لودريان يحمل نتائج جولته إلى الخماسية والرئاسة رهن التوصيات
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
كتبت سابين عويس في" النهار": لا شك في ان المهمة الانتحارية للموفد الرئاسي الفرنسي جان - ايف لودريان قد بلغت خواتيمها. فما ان يغادر الرجل بيروت، سيعكف على وضع تقرير مفصل بما سمعه وما لمسه، بحثاً عن نقاط تقارب او قواسم مشتركة يمكن البناء عليها، على ان يودع تقريره اللجنة الخماسية التي ستنعقد الثلثاء المقبل في نيويورك، ليصار على أساسه الى جوجلة المواقف والمعطيات وصولاً الى اصدار توصيات قد تكون الأخيرة حيال الشأن اللبناني.
في جوجلة ليومي المشاورات الحافلين باللقاءات، يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات والمؤشرات التي تدلل على المسار الذي يسلكه لودريان.
أولى هذه الملاحظات تتمثل في البيان الاستباقي للخارجية الفرنسية الذي حسم الجدل حول نقطتين أساسيتين: ان الزيارة تأتي في اطار الجهود الحميدة التي استُهلت في تموز الماضي بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر، ما يكسب مهمة المبعوث الفرنسي الغطاء الدولي، ويقطع الشك حيال تفرّد باريس بالمبادرة، ما يجعل العودة الى هذه الدول امراً حتمياً ومحسوماً لجهة اطلاعها على نتائج المشاورات ليبنى على الشيء مقتضاه. اما النقطة الثانية، فتمثلت في استبعاد وجود مبادرة حوارية يعتزم لودريان القيام بها، اذ اقتصر بيان الخارجية على التأكيد على "عقد محادثات جديدة تندرج في سياق المبادلات التي اجراها في مهمتيه السابقتين، وانه سيتطرق الى المشاريع ذات الأولوية التي ينبغي لرئيس الجمهورية ان يعالجها بغية تيسير بلورة حل توافقي في البرلمان وسد الفراغ المؤسسي".
هذا البيان، معطوفا على المواقف التي صدرت عن المسؤولين الذين التقاهم لودريان، يقود الى الملاحظة الثانية وهي ان الديبلوماسي الفرنسي لا يحمل أي مبادرة جديدة، وان أجوبة النواب والكتل على رسالته لم تساعد على بلورة مبادرة بل هو ذهب ابعد الى تقاطع كامل مع مبادرة رئيس المجلس نبيه بري، متلقفاً دعوته الى الحوار لينطلق منها في محادثاته على قاعدتين: حوار يؤدي الى جلسة انتخاب.
لا يعني هذا وفق مراجع سياسية التقت لودريان ان باريس تبنت مبادرة بري وتسوّق لها، كما لا تعني ان الحوار سيؤدي حكماً الى الذهاب الى جلسة لانتخاب مرشح "الثنائي" النائب السابق سليمان فرنجية . بل تفيد المعلومات ان الحوار سيكون للحوار. واياً تكن نتائجه، توافقاً ام لا، ستنعقد جلسة الانتخاب وتُطرح فيها أسماء المرشحين الذين سيختارهم النواب. هل هذا يعني انه لن يكون هناك تعطيل للنصاب بعد الجلسة الأولى؟ تردّ المراجع بالنفي لأن الجلسة هذه المرة ستكون تحت المجهر الدولي، ويجب الا تتوقف الا بعد انتخاب رئيس.
ملاحظة أخرى يمكن ادراجها ضمن اطار التساؤل عن الجهة التي ستكون راعية للحوار، وهل تكون فرنسا ام الرئيس بري نفسه؟ لم يُحسم الجواب بعد، علماً ان لودريان ابلغ محدثيه ان باريس لا تمانع في رعاية حوار كهذا اذا طلب الافرقاء اللبنانيون ذلك، وإنْ كانت تفضل ان يكون الحوار داخلياً وبرعاية لبنانية.
إذاً، لن تكون مهمة لودريان الأخيرة، ولن يكون اسم فرنجية الاسم الوحيد على طاولة الحوار، ولن تكون السعودية بعيدة عن مواكبة الحوار الى جانب الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر التي تستعد للدخول على خط المبادرة. والأكيد ان هذا الحراك سيكون الفرصة الأخيرة. قالها لودريان لعدد من النواب التغييريين الذين التقاهم، ومفادها: هذه هي المبادرة المطروحة على الطاولة، وعدم السير بها يعني الذهاب الى خيار الخطر الوجودي الذي يتهدد الكيان اللبناني.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
متى يكون للحياة طعم؟
إسماعيل بن شهاب البلوشي
كثيرون هم الذين يسألون أنفسهم: متى يكون للحياة طعم؟ كيف نحيا ونشعر بلذة السعادة والراحة؟
لكن الأجوبة تختلف، والمواقف تتباين، تبعًا لطبيعة نظرة الإنسان إلى السعادة وسبل الوصول إليها. هناك من يرى أنَّ الحياة الطيبة مرهونة بالجلوس في المقاهي الفاخرة، أو بالسفر إلى البلدان البعيدة، أو بالعيش في أماكن راقية تزينها مظاهر الرفاهية. غير أن قليلًا منهم من يفكر كيف يصل إلى ذلك، كيف يجتهد، كيف يتعب، كيف يصنع لنفسه مقعدًا بين الناجحين، قبل أن يُطالب نفسه بثمار لم يزرعها.
