من أين يأتي كل هذا السلاح إلى مخيم عين الحلوة؟
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
قبل أن تحتدم المعارك الفلسطينية – الفلسطينية في مخيم عين الحلوة كان هذا المجمّع ملجأ لكل فار من وجه العدالة. فلا سلطة فيه للدولة اللبنانية، فيما لا يُسمح للجيش سوى بتطويقه من الخارج ومراقبة ما يجري فيه من خلال ما تصل إليه من معلومات استخباراتية حول عمليات التهريب المتعدّدة الأنواع، ومن بينها تهريب السلاح إلى جميع المتنازعين، حيث تبيّن أن كميات هذه الأسلحة المستعملة في المعارك "التصفوية" يفوق حجم تلك، التي يمكن توظيفها لمحاربة العدو على الحدود، وليس لترويع المدنيين الآمنين في المخيم وخارجه، أو تنفيذ بعض "الأجندات"، التي لها علاقة بمخططات لا تخدم بالتأكيد القضية الفلسطينية الأم.
فهذه الأسلحة، التي تُستعمل في المعارك الدائرة من حيّ إلى حيّ، تُستخدم في غير موضعها الطبيعي، فضلًا عن أن الفصائل الفلسطينية المتنازعة على السلطة داخل المخيم تستبيح الأرض التي تأويها، وهي تتصرّف في هذا المخيم على أنه قطعة منسلخة عن البلد، الذي يستضيف هؤلاء، الذين يزرعون الرعب والموت في أرجاء المخيم وفي محيطه. فهذا التصرّف غير المقبول والمرفوض من الجميع، فلسطينيين ولبنانيين، وبالأخصّ من قِبَل السلطة الفلسطينية، التي تعتبر أن هذه المعارك لا تخدم سوى ما يخطّط له العدو، مطالبة بأن تُعطى الدولة اللبنانية، ممثلة بالجيش، الضوء الأخضر، للدخول إلى هذا المخيم الخارج عن كل من السلطتين اللبنانية والفلسطينية المركزية، خصوصًا بعدما أصبح ملاذًا لكل أشكال الإرهاب والاجرام.
فدخول الجيش إلى مخيم عين الحلوة قد أصبح مطلبًا فلسطينيًا، وذلك من أجل وضع حدّ لهذا التقاتل العبثي، وبالتالي نشر الأمن والأمان في أرجائه، بعد تنظيفه من الخلايا الإرهابية والاجرامية، وإلقاء القبض على جميع الفارين والمطلوبين من العدالة، والعمل على تحسين ظروف معيشة السكان المدنيين، الذين روعتهم حدّة الاشتباكات، التي لا هدف لها سوى ربط هذا المخيم، وهو الأكبر مساحة وعددًا، بمخططات أخرى ترتبط بما يُرسم خارج الحدود.
ولكي يدخل الجيش إلى مخيم عين الحلوة يحتاج إلى قرار سياسي تمامًا كما حصل يوم قرر الدخول إلى مخيم نهر البارد، والذي اعتبره البعض في وقتها خطًّا أحمر.
وسواء نجح الساعون إلى وقف دائم لإطلاق النار أو لم ينجحوا فالمسألة هي أبعد من اتفاق ظرفي. فما جرى قبل شهر تقريبًا، وما يجري منذ أسبوع على أرض هي لبنانية من تقاتل داخلي لم تُكشف أبعاده وأهدافه بعد، هو صراع قد يبدو للوهلة الأولى عبثيًا، ولكنه في حقيقة الأمر مخطّط قد يكون منفذّوه على الأرض مجرد وقود تمامًا كما كانت عليه حقيقة الوضع في الحرب اللبنانية، التي تداخلت فيها مصالح كثيرة، وتقاطعت على إيقاد هذه الوقود في كل مرّة كان الوضع الأمني يهدأ حتى كان قرار دولي وعربي مشترك بوقف هذا الانتحار الجماعي، فكان اتفاق الطائف، الذي وضع حدًّا لآلة الموت المجاني.
فالسلاح الذي يدخل إلى مخيم عين الحلوة لا يسقط بـ "البراشوت"، بل يسرّب ويهرّب بسحر ساحر، خصوصًا أن الجهات التي تمرر هذا السلاح تعرفها الجهات الأمنية، التي تقف غير قادرة على ردع ما لا يُردع. ويُخشى أن يتمّ في مرحلة لاحقة تزويد بعض النازحين السوريين المدربين بكميات من هذا السلاح لاستخدامه في أغراض قد تشبه الأغراض التي تهدف إلى اشعال المخيمات الفلسطينية كمقدمة لإشعال كل لبنان، الذي تُرسم حول مستقبله علامات استفهام كثيرة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إلى مخیم عین الحلوة التی ت
إقرأ أيضاً:
نزاع الشرعيّة بعد نزاع السلاح في السودان
زوايا
حمّور زيادة
تواجه القوى السياسية السودانية تحدّياً جديداً بعد وصول الخلافات داخل تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدّم)، إلى مرحلة الانقسام. ... شهدت التنسيقية التي كُوِّنت بعد شهور قليلة من اندلاع حرب 15 إبريل/ نيسان (2023) خلافات بشأن مسألة تكوين حكومة موازية للحكومة العسكرية في بورتسودان. وأبرز من أيّد اتجاه تكوين الحكومة كان سليمان صندل، الذي جاء مهاجراً إلى القوى التي خاصمها طويلاً، وتواطأ مع قائد الجيش وقائد "الدعم السريع" على انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول (2021) ضدّها. كان وقت خصومته مع قوى الحرّية والتغيير يشغل منصب الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، لكنّه بعدما اختلف مع رئيس الحركة، وزير المالية جبريل إبراهيم، غيّر المسار، وأعلن نفسه رئيساً للحركة، وهاجر إلى القوى المدنية معتذراً، ليصبح من قيادات التنسيقية الوليدة.
