الخليج الجديد:
2025-01-27@17:15:05 GMT

الانسداد السياسي والإصلاح

تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT

الانسداد السياسي والإصلاح

الانسداد السياسي والإصلاح

حين تتكالب على السلطة أحوال التّأزّم السياسي تودي بها إلى حالٍ من الانسداد السّياسي المُؤْذِن بالزوال.

الخروج من الانسداد السياسي ممكنٌ وعسيرٌ معًا؛ فأمّا أنه ممكن فهو كذلك من الجهتين: السّلطة وقواها؛ والأطراف الاجتماعيّة والسّياسيّة المعارِضة لها.

يتولّد الانسداد من جملة عوامل ويتّخذ صوراً مختلفة، لكنّ الغالب عليه أن يأتيَ ثمْرةَ ضِيقٍ حادّ في قاعدة السلطة؛ في مكوّناتها وفي جمهورها الاجتماعي.

على كل سلطة تنظيف داخلَها من مراكز مقاومة الإصلاح ومن خطابهم الذي لا يقترح سوى الذّهاب إلى حتفها! فقد يكون هؤلاء أشدّ خطراً عليها من معارضيها.

الأسوأ ما يتولَّد من فاجع النّتائج من قرقعة السّلاح: من قتْلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ وتمزيقٍ لأواصر البلد الواحد والشّعب الواحد، والتي قد تستمرّ آثارها لعقود!

شهدنا انتقالة دراماتيكية من المطَالَبات السّياسيّة بإصلاحات أوضاع السّلطة إلى ركوب صهوة العنف والسّلاح ببعض البلاد العربيّة، منذ مطلع العقد الثّاني من هذا القرن.

من مصلحة أيِّ سلطةٍ أن تعالج أسباب الانسداد السياسي وتأزّم أحوالها بالمزيد من رياضة نفسها على نهج الإصلاح والتّقويم فذلك أَضْمنُ لبقائها وحيازة المقبوليّة الشّعبيّة.

* * *

كلّ سلطةٍ تحرص على استقرار أحوالها واستقرار أحوال المجتمع الذي تقوم فيه؛ وهي في سبيل ديمومة استقرارها مستعدّة لتقديم أيّ ثمن سياسي يتناسب وذلك الهدف العزيز على كلّ نخبة سياسيّة، فكيف إذا كان هذا الهدف أقلَّ كلفة عليها.

وأكثر ما يعرِّض سلطة ما إلى زعزعة استقرارها هو تنامي الاعتراض عليها في الاجتماع الوطنيّ إلى الحدّ الذي يَشْرَع فيه التّعبير عن ذلك الاعتراض في الانتقال من الضّغط المعنويّ الهادئ إلى الضّغط الماديّ العنيف ملقياً بنتائجه على تماسُك قواها وأوضاعها.

يقع ذلك، في الغالب، حين تتكالب عليها أحوال التّأزّم السياسي فتؤدّيها إلى حالٍ من الانسداد السّياسي المُؤْذِن بالزوال. يتولّد الانسداد من جملةٍ من العوامل ويتّخذ لنفسه صوراً مختلفة، ولكنّ الغالب عليه أن يأتيَ ثمْرةَ ضِيقٍ حادّ في قاعدة السلطة؛ في مكوّناتها وفي جمهورها الاجتماعي.

فلقد يتمظهر ضِيق نطاقِ السّلطة في شكل نظامٍ سياسي يحكمه حزب واحد؛ وقد يتمظهر في صورة سلطة تستند إلى عصبيّة بعينها أو إلى منطقة من دون سواها؛ وقد يأخذ شكلَ نظام تحكمه نخبة عسكريّة... إلى غير هذه من الأشكال.

وفي كلّ واحدٍ منها يتكرّر الثّابت عينه - الذي هو من تبعاتِ ضيق نطاقِ مكوّنات السّلطة ؛ أعني: ضِيق القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها تلك السّلطة فتمثّل لديها حاملَها الاجتماعيّ وحاضنتَها ومرجعَها اللّذيْن إليهما تؤول.

