الخليج الجديد:
2024-07-02@00:17:52 GMT

الانسداد السياسي والإصلاح

تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT

الانسداد السياسي والإصلاح

الانسداد السياسي والإصلاح

حين تتكالب على السلطة أحوال التّأزّم السياسي تودي بها إلى حالٍ من الانسداد السّياسي المُؤْذِن بالزوال.

الخروج من الانسداد السياسي ممكنٌ وعسيرٌ معًا؛ فأمّا أنه ممكن فهو كذلك من الجهتين: السّلطة وقواها؛ والأطراف الاجتماعيّة والسّياسيّة المعارِضة لها.

يتولّد الانسداد من جملة عوامل ويتّخذ صوراً مختلفة، لكنّ الغالب عليه أن يأتيَ ثمْرةَ ضِيقٍ حادّ في قاعدة السلطة؛ في مكوّناتها وفي جمهورها الاجتماعي.

على كل سلطة تنظيف داخلَها من مراكز مقاومة الإصلاح ومن خطابهم الذي لا يقترح سوى الذّهاب إلى حتفها! فقد يكون هؤلاء أشدّ خطراً عليها من معارضيها.

الأسوأ ما يتولَّد من فاجع النّتائج من قرقعة السّلاح: من قتْلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ وتمزيقٍ لأواصر البلد الواحد والشّعب الواحد، والتي قد تستمرّ آثارها لعقود!

شهدنا انتقالة دراماتيكية من المطَالَبات السّياسيّة بإصلاحات أوضاع السّلطة إلى ركوب صهوة العنف والسّلاح ببعض البلاد العربيّة، منذ مطلع العقد الثّاني من هذا القرن.

من مصلحة أيِّ سلطةٍ أن تعالج أسباب الانسداد السياسي وتأزّم أحوالها بالمزيد من رياضة نفسها على نهج الإصلاح والتّقويم فذلك أَضْمنُ لبقائها وحيازة المقبوليّة الشّعبيّة.

* * *

كلّ سلطةٍ تحرص على استقرار أحوالها واستقرار أحوال المجتمع الذي تقوم فيه؛ وهي في سبيل ديمومة استقرارها مستعدّة لتقديم أيّ ثمن سياسي يتناسب وذلك الهدف العزيز على كلّ نخبة سياسيّة، فكيف إذا كان هذا الهدف أقلَّ كلفة عليها.

وأكثر ما يعرِّض سلطة ما إلى زعزعة استقرارها هو تنامي الاعتراض عليها في الاجتماع الوطنيّ إلى الحدّ الذي يَشْرَع فيه التّعبير عن ذلك الاعتراض في الانتقال من الضّغط المعنويّ الهادئ إلى الضّغط الماديّ العنيف ملقياً بنتائجه على تماسُك قواها وأوضاعها.

يقع ذلك، في الغالب، حين تتكالب عليها أحوال التّأزّم السياسي فتؤدّيها إلى حالٍ من الانسداد السّياسي المُؤْذِن بالزوال. يتولّد الانسداد من جملةٍ من العوامل ويتّخذ لنفسه صوراً مختلفة، ولكنّ الغالب عليه أن يأتيَ ثمْرةَ ضِيقٍ حادّ في قاعدة السلطة؛ في مكوّناتها وفي جمهورها الاجتماعي.

فلقد يتمظهر ضِيق نطاقِ السّلطة في شكل نظامٍ سياسي يحكمه حزب واحد؛ وقد يتمظهر في صورة سلطة تستند إلى عصبيّة بعينها أو إلى منطقة من دون سواها؛ وقد يأخذ شكلَ نظام تحكمه نخبة عسكريّة... إلى غير هذه من الأشكال.

وفي كلّ واحدٍ منها يتكرّر الثّابت عينه - الذي هو من تبعاتِ ضيق نطاقِ مكوّنات السّلطة ؛ أعني: ضِيق القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها تلك السّلطة فتمثّل لديها حاملَها الاجتماعيّ وحاضنتَها ومرجعَها اللّذيْن إليهما تؤول.

وما أغنانا عن بيان مَواطن الخطر في صيرورة السلطة إلى هذه الحال من الانسداد السّياسي ومن ضِيقِ نطاق قُواها ومكوّناتها وضمور جمهورها الاجتماعيّ.