دعمت هذا الاقتراح أيضاً شخصيات مثل عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، في ما يبدو أنها محاولة لإحياء فكرة قديمة طرحها قائد "الدعم السريع" في 2020 على عدة سياسيين، لتكوين حزب تحت رعايته يعبّر عن مصالح أبناء إقليم دارفور، في مواجهة ما سمّاه سيطرة الشماليين على السياسة عبر الأحزاب، وعلى السلطة من طريق الجيش. الفكرة، التي يقال إنها لقيت قبولاً من عدد من الساسة، واجهت عقبات كثيرة، فماتت قبل أن تولد، لكنّها تعود اليوم في ثوب جديد ضاربةً التحالف السياسي المناهض للحرب في مقتل. فمن المؤكّد أن الانقسام الذي سيحدث سينتزع آخر ما تبقّى للقوى المدنية من فاعلية سياسية، وهي فاعلية خسرت أغلبها منذ إطلاق الرصاصة الأولى عندما انهارت العملية السياسية، وذهب حلفاء الأمس في المكوّن العسكري إلى القتال.
لاحقاً، خسرت القوى المدنية الكثير بسبب مناورات قائد الجيش، إذ تراجع عن توقيع إعلان المبادئ، الذي وقّعه قائد "الدعم السريع" في أديس أبابا. فأصبحت القوى السياسية في خانة المتّهم بـ"التحالف مع الدعم السريع". لكن رغم هذا الاتهام، ورغم لجوء الحكومة العسكرية إلى مطاردة القوى المدنية بالبلاغات الجنائية، ظلّت القوى السياسية تأمل في تحقيق توافق عريض يؤدّي إلى وقف الحرب. لكن هذا التوافق لم يصمد طويلاً. فالمجموعات التي طرحت مسألة الحكومة الموازية ظلّت متمسّكة برؤيتها حتى لم يعد من الممكن احتواء الاختلاف داخل جسم واحد.
موقف القوى المدنية الرافض لتشكيل حكومة موازية ليس جديداً، بل هو خطّ قديم ظهر في 2019، عندما رفضت قوى الحرّية والتغيير إعلان حكومة ثورة من داخل ميدان الاعتصام، وعرّضها هذا الرفض لغضب كبير من قطاع عريض من القوى الثورية الشبابية، التي كانت ترى أن إعلان حكومة ثورية هو ردّ مناسب على مناورات المجلس العسكري في عملية التفاوض لتسليم السلطة عقب الإطاحة بنظام عمر البشير.
ظلّت القوى السياسية تتعامل مع قضية الشرعية بحذر، وبحساسية، إدراكاً بأن تنازع الشرعيات لا يؤدّي إلا إلى مزيد من الاحتقان والصدام. لكن تبدو مجموعة سليمان صندل مندفعةً بشكل مثير للدهشة، خاصّة مع خسارة "الدعم السريع" أجزاءَ واسعةً من العاصمة الخرطوم، ومدينة مدني، عاصمة ولاية الجزيرة. فمع تقدّم الجيش السوداني، تنكمش مساحة سيطرة "الدعم السريع" بسرعة، ولم يعد أمام المليشيا، التي وقفت صباح 15 إبريل (2023) أمام القصر الرئاسي متأهّبةً لدخوله، لإعلان قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيساً، إلا إعلان سلطتها في إقليم دارفور وفي أجزاء من إقليم كردفان. لذلك، سارعت القوات المشتركة المكوّنة من حركات دارفور المسلّحة، التي تقاتل مع الجيش، إلى سحب جنودها من مناطق الوسط والشمال للدفاع عن مدينة الفاشر. فالمدينة، التي قد تشهد المواجهة الأخيرة والأكبر، ربّما تحدّد مصير طموحات "الدعم السريع" وحكومته المدنية الموازية.
ظلّت الفاشر تتصدّى لهجمات قوات الدعم السريع شهوراً، وصمدت في ما يعتبر معركةً مصيرية. إذ لا يوجد شكّ في حجم المذابح التي ستحدث إن تمكّنت "الدعم السريع" من السيطرة على المدينة. لذلك، تبدو مسألة تكوين حكومة موالية لـ"الدعم السريع" أشبه بمحاولة إنقاذ سياسية للقوات المتراجعة عسكرياً. وهي محاولة غالباً محكوم عليها بالفشل، وسيدفع ثمنها السودانيون، إذ تزيد تعقيد مسار الحرب. لكن أوّل ضحاياها، حتى الآن، هي تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية.
العربي الجديد