وما أغنانا عن بيان مَواطن الخطر في صيرورة السلطة إلى هذه الحال من الانسداد السّياسي ومن ضِيقِ نطاق قُواها ومكوّناتها وضمور جمهورها الاجتماعيّ.

من النّافل القول إنّ الخروج من هذا الانسداد ممكنٌ وعسيرٌ في الآن عينه؛ فأمّا أنه ممكن فهو كذلك - أي ممكن - من الجهتين: من جهة السّلطة وقواها، ومن جهة الأطراف الاجتماعيّة والسّياسيّة المعارِضة لها. تستطيع السّلطة أن تتدارك حالة الانسداد فيها بإصلاحات سياسيّة تقود إلى توسعة نطاق مكوناته.

وليس غير هذا الخيار متاحٌ لها، لأنّ احتمالات نجاحها في فرض إرادتها على معارضيها من غير تقديم تنازلات - أي البقاء على ما هي عليه - احتمالات ضئيلة جدّاً، وهي إذا ما نجحت في ذلك مرّة ستفشل مرّات عدّة وتكون النّتيجة أن تفتح عليها موجاتٍ متعاقبةً من العنف.

ويستطيع معارضوها، من جهتهم، أن يتخطّوا حال الانسداد إما بتغيير النّظام السّياسي، أو بفرض تنازلات على النّخبة الحاكمة والوصول إلى تفاهُمات سياسيّة على شروط تجاوُز حال الانسداد تلك.

وأمّا أنّه عسير، فلأنّ قوى عديدة من داخل السّلطة ومن داخل القوى المعارِضة قد تُفْشِل كلّ مسعًى إلى حلٍّ وسَطٍ متوافَق عليه لإنهاء التّأزّم والانسداد وفتح شرايين السّلطة لتدفُّق دماءٍ جديدة؛ إذ أنّ لمقاومة الإصلاح من طرف هذه القوى دلالة لا يُخطئها حُسن التّقدير، هي أنّها قوًى طفيليّة تتضرّر مصالحها من أيّ إصلاحٍ يضع عليها الاحتساب القانونيّ.

إنّ أيّ سلطة، بهذا المعنى، تحتفظ لنفسها بخيار حلّ أزمة الانسداد السّياسيّ بوصفه خياراً متاحاً رهْن يديْها إن هي شاءت، أي إنْ نضجت لديها إرادةُ التّصحيح والإصلاح وأفصحتْ عن نفسها لديها بشكلٍ صادق لا امتراء فيه.

لكنّها قد تفقد هذا الخيار، ومعه المبادرة، إنْ هي تلكّأت طويلاً وتردّدت في الإقدام عليه أملاً في نشوء شروطٍ جديدة ترفع عنها عبء الحاجة إلى الإصلاح أو تُسوِّغ لها سلوكَ سبيل التّملّص.

في مثل هذه الأوضاع، قد تنتقل المبادرة إلى معارضيها. ولعلّهم يعثرون في تملُّص النّخبة الحاكمة عن إجراء الإصلاحات المرجوّة على ذريعةٍ للرّجوع عن سُبُل الضّغط الاجتماعيّ والسّياسيّ السّلميّ لركوب خياراتٍ أخرى أشدّ قسوة مثل العنف الاجتماعيّ- السّياسيّ أو العنف المسلّح.

ولقد شهدنا على مثالاتٍ لهذه الانتقالة الدراماتيكيّة من المطَالَبات السّياسيّة بإصلاحات أوضاع السّلطة إلى ركوب صهوة العنف وتوسُّل السّلاح في قسمٍ من البلاد العربيّة، بدءاً من مطلع العقد الثّاني من هذا القرن.

لكنّا شهِدنا على الأسوأ من هذا بكثير: ما تولَّد من فاجع النّتائج من قرقعة السّلاح: من قتْلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ وتمزيقٍ لأواصر البلد الواحد والشّعب الواحد، والتي قد تستمرّ آثارها لعقود!