من النّافل القول إنّ الخروج من هذا الانسداد ممكنٌ وعسيرٌ في الآن عينه؛ فأمّا أنه ممكن فهو كذلك - أي ممكن - من الجهتين: من جهة السّلطة وقواها، ومن جهة الأطراف الاجتماعيّة والسّياسيّة المعارِضة لها. تستطيع السّلطة أن تتدارك حالة الانسداد فيها بإصلاحات سياسيّة تقود إلى توسعة نطاق مكوناته.

وليس غير هذا الخيار متاحٌ لها، لأنّ احتمالات نجاحها في فرض إرادتها على معارضيها من غير تقديم تنازلات - أي البقاء على ما هي عليه - احتمالات ضئيلة جدّاً، وهي إذا ما نجحت في ذلك مرّة ستفشل مرّات عدّة وتكون النّتيجة أن تفتح عليها موجاتٍ متعاقبةً من العنف.

ويستطيع معارضوها، من جهتهم، أن يتخطّوا حال الانسداد إما بتغيير النّظام السّياسي، أو بفرض تنازلات على النّخبة الحاكمة والوصول إلى تفاهُمات سياسيّة على شروط تجاوُز حال الانسداد تلك.

وأمّا أنّه عسير، فلأنّ قوى عديدة من داخل السّلطة ومن داخل القوى المعارِضة قد تُفْشِل كلّ مسعًى إلى حلٍّ وسَطٍ متوافَق عليه لإنهاء التّأزّم والانسداد وفتح شرايين السّلطة لتدفُّق دماءٍ جديدة؛ إذ أنّ لمقاومة الإصلاح من طرف هذه القوى دلالة لا يُخطئها حُسن التّقدير، هي أنّها قوًى طفيليّة تتضرّر مصالحها من أيّ إصلاحٍ يضع عليها الاحتساب القانونيّ.

إنّ أيّ سلطة، بهذا المعنى، تحتفظ لنفسها بخيار حلّ أزمة الانسداد السّياسيّ بوصفه خياراً متاحاً رهْن يديْها إن هي شاءت، أي إنْ نضجت لديها إرادةُ التّصحيح والإصلاح وأفصحتْ عن نفسها لديها بشكلٍ صادق لا امتراء فيه.

لكنّها قد تفقد هذا الخيار، ومعه المبادرة، إنْ هي تلكّأت طويلاً وتردّدت في الإقدام عليه أملاً في نشوء شروطٍ جديدة ترفع عنها عبء الحاجة إلى الإصلاح أو تُسوِّغ لها سلوكَ سبيل التّملّص.

في مثل هذه الأوضاع، قد تنتقل المبادرة إلى معارضيها. ولعلّهم يعثرون في تملُّص النّخبة الحاكمة عن إجراء الإصلاحات المرجوّة على ذريعةٍ للرّجوع عن سُبُل الضّغط الاجتماعيّ والسّياسيّ السّلميّ لركوب خياراتٍ أخرى أشدّ قسوة مثل العنف الاجتماعيّ- السّياسيّ أو العنف المسلّح.

ولقد شهدنا على مثالاتٍ لهذه الانتقالة الدراماتيكيّة من المطَالَبات السّياسيّة بإصلاحات أوضاع السّلطة إلى ركوب صهوة العنف وتوسُّل السّلاح في قسمٍ من البلاد العربيّة، بدءاً من مطلع العقد الثّاني من هذا القرن.

لكنّا شهِدنا على الأسوأ من هذا بكثير: ما تولَّد من فاجع النّتائج من قرقعة السّلاح: من قتْلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ وتمزيقٍ لأواصر البلد الواحد والشّعب الواحد، والتي قد تستمرّ آثارها لعقود!

