع في عام 2022.
من الأمم المتحدة إلى البيت الأبيض، يتتبع كريم عامر الوزير كوليبا خلال جولاته المكوكية لحثّ الغرب على دعم كييف إلى أقصى حد ممكن في مواجهة القوة النارية الروسية.
ويركّز الفيلم أيضاً على وزير التحول الرقمي الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، الذي تحولت مهمته الأولية المتمثلة في تقديم جميع الخدمات العامة عبر الإنترنت، إلى حرب إلكترونية شاملة يدعمها "جيش إلكتروني" ضخم من قراصنة المعلوماتية المتطوعين.
وقال عامر (39 عاما) لوكالة فرانس برس قبل العرض الأول لفيلمه الوثائقي "لم نكن نعرف بالضبط ماذا ستكون القصة، لكننا كنا نعلم أننا نريدها أن تكون مبنية على الشخصيات، حول الأشياء التي تفعلها الحكومة للتواصل مع العالم".
وحرص عامر، الذي أنتج فيلم "الميدان" المرشح لجائزة الأوسكار، والمتمحور حول أحداث ميدان التحرير في القاهرة عام 2011، على عرض فيلم يتطرق إلى "الحرب وعلاقتها بالعالم"، من دون عرض صور المعارك أو معاناة المدنيين.
وقال "هناك جبهات أخرى تبدو بالمقدار نفسه من الأهمية بالنسبة لنا في الحرب، وغالباً ما تكون غير مرئية"، مضيفاً "الأشخاص الذين تابعناهم بطرق عدة اخترعوا عن غير قصد قاعدة جديدة للعبة في الوقت الفعلي".
وفي بداية الفيلم، يلتقي كوليبا بالرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال إنه بدا وكأنه "يودّع الأمة الأوكرانية بأكملها".
وبعد مرور عام، بات جو بايدن مقتنعاً بأن أوكرانيا قادرة على هزيمة روسيا، وهو التغيير الذي يعزوه الوزير كوليبا جزئياً إلى جهوده الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم.
وقالت منتجة الفيلم أوديسا راي، التي فازت العام الماضي بجائزة أوسكار عن الفيلم الوثائقي "نافالني" الذي أنتجته عن المنشق الروسي المسجون أليكسي نافالني، إن موسكو تلقت عرضاً للمشاركة في المشروع، لكن تلك الطلبات لم تلقَ أي صدى.
بالنسبة لعامر، "هذا هو الحدث السياسي الأكثر استثنائية منذ الحرب العالمية الثانية (...) ما يحدث في أوكرانيا يؤثر على كل شخص على هذا الكوكب، حتى لو لم نتحدث عنه بهذه الطريقة". ويقول كوليبا أمام الكاميرا "لن يتمكن أحد من الابتعاد عن هذه الأزمة".
الطابع "الأكثر حميمية" للحرب
ومن خلال فيلم "إن ذي رير فيو" ("In the Rearview") الذي عُرِض في مهرجانات عدة منذ مايو الفائت من بينها مهرجان كان، وأقيم في تورونتو الثلاثاء عرضه الأول في أميركا الشمالية، يعاين المخرج ماتشيك هاميلا من كثب معاناة الأشخاص العاديين الذين يستقلون شاحنته ويتجهون فيها نحو مستقبل مجهول.
وقال الرجل البالغ 40 عاماً في مقابلة مع وكالة فرانس برس "أنا مخرج، لكنني توقفت عن صناعة الأفلام وأي عمل آخر من أجل القيادة. وركزت فقط على القيادة".
وأضاف "كان الناس يعرفون أنني أفعل ذلك، لذلك كانوا يتصلون بي، ويطلبون مني اصطحاب عائلات أصدقائهم أو أصدقاء أصدقائهم"، مقدّراً عدد رحلاته بنحو مئى خلال ستة أشهر، مع بضع فترات راحة.
وعندما قرر توجيه كاميرته نحو الركاب، ظهرت أهوال الحرب في مقابلات ذات طابع اعترافي على مرآة الرؤية الخلفية، من خلال روايات عن أعمال اغتصاب وتعذيب وعن التهجير والموت والخسائر، وكل ذلك على خلفية مشهد الجسور والمنازل التي دمرها القصف.
ولاحظ أحد الركاب أن "المقابلة الأولى كانت صعبة. وبعد ذلك يعتاد المرء عليها". وروت امرأة أخرى أنها عاشت شهراً في كهف في ماريوبول، المدينة الساحلية التي احتلتها روسيا بعد حصار طويل وقاسٍ عام 2022.
وأمل ماتشيك هاميلا في أن يذكّر فيلمه "قبل كل شيء بأن هذه الحرب لا تزال مستمرة"، لكنه أشار إلى أنه يُظهر أيضاً "جانباً أكثر حميمية من الحرب"، مما قد يساعد المشاهدين على التواصل مع الأوكرانيين العاديين.
