منذ أكثر من أسبوع، لا شيء يشغل بال اللبنانيين أكثر من اللقاء الذي عقد بين رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزيف عون. أعطي اللقاء تفسيرات وتأويلات كثيرة، فهو تخطّى أبعاد التنسيق الأمني الدوري والمعتاد بين "حزب الله" وقيادة الجيش، حتى قيل إنّه "ضوء أخضر" من جانب الحزب للسير إلى الأمام بـ"تسوية" انت-خاب عون رئيسًا، بعد إشارة "ضمنية" أميركية بتبنّي ترشيحه.


 
تفوّق اللقاء "النوعيّ" على كلّ ما عداه من اهتمامات، فبقي متقدّمًا على زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، حتى بعد وصوله إلى بيروت، إذ يصنّفها كثيرون "وداعية" ليس إلا، قبل انتقال زمام المبادرة إلى قطر، التي لا تخفي "ميلها" لتسوية انتخاب عون. ليس ذلك فحسب، بل إنّ اشتباكات عين الحلوة التي انفجرت من جديد، لم تنجح على قوتها وحساسيّتها، وربما خطورتها، في حجب الاهتمام عن "كواليس" الاجتماع المسرَّب.
 
لكن، في مقابل التفسيرات والتأويلات، ثمّة في اليومين الماضيين من خرج ليقلّل من شأن كلّ ما قيل، باعتبار أنّ اللقاء الذي تحوّل إلى الحدث لم يكن أكثر من لقاء "صدفة"، دبّره "صديق مشترك"، وأنّ أيّ نقاش جدّي لم يحدث خلاله بالملف الرئاسي، خلافًا لكلّ ما أثير في الإعلام، ما يطرح أكثر من سؤال، فهل كان لقاء "صدفة" أم مخطّطًا له، أم لقاء "الصدفة المدبّر" إن جاز التعبير؟ وهل حُمّل الاجتماع عمليًا وفي السياسة، أكثر ممّا يحتمل؟!
 
"لا صدفة" في السياسة؟!
 
يؤكد العارفون أنّ اللقاء بين النائب محمد رعد والعماد جوزيف عون لا يُعَدّ من الناحية العملية، لقاءً "رسميًا"، بل يصنّف في خانة اللقاء "الاجتماعي"، دبّره "صديق مشترك"، من دون أن يفرض انعقاده أيّ من الطرفين، أو يضع "شروطه" على التئامه، لكنّه حصل من دون "ممانعة" أيّ من طرفيه، اللذين يتمتعان بعلاقات يصحّ وصفها بـ"الصحية"، وقد دأبا على اللقاءات "الدورية"، عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا.
 
وإذا كان ذلك يمكن أن يدفع إلى اعتبار اللقاء "مصادفة"، فإنّ العارفين يشدّدون على أنّها "مصادفة مدبّرة"، أو بالحدّ الأدنى "برضا الطرفين"، علمًا أنّ ثمّة من يجزم بأنّ "لا صدفة" في السياسة، وتحديدًا في قاموس "حزب الله"، الذي يدرس خطواته جيّدًا، بل "يدوزنها"، ويتعمّد أن يوصل من خلالها الرسائل في كلّ الاتجاهات، وهو على الأرجح ما توخّاه من خلال اللقاء مع قائد الجيش، الذي لم يحصل ليبقى "مستترًا"، أو "مخفيًا".
 
ولعلّ "توقيت" اللقاء يحمل بدوره الكثير من المعاني والدلالات، وفق العارفين، فهو جاء على وقع الحوار القائم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، ما أعطى انطباعًا بأنّ الحزب أراد توجيه "رسالة ثقيلة" إلى الوزير السابق جبران باسيل، لدفعه للكفّ عن المماطلة وحسم موقفه، كما جاء أيضًا عشية عودة لودريان، وبالتوازي مع إنعاش أفكار الحوار، وكأن الحزب أراد أن يقول إنّه "منفتح" على كل الخيارات، بما فيها التفاهم على قائد الحيش.
 
حُمّل أكثر ممّا يحتمل
 
لا تعني "الرسائل" الحاضرة في "لقاء الصدفة المدبّر"، كما يحلو للبعض توصيفه، أنّ التفسيرات التي أعطيت له كلّها في مكانها، ولا سيما الاستنتاجات التي ذهب إليها البعض، ووصلت لحدّ القول إنّ "حزب الله" يتّجه إلى تبنّي ترشيح العماد عون رسميًا لرئاسة الجمهورية، علمًا أنّ المعطيات المتوافرة تؤكد أنّ أيّ موقف من هذا النوع لم يُعلَن خلال اللقاء، كما أنّ قائد الجيش لم يحضره بوصفه "مرشحًا رسميًا" لرئاسة الجمهورية.
 
