تعرف على معني قول الله وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
التدبر فى كتاب الله من صفات المتقين ووقد كان موقف القرآن الكريم من الحياة الدنيا -على عادته- موقفاً وسطاً، فلم يجعلها كل شيء، وأيضاً لم يلقها وراءه ظهرياً، وقد عبرت عن هذا الموقف الآية الكريمة أصدق تعبير، وذلك قوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} (القصص:77).
جاءت هذه الآية الكريمة بعد حديث القرآن عن قارون الذي آتاه الله {من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} (القصص:76)، فطغى وتجبر، وفرح بما آتاه الله من المال فرحاً جماً، ووصل به الأمر إلى أن {قال إنما أوتيته على علم عندي} (القصص:78).
فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين الموقف الحق من الدنيا، وأنها ليست هي الأساس الذي يقوم عليه كل شيء، بل هي في حقيقة أمرها وسيلة وممر لحياة أخرى أجل، وأعظم، وأدوم، وأبقى.
والآية الكريمة تتضمن شطرين: أولهما: قوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة}. ثانيهما: قوله سبحانه: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}.
والشطر الأول من الآية يطلب من العباد أن يجعلوا مقصدهم الأول ومسعاهم الأساس الآخرة، وذلك من باب أن الدار الآخرة {خير للذين يتقون} (الأنعام:32)، ومن باب أن ما {عند الله خير وأبقى} (القصص:60). وهذا واضح لا خفاء فيه.
والشطر الثاني من الآية {ولا تنس نصيبك من الدنيا}، ورد في المراد منه قولان مأثوران:
الأول: ما رواه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال في معنى قوله تعالى: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}: لا تترك أن تعمل لله في الدنيا. وروي عنه أيضاً قوله: أن تعمل فيها لآخرتك. وروي نحو هذا عن مجاهد وغيره من التابعين.
الثاني: روى الطبري عن الحسن في معنى الشق الثاني من الآية قوله: ما أحل الله لك منها، فإن لك فيه غنى وكفاية.
فأنت ترى أن القول الأول المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما يفيد أن الآية تطلب من العباد أن يجعلوا من دنياهم مطية لأخراهم، ويتزودوا منها بكل ما هو خير وصالح.
والتأويل الثاني للآية يفيد أن الآية تبيح للعباد أن يتمتعوا من طيبات هذه الحياة الدنيا، ففي هذه الطيبات ما يكفيهم ويغنيهم عن سائر المحرمات، وتكون الآية بحسب هذا التأويل بمعنى قوله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} (الأعراف:32).
وظاهر أن كلا التأويلين تحتملهما الآية الكريمة، وتؤيدهما نصوص الشرع، فكل منهما مكمل للآخر ولازم له.
وقد مال كثير من المفسرين إلى المعنى الثاني في المراد من الشطر الثاني من الآية، فهذا ابن كثير يقرر أن الآية تفيد أن للعباد أن يتمتعوا بما أباحه الله لهم فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، بناء على قاعدة إعطاء كل ذي حق حقه.
ونقل ابن عاشور عن الإمام مالك في معنى الآية قوله: تعيش وتأكل وتشرب غير مضيق عليك.
أما الشيخ السعدي فيقرر معنى الآية بقوله: "واستمتع بدنياك استمتاعاً لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك". فهذه التفسيرات الثلاثة ترى في الشطر الثاني من الآية أنها ترخيص في التمتع بطيبات الحياة الدنيا، والاستمتاع بما أباحه الله فيها لعباده من مأكل ومشرب ومنكح ونحو ذلك من مُتَع الحياة الدنيا.
ثم إن ما نُقل عن السلف والمفسرين: لا ينبغي أن نفهم منه أن الآية تعني التوسع من طيبات هذه الحياة، وجعلها هي الأساس والقاعدة، بل إن العكس هو الموقف الصواب، وهو الذي ينبغي أن تكون عليه وجهة المسلم؛ إذ الآية سيقت أصالة لبيان ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمن في الحياة من كون الآخرة هي همه الأكبر، وهي مقصده الأسمى، وتكون الدنيا تبعاً لذلك، ولا ينبغي أن يعكس فهم الآية، فيجعل التمتع بالطيبات هو الأصل الذي جاءت الآية لتقريره، مع أنه الاستثناء الذي ينبغي أن لا يكون حاكماً على الأصل، ولا عائداً عليه بالنقض والإبطال.