وشدد على أن "من المهم إنتاج أفلام وثائقية عن كل الصراعات التي تؤدي إلى وعي بالوضع الحالي للعالم الذي نعيش فيه"، كتلك التي تشهدها أفغانستان والسودان وسوريا واليمن وتُفاقم أزمة اللاجئين العالمية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا.. فرصة أوروبا لزيادة السكان؟
تُعتبر الحرب الروسية- الأوكرانية واحدة من أبرز الأحداث الجيوسياسية في القرن الحالي، لكنّها في الوقت ذاته أثارت تساؤلات جدلية تتجاوز الأهداف السياسية والعسكرية الواضحة للصراع. ومن تلك التساؤلات احتمال أن تكون الحرب جزءا من "مخطط خفيّ"، يهدف إلى خلق توازن ديموغرافي في القارة الأوروبية، وذلك من خلال الاستفادة من هجرة الأوكرانيين من أجل تعويض نقص السكان في القارة الأوروبية.
وعلى الرغم من أنّ الفرضية تبدو مثيرة للجدل، ولا توجد أدلة مباشرة تدعم القول إنّ الحرب استُخدمت كوسيلة مباشرة من أجل بلوغ هذا الهدف بواسطة تراجع أعداد الرجال الأوكرانيين. إلا أنّ نزوح النساء الأوكرانيات الكبير صوب القارة الأوروبية واندماجهن في دول أوروبا قد يبدو، من منظور ديموغرافي، وكأنه يخدم احتياجات القارة الأوروبية لتعويض نقص السكان.
تأثير الحرب على التركيبة السكانية قد تساهم في تقليل أعدادهم بشكل كبير على المدى الطويل، أما إصرار أوروبا وضغطها على أوكرانيا للاستمرار في الحرب ربّما يعزّز هذه الفرضية.
نزوح النساء الأوكرانيات الكبير صوب القارة الأوروبية واندماجهن في دول أوروبا قد يبدو، من منظور ديموغرافي، وكأنه يخدم احتياجات القارة الأوروبية لتعويض نقص السكان
وبينما لا توجد أدلة قاطعة على أنّ الحرب الروسية- الأوكرانية، كانت مرسومة للتخلص من الرجال الأوكرانيين واستقدام النساء كحلّ ديموغرافي لأوروبا، فإن النتائج التي ترتبت على النزاع تخدم بشكل غير مباشر هذا الكلام.
الأزمة الديموغرافية في أوروبا
تواجه أوروبا أزمة ديموغرافية واضحة، حيث تعاني معظم الدول الأوروبية من معدلات خصوبة منخفضة للغاية، تبلغ في المتوسط نحو 1.5 طفل لكل امرأة، وهو أقل بكثير من معدل الإحلال السكاني البالغ 2.1 طفل لكلّ امرأة، لأنّ النساء الأوروبيات يفضلن التركيز على التعليم والعمل قبل التفكير في الزواج وتكوين الأسرة.
هذه الأرقام تعني أنّ السكان الأصليين في أوروبا يتناقصون تدريجيا، وهو ما يؤدي إلى شيخوخة سكانية متسارعة وزيادة الضغط على الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في سائر الدول الأوروبية.
الحلول المطروحة: الهجرة والتنوع السكاني
في مواجهة هذا التحدي، لجأت العديد من الدول الأوروبية إلى الهجرة كحل لتعويض نقص السكان. وقد تكثّف تدفق اللاجئين الأوكرانيين، وخصوصا النساء، صوب أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا. فبحلول عام 2023، استقبلت العالم أكثر من 8 ملايين لاجئ أوكراني، بين هؤلاء نحو 6 ملايين قصدوا القارة الأوروبية. ويشير تحليل للجنس أجرته الأمم المتحدة في العام 2022، أنّ 90 في المئة من جميع اللاجئين الذين تم استقبالهم هم من النساء أو الأطفال، بينما ما يقرب من 10 في المئة من جميع اللاجئين هم من الذكور. وإذا اعتبرنا أنّ كل عائلة خرجت من أوكرانيا تحتوي على 3 أفراد (أم وولدين)، فهذا يعني أنّ عدد النساء اللاجئات قد يصل إلى نحو مليوني إمرأة، وهذا الرقم قابل إلى الارتفاع إذا استمرت الحرب ونشأ الأطفال في أوروبا واندمجوا في المجتمعات الجديدة. وهذا بالمحصلة يعني أنّ تقديرات عدد النساء الأوكرانيات في القارة الأوروبية ربما يتخطى 3 ملايين وقد يصل إلى نحو 4 أو 5 ملايين امرأة أوكرانية مع الوقت.