استنادًا إلى ما تقدّم، يرى البعض أنّ اللقاء حُمّل على الأرجح أكثر ممّا يحتمل، إذ إنّ "عدم التخطيط" له يكفي لوضعه في سياق محدّد، وضمن ضوابط معروفة، بدليل أنّ أيّ "خرق" لم يحدث بعد تسريب الاجتماع، فلا "حزب الله" أعلن تغيير "تكتيكه"، والانتقال من ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية إلى دعم ترشيح العماد جوزيف عون، ولا الأخير أعلن خوضه الاستحقاق، من بوابة اعتباره نقطة "تقاطع" بين "الأضداد".
 
لكنّ هؤلاء أنفسهم يشدّدون على أنّ "الاستخفاف" باللقاء، واعتباره مجرّد "صدفة"، يشكّل هو الآخر "خطيئة" في السياسة، بل "تسطيحًا كاملاً" للأمر، ليس فقط لأنّ اللقاء ما كان ليحدث لو لم يكن طرفاه موافقَين عليه، وراغبَين بحدوثه، بل بتسريبه أيضًا، خلافًا لكل ما قيل، ولكن أيضًا لأنّه يدحض كلّ ما يُحكى عن "فيتو" يضعه "حزب الله" على قائد الجيش، ولو أنّه لا يصل لحدّ تبنّي ترشيحه، طالما أنّ مرشحه الأول لا يزال في الساحة.  
 
في النتيجة، قد يكون اللقاء بين النائب رعد والعماد عون حُمّل فعلاً أكثر ممّا يحتمل، وقد لا يكون أكثر من لقاء "اجتماعي"، سواء حصل "صدفة"، أو تم "تدبيره" بين القيادتين، لكنّ الثابت أنّه يؤكد في الجوهر، على "حتميّة" الحوار لعلاج كلّ الأزمات، حوار يفترض أن "يتلقّفه" سائر الأفرقاء، في سبيل الوصول إلى تفاهم وطنيّ شامل ينهي أزمة الشغور الرئاسي، بعيدًا عن منطق "النكد والنكايات" المهيمن. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

“لقاء الاربعاء”

 

من لبنان الحرب الأهلية وهوان الثمانينيات كان حزب الله الإشراقة الأولى للأمل، للعزة المفتقدة وللنصر المُبين!

أما نصر الألفين فلم يكن عاديًّا، لقد كان نصرًا في بحرٍ من الهزائم! جاء في وقتٍ كنّا نخسر فيه كلّ شيء، ونفرّط بكلّ شيء! جاء بعد مدريد وأوسلو، جاء وحكامنا يركعون «حرفيًّا» على أبواب البيت الأبيض، وبالدّور تتمّ إهانتهم علنًا! بالدور وبحسب الأقدمية! وفي وقتٍ كانت فيه مقابلة كلينتون- مجرد مقابلته- نصرًا!

أتذكر المهانة في وجوه من عادوا إلى بلدانهم دون تحقيق نصر «مقابلة كلينتون»! فقط لأن كلينتون كان مشغولًا بمعابثة مونيكا مثلًا! ممارسة اليوجا أو تعاطي الماريجوانا!

إلا أن السيد حسن، وعلى مرّ السنوات، كان السّيد حسن! لا يطلق كلامه في الهواء! رجلٌ لا يقول إلا ويفعل، ويثبت لك في كلّ وقتٍ أنّه قادرٌ على الفعل، وأنّ حديثه ليس بالهزل!

كنت أراه ولا أرى أعداءه، إنهم أصغر من أن يراهم أحداً! سِفلة القوم وأراذلهم! وقد كان عداءً واضحًا بين النقائض كلها: الكرامة والذل! الحقيقة والزيف! الرجال وأشباه الرّجال! الفضيلة كلّها في مواجهة الرذيلة كلها!

وكما أنه لم يكن في أعداء السيّد حسن شيءٌ منه، فبالمثل لن تجد في السيّد حسن خصلةً واحدةً ممّا يحملها أعداؤه! إنه واقعٌ تجاوز الأسطورة، وقيمةٌ تُجسّد النقاء كلّه، والكرامة كلها، والشّرف كلّه!

أمّا أعداؤه عبر تاريخه فمحض طابورٍ من الساقطين، لقد كانوا يسقطون حتّى قبل بدء المنازلة! من سعد حداد وانطوان لحد إلى سمير جعجع! من بشير الجميّل إلى ابن سلمان وابن زايد! من المحيط إلى الخليج كان أعداؤه الدناءة كلها والقذارة كلها، وكان- هو- السمو كلّه والطهارة كلها!

