أن العديد من القيادات السياسية و أيضا القائد العام للجيش قالوا أن السودان لن يعود للأجندة التي كانت مطروح ما قبل 15 إبريل، و هذه أصبحت حقيقة ماثلة، و كل يوم الأحداث تثبت أن السودان يحتاج لمبادرات وطنية نابعة من السودانيين، و ليست أفكارا يضخها الخارج عبر المنظمات أو اللجان الرباعية و الثلاثية و غيرها، أن الشعب الذي فجر ثورة إبريل و قاد الثورة سلميا حتى إسقاط النظام لابد أن تكون فيه قيادات قادرة أن تخلق اقعا جديدا يتخلق من خلال طرح الأفكار في الساحة السياسية، و أكد أفكارا و ليست شعارات بهدف المناورة و يعجز الذين يطرحونها نزولها على الأرض، بسبب الفارق الكبير بين الشعارات و مرجعياتهم الفكرية التي لا تعبر عنها.
استقال بالأمس فوكلر عن رئاسة البعثة الأممية في السودان، و فوكلر ليس قدم استقالته بدافع شخصي و لكن طلب منه تقديمها حفاظا على ماء الوجه، و كان سفير السودان في الأمم المتحدة قد هدد أنه لن يحضر جلسة مجلس الأمن بسبب أن السودان رفض أن يكون فوكلر رئيسا للبعثة و وصفه باهن رجل غير محايد في التعامل مع القوى السياسية، و الطلب من فوكلر أن يقدم استقالته ذلك يعني كما قال الصحفي طلال الحاج مراسل قناة ( الحدث) الاعتراف بالسلطة القائمة في السودان أنها هي التي تمثل الدولة، و خروج فوكلر من الشأن السياسي السوداني هي بداية لمرحلة جديدة. و أيضا مقرونة بقضيتين الأولى أن لها أثرا كبيرا على دور المنظمات الأخرى المشاركة في العملية السياسية خاصة الاتحاد الأفريقي، و دور ود لباد و موسى فكي اللذان ارتبطا بالثلاثية، و خطاب ود لباد الذي وصف فيه خطاب الخارجية السودانية ب ( المنحط) سوف يبعده تماما من لعب أي دور له في الشأن السوداني مستقبلا. كما أن الإيغاد لن يكون لها أي دور في مستقبل العملية السياسية في السودان رجوعا للمؤتمر الذي كانت قد عقدته في أديس أبابا و التي كانت قد دعت فيه لتدخل قوات شرق أفريقيا، و رفضته السلطة في السودان، الأمر الذي يؤكد أن خيارات أخرى سوف تفرض نفسها مرهونة بدور الشعب السودان و موقفه من الذي يجري الآن.
في مقال كنت قد كتبته بعنوان "هل البرهان وحده يصنع رهانات السياسة" قلت فيه (أن حديث البرهان في الحاميات العسكرية يهدف منه رسم طريق يجب التفكيرفيه. أو طرحه للحوار بكل محمولاته، و الحوار حوله يعني التفكير فيما يفكر فيه الجيش، فهي معادلة لا تصعب مع الذين يؤيدون الجيش، و لكنها نقطة فارقة للذين لا يقفون معه، أو يجعلونه في مصاف واحد مع الميليشيا. تجاوز هذا الخطاب أن يكون هناك حدثا ذو فاعلية أكبر. هل قوى الحرية و التغيير تملك صناعة هذا الحدث؟) و الآن الأحدث تؤكد أن من يصنع الحدث و يقدم التساؤلات جهة واحدة، ويصبح الأخرون معلقون على متونها. و إبعاد فوكلر يعني تأكيد الدول في الأمم المتحدة أن السلطة القائم الآن تمثل الدولة السودانية، و سوف يتم التعامل مع هذه الفرضية إلا إذا حدث أمر أخر غير ميزان القوى لخيار أخر. و لكن هذا غير موجود في الساحة الآن، من خلال حالة التشظي التي تشهدها القوى السياسية، و غياب المشروع الذي يوحدها.
أن استقبال البرهان في العواصم التي زارها و فرش البساط له يعني اعترافا بأنه يمثل الدولة السودانية إذا قبل الناس ذلك أو رفضوه. و يجب أي يتعامل سياسي أن لا يسقط هذه الحقيقة، فالسياسة هى تعني الاعتراف بحقائق الواقع حتى إذا كانت مرفوض من قبل البعض، و يجب النظر كيف يتم التعامل معها. و أيضا لابد من الاعتراف أن الأجندة السابقة قد تجاوزتها الأحداث، و لابد من وضع أجندة جديدة مع التقيد الكامل بالأولويات، خاصة في ظل الحرب دائرة الآن في البلاد، و عدم تجاهل موقف الشعب السوداني في المعادلة السياسية الجديدة.
