الخليج الجديد:
2024-12-22@17:31:45 GMT

من مهمات شباب الأمة العربية

تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT

من مهمات شباب الأمة العربية

من مهمات شباب الأمة العربية

في هذه اللحظة تتركز الأنظار على المراجعة الشاملة والنقد العميق الحاد لكل جوانب الحضارة العولمية المهيمنة.

هناك رفض متنام لمنطلقات حرية الأسواق، والاعتماد على ديناميتها الذاتية في تصحيح أي مسار خاطئ، أو أزمة طارئة.

في السياسة شكوك ومراجعات ونقد وهجوم حول تاريخ وحاضر وتلفيقات واختطاف الممارسة الديمقراطية السياسية الليبرالية، من قبل قوى الدولة العميقة.

هناك أصوات غربية كثيرة ترفض المركزية الحضارية الغربية، التي تظهر ممارساتها عبر القرون أنها ضلت الطريق وخانت الأمانة، وأماتت كل ما هو إنساني في الإنسان.

هناك ثورة عارمة على ما اّل إليه الحال من ازدياد مذهل في غنى قلة من الأغنياء وفقر كثرة من الفقراء، وهناك تيار مراجعة لأسس قامت عليها الرأسمالية الكلاسيكية.

* * *

أشفق على أفراد الأجيال العربية الشابة التي عليها أن تحمل المسؤوليات الثقيلة التالية بالجهد والجدية نفسها لكل منها، وأن تقوم بتلك المهمات في الوقت نفسه وبتواز في تلك المسيرة.

فأولاً هناك مهمة متابعة الموجة الحالية التحليلية الناقدة الرافضة والمتعاظمة لحضارة العصر العولمية الحالية المهيمنة، وهي بالطبع في الأساس حضارة الغرب، وبالأخص الوجه الأمريكي الأوروبي منها.

وثانياَ، وفي الوقت نفسه المتابعة والمشاركة في تحليل ومراجعة ونقد وتجديد، ما انتقل إلينا من حضارتنا العربية والإسلامية التاريخية.

وثالثاَ متابعة ما يقترح من حلول وعلاجات لأمراض وإشكالات الحضارة العولمية المهيمنة من جهة، وما يقترح من حلول وعلاجات لأمراض وإشكالات الحضارة العربية والإسلامية من جهة أخرى، وذلك من أجل الخروج بحلول ذاتية لا تتعارض مع بعض خصوصيات أوضاعنا ولا تفصلنا عن المشاركة في حضارة العصر المستقبلية.

ويخطئ الجيل العربي الجديد، إن ظن أن باستطاعته تجنب الاندماج في تلك المعارك والمحاولات الثلاث الكبرى. ولو حاول فإنه سيقضي على إمكانية تحقق الكثير من أحلامه وآماله المستقبلية، ليس فقط عليه أن لا يتجنب خوض تلك المعارك، وإنما عليه أن لا يندمج فيها ويتفاعل معها بالطرق الخاطئة نفسها، التي مارستها الأجيال التي سبقت:

طرق التبعية والتقليد بدلاَ من الاستقلالية والإبداع، وطرق الشعور بالدونية الفكرية والانبهار الطفولي أمام منجزات الآخرين، ومسارات التعب المبكر والعجز في منتصف تلك الطرق.

وهي مثالب سببت الكثير من الإخفاق لأفكار طرحت ولأيديولوجيات اقترحت، ولاستراتيجيات تبنتها قوى مدنية عربية وبعض من الأنظمة السياسية العربية، ولكنها جميعاَ ذهبت أدراج الريح مع مرور الأزمنة وتغير الأحوال. في هذه المرة تحتاج الأجيال العربية أن تتجنب تكرار ما أصاب كل ذلك الماضي من أخطاء وأمراض وسوء فهم.

وفي هذه اللحظة تتركز الأنظار على المراجعة الشاملة والنقد العميق الحاد لكل جوانب الحضارة العولمية المهيمنة. ففي الاقتصاد هناك رفض متنام لمنطلقات حرية الأسواق، والاعتماد على ديناميتها الذاتية في تصحيح أي مسار خاطئ، أو أزمة طارئة.

