قرارات ارتجالية أصدرها حفتر بخصوص درنة.. هل أسهم في تفاقم الكارثة؟
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
أثار التقرير الذي نشرته صحيفة التليغراف البريطانية عن رفض اللواء الليبي، خليفة حفتر لمطلب المجلس البلدي بمدينة "درنة" المنكوبة بضرورة إخلاء وسط المدينة ورفع حظر التجول حتى يستطيع الناس التحرك بعض الأسئلة عن تداعيات قرارات حفتر التعسفية وما إذا كانت السبب في تفاقم الأزمة.
وذكرت الصحيفة أن "عميد بلدية درنة طلب من قوات حفتر المتواجدة في المدينة والمسيطرة عليها منذ 2012 ضرورة السماح بإخلاء وسط المدينة والمنازل القريبة من الوادي والسدود عندما اقتربت العاصفة لكن هذه القوات رفضت الأمر بل انتشروا لتطبيق قرار حظر التجول مساء يوم الكارثة، وفق الصحيفة.
فساد مالي
في حين ذكر تقرير لديوان المحاسبة الليبي بعد الكارثة أن وزراة الموارد المائية تقاعست منذ فترة كبيرة في متابعة خطابات الضمان، بشأن صرف مبلغ بقيمة 2,286,358 يورو لصيانة سدي درنة في عام 2020 لصالح شركة "برسيل" التركية، في إشارة لتورط حفتر كونه المسيطر على الوزارة وقتها.
وأكد التقرير أن الوزارة ومن معها تقاعسوا وأهملوا عقودا وقعتها الحكومة ومنها عقد لصيانة وتأهيل سدي "درنة" و"أبو منصور" بتاريخ ديسمبر 2020، وأن هناك مشروعات منذ 2012/2013 باسم مشروع إعادة تأهيل "سد درنة"، حيث صرفت ميزانية له ولم يحدث اي شيء ولم يعرف مصير الأموال"، وفق التقرير.
تعنت وتذمر
وذكر ناشطون من درنة لـ"عربي21" أن "المدينة كانت في حالة غضب وتذمر من الممارسات التي تقوم بها قوات حفتر في المدينة من سرقة ونهب لأملاك المهجرين وكذلك القبضة الأمنية التي دفعت كثيرين لترك المدينة، كما أن قوات حفتر أحكمت قبضتها قبل العاصفة ومنعت تحرك الناس أو سفرهم، وفق شهاداتهم.
وقال أحد الناشطين، طلب عدم ذكر اسمه لوجود عائلته في درنة إن "قوات حفتر تعمدت تعطيل المساعدات الغذائية وفرق الإنقاذ بعد العاصفة حتى تدخل هي أولا كما منعت أي مساعدة إلا عن طريق مطار "بنينا" الذي تسيطر عليه قوات اللواء طارق بن زياد التي يترأسها صدام نجل خليفة حفتر وسط شكوك بسرقة بعض المساعدات"، بحسب قوله.
عسكرة وتحقيق
وبعد تردد هذه الأخبار عن ضلوع بعض الأطراف في الكارثة، طالب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي النائب العام الليبي بفتح تحقيق شامل يحدد المسؤوليات الجنائية حيال كارثة انهيار سدي وادي درنة، وتحديد كل من أهمل أو قصر في أداء الواجبات والمهام المكلف بها بداية بالجهة المسؤولة عن السدود وصيانتها.
من جهتها، أعلنت الحكومة المكلفة من البرلمان رسميا تسليم المدينة إلى قوات الجيش برئاسة حفتر، مطالبة الجميع بالالتزام بأوامر القوات المسلحة وإخلاء المدينة لإفساح المجال لعملهم، في خطوة لإحكام حفتر وقواته السيطرة تماما على المدينة حتى بعد الكارثة والتحكم في كل المساعدات الدولية والمحلية.