وفي دول مثل بولندا وألمانيا، أصبح وجود النساء الأوكرانيات ملموسا بشكل كبير، حيث اندمجن بسرعة في سوق العمل والمجتمعات. ويُنظر إلى النساء الأوكرانيات في بعض الأوساط الأوروبية على أنهنّ شريكات حياة مثاليات.
بالنساء الأوكرانيات المرغوبات
تقارير عدّة في أوروبا، تشير إلى أنّ عدد كبير من الرجال الأوروبيين يفضلون النساء الأوكرانيات لأسباب كثيرة منها:
- التقارب الثقافي: أغلب الشعب الأوكراني يعتنق الدين المسيحي وهذا العامل يعزز من فرص الانصهار المجتمعي، بخلاف اللاجئين المقبلين من دول إسلامية.
- القيم العائلية: تُعرف النساء الأوكرانيات بتمسكهن بتكوين الأسرة وميلهن نحو الإنجاب، وهو ما يتماشى مع طموحات بعض الرجال الذين يبحثون عن شريكات ملتزمات بالقيم العائلية، وذلك بخلاف النساء الأوروبيات اللاتي يفضلن الانخراط في سوق العمل على تكوين الأسر.
- العمل المشترك والصبر: الكثير من النساء الأوكرانيات يعبرن عن استعدادهن لمواجهة صعوبات الحياة والعمل مع أزواجهن كشركاء حقيقيين.
- الاعتناء بالنفس: يُعتقد أنّ النساء الأوكرانيات يولين اهتماما كبيرا بمظهرهن الخارجي، مما يجعلهن جذابات في نظر بعض الرجال.
- التواضع: مقارنة بالنساء الأوروبيات الغربيات اللواتي يطالبن غالبا بالمساواة التامة في العلاقات، يُنظر إلى النساء الأوكرانيات على أنهن أكثر استعدادا لتقديم تنازلات من أجل الحفاظ على استقرار الأسرة.
-اللاجئات الأوكرانيات غالبا ما يكنّ أصغر سنا وأكثر تعليما، مما يجعل اندماجهن في المجتمعات الأوروبية أسرع من غيرهن.
التحديات الثقافية والاجتماعية
ما يحدث اليوم في القارة الأوروبية، يمكن أن يكون تقاطع ظروف الحرب، التي تصب في صالح الاحتياجات الديموغرافية والاجتماعية موجودة بالفعل في أوروبا، خصوصا إذا ما تم عطف هذه النتيجة على إصرار الأوروبيين على الاستمرار بالحرب وتشجيع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي على الاستمرار في زج رجال أوكرانيا في "محرقة" الحرب ضد روسيا
لكن كلّ ما سبق ذلك لا يعني أنّ الأمر لا يشوبه التحديات، وأغلبها التحديات ثقافية واجتماعي، نذكر منها:
1- صعوبة التكيف الثقافي: على الرغم من التناغم الديني، فإنّ القيم العائلية التقليدية للنساء الأوكرانيات، قد تتعارض في بعض الحالات مع القيم الليبرالية السائدة في أوروبا الغربية.
2- التأثير على مؤسسة الزواج: تزايد أعداد النساء الأوكرانيات قد يعيد تشكيل ديناميكيات العلاقات العاطفية والزواج في أوروبا، ويدفع نحو بعض الأزمات المجتمعين، مثل الخيانات، والجرائم.
الحرب هدف ديموغرافي؟
برغم تلك التحديات، يمكن القول إن النساء الأوكرانيات قد يجلبن معهن قيما وأدوارا اجتماعية قد تكون مطلوبة في مجتمعات تعاني من تغيرات ديموغرافية وثقافية عميقة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين القيم المختلفة وضمان التعايش والاندماج السلمي في المجتمعات المضيفة. فالنساء الأوكرانيات اللواتي يملن لتكوين عائلات والاندماج بسرعة في المجتمعات المضيفة، قد يُنظر إليهن كحل لهذه التحديات السكانية.
وعليه، فإن ما يحدث اليوم في القارة الأوروبية، يمكن أن يكون تقاطع ظروف الحرب، التي تصب في صالح الاحتياجات الديموغرافية والاجتماعية موجودة بالفعل في أوروبا، خصوصا إذا ما تم عطف هذه النتيجة على إصرار الأوروبيين على الاستمرار بالحرب وتشجيع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي على الاستمرار في زج رجال أوكرانيا في "محرقة" الحرب ضد روسيا. هذه النتجية قد تثير الشكوك والريبة في النفوس، خصوصا أنّ كل التقارير تتحدث عن استحالة تحقيق أي مكاسب على أي من جبهات القتال.. وإلا لماذا الإصرار على استمرار الحرب؟