نص اتفاق أوسلو، الذي تم توقيعه بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في 13 أيلول/سبتمبر 1993، وجاء نتيجة تفاهمات امتدت لـ 14 جولة من المفاوضات الثنائية السرية بين الطرفين في أوسلو النرويجية، على جملة من البنود بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، لم يطبق أغلبها بعد 30 عاما على الاتفاق.

وتضمن نص الاتفاقية الشهيرة التي وقعت منذ 30 عاما على "تحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادل، والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة ومصالحة تاريخية من خلال العملية السلمية المتفق عليها، إضافة لإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة".



وجاء إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية، وهو الاسم الرسمي للاتفاقية، 17 بندا متعلقة بترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية والانتخابات والولاية والفترة الانتقالية والصلاحيات والمسؤوليات إضافة للنظام العام والقوانين وغيرها.


وتستعرض "عربي21" أبرز بنود الاتفاقية وكيف عملت دولة الاحتلال على مخالفتها وتجميدها والتهرب منها، أو حتى تنفيذ ما يتمشى مع مصلحتها فقط، مع بقاء التنسيق الأمني شاهدا عليها كمخرج ما زال يعمل على أرض الواقع.

حكومة ذاتية
جاء بند "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية" للاتفاق على أن الهدف الرئيسي من المفاوضات هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية ومجلس منتخب للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، بحيث تؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 و338.

ويذكر أن القرار رقم 242 ينص على سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع عقب حرب يونيو/حزيران 1967، وهي سيناء في مصر، والجولان في سوريا، وقطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين.

ورغم تشكيل السلطة فعليا عام 1994، إلا أنها بقيت منقوصة الصلاحيات، ما يزال الاحتلال يحاصر قطاع غزة بعدما أعاد انتشار قواته لما حوله في آب/ أغسطس 2005،  بينما تتعرض المناطق "ج" في الضفة الغربية لتدخل كبيرة من قبل الإدارة المدنية التي تأسست عام 1981 خلفا للحكم العسكري الإسرائيلي، الذي أدار الأراضي المحتلة عام 1967.

ووصف الكاتب والباحث الفلسطيني المقيم في واشنطن، أسامة أبو ارشيد، في مقال له، السلطة الفلسطينية بانها "مجرّد أداة من أدوات الاحتلال الإسرائيلي لإرضاخ الشعب الفلسطيني وإجهاض مطالبه بالحرية والعدالة والكرامة والاستقلال".

بينما أكد الكاتب العراقي، أحمد صبري، أن دور السلطة الفلسطينية يتراجع إلى "حد التلاشي بمرور الوقت، مخلفة رزمة من مخرجات اتفاق أوسلو لم تلتزم بها حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة منذ ثلاثين عامًا عبر صلاحيّات السلطة الفلسطينية".

وتعد الإدارة المدنية أداة تنفيذية لسياسات حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وتتبع لوزارة الجيش، بينما منسق أعمال الحكومة هو المسؤول عن تنفيذ سياساتها في الأراضي الفلسطينية وهو برتبة عسكرية.


ومن عام 2014 جرى توسع نشاط الإدارة المدنية مع إنشاء موقع إلكتروني باللغة العربية من خلاله يتم التواصل مع الفلسطينيين ومخاطبتهم في شتى المجالات واستقبال طلباتهم ومعاملاتهم، متجاوزة السلطة الفلسطينية واتفاق أوسلو.

فترة انتقالية
وجاء في بند "الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم" أنه جرى الاتفاق على أن الفترة الانتقالية للفلسطينيين تبدأ في حال الانسحاب الإسرائيلي من أراضي قطاع غزة ومنطقة أريحا، وانطلاق مفاوضات "الوضع النهائي في أقرب وقت ممكن"، على ألا يتعدى ذلك بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية بين حكومة الاحتلال وممثلي الشعب الفلسطيني، ويتضمن ذلك قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية وقضايا أخرى.

وفي عام 2005، انسحبت قوات الاحتلال جزئيا من منطقة أريحا بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية، وهي خطوة كانت دون المأمول بحسب الاتفاق، نظرا لبقاء الحواجز كما هي دون تغييرات حقيقية على الأرض.