إنّ للحياة طعمًا خاصًا لا يُدركه إلّا أولئك الذين عرفوا قيمة الجهد والتعب، الذين مرُّوا بمحطات الكد والسعي، وذاقوا مرارة الصبر قبل أن يتذوقوا حلاوة الراحة. هؤلاء حين يجلسون أخيرًا على مقاعد الراحة، لا يجلسون بأجسادهم فقط، بل تجلس أرواحهم قريرة مطمئنة، لأنهم يعرفون أنَّ ما وصلوا إليه لم يكن مصادفة ولا صدقة، بل كان نتاج سعيهم، ونصب أعينهم هدف رسموه بعقولهم وسقوه بعرقهم.
وعلى الضفة الأخرى، تجد أولئك الذين لم يبذلوا جهدًا حقيقيًا، لكنهم لا يكفون عن الشكوى واللوم. يعتقدون أنَّ سعادة الدنيا قد سُرقت منهم، وأن أيدي الآخرين قد اختطفت نصيبهم في متعة الحياة. ينسون- أو يتناسون- أنَّ السعادة لا تُهدى؛ بل تُنتزع انتزاعًا بالجد والاجتهاد. ينسون أن لحياة الطيبين المطمئنين أسرارًا، أولها أنهم لم يتكئوا على الأماني، ولم يحلموا بأطياف الراحة قبل أن تبلل جباههم عرق الاجتهاد.
ليس المطلوب أن يعادي الإنسان الراحة، ولا أن يرفض الجلوس في مكان جميل، ولا أن يمتنع عن السفر، ولكن المطلوب أن يعرف أن لكل متعة ثمنًا، وأن لكل راحة طريقًا.
الطريق إلى السعادة الحقة ليس معبّدًا بالكسل ولا مفروشًا بالاعتماد على الحظ أو الاتكالية على الآخرين، بل هو طريق طويل ربما ملأه التعب والسهر، وربما اختلط بالدموع والألم، لكنه الطريق الوحيد الذي يجعل للراحة طعمًا، وللحياة لونًا، وللسعادة معنى.
الحياة الحقيقية لا تطعم بالفراغ ولا تثمر بالركون إلى الأماني. متعة القهوة في المكان الراقي، ومتعة السفر، ومتعة الجلوس في الحدائق الجميلة، ليست في ذاتها، بل في الإحساس أنك وصلت إليها بجهدك، واستحققتها بكدك. حينها تصبح لكل رشفة طعم، ولكل لحظة لون، ولكل مكان ذاكرة تحمل عطر العناء الجميل.
هنا، يقف شخصان متقابلان؛ أحدهما عاشر التعب، وأرهقه السعي، فذاق الراحة بعد معاناة فكانت أطيب ما تذوق. والآخر ظل ينتظر السعادة تأتيه بلا عناء، فمات قلبه بالشكوى قبل أن تقترب إليه.
ما أجمل الحياة حين نحياها بالكد والعزم! وما أطيب طعمها حين ندرك أن اللذة الحقيقية ليست في المال الكثير ولا في الجاه العريض، بل في الرضا عن الذات، والشعور بأنك بذلت ما بوسعك، وقابلت النتائج بابتسامة الرضا لا تأفف الحاسد ولا حسرة المتكاسل.
فمتى يكون للحياة طعم؟
يكون لها طعم عندما نتذوق التعب ونحوله إلى لذة، ونحمل همّ الطريق ونتخذه رفيقًا لا عدوًا. يكون للحياة طعمًا حين نحيا بشغف، ونحب عملنا، ونسعى وراء أحلامنا مهما كانت بعيدة، وحين نصنع من كل يوم طوبة نبني بها صرح سعادتنا.
الحياة، في حقيقتها، ليست مجرد أيام تمضي، ولا متعٍ تُشترى. إنها قصة تُكتب بالتعب، وتُزيَّن بالأمل، وتُختم براحة الضمير وطمأنينة القلب.
حين نفهم هذه الحقيقة، ندرك أن طعم الحياة لا يُعطى هبةً، بل يُصنع بيدين متعبتين، وقلب مؤمن، ونفس طامحة لا تلين ولا تستسلم.
رابط مختصر