من مهمات شباب الأمة العربية
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
من مهمات شباب الأمة العربية
في هذه اللحظة تتركز الأنظار على المراجعة الشاملة والنقد العميق الحاد لكل جوانب الحضارة العولمية المهيمنة.
هناك رفض متنام لمنطلقات حرية الأسواق، والاعتماد على ديناميتها الذاتية في تصحيح أي مسار خاطئ، أو أزمة طارئة.
في السياسة شكوك ومراجعات ونقد وهجوم حول تاريخ وحاضر وتلفيقات واختطاف الممارسة الديمقراطية السياسية الليبرالية، من قبل قوى الدولة العميقة.
هناك أصوات غربية كثيرة ترفض المركزية الحضارية الغربية، التي تظهر ممارساتها عبر القرون أنها ضلت الطريق وخانت الأمانة، وأماتت كل ما هو إنساني في الإنسان.
هناك ثورة عارمة على ما اّل إليه الحال من ازدياد مذهل في غنى قلة من الأغنياء وفقر كثرة من الفقراء، وهناك تيار مراجعة لأسس قامت عليها الرأسمالية الكلاسيكية.
* * *
أشفق على أفراد الأجيال العربية الشابة التي عليها أن تحمل المسؤوليات الثقيلة التالية بالجهد والجدية نفسها لكل منها، وأن تقوم بتلك المهمات في الوقت نفسه وبتواز في تلك المسيرة.
فأولاً هناك مهمة متابعة الموجة الحالية التحليلية الناقدة الرافضة والمتعاظمة لحضارة العصر العولمية الحالية المهيمنة، وهي بالطبع في الأساس حضارة الغرب، وبالأخص الوجه الأمريكي الأوروبي منها.
وثانياَ، وفي الوقت نفسه المتابعة والمشاركة في تحليل ومراجعة ونقد وتجديد، ما انتقل إلينا من حضارتنا العربية والإسلامية التاريخية.
وثالثاَ متابعة ما يقترح من حلول وعلاجات لأمراض وإشكالات الحضارة العولمية المهيمنة من جهة، وما يقترح من حلول وعلاجات لأمراض وإشكالات الحضارة العربية والإسلامية من جهة أخرى، وذلك من أجل الخروج بحلول ذاتية لا تتعارض مع بعض خصوصيات أوضاعنا ولا تفصلنا عن المشاركة في حضارة العصر المستقبلية.
ويخطئ الجيل العربي الجديد، إن ظن أن باستطاعته تجنب الاندماج في تلك المعارك والمحاولات الثلاث الكبرى. ولو حاول فإنه سيقضي على إمكانية تحقق الكثير من أحلامه وآماله المستقبلية، ليس فقط عليه أن لا يتجنب خوض تلك المعارك، وإنما عليه أن لا يندمج فيها ويتفاعل معها بالطرق الخاطئة نفسها، التي مارستها الأجيال التي سبقت:
طرق التبعية والتقليد بدلاَ من الاستقلالية والإبداع، وطرق الشعور بالدونية الفكرية والانبهار الطفولي أمام منجزات الآخرين، ومسارات التعب المبكر والعجز في منتصف تلك الطرق.
وهي مثالب سببت الكثير من الإخفاق لأفكار طرحت ولأيديولوجيات اقترحت، ولاستراتيجيات تبنتها قوى مدنية عربية وبعض من الأنظمة السياسية العربية، ولكنها جميعاَ ذهبت أدراج الريح مع مرور الأزمنة وتغير الأحوال. في هذه المرة تحتاج الأجيال العربية أن تتجنب تكرار ما أصاب كل ذلك الماضي من أخطاء وأمراض وسوء فهم.
وفي هذه اللحظة تتركز الأنظار على المراجعة الشاملة والنقد العميق الحاد لكل جوانب الحضارة العولمية المهيمنة. ففي الاقتصاد هناك رفض متنام لمنطلقات حرية الأسواق، والاعتماد على ديناميتها الذاتية في تصحيح أي مسار خاطئ، أو أزمة طارئة.
وهناك ثورة عارمة على ما اّل إليه ذلك من ازدياد مذهل في غنى قلة من الأغنياء وفي فقر كثرة من الفقراء، وهناك تيار مراجعة للأسس التي قامت عليها الرأسمالية الكلاسيكية وانعطافة نحو إعادة درس الأسس الماركسية وتحليلاتها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية، والاستفادة منها.
وفي السياسة هناك شكوك ومراجعات ونقد وهجوم حول تاريخ وحاضر وتلفيقات واختطاف الممارسة الديمقراطية السياسية الليبرالية، من قبل قوى الدولة العميقة الخادمة لقوى المال والشركات الكبرى والأمن العسكري والاستخباراتي.
ومعه هناك تلميحات بالإعجاب بعدالة النظام السياسي الاقتصادي الصيني، الجامع بين المبادئ والممارسات الليبرالية والماركسية. وفي الثقافة هناك خوف وهلع من غياب المعيارية الأخلاقية والقيمية الدينية، ومن جنون ممارسة السرعة المتعاظمة في السلوك اليومي وفي حركة المكان وفي العلاقات العائلية والاجتماعية.
وبالطبع هناك حركة ما بعد الحداثة الرافضة لمبادئ أساسية في حداثة ما جاءت به ثورات الأنوار الغربية، منذ عدة قرون وعلى الأخص مواضيع، من مثل حتمية التقدم، أو حتمية العقلانية في الحياة الإنسانية. وزاد الهلع مؤخراً بعد الردة الأخلاقية المجنونة في العلاقات الجنسية وفي التلاعب بتسمية الصفات الشخصية الطبيعية، والانقلاب على موضوع الجندرية وتشويهه.