وهناك ثورة عارمة على ما اّل إليه ذلك من ازدياد مذهل في غنى قلة من الأغنياء وفي فقر كثرة من الفقراء، وهناك تيار مراجعة للأسس التي قامت عليها الرأسمالية الكلاسيكية وانعطافة نحو إعادة درس الأسس الماركسية وتحليلاتها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية، والاستفادة منها.

وفي السياسة هناك شكوك ومراجعات ونقد وهجوم حول تاريخ وحاضر وتلفيقات واختطاف الممارسة الديمقراطية السياسية الليبرالية، من قبل قوى الدولة العميقة الخادمة لقوى المال والشركات الكبرى والأمن العسكري والاستخباراتي.

ومعه هناك تلميحات بالإعجاب بعدالة النظام السياسي الاقتصادي الصيني، الجامع بين المبادئ والممارسات الليبرالية والماركسية. وفي الثقافة هناك خوف وهلع من غياب المعيارية الأخلاقية والقيمية الدينية، ومن جنون ممارسة السرعة المتعاظمة في السلوك اليومي وفي حركة المكان وفي العلاقات العائلية والاجتماعية.

وبالطبع هناك حركة ما بعد الحداثة الرافضة لمبادئ أساسية في حداثة ما جاءت به ثورات الأنوار الغربية، منذ عدة قرون وعلى الأخص مواضيع، من مثل حتمية التقدم، أو حتمية العقلانية في الحياة الإنسانية. وزاد الهلع مؤخراً بعد الردة الأخلاقية المجنونة في العلاقات الجنسية وفي التلاعب بتسمية الصفات الشخصية الطبيعية، والانقلاب على موضوع الجندرية وتشويهه.

اليوم هناك الكثير من الأصوات الغربية ترفض المركزية الحضارية الغربية تلك، التي تظهر الكثير من ممارساتها عبر العديد من القرون بأنها ضلت الطريق وخانت الأمانة، وأماتت كل ما هو إنساني في الإنسان، وكل ما هو طبيعي في الطبيعة، وأوصلت العالم إلى حافة إمكانية السقوط في الهاوية.

وإذا كانت تلك التحليلات والانتقادات قد بدأت منذ زمن طويل من خلال شتى مدارس النظريات النقدية التي تفرعت من مدرسة فرانكفورت الشهيرة، فإن هناك حركة فلسفية اجتماعية جديدة تضيف إلى الثورات النقدية الماضية، ثورة جديدة يقودها باقتدار الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني هارتموت روزا.

هذه الحركة النقدية أضافت تحليلاً ونقداَ حاداً لسلوكية السرعة المجنونة والنهم غير المحدود في كل مناحي الحياة اليومية للمجتمعات الحديثة: في العمل وفي جمع الثروة، وفي التعابير الفنية وفي العلاقات الأسرية، وفي التواصل الإلكتروني الاجتماعي وفي التوسع التجاري المجنون وفي الاستغلال غير المسؤول لموارد الطبيعة، وفي التغيير العبثي المتعاظم لكل صرعات الموضة في الملبس والغناء وكل وسائل الرفاهية.

إنها قائمة طويلة من جنون الاستعجال في كل شيء، ومن جشع الاستحواذ والاستهلاك والتخزين والتنويع لكل شيء فصّلها هذا الفيلسوف العالم في الاجتماع في كتاب ضخم، صدر منذ عدة سنوات تحت عنوان الكلمة المعبرة عن كل تلك السلبيات، كلمة تسارع Acceleration. وهي كلمة تعبر عن أشكال كثيرة من السرعة، وتمظهرات مثيرة عن التعاظم والازدياد النهم العبثي.