والحقُّ أنّه من مصلحة أيِّ سلطةٍ أن تعالج أسباب الانسداد السياسي وتأزّم أحوالها بالمزيد من رياضة نفسها على نهج سياسة الإصلاح والتّقويم. ذلك أَضْمنُ لها للبقاء وحيازة المقبوليّة الشّعبيّة. وعليها أن تنظّف داخلَها من مراكز مقاومة الإصلاح ومن خطابهم الذي لا يقترح عليها سوى الذّهاب إلى حتفها! فقد يكون هؤلاء أشدّ خطراً عليها من معارضيها.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: سلطة الإصلاح التقويم الاعتراض الاجتماع الوطني الانسداد السياسي الانسداد السیاسی الس یاسی ة الس لطة من هذا

إقرأ أيضاً:

من العراق إلى غزة.. كيف يتعامل مسلمو بريطانيا مع الانتخابات؟

لندن– تواجه الأقلية المسلمة في بريطانيا تحديا صعبا في التعامل مع الانتخابات العامة المقررة في الرابع من يوليو/تموز المقبل، وذلك بعد أن وجدت نفسها أمام أحزاب سياسية تصم آذانها عن مطالبها؛ وفي القلب منها المناداة بمواقف قوية ضد الإبادة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ولا يختلف السياق الحالي الموسوم بالتوتر بين الأقلية المسلمة وبين الأحزاب البريطانية خصوصا حزبي العمال والمحافظين، بسبب الموقف من الحرب على غزة، عن سياق غزو العراق سنة 2003 الذي شاركت فيه بريطانيا، وخرجت حينها الأقلية المسلمة رفقة الرافضين للحرب في مظاهرات تاريخية للمطالبة بانسحاب بريطانيا من هذا الغزو بدون أن تجد أي صدى لاحتجاجاتها.

وخلفت حرب العراق إرثا من انعدام ثقة الجالية المسلمة في العملية الانتخابية، وفضّل جزء من هذه الأقلية الانسحاب ومقاطعة الانتخابات التي أعقبت غزو العراق، في المقابل قرر جزء آخر التصويت العقابي ضد حزب العمال الذي كان يقود الحكومة حينها. فهل يتكرر نفس السيناريو مع الانتخابات المقبلة التي تتزامن مع العدوان على غزة؟

البريطاني من أصول فلسطينية سامح حبيب استقال من حزب العمال احتجاجا على سياساته في الملف الفلسطيني (الجزيرة) الانسحاب أو العقاب

وتظهر أرقام الانتخابات التي جرت سنة 2005 مباشرة بعد غزو العراق، كيف تراجع تصويت الجالية المسلمة لصالح حزب العمال بأكثر من 25%، وحينها كان الصوت المسلم قادرا على حسم 10 مقاعد فقط، أما حاليا فالصوت المسلم قادر على حسم أكثر من 42 مقعدا، ومن بينها مقعد مدينة بيرمنغهام التي تسكنها جالية مسلمة كبيرة، حيث تراجع التصويت للعمال بنسبة 21%، ومقعد "بيثنال غرين" الذي تراجع فيه التصويت للعمال بنسبة 16%.

ومن أوجه الشبه بين ما حدث في انتخابات 2005 وما يحدث حاليا، هو أن الجالية المسلمة كانت خلف صعود النائب البرلماني جورج غلاوي إلى البرلمان بسبب موقفه الرافض لغزو العراق، وكذلك فعلت الجالية المسلمة مع النائب نفسه خلال الانتخابات الجزئية بالبرلمان البريطاني مطلع مارس/آذار الماضي، بسبب موقفه الرافض للحرب على قطاع غزة.

وخلال تلك الانتخابات أظهرت دراسة لمركز "إيبسوس" للأبحاث أن 52% من الأقليات قالوا إنهم لم يصوتوا في الانتخابات لـ3 أسباب رئيسية، وهي:

عدم الاهتمام بالسياسة والنقاشات السياسية. وكذلك عدم الثقة في السياسيين. وأخيرا، الإحباط من أن التصويت لا يُحدث أي فرق في تحديد من يحكم البلاد.

موقف غير موحد

واعترف مسعود أحمد، الكاتب العام لمجلس مسلمي بريطانيا، الذي يعتبر أكبر مظلة للمؤسسات الإسلامية في البلاد، بصعوبة توحيد الموقف في صفوف الجالية المسلمة، لأن موقف المرشحين مما يجري في غزة غير موحد، "فقد نجد نوابا في العمال يناصرون فلسطين وكذلك قد نجد نوابا مسلمين فضلوا الصمت عما يقع في غزة".

وحسب اللقاءات والاستطلاعات التي قام بها المجلس، يقول مسعود أحمد للجزيرة نت: "تبين لنا أن هناك من سيواصل دعم الأحزاب التقليدية التي تحظى بدعم الجالية المسلمة كحزب العمال، وهناك آخرون سيبحثون عن بدائل للتعبير عن غضبهم وتحفظهم من الموقف الحزبي تجاه حرب غزة".