والحقُّ أنّه من مصلحة أيِّ سلطةٍ أن تعالج أسباب الانسداد السياسي وتأزّم أحوالها بالمزيد من رياضة نفسها على نهج سياسة الإصلاح والتّقويم. ذلك أَضْمنُ لها للبقاء وحيازة المقبوليّة الشّعبيّة. وعليها أن تنظّف داخلَها من مراكز مقاومة الإصلاح ومن خطابهم الذي لا يقترح عليها سوى الذّهاب إلى حتفها! فقد يكون هؤلاء أشدّ خطراً عليها من معارضيها.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: سلطة الإصلاح التقويم الاعتراض الاجتماع الوطني الانسداد السياسي الانسداد السیاسی الس یاسی ة الس لطة من هذا

إقرأ أيضاً:

عمليات تشغيل مرافق المياه والصرف الصحي في غزة مستمرة

أكدت سلطة المياه الفلسطينية ، مساء اليوم السبت 25 يناير 2025 ، أن العمل جار لتزويد مرافق المياه والصرف الصحي في شمال وادي غزة بكميات الوقود اللازمة للتشغيل، بهدف تأمين احتياجات السكان والنازحين بالمياه كخطوة أولى، والعمل على ضخ المياه الراكدة في برك تجميع الأمطار والصرف الصحي بالتوازي.

وقالت سلطة المياه في بيان صدر عنها، إنه تم توفير وقود بكميات طارئة بالتعاون مع "اليونيسيف" بلغت 10 آلاف لتر، تخدم 13 بئر مياه ومضخة صرف صحي، موزعة على خمس آبار مياه في مدينة غزة، وثلاث آبار مياه في بيت حانون، وكذلك خمس آبار مياه في بيت لاهيا.

وأكدت أن الاحتلال لم يسمح منذ حوالي أسبوعين بتوريد أية كميات من الوقود المخصصة بانتظام لمرافق المياه والصرف الصحي في مدينة غزة، ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر لمرافق المياه والصرف الصحي شمال غزة، ما شكل ولا يزال عائقا أساسيا في استمرار توفير خدمة المياه، وتزويدها للمواطنين، وتعيق عملية تصريف المياه العادمة التي تتسبب في انتشار الأمراض.

وأعلنت سلطة المياه، أن العمل في ظل المرحلة الحالية يتطلب تقييم ودراسة حلول بديلة وعاجلة لمصادر المياه، بالتعاون مع مزودي الخدمة في شمال غزة (جباليا، بيت لاهيا، بيت حانون) والتي كان إحداها تقييم ودراسة وضع الآبار الخاصة الفعالة (غواطس ضخ ذات قدرات محدودة) التي يمكن الاستفادة من ضخ المياه منها، ليتم توفير الوقود اللازم لتشغيلها وتوفير مصدر مياه يلبي احتياجات السكان والنازحين وإن كان بالحد الأدنى للطوارئ خاصة مع ترقب عودة النازحين من المناطق الجنوبية إلى شمال غزة.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الصحة العالمية تكثف استجابتها في غزة بعد وقف إطلاق النار محدث: وفود من الفصائل الفلسطينية تتجه إلى القاهرة ثوري فتح يُصدر بيانا عقب الإفراج عن 200 أسير فلسطيني الأكثر قراءة نتنياهو يوعز للجيش الإسرائيلي بعدم وقف إطلاق النار وحماس توضّح محدث: الجيش الإسرائيلي يعلن استعادة رفات جندي مُحتجز في غزة منذ 2014 بث مباشر: رسميا.. وقف إطلاق النار في غزة يدخل حيّز التنفيذ سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الأحد 19 يناير عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • مصارف قطاع غزة تستأنف العمل غدا
  • بعد وقف إطلاق النار.. مصارف قطاع غزة تستأنف العمل غداً
  • سلطة النقد تكشف حجم الأموال التي نُهبت من بنوك غزة خلال الحرب
  • عمليات تشغيل مرافق المياه والصرف الصحي في غزة مستمرة
  • الألحاد السياسي
  • سلطة الخوارزميات.. هل نحن مستعدون لها؟
  • طريقة عمل سلطة الذرة الحلوة بالمايونيز
  • طريقة عمل سلطة الكرنب البنفسجي بصوص الزبادي
  • طريقة عمل سلطة الكول سلو| بوصفات مختلفة
  • عن الاشتراكيين والناصريين والحوثيين