اليوم هناك الكثير من الأصوات الغربية ترفض المركزية الحضارية الغربية تلك، التي تظهر الكثير من ممارساتها عبر العديد من القرون بأنها ضلت الطريق وخانت الأمانة، وأماتت كل ما هو إنساني في الإنسان، وكل ما هو طبيعي في الطبيعة، وأوصلت العالم إلى حافة إمكانية السقوط في الهاوية.
وإذا كانت تلك التحليلات والانتقادات قد بدأت منذ زمن طويل من خلال شتى مدارس النظريات النقدية التي تفرعت من مدرسة فرانكفورت الشهيرة، فإن هناك حركة فلسفية اجتماعية جديدة تضيف إلى الثورات النقدية الماضية، ثورة جديدة يقودها باقتدار الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني هارتموت روزا.
هذه الحركة النقدية أضافت تحليلاً ونقداَ حاداً لسلوكية السرعة المجنونة والنهم غير المحدود في كل مناحي الحياة اليومية للمجتمعات الحديثة: في العمل وفي جمع الثروة، وفي التعابير الفنية وفي العلاقات الأسرية، وفي التواصل الإلكتروني الاجتماعي وفي التوسع التجاري المجنون وفي الاستغلال غير المسؤول لموارد الطبيعة، وفي التغيير العبثي المتعاظم لكل صرعات الموضة في الملبس والغناء وكل وسائل الرفاهية.
إنها قائمة طويلة من جنون الاستعجال في كل شيء، ومن جشع الاستحواذ والاستهلاك والتخزين والتنويع لكل شيء فصّلها هذا الفيلسوف العالم في الاجتماع في كتاب ضخم، صدر منذ عدة سنوات تحت عنوان الكلمة المعبرة عن كل تلك السلبيات، كلمة تسارع Acceleration. وهي كلمة تعبر عن أشكال كثيرة من السرعة، وتمظهرات مثيرة عن التعاظم والازدياد النهم العبثي.
ولقد أشرت خصوصا إلى تلك المدرسة في النظرية النقدية لأنني اعتقد أنها دخلت في أعمق أعماق الحياة اليومية لحضارة العصر، التي ستثري الحركات النضالية الشبابية، خصوصا بعد أن أصدر هذا الفيلسوف كتابة الضخم، كعلاج وتصحيح لمسار الحضارة العصرية السلبي، مقترحا ممارسة ما سماه Resonance (تصادي) بمعنى التواصل والأخذ والعطاء والاستجابة لصوت الإنسان الآخر ولصوت الطبيعة وصوت كل الأشياء المادية، وهو ما سألخصه في مقال مقبل.
في رأيي أن المدرسة الجديدة ليست موجهه لأجيال أوروبا وأمريكا فقط، وإنما تهم شباب العالم، بمن فيهم شباب هذه الأمة. وفهمها واستيعابها هما جزء ضروري من التفاعل النقدي العربي مع الحضارة العولمية الغربية الذي أشرنا اليه في المقدمة.
*د. علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، وكاتب قومي عربي
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الليبرالية الحداثة الرأسمالية المهمات الدولة العميقة الکثیر من
إقرأ أيضاً:
درة: أصبح هناك توجهات لطمس هوية الفلسطينيين
تحدثت درة على هامش محاضرة " السينما الفلسطينية واللبنانية" التي أقيمت اليوم ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلمها الوثائقي " وين صرنا" بجانب عدد من مخرجات الدول العربية قائلة: "مبسوطة إني موجودة النهاردة وسط هؤلاء المخرجات لأنني أتعلم منهم كوني ممثلة بالاصل وكل مخرجة منهما لديها عدة أفلام أعجبتني للغاية ووجودي معهم يعطيني خبرة أكبر".
سبب إخراج درة لفيلم “وين صرنا ”
أضافت درة قائلة: "ما دفعني لإخراج هذا الفيلم ليس فقط حبي للسينما، ورغبتي في الإخراج ولكن إصراري على تقديم نموذج هذة الأسرة الفلسطينية، أنا تربيت على أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب وكل إنسان وأذكر أنني سمعت شخصا مع ما يحدث في فلسطين يقول " ليس هناك دولة فلسطين أو شعب فلسطيني" أصبح هناك توجهات لطمس هوية الفلسطينين بشكل كبير".
تستكشف هذه الندوة قوة السرد في تحفيز قدرات الأفراد على المقاومة والتحمل في أصعب اللحظات والمواقف، ويحكي الحضور عبر خبراتهم ووعيهم الثقافي الفريد عن تجاربهم في تشكيل السرد السينمائي وروايات الهوية الشخصية والجماعية، ومحاولات البقاء والخلافات والنبرات الانهزامية.
يناقش الضيوف تحديات صنع الأفلام في مناطق الصراع والنزوح وتلك المحاصرة بالقيود السياسية، وعن خبرة كل منهم في استخدام الإبداع للدفاع عن رؤيتهم والنجاة من الأسى والمآسي.
تسلط الحلقة النقاشية الضوء على التقنيات السردية التي يمكنها تحوّل قصص الصراع الشخصي إلى سرديات مهمة إعجازية تلهم الجماهير وتحفّز المجتمعات على الاستمرار والمقاومة.