وفي أيار/مايو 2023، أنهت قوات الاحتلال حصارا فرضته على أريحا والأغوار استمر 16 يوما من التشديدات على الحواجز المقامة على مداخلها، وهو الحصار الرابع منذ بداية العام الجاري، بحجة الحد من العمليات.

ورغم أن هذا البند يتتضمن المفاوضات حول الأوضاع في القدس، إلا أن المسجد الأقصى يتعرض حتى الآن لاقتحامات يومية بالفترتين الصباحية وبعد الظهر ما عدا يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، بينما يواجه سكان القدس أنفسهم تهجيرا إسرائيليا ممنهجا وكان أبرز الأمثلة الحديثة عليه اقتحام منزل عائلة صب لبن، في تموز/ يوليو الماضي، والكائن في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة من القدس، وأخلته وسلّمته للمستوطنين بموجب قرار صادر عن محكمة إسرائيلية.


وفي قضية اللاجئين المضمنة في البند، تمثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" حاليا حوالي 7.5 مليون لاجئ فلسطيني مسجّل، ويعيش غالبيتهم العظمى في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تزال دولة الاحتلال "ترفض الاعتراف بحقهم في العودة إلى ديارهم التي عاشوا فيها، هم أو أسرهم، في إسرائيل  أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، حسبما يملي القانون الدولي"، بحس بما ذكرت منظمة العفو الدولية.

وتتعرض "الأونروا" لحملة تحريض إسرائيلية بهدف إغلاقها، ويتم ذلك بطرق مختلفة سواء بالتحريض المباشر، أو بالضغط لقطع التمويل، أو حتى ملاحظة العاملين وتلفيق تهمٍ لهم، مع المطالبة بتحويل خدماتها للسلطة الفلسطينية في ظل الأزمة المالية التي تعانيها، متهمة إياها بـ "نزع شرعية إسرائيل ومعاداتها".

أما الاستيطان فقد عمل الاحتلال على تعزيزه على مدار سنوات، وصادق على قانون "فك الارتباط" لعام 2005، والذي تم بموجبه الانسحاب من مستوطنات بالضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعني العودة لعدد من مستوطنات الضفة.

كما أصدر الائتلاف الحكومي الإسرائيلي المتطرف العديد من القرارات لشرعة البؤر الاستيطانية وتحولها إلى مستوطنات معترف بها ومدها بالكهرباء والماء وبقية الخدمات، وما يترب عليه بسريان القانون الإسرائيلي فيها.

استمرار الإدارة المدنية
وفي بند "نقل الصلاحيات والمسؤوليات"، أقر الاتفاق أنه مع دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ والانسحاب من قطاع غزة وأريحا، فإنه سيبدأ رسميا نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية، إلى الفلسطينيين المخولين بهذه المهمة ضمن مجالات: التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة.

رغم أن اتفاق أوسلو كان من المفترض أن ينهي الإدارة المدنية، إلا أن قضايا التخطيط والتطوير والخدمات والبنية التحتية وخاصة في المنطقة "ج" ما زالت تحت سيطرة الاحتلال، كما أن هذه الإدارة استمرت واتسعت، وسيطر عليها وزير مالية الاحتلال المتطرف، بتسلئيل سموتريتش.


وقد حذرت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية من أن سيطرة حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف رغبته في السيطرة على الإدارة المدنية، التي تدير جوانب الحياة المدنية في حوالي 60% من الضفة الغربية، فقد يؤدي ذلك إلى "ضم المنطقة فعليا إلى إسرائيل".

تشكيل أجهزة الأمن 
أما في بند "النظام العام والأمن"، نص اتفاق أوسلو على تشكيل المجلس التشريعي للقوة الشرطية الفلسطينية، من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تواصل دولة الاحتلال مسؤولية "الدفاع ضد المخاطر الخارجية، وكذلك مسؤولية أمن الإسرائيليين العام بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام".