فهل سببت قرارات "حفتر" الارتجالية والتعسفية في تفاقم كارثة درنة؟وهل يمكن محاكمته بعد أن تهدأ الأوضاع؟
استقالة حفتر والدبيبة
من جانبه قال الكاتب السياسي الليبي المقيم في أميركا، محمد بويصير إنه "قبل 2011 تم إهمال مدينة درنة من قبل القذافي وأتباعه، وبعد 2011 واجهت المدينة عداء "حفتر" واستمر إهمالها، وبحسب ما توفر لدينا من معلومات فإنه قبل الإعصار حذر خبراء ليببيون فى دراسات علمية تقوم على أسس صحيحة من وقوق كارثة بالمدينة لكن حكومات المحاصصة والفساد لم تلفت إليها.
وأكد في تصريحات لـ"عربي21" أن "الحكومات والسلطات هناك بما فيهم حفتر وقواته كونهم المسيطرين على المدينة لم يقوموا بواجباتهم فى مثل هذه الحالات من توعية للسكان وإخلاء المناطق المعرضة للخطر وتواجد فرق الإنقاذ المدربة والمجهزة للتدخل السريع حال حدثت أزمة، لا شيء مما سبق حدث، بل إن جيش حفتر منع الإجلاء من منطقة وسط المدينة ما فاقم الكارثة"، بحسب قوله.
وتابع بويصير، وهو مستشار سياسي سابق للقيادة العامة، "بعد الكارثة لم يكن هناك إلا السكان الذين نجوا هم من قام بالواجب بينما اختار الآخرون ومنهم جيش حفتر وحكومة الدبيبة التصوير والتصريح، لذا أشرف موقف ممكن أن يتخذه الدبيبة وحفتر هو الاستقالة، وعلى الأهالي تكوين مجالس محلية ليتعامل معهم العالم خاصة الدول الرافضة للتعامل مع الحكومتين وجيش حفتر مثل الولايات المتحدة".
مؤامرة وتغيير ديموغرافي
في حين، قال خبير العلاقات الدولية والتحليل السياسي، أسامة كعبار إنه "منذ سيطرة قوات حفتر على مدينة درنة وهي تتعرض إلى عملية تفريغ داخلي وتغيير ديموغرافي ممنهج لا سيما أن كثير ممن غادر المدينة هربا من جحيم قوات حفتر قام ببيع مسكنه لعوائل من خارج المدينة، وقد أصبحت المدينة تعج بالغرباء".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21" أنه "صح تقرير التلغراف البريطانية عن تورط حفتر في كارثة درنة الأخيرة، فإن هذا يدعم سيناريو مشروع إعادة صياغة الديموغرافية في المدينة، كما أن تقارير ديوان المحاسبة فهي دليل آخر على الإهمال المتعمد لصيانة السدود حول المدينة وكذلك قرار حظر التجوال بها"، وفق قوله.
وتابع: "أمام تسلسل هذه الحقائق فإن سيناريو المؤامرة التى تحاك لأحد أهم معاقل الثورة الليبية "درنة" هو سيناريو حقيقي ويحمل احتمالية ترجيحية كبيرة، خاصة عندما نضع تدخل الجيش المصري بهذه الكثافة الحضورية تحت مسمى فرق المساعدة والإنقاذ"، حسب تقديراته.
عداء تاريخي
الناشطة التونسية والمختصة في التواصل السياسي، كوثر الدعاسي قالت من جانبها إن "التقرير الذي نشرته التليغراف البريطانية خطير للغاية ويتطلب من جميع السلطات الليبية فتح تحقيق جدي في هذه الواقعة، خاصة أنه لا يخفى على أحد العداء التاريخي بين اللواء خليفة حفتر وبين مدينة درنة".
وأشارت في تصريح لـ"عربي21" إلى أن "إبادة مدينة بأكملها جراء قرار وحيد بعدم إجلاء المواطنين يمكن أن يكون مبالغ فيه فلا يخفى على أحد حالة الحرب التي تعيشها ليبيا منذ سنوات وعدم صيانة الطرقات والسدود والفساد المالي والإداري الذي يحوم حول الصفقات المبرمة خاصة التركية، كلها أسباب ساهمت في تفاقم الوضع".
وأضافت: "لكن رغم ذلك فالمطلوب في هذه المرحلة هو محاكمة دولية لجميع الأطراف التي ساهمت في هذه الكارثة الإنسانية أيا ما كانت مناصبهم".
