سيد درويش في ذكراه المئوية.. إرث فني وموسيقي حي
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
متابعة بتجــرد: سيد درويش البحر، أيقونة مصر الفنية، وأحد روّاد النهضة الموسيقية في والوطن العربي، على الرغم من عمره الفني الذي لم يتجاوز السنوات العشر، درويش خلف إرثا فنياً كبيراً.
وتزامناً مع الذكرى المئوية لرحيل الفنان المصري سيد درويش، تحيي وزارة الثقافة المصرية من خلال قطاعاتها الثقافية والفنية، عدداً من الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية المتنوّعة، في إطار برنامج شامل للاحتفاء برموز مصر الفنية.
سيد درويش المولود في حيّ “كوم الدكة” في 17 مارس 1892، نشأ نشأة دينية وحفظ قسطاً كبيراً من القرآن الكريم قبل بلوغه سنّ العاشرة، كما أجاد القراءة والكتابة.
كان شغوفاً بالاستماع الى الشيوخ الذين يحيون الموالد النبوية، وكان يحفظ عنهم ويقلّدهم أمام أطفال الحيّ، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية بعد وفاة والده وهو في سن العاشرة، وبدأ يقود الأطفال في ترتيل الأناشيد.
في سنّ الرابعة عشرة بدأ درويش رحلته الفنية، من خلال مشاركته في الأفراح والموالد، مردّداً ما حفظه من تواشيح وأناشيد دينية، لكن رياح الحياة هبّت بعكس ما كان يشتهي، وحلّت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1907.
في تلك الفترة، كسد سوق الفن والفنانين، ما اضطر درويش إلى العمل في البناء، فراح ينشد لرفاقه العمّال الأغاني لتمضية الوقت، فتنبّه لموهبته أحد المقاولين، وأوقفه عن العمل وجعله ينشد للعمال فقط.
في نهاية عام 1908، سافر درويش إلى الشام، لكنه لم ينجح فنياً، فامتهن فن التمثيل في رحلته، واكتسب خبرة في الأداء المسرحي، التي أفادته لاحقاً عندما بدأ نشاطه في التلحين للفرق المسرحية.
ثم عاد إلى الشام مرّة أخرى عام 1912، وبقي هناك حتى عام 1914، تعلّم خلالها أصول العزف على العود، وكتابة النوتة الموسيقية، وهو الأمر الذي صقل موهبته الفنية.
في القاهرة وتحديداً عام 1917، سطع نجم سيد درويش، ووصفه المطرب المعروف آنذاك الشيخ سلامة حجازي، بـ “عبقري المستقبل”.
كما برزت إسهامات درويش في مجال المسرح، إذ لحّن للفرق المسرحية مثل فرقة نجيب الريحاني، وجورج أبيض، وعلي الكسّار.
وكسابقة في الفن المصري، كان سيد درويش أول من لحّن “أوبريت” باسم “فيروز شاه”، وهو لون من الألحان كان جديداً على الساحة الفنية.
كان درويش غزير الإنتاج، ألّف عشرة أدوار للتخت أو ما يسمى بالسيمفونيات العربية، و17 موشّحاً على النمط القديم، ونحو 50 طقطوقة، وهي الأغاني المصرية الخفيفة، وأبرزها “أهودا اللي صار”، “والحلوة دي”، و”زوروني كل سنة مرّة”.
كما لحّن النشيد الوطني المصري، الذي اقتبس مطلعه من أقوال مصطفى كامل، وكتبه صديقه الشاعر محمد يونس القاضي.
ترك سيد درويش مشاريع غنائية وألحاناً لمسرحيات لم تكتمل، وكانت لديه أحلام فنية كثيرة، أقربها السفر إلي إيطاليا على نفقته الخاصة، ليستكمل دراساته الموسيقية، لكن الموت باغته قبل أن ينطلق في رحلته.