ونجح المنسق الأمني الأمريكي بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية كيث دايتون، خلال سنوات عمله، بتفكيك الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإعادة ترتيبها وفق عقيدة أمنية، وقال دايتون في تصريحات تعود لأيار/ مايو  2009: "أذكر أن رجل أمن فلسطيني خلال تخريج دفعة أمنية قال للخريجين: أنتم يا رجال قد تعلمتم هنا لتحققوا أمن الشعب ولم تأتوا هنا لتتعلموا قتال إسرائيل". 

واتهمت اللجنة السياسية في المجلس التشريعي، الذي تسيطر عليه حركة حماس ويعقد جلساته في مدينة غزة فقط، الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بـ "الإخفاق في القيام بواجباتها في حماية شعبنا، مما أدى إلى تغوّل جيش الاحتلال والمستوطنين، وارتكاب جرائم بشعة ضد شعبنا، وباتت تلك الأجهزةُ تدار من خلال منسق أمني أمريكي، وتغيرت عقيدتها الأمنية، حيث أصبح دورها حماية المستوطناتِ والمستوطنين، وملاحقة الفلسطينيين الرافضين للاحتلال".

بنود إضافية 
أقر الاتفاق أيضا تشكيل لجنة ارتباط مشتركة إسرائيلية فلسطينية، من أجل توفير تطبيق هادئ للإعلان ولأي اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، وذلك لمعالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك والمنازعات.

كما أقر إنشاء لجنة تعاون اقتصادية إسرائيلية فلسطينية "إدراكا بالمنفعة المتبادلة للتعاون، من أجل التشجيع بتطوير الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، ولتطوير وتطبيق البرامج المحددة؛ وذلك فور دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ".


وتضمن الاتفاق العمل على تسوية المنازعات الناجمة عن تطبيق أو تفسير إعلان المبادئ، أو أي اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، بالتفاوض من خلال لجنة الارتباط المشتركة، مع الإشارة إلى أن "المنازعات التي لا يمكن تسويتها بالتفاوض يمكن أن تتم تسويتها من خلال آلية توفيق يتم الاتفاق عليها بين الأطراف".

وتعد مختلف بنود الاتفاقية، التي تحظى برفض شعبي واسع، معلقة أو مجمدة، بينما يتمسك الاحتلال الجوانب التي تخدم مصلحته فقط.

التنسيق الأمني
تضمنت ملاحظات اتفاق أوسلو أن جميع البروتوكولات الملحقة بها والمحضر المتفق عليه المتعلق بها، سيتم اعتبارها جزءا لا يتجزأ من هذا الاتفاق.

ويلزم الاتفاق أوسلو واتفاق أوسلو 2 "طابا" 1995، السلطة بـ "محاربة المقاومة ونشطائها" ضمن ما سمته الاتفاقيات بـ "الإرهاب"، وجعل السلطة مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات المناسبة من خلال التعاون أمنيا.

والتنسيق الأمني هو تعاون استخباري وتبادل المعلومات مع أجهزة إسرائيلية مثل "الشاباك"، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "CIA"، ويهدف لحماية الإسرائيليين أساسا، ونبذ "الإرهاب وأعمال العنف".

ويذكر أنه بعد فشل قمة كامب ديفيد عام 2000 انهار التنسيق كإحدى النتائج المباشرة للمواجهة الشاملة، لكن بعد طرح "خارطة الطريق" الأمنية عام 2003، عاد بشكل أقوى، وخصوصا بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، بحسب ما ذكر مركز مسارات للبحوث والدراسات.

وبسبب الجرائم الإسرائيلية المتخلفة وقمع الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية على حد سواء، هدد رئيسها، محمود عباس، بوقف التنسيق الأمني في العديد من المناسبات، وذلك بعدما أعلن المجلس المركزي لمنظمة التحرير وقفه في عام 2015.


وجاءت تصريحات بالشروع في تنفيذ القرار بعد ذلك بعام، عندما كلفت اللجنة السياسية بمتابعة الأمر، ثم عادت اللجنة التنفيذية للمنظمة عام 2017 لتؤكد على وجوب "استمرار تنفيذ قرارات المجلس المركزي"، لكن دون تنفيذ على أرض الواقع رغم الضغط الشعبي والمطالبات الفصائلية.