تمدّدت المقاومة لكنّه كان الشرارة، وتوالت الانتصارات بفضل الله لكنه كان البشارة، تعوسج السّيد حسن وأثمر! وامتدّ في المحور كاملًا! والمستضعفون من فلسطين والعراق واليمن أصبحوا بفضل الله قوّة، وكان السّيد حسن هو السّيد حسن! أخًا لك وبقية إخوانك عليك! إلى جوارك وقد انصرف الناس عنك! معك وقد انقلب النّاس عليك!

وفي ٢٧ مارس ٢٠١٥م، في ذلك اليوم تحديدًا ونحن غرباء بلا أخٍ نصير، كان السّيد حسن وحده- من بين النّاس- نصيرًا! بكّت صنعاء كلها يومها! لا خوفًا من حربٍ ولا ضعفا!

لكن لأنّه يكفيها فخرًا أن تتحشّد الرذائل كلّها عليها،

ويقف معها النقاء كلّه، والشّرف كلٌه، والكرامة كلها!

في تموز ٢٠٠٦، كان والدي وأخوالي، إخوتي وأنا نتحلق جميعًا حول المنار، أتذكرها كالحلم بصوت الراحل عمر الفرّا وصورة النصر متداخلةٌ في الذاكرة، أتذكر «رجال الله في لبنان» وحدهم! والعالم العربي من أقصاه إلى أقصاه خانع ذليل، أو متواطئ عميل!

وكان الخانعون يصرخون: فليذهب المغامر إلى الموت وحده!

وبالفعل! ذهب المغامر إلى الحرب وحده، انتزع لقلوبنا نصرًا وعاد إلى عرينه وحده! وكان ضباع القرية يستكثرون عليه حتّى الدّعاء!

ثابتٌ في مخيّلتي لم تهتزّ له صورة، ثابتٌ لأنه يعرف كيف يقرأ الصورة كاملةً ثمّ يتحشّد إليها بكلّه، صوته رعدٌ وسمتُهُ جبل، وأعداؤه جرذان صغيرة!

رأيته قائدًا وجنديًّا، شيخًا جليلًا وشابًّا فتيّا! بيننا وفي مقدمة الصفوف، رأيته في كلّ ثغرٍ وموقعٍ وجبل، في كلّ موقفٍ شريفٍ وفي كلّ قلبٍ نبيل!

رأيته يصلّي في القدس رأي العين!

رأيته فردّا وآلافًا وملايين،

وهو يصلّي- جميعًا- في القدس المحرّرة!

صعيدًا واحدًا وصفوف كثيرة

في كلّ قلبٍ يحمل كرامةً وطهارةً وشرفاً، رأيته!

ورأيت أعداءه وهمًا وهوامًا وغبارًا وذبابًا!

نقطةً سوداء لا يأبه بها السّطر، وفراغاتٍ لا تلتفت إليها المقالة!

ثمّ أنني، أيّها الأعزاء، كنت قد أعددت للأربعاء هذا مقالًا مختلفًا،

وأرسلته بالفعل إلى الصحيفة، لكن عدوان البارحة على لبنان، والمجزرة بحق المدنيين، بهجومٍ قذر، يتحمل مسؤوليته عدوٌّ قذر!

هو ما دعاني لسحب المقال السابق في اللحظة الأخيرة، واثقًا دائمًا بالله، باقتراب الفتح ويكأنها مؤشراته، وما ذلك على الله بعزيز!

تقبل الله الشهداء، ومنّ على الجرحى بالشفاء، وعلى المؤمنين كافّةً بالبشارة، وبالفتح القريب.

وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.

يبقى لنا حديث..

 

 

 

مقالات مشابهة

  • موعد افتتاح مطار طرابلس يحتمل التأجيل لـ”3 أشهر”
  • لقاء بين مسؤولي حماس وحزب الله بحث في الاوضاع
  • عاجل - "دعم لبنان ووقف الحرب في غزة".. كواليس لقاء الرئيس السيسي ووزير الخارجية الأمريكي
  • تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ووزير الخارجية الأمريكي.. صور
  • “لقاء الاربعاء”
  • «التربية الإيجابية في ضوء الهدي النبوي» لقاء توعوي لخريجي الأزهر بمطروح
  • بحضور 120 مشاركًا.. معهد الابتكار ينظم لقاءً تعريفيًا للمهتمين بريادة الأعمال
  • «فستان كاروهات وفيونكة».. صورة نادرة للفنانة عبلة كامل في طفولتها
  • مدير الرياضة بالقليوبية يشهد لقاءًا حواريًا تحت شعار «مع الشباب»
  • هيبة: وضع ليبيا لا يحتمل المزيد من العبث