وعلى هذا، يمكن أن تفهم الآية بأن يقال: اجعل كل ما أعطاك الله وسيلة للآخرة. ويكون الفعل {وابتغ} هنا يعني شيئاً أكثر من الفعل (واطلب)؛ لأنه يعني: اطلب واستعمل ما آتاك الله من قلب وحس وشعور وإدراك وصحة ومال وولد، وكل ما آتاك الله من استعدادات فعلية وكامنة، واستخدمها في طلب الآخرة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحیاة الدنیا قوله تعالى ینبغی أن الله من
إقرأ أيضاً:
خطوط جوية مباشرة بين المغرب والصين..بداية حقبة جديدة لتعزيز السياحة والتبادل الثقافي
في خطوة هامة لتعزيز الروابط بين المغرب والصين، أطلق البلدان خطين جويين مباشرين، الأول بين الدار البيضاء وبكين، والثاني بين الدار البيضاء وشنغهاي، وذلك في إطار دفع التعاون السياحي والاقتصادي بينهما.
وقد شهدت العاصمة الصينية بكين استئناف الرحلات المباشرة من خلال الخط الجوي الذي تديره شركة الخطوط الملكية المغربية، حيث هبطت الرحلة رقم “AT 230” يوم الثلاثاء الماضي في مطار بكين داشينغ الدولي، وعلى متنها 291 راكباً، لتكون أول رحلة مباشرة بعد توقف دام خمس سنوات بسبب جائحة كوفيد-19.
وفي السياق ذاته، دشنت شركة “شنغهاي إيرلاينز” التابعة لمجموعة “إستيرن إيرلاينز” ثاني أكبر شركة طيران صينية، خطاً مباشراً بين شنغهاي والدار البيضاء. وقد استقبل مطار محمد الخامس في الدار البيضاء الرحلة رقم “FM 871” يوم الأحد الماضي، والتي حملت 237 راكباً، حيث تم الاحتفال بوصولها بتحية مائية تقليدية.
وتتزامن هذه الانطلاقة مع احتفالات رأس السنة الصينية، التي تشهد عادة أكبر حركة للمسافرين على مستوى العالم. ومن المتوقع أن يسهم هذان الخطان الجويان في تعزيز حركة السياحة بين البلدين، حيث يعكف الطرفان على استقطاب المزيد من السياح والتبادل الثقافي.
وقد أفادت وسائل الإعلام الصينية بتغطية واسعة لهذا الحدث، حيث أكدت صحيفة “غلوبال تايمز” أن الخط بين الدار البيضاء وبكين سيكون “ركيزة أساسية للترويج للسياحة في المغرب”، متوقعة أن يشكل السياح الدوليون 80% من حركة الركاب.
في حين أشارت صحيفة “تشاينا ديلي” إلى أن خط شنغهاي-الدار البيضاء سيسهم في تعزيز التبادلات والأنشطة الاقتصادية بين البلدين، بما يسهل حركة المستثمرين والمسافرين الصينيين إلى المملكة.
من جانبها، أكدت وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” على الاهتمام المتزايد من قبل الصينيين بالمغرب، الذي يظهر من خلال مشاركاتهم على منصات التواصل الاجتماعي مثل “وي تشات”، حيث وصف العديد منهم المغرب بـ “البلد النابض بالألوان” الذي يجمع بين “البحر والصحراء”.
وفي هذا السياق، يواصل المكتب الوطني المغربي للسياحة تكثيف جهوده للترويج للمغرب كوجهة سياحية في الصين، حيث شارك في أكبر المعارض السياحية في شنغهاي في مايو 2024، كما نظم حدثاً ترويجياً في بكين في سبتمبر الماضي، بهدف إبراز تنوع العروض السياحية المغربية وتوثيق العلاقات الثقافية والاقتصادية بين البلدين.
وتعد هذه الخطوط الجوية المباشرة جزءاً من الاستراتيجية المستمرة لتعزيز التعاون بين المغرب والصين، الذي شهد تطوراً ملحوظاً منذ زيارة الملك محمد السادس إلى الصين في 2016، ويعكس التزام البلدين بتوسيع علاقاتهما في مجالات متعددة.