تحقيق دولي ومحلي
وقال الصحفي الليبي، موسى تيهو ساي إن "من أسوأ الأخطاء التي عمقت هذه الكارثة هو مطالبة الناس بالبقاء في منازلهم وفرض حظر تجوال في المدينة قبل العاصفة وهو ما منع الناس من مغادرة المدينة بما في ذلك طلب قوات حفتر الناس بعدم الخروج وهذه جريمة في حق كل أهالي درنة خاصة من ماتوا".
وأضاف: "خطأ آخر لايقل عن الأول وهو إهمال السدود التي انهارت بسبب تهالكها وعدم خضوها للصيانة منذ نحو نصف قرن من الزمان، لذا يجب تحديد المسؤولين عن هذه الكارثة سواء حفتر أو غيره وإجراء تحقيقات دولية ومحلية عبر القضاء لكشف الجريمة ومرتكبيها"، بحسب قوله لـ"عربي21".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية حفتر درنة الدبيبة ليبيا ليبيا ضحايا درنة حفتر الدبيبة سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المدینة قوات حفتر فی تفاقم
إقرأ أيضاً:
تفاقم العنف والاختطاف في اليمن يعصف بالمساعدات الإنسانية
اختطفت جماعة الحوثي الكثير من موظفي الأمم المتحدة، مما تسبب في وقف كل الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة للبلد الذي أنهكته الحرب. فهل يستطيع اليمنيون الصمود دون مساعدات دولية؟
يبدو أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة في اليمن، التي تسيرها ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، تشير إلى أن الحوثيين يسيرون في الطريق الخطأ. فيوم الخميس الماضي، اختطف الحوثيون 7 موظفين تابعين للأمم المتحدة في العاصمة صنعاء.
أفرجت الميليشيا يوم الجمعة عن طاقم السفينة التجارية غالاكسي ليدر، المكون من 25 فردا، التي استولوا عليها في نوفمبر 2023. كما أفرج الحوثيون يوم السبت أيضا عن 153 أسير حرب، وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقالت وكالة أنباء سبأ التي يسيطر عليها المتمردون، نقلا عن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، إن "هذه الخطوة تأتي دعما لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة".
لكن حتى الآن، لم تذكر جماعة أنصار الله الحوثي، سبب اختطافهم لهؤلاء الموظفين السبعة التابعين للأمم المتحدة.
بالنسبة لعبد الغني الإرياني، الباحث البارز في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية "فقد احتجز الحوثيون موظفي الأمم المتحدة لأنهم أكثر قيمة للتفاوض على صفقة".
أما هشام عميسي، وهو محلل متخصص في الصراع اليمني بواشنطن، فيعتقد أن الحوثيين فعلوا ذلك لأنهم يحتاجون إلى أصول جديدة للمفاوضات.
وأوضح عميسي في تصريحاته لـ DW: "في ظل اقتراب تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية، وأيضا بسبب الضغط المتزايد على مواردهم، فإنهم بحاجة إلى اللعب بكل أوراقهم والقيام بأكثر ما يتقنونه، أي احتجاز الرهائن واستخدام القوة".
ترامب يدخل على خط العقوبات
بعد ساعات من تنصيبه في 20 يناير، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسوما جدد يقضي بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية FTO بسبب هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر وعلى إسرائيل. وسيدخل المرسوم حيز التنفيذ في غضون 30 يوما، أي في أواخر فبراير.
استهدف الحوثيون إسرائيل وكذلك الشحن الدولي في البحر الأحمر، في ما وصفوه على أنه محاولة لدعم حماس والفلسطينيين خلال الحرب التي استمرت 15 شهرا في غزة.
وعد الحوثيون أكثر من مرة بوقف هجماتهم بمجرد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لكن حتى بعد القرار الذي توصلت إليه إسرائيل وحماس في وقت سابق من هذا الشهر، قال الحوثيون إنهم سيستهدفون السفن المسجلة في إسرائيل، أو تلك المملوكة بالكامل للإسرائيليين. وتزعم الميليشيات أنها ستتوقف تمامًا بمجرد دخول المراحل التالية من اتفاق السلام حيز التنفيذ.
