ما حل بمدينة درنة الليبية فاجعة كبرى تفوق الوصف، فقد داهمها الإعصار «دانيال» بأمطاره وسيوله، وهي نائمة بين أحضان جبلين على ساحل البحر المتوسط، وما هي إلا ساعات حتى استفاق الليبيون على كارثة مهولة، فقد جرفت الفيضانات المدمرة، أحياء بكاملها، وذهب ضحيتها آلاف بين قتيل ومصاب ومفقود، وأضعافهم من المشردين بلا مأوى.
حلت هذه الفاجعة المفاجئة في ليبيا، بينما كان العالم كله منشغلاً بالزلزال العنيف الذي ضرب المغرب، وأسفر عن مأساة إنسانية واجتماعية غير مسبوقة، فكانت الكارثتان جرحين في منطقة واحدة، لا قِبل للبشر بهما، لأنهما من قضاء الله وقدره. وفي مثل هذه الحالات لا مهرب من المصير المحتوم. وكذلك تقبل الشعبان الليبي والمغربي ما حل بهما بصبر وثبات وعزم على تجاوز محنتيهما. فقد عرفت شعوب غيرهما مثل هذه الكوارث وأسوأ، واستطاعت أن تنطلق مجدداً في الحياة.
في ليبيا، كانت بموازاة مشاهد المأساة، صور أخرى للتضامن والغوث من مختلف مناطق البلاد، وقد تجاوز الفرقاء والخصوم السياسيون خلافاتهم وتبايناتهم المزمنة، واتحدوا أمام هذا المصاب الجلل، وكأنهم لم يكونوا يوماً مختلفين. وربما ستكون هذه اللحظة المأساوية فارقة في تاريخ ليبيا الحديث، وتفتح بعدها طريقاً إلى المستقبل، يتم فيه التآلف والتعايش والتآزر بين كل مكونات هذا الشعب الذي عانى كثيراً الصراعات والانقسامات والفتن والتدخلات في شؤونه. وما جرى في درنة، وما تكشفه المشاهد والمعطيات فوق الاحتمال، وربما لم تعرف ليبيا مثيلاً له في عصرها الحديث، ففي العقود السابقة حدثت فيضانات في درنة تحديداً، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى من الفجيعة.
ربما يلوم بعض الليبيين حكوماتهم بأنها انغمست في الصراعات، وأهملت صيانة البنى التحتية؛ ومنها السدود والجسور والطرقات ومجاري الأودية ومنشآت الكهرباء والطاقة، وهذا صحيح، لأن الاستقرار السياسي تعذر في السنوات الأخيرة بعد الأحداث والاحتجاجات التي تمكنت قبل 12 عاماً، بمساعدة تدخل حلف شمال الأطلسي «الناتو»، في إطاحة النظام السابق للراحل معمر القذافي. وطوال الفترة الماضية، كانت البنى التحتية والخدمات متهالكة، وباتت البلاد تشهد انقطاعات كثيرة للكهرباء، وهناك شكاوى من تردي الخدمات الصحية، وأحياناً تأخر الرواتب، وكلها أزمات سببها الخلافات السياسية، وليس عدم توفر الإمكانات لدى الدولة.
الفيضان العارم الذي دمر درنة، خلّف آلاف الضحايا الأبرياء، وخراباً واسعاً، وذكريات لا تنسى. ومن رحم هذه المأساة هناك أمل بولادة ليبيا جديدة متضامنة متآخية، وقد يجرف هذا الفيضان غير المسبوق كل الأزمات والخلافات، وتبدأ مرحلة جديدة في هذه البلد الأصيل وشعبه الطيب. لقد كان التعاطف العربي والعالمي مع الشعب الليبي من جرّاء هذه الكارثة فياضاً وواسعاً، لأن نداء الاستغاثة، الذي أطلقه المسؤولون سواء من طرابلس أو من مناطق الشرق، كان حاراً وصادقاً. وبنفس الصدق والحرارة، هناك آمال بأن تكون هذه الفاجعة في درنة آخر الفواجع في ليبيا، وأن تبدأ الحياة من جديد بنظرة أخرى ونفس وطني عالٍ، ليس في درنة فقط، وإنما في كل ليبيا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فی درنة
إقرأ أيضاً:
إعمار درنة: إعادة افتتاح مدرسة “زهير” بعد إتمام أعمال الصيانة
أعلن صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا عن إعادة افتتاح مدرسة “زهير للتعليم الأساسي” في مدينة درنة، وذلك بعد استكمال أعمال الصيانة الشاملة التي خضعت لها المدرسة.
وأوضح الصندوق، أن هذا الافتتاح جاء بعد تعليمات مدير عام الصندوق بلقاسم خليفة، في إطار الجهود المبذولة لتعزيز البنية التحتية للمؤسسات التعليمية في المناطق المتضررة.
وتُعد مدرسة “زهير” من أبرز المعالم التعليمية في مدينة درنة، حيث تم تأسيسها عام 1926 تحت اسم “المدرسة الحمرا”، لتكون أول مدرسة في برقة تستقبل البنات في فصول دراسية، وفي عام 1935، تم تغيير اسمها إلى “مدرسة زهير”، لتظل شاهدًا على التاريخ الثقافي والتعليمي للمدينة.
وشملت أعمال الصيانة التي تم تنفيذها تجديد الأسطح والبنية التحتية، بما في ذلك الأسقف والجدران والأرضيات، بالإضافة إلى تحديث أنظمة الإضاءة والتهوية، كما تم تحسين الفناء الخارجي للمدرسة، بما يساهم في توفير بيئة تعليمية مريحة وآمنة للطلاب.
وذكر الصندوق أن هذا المشروع يعكس التزام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بتوفير بيئة تعليمية متكاملة، تسهم في تحسين جودة التعليم وتشجيع الطلاب على التفوق، في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على التراث التعليمي والتاريخي للمؤسسات التعليمية في ليبيا.