وفي عام 2014، قال رئيس السلطة محمود عباس: إن "التنسيق الأمني مع إسرائيل مقدس وسوف يستمر سواء اتفقنا أو اختلفنا، الجانب الفلسطيني يتفهم المخاوف الإسرائيلية الداخلية في موضوع الأمن، ومستعد للتعامل معها وتلبيتها، ومن ثم نقوم بمناقشة باقي القضايا".

ومنذ ذلك الوقت حتى الآن جرى التهديد والتصريح أكثر من مرة بوقف التنسيق، وكان أبرزها مؤخرا عند إعلان وقفه ردا على الاقتحام الدامي لمخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، وذلك في كانون الأول/ يناير الماضي.

وأعلنت السطلة ذات القرار في أيار/مايو 2020، قبل أن يعود الوضع إلى حاله في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام، وقبلها جرى إعلان وقف التسيق في في تموز/ يوليو 2017، بسبب الجرائم بالمسجد الأقصى في القدس، قبل أن يُستأنف من جديد في تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام.

وفي 6 شباط/ فبراير الماضي، نشرت "فورين بوليسي" الأميركية مقالا للكاتب والباحث الأول في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، خالد الجندي، يرى فيه أن "التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يمثل خسارة كاملة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته، ومع ذلك لن يتوقف إلا بانهيار هذه السلطة".

وجاء في المقال أن هذا "التنسيق الأمني الذي وصفه عباس من قبل بالمسؤولية المقدسة يُعدّ ركيزة أساسية لعملية أوسلو منذ عام 1993، كما أنه أمر حيوي لوجود السلطة الفلسطينية وبقائها".

وتضمن أن "الورطة التي يعيشها عباس والسلطة الفلسطينية تتمثل في أن قطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل بشكل دائم قد يؤدي إلى فرض عقوبات وتدابير عقابية أخرى من قبل إسرائيل، وعلى الأرجح من الولايات المتحدة أيضا، وذلك يعرّض وجود السلطة للخطر. ومن ناحية أخرى، فإن الاستمرار في التنسيق مع الجيش الإسرائيلي بينما يزداد الاحتلال قمعا وعنفا يقوّض ما تبقى من شرعية داخلية ضئيلة لعباس".

بينما وصف موقع "تايمز أوف إسرائيل" المحاولات الفلسطينية السابقة لـ "تعليق هذا التنسيق بقصيرة الأجل"، معتبرا أن ذلك "يرجع ذلك جزئيا إلى الفوائد التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية من العلاقة، وأيضا بسبب الضغط الأمريكي والإسرائيلي للحفاظ عليها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية أوسلو الاحتلال الفلسطينية فلسطين الاحتلال أوسلو سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة وقطاع غزة الأراضی الفلسطینیة والسلطة الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة الإدارة المدنیة التنسیق الأمنی إعلان المبادئ اتفاق أوسلو من خلال

إقرأ أيضاً:

14 عاما في سدة الحكم.. ماذا جنت بريطانيا من حكم المحافظين؟

يواصل الناخبون البريطانيون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة التي انطلقت الخميس لاختيار 650 عضوا بمجلس العموم، وسط توقعات كبيرة بوصول حزب العمال المعارض إلى السلطة.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين جوش هولدر وأديمولا بيلو قالا فيه، إن حزب المحافظين أعاد تشكيل بريطانيا بشكل كبير منذ عام 2010، حيث نظم خروجها من الاتحاد الأوروبي، وخفض الإنفاق على الخدمات العامة، وخفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية. ومرة بعد أخرى أعاد الناخبون البريطانيون الحزب إلى السلطة.

لكن البريطانيين يقولون إن بلادهم أصبحت الآن أسوأ مما كانت عليه عندما تولى المحافظون السلطة. ويظهر استيائهم في كل قضية يُسألون عنها تقريبا، بدءا من الاقتصاد إلى التعليم إلى الخدمة الصحية الوطنية.