أن استقالة فوكلر و كيف تم التعامل معها في المجتمع الدولي سوف يجعل أي بديل أن ينظر للانتقادات التي كانت قد وجهت لفوكلر و سوف يتخطاها بسياسة جديدة تنظر للمسألة من خلال عينين و ليس عين واحدة. و هذا التحول الذي بدأ يرسم ملامح المستقبل السياسي من خلال مجريات الأحداث يجب على القوى الساسية أن تتعامل معه بأفق أوسع و خيارات أفضل من حالة العواطف الي تؤكد ضيق تصور الانتماءات، أن المرجعيات الفكرية القديمة التي تجاوزتها البشيرية، و التي ماتزال تعيق أي عمل سياسي ديمقراطي في السودان يجب أن تتغير و يحدث فيه نقد يحاول أن يطرح أفكار جديدة لمصلحة الوطن و المواطن و أن يكون المسار للديمقراطية بشروطها و ليس بشروط الأيديولوجيات التي تجاوزها التاريخ. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أن السودان فی السودان التعامل مع من خلال
إقرأ أيضاً:
معتصم أقرع: اليسار والدولة مرة أخري
– منذ إنطلاق هذه الحرب اندلع جدل في دار يسار بين جماعة منه تدعو لتدمير الدولة وتيار آخر يري في هذا استعجال شديد الخطورة علي مصير الشعب. شاركت هذه الصفحة في هذا الجدال الذي لم يكن موجودا بهذه الدرجة قبل الحرب حيث كانت شعارات اليسار: ديمقراطية، مدنية، عدالة إجتماعية نسبية، والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل. ولم يكن حل الدولة أو الجيش علي طاولة الحوار العام ولا في أوساط فقهاء اليسار ولا أدري لماذا اشتعل بعد الحرب ولكن من الطبيعي لي تخميناتي.
– الداعون لهدم الدولة أحيانا يصوبون سهامهم نحو الدولة في حد ذاتها واحيانا ضد “الدولة القديمة” . لكن عليهم واجب تحديد المشكلة. فلو كانت مشكلتهم مع تدمير “الدولة القديمة” فهل يعني هذا أنهم يدعون لدولة أخري تحل محلها؟ إن كان الأمر كذلك، فعليهم تحديد القوي الإجتماعية الجاهزة لإستلام الدولة وتجديدها بما أنهم يدعون لتحطيم جهاز هنا الآن والبلاد يستبيحها الغزاة.
– يردد الداعون لهدم الدولة حجة إنها أداء قمع طبقي وسوط الطبقة المتنفذة علي حساب الآخرين. وهذا الزعم عموما صحيح ولكنه ليس كل الحقيقة. إذ أن الدولة أيضا هي التي تنسق المصلحة العامة مثل توفير الأمن وحد من التعليم والصحة والبني التحتية وإنفاذ القانون، والمعايير الصحية والمهنية وإدارة العملة وتنظيم الأسواق والتجارة وحماية الحدود وهذه متطلبات لا تقوم حياة حديثة في غيابها. ولكن حتي الآن لم يحدد الداعون لهدم الدولة هنا الآن من سيقوم بهذه المهام. من سيقوم في سودان ما بعد تدمير الدولة ببسط الامن وحماية المواطن في حياته وبدنه وماله ومن سينظم الصحة العامة ويدير المواصلات والإتصالات ومن يحمي الشعب من الغزاة الطامعين؟
– لا جدال في أن الدولة ليست أداة محايدة طبقيا في أي مكان في العالم ولكن هذا لا ينفي حوجة المجتمعات لها مرحليا، وبالذات مجتمعنا. لذلك فان الطرح عن نزاهة الدولة هو السؤال الخطأ لتحديد الموقف منها. من الممكن رفع الوعي بعيوب الدولة بهدف تجاوزها ولكن لتدمير الدولة يجب علي الداعين لذلك إقناع الراي العام بوجود بديل جاهز أحسن منها وجاهز للقيام بكل مهامها ببساطة لان إنهيار الدولة قد يدفع السودان إلي واقع أكثر تخلفا.