الولايات المتحدة تسعى لمحاسبة الحوثيين
ردا على عمليات الاختطاف الأخيرة، صرحت وزارة الخارجية الأمريكية في وقت مبكر من صباح الأحد، أن "هذه العملية الحوثية الأخيرة تُظهر سوء نية ادعاءات الجماعة الإرهابية بالسعي إلى خفض التصعيد، وتفضح أيضا ادعاءاتهم بتمثيل مصالح الشعب اليمني".
وأضاف البيان أن "الأمر التنفيذي للرئيس ترامب بشأن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، سيحمل الجماعة المسؤولية عن هجماتها وأفعالها المتهورة".
هذه ليست المرة الأولى التي تصنف فيها الولايات المتحدة جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، فقبل نهاية ولايته الأولى في يناير 2021، أدرجها ترامب كمنظمة إرهابية أجنبية. لكن خليفته جو بايدن ألغى هذا القرار خلال فبراير 2021.
حينها، قال بايدن إنه يأمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقليل الأعمال العدائية في المنطقة وتحسين الظروف الإنسانية المزرية التي يعاني منها السكان. ولكن في عام 2024، أعادت إدارة بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية(SDGT).
الفرق بين FTO وSDGT هو أنه من التصنيف الأخير يكون سحبه عنها أسهل كما أنه يفرض قيود أقل على أولئك من يدعم المجموعة ماليا أو بطرق أخرى.
الحوثيون لا يخشون العواقب
بالنسبة للخبير العميسي، لا يوجد ما يشير إلى أن الحوثيين قلقون بشأن تصنيفهم كمنظمة إرهابية. وأضاف في حديثه لـ DW: "قد يستمر الحوثيون في القيام بالهجمات والاختطاف، لأنهم أفلتوا من العقاب في الماضي".
منذ عام 2021، اختطف الحوثيون العديد من الأجانب العاملين لصالح الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة والبعثات الدبلوماسية. ويعتقد أنهم يحتجزون حوالي 70 شخصا كرهائن.
بالنسبة للعميسي "إنهم يعتقدون أن الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى لن توقف برامجها، لأن اليمنيون بحاجة إلى المساعدة".
تعليق المساعدات يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن
نتيجة لعمليات الاختطاف الأخيرة، قررت الأمم المتحدة في الواقع وقف جميع أشكال المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وهذا يؤثر على حوالي 70 بالمئة من سكان اليمن.
صرح جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن بالأمم المتحدة، يوم الجمعة قائلا إنه "لضمان أمن وسلامة جميع موظفيها، علقت الأمم المتحدة جميع التحركات الرسمية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة السلطات الفعلية وداخلها".
واعترف هارنيس بأن "الاعتقالات تمثل تصعيدا مقلقا للعمليات الإنسانية في اليمن، حيث لا يزال أمن العاملين يشكل مخاوف بالغة الأهمية".
وقد تحمل سكان اليمن وطأة صراع دام عقدا من الزمان بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا في البلاد. في عام 2014، أطاحت ميليشيا الحوثي بالحكومة اليمنية واستولت على العاصمة اليمنية صنعاء.
تصاعدت الحرب عام 2015 عندما انضم تحالف دولي بقيادة السعودية لدعم الحكومة اليمنية الرسمية، وبعد وقف إطلاق النار في عام 2023، توقف القتال على الأرض إلى حد كبير، ولكن البلاد لا تزال منقسمة.
يسيطر الحوثيون على معظم الشمال والغرب، بينما تسيطر الحكومة المعترف بها دوليا وحلفاؤها المحليون على الجنوب، ويظل الشرق تحت سيطرة القبائل.
ارتفاع عدد اليمنيين المحتاجين إلى مساعدات إنسانية بشكل حاد
أدت السنوات الطويلة من الصراع إلى دفع السكان إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. منذ بداية الحرب، قُتل حوالي 150 ألف شخص، من المقاتلين والمدنيين، ونزح 4.8 مليون شخص.
وفقا لأحدث خطة للاحتياجات الإنسانية في اليمن، الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن ما يقدر بنحو 19.5 مليون شخص، أي نصف السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عام 2025. مقارنة بعام 2024، فإن العدد يمثل زيادة قدرها 1.3 مليون شخص.