ومع مواجهة المحافظين لاحتمال هزيمة ساحقة في انتخابات يوم الخميس، ألقينا نظرة على كيفية تغير بريطانيا منذ وصولهم إلى السلطة. وللقيام بذلك، اخترنا المقاييس التي يقول الناخبون – والحزب نفسه – إنها الأكثر أهمية.

 
ركود الاقتصاد
انخفض متوسط نمو الإنتاجية منذ عام 2010. وأصبح متوسط الدخل الأسبوعي، بعد تعديله وفقا للتضخم، بالكاد أعلى.

ظل الاقتصاد البريطاني راكدا منذ الانهيار المالي في عام 2008، كما ضربه الوباء بشدة. وتمكنت العديد من أقرانها، بما في ذلك ألمانيا والولايات المتحدة، من استعادة مستويات النمو الاقتصادي التي كانت سائدة قبل الأزمة، لكن بريطانيا لم تستعد زخمها قط.

وكانت الإنتاجية، وهي مقياس للناتج الاقتصادي لكل ساعة عمل، تنمو بنحو 2% سنويا في العقد الذي سبق الانهيار المالي. ومنذ أن استولى المحافظون على السلطة، لم يتجاوز نموها نحو 0.5%.

إحدى نتائج ركود الإنتاجية هي ركود الأجور: فالعامل البريطاني العادي يكسب 20 جنيها إسترلينيا فقط في الأسبوع أكثر مما كان يكسب قبل 14 عاما، بعد التكيف مع التضخم.

تعكس ميزانيات التقشف الكثير من الركود
ولجأت حكومة المحافظين الجديدة، العازمة على خفض العجز، إلى خفض الإنفاق بشكل عميق وواسع النطاق، فخفضت الإنفاق ليس فقط على العناصر التي يبغضها الحزب مثل الرعاية الاجتماعية، بل وأيضا على الميزانيات العامة المخصصة للاستثمار.

وبعد التصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، توقفت الاستثمارات الخاصة أيضا وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي. وتتمتع المملكة المتحدة بأدنى معدلات الاستثمار بين دول مجموعة السبع، وفقا لمعهد أبحاث السياسة العامة، وهو مركز أبحاث مقره لندن.


وتولى المحافظون السلطة وهم يشتكون من "أزمة الديون" ويقولون إن التخفيضات الكبيرة ضرورية لخفض الدين العام. لكن حتى بعد عقد من التقشف، استمرت الديون في الارتفاع، ثم قفزت بشكل حاد بسبب الوباء.

وتضخمت ديون بريطانيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2010.

كما سوّق المحافظون أنفسهم كحزب للضرائب المنخفضة، وتعهدوا بخفض الضرائب في كل بيان انتخابي منذ عام 2010. ولكن حدث العكس. فقد وصلت الضرائب كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى مستوياتها منذ 70 عاما.

وتم جر المزيد من الناس إلى شرائح ضريبية أعلى، وتضرر أولئك من جميع مستويات الدخل عندما تم رفع ضريبة المبيعات على مستوى البلاد إلى 20% من 17.5%.


ويرى المحافظون أن الضرائب ضرورية لخفض الديون وتغطية تكلفة التدابير المتخذة لمواجهة الصدمات الاقتصادية مثل الوباء وأزمة أسعار الطاقة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا.

أوفى الحزب بأحد تعهداته، فانخفضت البطالة إلى النصف تقريبا منذ عام 2010، عندما كانت المملكة المتحدة خارجة للتو من الركود. ويرى صناع السياسات المحافظون أن التغييرات التي طرأت على نظام الرعاية الاجتماعية، والتي تهدف إلى جعل المزايا أقل جاذبية والتوظيف أكثر فائدة، حفزت الناس على العودة إلى سوق العمل. ووجد بعض الباحثين أن التغييرات شجعت الناس على العمل بشكل متواضع.

تدهور الخدمات العامة
هناك أكثر من 7.5 مليون شخص ينتظرون الآن العلاج في المستشفيات.  ونسبة مرضى السرطان الذين يبدأون العلاج في غضون شهرين وصلت إلى مستوى قياسي منخفض.