– النقاش حول ضرورة الدولة أو ضرورة حلها يجب أن ينطلق من الواقع الماثل أمامنا ولا يحتاج لنصوص فقهية من تاريخ يسار غربي نظر في سياق تاريخي يختلف تماما عن واقعنا الحالي. وهذا لا يعني عدم الإستفادة من الخلفيات التاريخية والفكرية والفلسفية. ولكن – كما قال الصديق عثمانتو- المرجعية الأخيرة يجب أن تكون لواقعنا الماثل هنا الآن وليس لنصوص أنتجت في أزمنة مختلفة وفضاءات جيوسياسية أشد إختلافا. لذلك فان الداعين لهدم الدولة عليهم إقناع الراي العام بوجود بديل أفضل منها وجاهز للتركيب الآن في أثناء قصف مسيرات الغزاة لحيواتنا وبنانا التحتية.
– حسب تقديري هذا البديل للدولة لا يوجد حاليا في أكثر الدول تطورا في أوروبا وأمريكا واسيا دع عنك في عرصات رجل أفريقيا المريض. لذلك فان تدمير الدولة السودانية حاليا لن يقود إلي فردوس أناركي أو شبه أناركي تزدهر فيه العدالة والحريات. تدمير الدولة السودانية يعني عمليا تصفية نهائية للسودان ككيان إجتماعي، ثقافي ولن ينعم أحد بفردوس ما بعد الدولة ولكن سينتقل جميع أهل السودان للعيش كأقنان في كنف دول إستعمارية أخري ونكون فقط قد استبدلنا دولة السودان بدول أخري أشد بطشا واكثر غربة. وفي المساحات من السودان التي تعافها الدول الإستعمارية إلي حين سيخضع المواطن لحكم عصابات لا تختلف كثيرا عن عصابات الجنجويد ولن يعيش في فردوس أناركي. لذلك فان الدعوة لتدمير الدولة والجيش الآن تعني الدعوة لتصفية السودان ككيان/ات إجتماعية مستقلة وهذا حد بعيد من كراهية الذات وكراهية السودان.
– في أدبيات اليسار لا أعلم بنصوص تدعو شعب لحل دولته وحده بينما الدول الإستعمارية والطامعة حوله تحافظ وتنمي من مقدراتها العسكرية ومن قدراتها التقنية علي إخضاع الآخرين. حل الدولة أو حل الجيوش في السياق التاريخي الصحيح يكون باتفاق دولي تقوم فيه جميع الدول في نفس الوقت بتصغير جيوشها ثم حلها في إطار تعاون دولي عميق وواسع. لذلك فان دعوة دولة لحل مؤسساتها وجيشها بينما الدول الأخري تحافظ علي هذه الأدوات هي دعوة للإنتحار وعزومة مجانية للغزاة والمغتصبين وتبرع مجاني بالوطن للأجنبى. وهذه هدية يسارية للاستعمار وهي عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
– جوان روبنسون عالمة إقتصاد بحت رفيعة بقامة كينز أو أعلي كانت في هيئة التدريس في جامعة كامبريدج. يقال أن جائزة نوبل تجاهلتها لانها كانت متهمة بالماركسية وكانت من أنصار ماو المتحمسين له. ويجادل البعض أن غياب جوان عن قائمة شرف نوبل فضيحة للجائزة. وبالنظر للتنمية المذهلة في الصين الآن، ربما كان علي لجنة نوبل أن توقظ جوان من الموت وتمنحها الجائزة مرتين.
– ينسب لجوان قولها أن من أفظع الأشياء للعامل أن يستغله صاحب عمل راسمالي ويحلب عرقه قيمة زائدة. ولكن أسوأ من ذلك ألا يجد العامل راسمالي يستغله. هكذا الدولة السودانية. فظيعة جدا ولكن النقطة الأهم هي أن غيابها أفظع. وهذه هي نقطة عمي أعداء الدولة السودانية إذ هم يرون فظاعتها ومن ثم يقفزون إلي إستنتاج متعجل بضرورة تدميرها الآن بينما المنطق يقول أن تدميرها سيقود إلي واقع أكثر جحيمية. وإلي بزوغ شمس مجتمع آخر، علي العامل أن يجد راسمالي يستغله حتي لا يجوع تحت شعارات ثورية براقة. وإلي أن تتوفر شروط الإنتقال لتنظيم إجتماعي أكثر عدالة وكفاءة الدولة بصلة نتنة في فمنا من يدعو لحلها يضع جمرة “حمراء، يسارية”، متقدة، مكانها. ولا أعتقد أن مضغ الجمر حل مناسب لمشكلة البصلة.