ولا يقوم المجلس بعملية الحشد أو الدعم لأي مرشح، وفق تأكيد أحمد، وهذا راجع لطبيعة المجلس الذي تنضوي تحته مئات المؤسسات الإسلامية "ولكن كل جهدنا ينصب على الدعوة للمشاركة في العملية الانتخابية وضرورة اتخاذ قرار واعٍ يخدم مصالحهم في مناطقهم ومصالح القضايا التي يدافعون عنها".

وتوقع الناشط السياسي البريطاني أن نسبة المشاركة في صفوف الجالية المسلمة "ستكون جيدة ولن نشهد انسحابا من العملية السياسية، لأن الناس لديها رغبة في تغيير المعادلة السياسية والاحتجاج على السياسات التي تراها مجحفة في حقها".

وأوضح أنه يجب عدم إغفال "شريحة مهمة يمكن أن تكون صامتة ولكن أيضا ذات وزن معتبر، وقد لا تذهب لصناديق الاقتراع لأنها ترى أن صوتها لن يسمع، وأن بنية النظام السياسي يصعب اختراقها أو تغيير موقفها من القضايا الأساسية".

مشاركة مكثفة

ويتفق رئيس مجلس أمناء مسجد "فينسبري بارك" في لندن محمد كزبر، مع مسعود أحمد في توقع مشاركة مكثفة للجالية المسلمة في الانتخابات المقبلة. ويؤكد أن هؤلاء "لن يكتفوا فقط بالذهاب للتصويت في يوم الاقتراع، ولكن من الواضح أنهم منخرطون بشكل فاعل في الحشد للمرشحين سواء المستقلين أو من حتى المنضوين تحت لواء الأحزاب ولكنهم داعمون للقضية الفلسطينية".

وكشف كزبر في حديث مع الجزيرة نت، عن وجود "عمل دؤوب من خلال المؤسسات الإسلامية لتأطير الناخبين وتوعيتهم أيضا بأهمية هذه الانتخابات في صناعة الفَرق، والتأكيد على أهمية الصوت المسلم ودعم القضايا التي تهمهم، وهذا يؤسس لمرحلة مهمة في تاريخ انخراط الجاليات المسلمة في الشأن السياسي البريطاني ككتلة انتخابية يجب أن تكون موحدة من أجل الضغط وفرض قضايا على أجندة السياسة البريطانية" كما قال.

ومن خلال العمل الذي قامت به الجالية المسلمة وانخراطها في النقاش السياسي منذ اندلاع الحرب على غزة، يقول كزبر إن الأحزاب بدأت تشعر بالضغط "ولاحظنا على الأقل تململا في موقفها الداعم لإسرائيل مع بداية الحرب، والذي بدأت تعدله مع إدراكها أنها قد تخسر أصوات خزانها الانتخابي التقليدي في مناطق يكون فيها الصوت العربي والمسلم حاسما في ترجيح كفة مرشح دون آخر، وهذا واضح مثلا في موقف حزب العمال".

وفي الوقت نفسه، يقول كزبر إن هناك أحزابا تعاملت بمبدئية مع القضية الفلسطينية كحزب "الخضر" الذي أيد حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وندد بالحرب الإسرائيلية على أهالي قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • لا يوجد ملوك في أمريكا.. بايدن يصدر تحذيرًا شديدًا بعد قرار المحكمة العليا بـحصانة ترامب
  • بايدن: قرار المحكمة العليا بحصانة ترامب يضعف من سلطة القانون
  • بالصور: غزة - إدخال كميات من الوقود لتشغيل المرافق المائية
  • تجنيد "الحريديم" يزيد انقسام إسرائيل
  • حسام بدراوي: "احنا مش فقراء.. مصر بلد غني جدا"
  • حركة يمنية جديدة تُعلن بدء عملياتها العسكرية ضد “إسرائيل” نصرةً لغزة
  • من الراعي.. رسالة إلى المعنيين بالشأن السياسي!
  • من العراق إلى غزة.. كيف يتعامل مسلمو بريطانيا مع الانتخابات؟
  • فرص السلام .. و جاهزية “تقدم”
  • النائب عاتب...ليتذكروا ايام الاعتقال