الصورة التي رسمها المحافظون لبريطانيا في عام 2010 كانت لدولة تعيش بما يتجاوز إمكانياتها. لقد قاموا بتفصيل 6.2 مليار جنيه استرليني من تخفيضات الإنفاق خلال أول أسبوعين من توليهم المنصب، واستمرت التخفيضات الشديدة على مدى العقد التالي.


وبعد أربعة عشر عاما، وعلى الرغم من الديون القياسية والعبء الضريبي الأعلى منذ 70 عاما، فإن العديد من الخدمات العامة في بريطانيا تضاءلت إلى حد كبير.

وتحملت المجالس المحلية، التي تدير خدمات مثل الرعاية الاجتماعية والمكتبات وإدارة النفايات والبنية التحتية المحلية، بعضا من أكبر التخفيضات، حيث انخفضت قوتها الإنفاقية بنسبة 30% تقريبا بحلول عام 2019.

وحتى خدمة الصحة الوطنية، التي كانت معزولة عن التخفيضات، تعرضت لضغوط شديدة. ولم ترتفع ميزانياتها بما يتماشى مع الطلبات المتزايدة للسكان المسنين في بريطانيا، كما أجبرت التخفيضات في قطاع الرعاية الاجتماعية الأشخاص الأكثر ضعفا على الذهاب إلى المستشفيات [بدلا من رعايتهم في بيوتهم].

ويصنف البريطانيون الرعاية الصحية باعتبارها القضية الثانية الأكثر إلحاحا التي تواجه البلاد. ومع اقتراب الانتخابات، يعتقد أربعة أضعاف عدد الناخبين أن حزب العمال في وضع أفضل لإدارة الخدمة الصحية الوطنية من المحافظين.


خارج هيئة الخدمات الصحية الوطنية، لم يسلم أي قطاع تقريبا من التخفيضات. وتم تخفيض عدد الأفراد في القوات المسلحة بأكثر من 40 ألف جندي.

كما تم تخفيض عمل الشرطة بشكل كبير، ولكن خلال انتخابات عام 2019، تعهد بوريس جونسون بالوقوف إلى جانب "الأغلبية الملتزمة بالقانون" واستعادة 20 ألف ضابط شرطة فُقدوا - وهو الوعد الذي حققه.

مستويات قياسية من الهجرة على الرغم من تعهدات المحافظين

لقد وعد حزب المحافظين منذ فترة طويلة بالحد من الهجرة، وكان التعهد بـ "استعادة السيطرة" على حدود بريطانيا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت العديد من البريطانيين إلى التصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي.

لكن الهجرة القانونية ارتفعت في السنوات الأخيرة. وصل صافي الهجرة - عدد الأشخاص الذين انتقلوا إلى بريطانيا ناقص أولئك الذين غادروا - إلى 764 ألف شخص في عام 2022، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كان عليه عندما تم الإدلاء بالتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كان ارتفاع الهجرة في عام 2022 مدفوعا إلى حد كبير بأحداث محددة، وقد أظهر بالفعل علامات التراجع. ومن المحتمل أن تكون بعض الزيادة في الهجرة قد تأخرت بسبب الوباء، وفر مئات الآلاف من الأوكرانيين وسكان هونج كونج والأفغان إلى بريطانيا بموجب برامج التأشيرات الإنسانية.

إن الكثير من الجدل الدائر حول الهجرة يدور حول الأعداد القياسية لعبور القوارب الصغيرة عبر القناة، على الرغم من أنها لا تمثل سوى حوالي 2% من الهجرة إلى المملكة المتحدة.


وقد تزايد تراكم طلبات اللجوء التي لم يتم حلها في ظل حكم المحافظين. ووعد رئيس الوزراء ريشي سوناك بإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا لإعادة توطينهم، لكن هذه الرحلات تأخرت بسبب الطعون القضائية.

وبلغ تراكم طلبات اللجوء ذروته عندما كان أكثر من 130 ألف شخص ينتظرون معالجة طلباتهم.

ويعتقد ثلثا البريطانيين أن معدلات الهجرة مرتفعة للغاية، كما أن الانفصال بين حديث المحافظين المتشدد بشأن الهجرة ومستويات الهجرة غير المسبوقة كان سببا في تعرض الحزب لهجمات من اليمين المتشدد.