وبحسب موسوعة الموسيقى والغناء لـلدكتور زين نصّار، توفّي سيد درويش في 15 سبتمبر 1923، على أثر نوبة قلبية مفاجئة في بيت شقيقته في الإسكندرية، وهو لم يتجاوز 31 عاماً، وشيّعت جنازته بشكل متواضع حضرها عدد قليل من الأهل والأصدقاء.
ورغم رحيله المبكر، إلا أنه ترك خلفه إرثاً لا يُنسى، وأثراً لا يُمحى في خارطة الموسيقى العربية، ولايزال شخصية أيقونية في تاريخ الفن والموسيقى، كما أطلق اسمه على منابر ومسارح ودور عرض عدّة في القاهرة .
main 2023-09-14 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: سید درویش
إقرأ أيضاً:
محمود درويش: كيف شكلت النكبة هويته الشعرية؟
تعد النكبة الفلسطينية عام 1948 واحدة من أكثر الأحداث تأثيرًا في التاريخ العربي الحديث، ولم تكن مجرد مأساة سياسية واجتماعية، بل كانت أيضًا محطة فارقة في تشكيل وعي وهوية جيل كامل من الأدباء والمثقفين الفلسطينيين.
وعلى رأس هؤلاء يقف محمود درويش الذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده، الذي جعل من النكبة حجر الأساس في مشروعه الشعري، حيث لم تكن مجرد ذكرى، بل أصبحت تجربة حية تلازمه في كل قصيدة كتبها، من أولى مجموعاته حتى آخر كلماته.
الطفولة في ظل اللجوء والمنفىولد محمود درويش عام 1941 في قرية البروة، ولكن لم يكن له أن يبقى فيها طويلًا، إذ اضطر وعائلته إلى مغادرتها بعد الاجتياح الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، ليعيش تجربة اللجوء وهو طفل صغير.
انتقل مع عائلته إلى لبنان قبل أن يعود سرًا إلى فلسطين ليجد قريته قد مُسحت عن الخريطة، ليصبح لاجئًا في وطنه، يحمل هوية “مقيم غير شرعي”. هذا الإحساس بالاقتلاع والمنفى سيظل محورًا رئيسيًا في شعره لعقود طويلة.
من شاعر مقاومة إلى شاعر إنساني عالميفي بداياته، تأثر درويش بالحركة الوطنية الفلسطينية، وكانت قصائده مشبعة بروح النضال والمقاومة، مثل قصيدته الشهيرة “سجّل أنا عربي”، التي عبرت عن تحدي الفلسطيني لهويته المسلوبة.
لكن مع مرور الزمن، بدأ درويش يتجاوز الخطاب السياسي المباشر، وراح يطرح القضية الفلسطينية بمنظور أوسع، حيث باتت النكبة في شعره رمزًا عالميًا للمنفى والضياع الإنساني.
في قصيدته “سرحان يشرب القهوة في الكافيتيريا”، يرسم صورة اللاجئ الفلسطيني الذي لم يعد يعرف وطنه الحقيقي، وفي “أحد عشر كوكبًا على آخر المشهد الأندلسي”، يربط بين النكبة الفلسطينية وسقوط الأندلس، ليؤكد أن المنفى ليس مجرد مكان، بل هوية تلاحق الفلسطيني في كل زمان ومكان.
تحولات الهوية: بين الوطن والمنفىمع مرور الوقت، بدأ درويش يتبنى نظرة أكثر فلسفية تجاه النكبة، فلم يعد الوطن مجرد مكان يحتل، بل أصبح حالة وجدانية يعيشها الإنسان أينما ذهب يقول في إحدى قصائده:
“أنا من هناك… أنا من هنا… ولستُ هناك، ولستُ هنا”،
وكأنه يختصر مأساة الفلسطيني الذي فقد أرضه، لكنه لم يفقد إحساسه العميق بها.
في ديوانه “حالة حصار”، كتب درويش بأسلوب أكثر تأمليًا عن النكبة بوصفها تجربة إنسانية وجودية، متجاوزًا البعد السياسي، ومقدمًا فلسطين بوصفها فكرة تعيش في الذاكرة، لا مجرد بقعة جغرافية.