ولقد أشرت خصوصا إلى تلك المدرسة في النظرية النقدية لأنني اعتقد أنها دخلت في أعمق أعماق الحياة اليومية لحضارة العصر، التي ستثري الحركات النضالية الشبابية، خصوصا بعد أن أصدر هذا الفيلسوف كتابة الضخم، كعلاج وتصحيح لمسار الحضارة العصرية السلبي، مقترحا ممارسة ما سماه Resonance (تصادي) بمعنى التواصل والأخذ والعطاء والاستجابة لصوت الإنسان الآخر ولصوت الطبيعة وصوت كل الأشياء المادية، وهو ما سألخصه في مقال مقبل.

في رأيي أن المدرسة الجديدة ليست موجهه لأجيال أوروبا وأمريكا فقط، وإنما تهم شباب العالم، بمن فيهم شباب هذه الأمة. وفهمها واستيعابها هما جزء ضروري من التفاعل النقدي العربي مع الحضارة العولمية الغربية الذي أشرنا اليه في المقدمة.

*د. علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، وكاتب قومي عربي

المصدر | الشروق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الليبرالية الحداثة الرأسمالية المهمات الدولة العميقة الکثیر من

إقرأ أيضاً:

السوداني: ليس هناك وجود لأي تهديد للعراق

نفى رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يوم الخميس، وجود أي تهديد للعراق أو إملاءات تجاه أي قضية، مشيرا إلى أن هناك حوار مسؤول مبني على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وقال السوداني في مقابلة أجراها معه التلفزيون الحكومي:  نحن قلقون من تطورات الأوضاع في سوريا لوجود تنظيمات مسلّحة وعناصر داعش الإرهابي، وبدأنا عمليات مشتركة مع الأردن والتحالف الدولي "، مؤكدا " حرص العراق على وحدة الأراضي السورية، ومستعدون لدعم عملية سياسية شاملة في سوريا دون التدخل بشؤونها.

ونوه الي ان الإدارة الجديدة لسوريا أعطت ضمانات باحترام تنوع المكوّنات وعدم إقصاء أحد.

واضاف :  بعد أحداث 7 اكتوبر  2023، حافظنا على مصالح العراق العليا وعدم زجّه في الصراعات، مع الحفاظ على الموقف المبدئي تجاه القضية الفلسطينية.

وتابع : وبشأن تهديدات تنظيم داعش الارهابي؛ فإن العراق عضو أصيل في التحالف الدولي لمواجهة داعش الإرهابي، وهناك التزام بالوقوف معه تجاه أي تهديد إرهابي للمساس بحدوده وأن تأمين حدودنا في أحسن حالاته ولأوّل مرّة يكون هناك تحصينات، ومسك لكل النقاط الحدودية.

ووختم : أكدنا أن وضع البلاد في 2024 يختلف عن 2014، وإحاطة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن أكدت أن هناك استقرار سياسي غير مسبوق في العراق.

مقالات مشابهة

  • أبرز المباريات العربية والعالمية اليوم الأحد
  • هالاند: هناك شخص واحد في مانشستر سيتي لم يكن جيدًا أمام أستون فيلا
  • قدست المرأة وملوكها سجلوا بطولات عبر التاريخ| الحضارة السومرية علامة فى التاريخ الإنساني.. ملحمة جلجامش محط أنظار الباحثين
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. يا مال الشام!.. سوريا الحضارة.. الفكر.. الإبداع.. «وعليك عينى يا دمشق»
  • متحدث الأمن الفلسطيني: هناك خطة لدى الحكومة الإسرائيلية لإعادة احتلال الضفة الغربية
  • المشروع الصهيوني وتحديات الأمة العربية.. رؤية السيد الحوثي للخلاص
  • خطيب الجمعة بالأزهر: أعداء الأمة يعملون على محو هويتها العربية وطمس ملامحها
  • "اللغة العربية في الحضارة الإنسانية" محاضرة بثقافة الفيوم
  • رحلة كفاح 4 شباب.. جاءوا من الغربية بحثا عن لقمة العيش وانتهت حياتهم في بيارة صرف بالمنوفية
  • السوداني: ليس هناك وجود لأي تهديد للعراق