زيادة في التشرد والجوع وديون الطلاب

قامت مؤسسة Trussell Trust، وهي مؤسسة خيرية، بتوزيع أكثر من 3 ملايين طرد غذائي طارئ العام الماضي. وينام آلاف الأشخاص في الشوارع مقارنة بعام 2010.

قام المحافظون بتشديد أجزاء كبيرة من نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا، حيث أدخلوا حدا أقصى لطفلين على مدفوعات رعاية الطفل، وحدودا شروطا أكثر صرامة لاستحقاقات العجز، وقاموا بتجميد مستوى مساعدات سن العمل لمدة أربع سنوات.


وفي الوقت نفسه، ارتفع استخدام بنوك الطعام بشكل كبير. ذهبت ثلث الطرود الغذائية التي وزعتها Trussell Trust العام الماضي إلى الأطفال.

وارتفعت أسعار المساكن بشكل كبير، كما أظهر مسح سنوي أن أعدادا متزايدة من الناس ينامون في الشوارع. على الرغم من أن العدد انخفض خلال الوباء، عندما نقلت الحكومة العديد من المشردين إلى الفنادق وأماكن الإقامة المؤقتة، إلا أنه الآن يرتفع بشكل مطرد نحو مستويات قياسية مرة أخرى.

وأصبحت المشكلة صارخة في العديد من المدن الآن، حيث أدى الجمع بين السكن القليل بأسعار معقولة وانخفاض خدمات الدعم إلى ترك الكثيرين بدون شبكة أمان.

لقد أعادت التخفيضات تشكيل جميع جوانب الحياة البريطانية، وخاصة بالنسبة للشباب. وسوف يتحدد إرث المحافظين بالنسبة للعديد منهم من خلال ارتفاع ديون الطلاب.

خفضت الحكومة تمويل الجامعات وضاعفت الرسوم الدراسية ثلاث مرات لسد فجوة التمويل، مما يعني أن الطالب العادي يتخرج الآن بحوالي 45000 جنيه إسترليني من ديون القروض الطلابية.


ديون الخريجين بحلول وقت تركهم الجامعة هي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 2010.  ولكن المزيد من الناس يلتحقون بالجامعة أكثر من أي وقت مضى.

بلغ معدل الجريمة الإجمالي ذروته في منتصف التسعينيات، مدفوعا بزيادة في أعمال العنف وجرائم السيارات والسطو، لكنه انخفض منذ ذلك الحين. ومن عام 2010 إلى عام 2023، انخفض بنسبة 54% أخرى.

وعلى الرغم من التحركات الأخيرة التي اتخذها سوناك لتقليص خفض انبعاثات الكربون، فإن الدولة التي يتركها حزبه وراءه أصبحت أكثر خضرة من تلك التي ورثها: إذ تنتج بريطانيا الآن كهرباء أقل بنسبة 60% من الوقود الأحفوري عما كانت عليه في عام 2010.

مقالات مشابهة

  • حركة فتح: مفاوضات جدية خلال الـ 84 ساعة الماضية حول تبادل الأسرى
  • أسباب هزيمة «المحافظين» في الانتخابات التشريعية البريطانية بعد 14 عاما في السلطة
  • إسرائيل تفرج عن دفعة من عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية
  • 14 عاما في سدة الحكم.. ماذا جنت بريطانيا من حكم المحافظين؟
  • بحضور البرلماني الوفا.. توقيع اتفاقية تعاون بشأن “مكتبة الملك محمد السادس” بين مجلس المستشارين المغربي وبرلمان أمريكا اللاتينية والكاريبي
  • إسرائيل تحول 116 مليون دولار للسلطة من مخصصاتها المحتجزة
  • حرب غزة والغرب.. ماذا تبقى من شعارات حقوق الإنسان؟!
  • إسرائيل تحول 116 مليون دولار لفلسطين من عائدات الضرائب
  • الكشف عن أكبر عملية استيلاء على أراضي الضفة منذ أوسلو.. المكان: غور الأردن
  • إسرائيل تقوم بأكبر عملية مصادرة لأراضي الضفة الغربية منذ 30 عاما