خاض المفكر الجزائري محمد أركون عدة معارك في إطار التجديد، منحازا لنزعته التنويرية والإنسانية التي أبرزها في الفكر الديني الإسلامي، إذ يحتاج الفكر الديني إلى التزاوج مع نتاج فلسفي قوي يخلق بداخله اتجاهات فكرية إنسانية شديدة الأهمية، ضاربا المثل بما حدث مع الفكر العربي الإسلامي وامتزاجه عن طريق الترجمات بالفلسفة اليونانية القديمة، فظهر أبو عثمان الجاحظ، وأبو حيان التوحيدي، ومسكوية، وابن رشد الأندلسي وغيرهم، وفقا لوجهة نظر أركون، فإنها تعزز من دور العقل في مجال البحث المعرفي وتحرير طاقاته الإبداعية.


أركون، الذي ولد في العام 1928، ورحل في 14 سبتمبر من العام 2010، أنجز محمد أركون مشروعا فكريا كبيرا، يعد من أهم المشاريع الفكرية التى نمت على ضرورة التحديث، من خلال قراءتها للتراث وللنص الديني بمنظور نقدي، يحرر الوعي الإسلامي من ملابساته التاريخية.
تسجل له ذاكرة المعارك التنويرية معركة بينه وبين الشيخ محمد الغزالي الذي يمثل المنهج التقليدي الجامد، إذ طالبه الأخير بضرورة التوبة والرجوع عن أفكاره، بينما رد عليه أركون ردا عنيفا انحاز فيه لأفكاره التجديدية وطريقته المختلفة.
تعرَّض لموجة شديدة من النقد والهجوم كان معظمها يرتكز على عدم وصول فكرته بدقة لمنتقديه، ومن بين هؤلاء كان الغزالي الذي هاجمه في مؤتمر وزارة الأوقاف بالجزائر عام 1986 تحت عنوان "الصحوة الإسلامية والمجتمع الإسلامي"، ولقد ذكر أركون تلك الحادثة في كتابه الشهير "قراءات في القرآن"، معتبرًا ذلك الهجوم امتدادًا لنموذج تراثي عقيم وهو محاولة قتل كل محاولة تجديدية وإرجاعها للعقل الجمعي التقليدي، ضاربًا المثل بابن عقيل الحنبلي الذي جالَس المعتزلة ثم أعلن توبته متبرئًا منهم لينجو بنفسه، وبأبي الحسن الأشعري الذي عاش على مذهب المعتزلة ما قارب الأربعين عامًا ثم توبته عن ذلك المذهب ورجوعه.

ويعتبر أركون ذلك "بارديجم" أو نموذجًا فكريًّا لدى الجماعة الإسلامية التقليدية التي تفترض التوبة في كل محاولة تجديدية، مستنكرًا هجوم الغزالي عليه الذي طالب أركون بالتوبة والرجوع عن اعتقاده.
يقول أركون: "وقد تعرضت شخصيًّا لمحنة مشابهة أثناء انعقاد "ملتقى الفكر الإسلامي" في الجزائر عام 1986، فقد هاجمني الشيخ المصري محمد الغزالي، وأمرني بالتراجع وبالتوبة عن عبارة وردت في كتابي "الفكر العربي" تقول: "القرآن خطاب ذو بنية أسطورية"، للأسف، إن الدكتور عادل العوا، وهو مترجم الكتاب إلى العربية، ترجم العبارة على هذا النحو: "القرآن خطاب أسطوري البنية"، وهو فيلسوف يجهل الفرق بين كلمة أسطورة وبين كلمة قصص، وكان ينبغي أن يترجم العبارة على هذا النحو: "القرآن خطاب قصصي البنية".
ردًا على إنذار الغزالي الذي وجهه إليّ بكل عنف أمام جمهور الحاضرين المحتشدين في المؤتمر، لم أُقدم توبتي واعتذاري، إنما أعطيت حارس العقائدية الدوجمائية المتحجرة درسًا في علم اللسانيات، وكيفية الترجمة، والتفسير الديني، والأنثروبولوجيا، وقد احتفظ كثيرون من الجزائريين بذكرى تلك المواجهة الصعبة التي انتهت لمصلحة الضحية".
يشار إلى أن أركون نشأ في عائلة فقيرة تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، واتجه للبحث والدراسة والتعلم، عمل بعد ذلك أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي في جامعة السوربون، وجامعات أوروبية، ترك بصمة واضحة وجريئة في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث، ورحل أركون في 14 سبتمبر 2010م عن عمر ناهز 82 عامًا بعد معاناة مع المرض في باريس، ودُفن في المغرب حسب وصيته.

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

بعد معارك الساحل السوري.. موجة نزوح جديدة إلى لبنان

أسفرت أحداث الساحل السوري الأخيرة عن موجة نزوح إلى شمال لبنان خلال الأيام الماضية، وذلك بعد المواجهات الأمنية بين القوات الحكومية السورية وما يعرفون بـ"فلول النظام السوري السابق"، وسط تحذيرات من تزايد أعداد النازحين في لبنان.

ولجأ الفارون إلى منازل أقارب لهم في القرى اللبنانية الشمالية، لاسيما في عكار، عبر معابر غير شرعية، في حين لا تزال الحدود تشهد حركة نزوح وسط غياب للإجراءات الأمنية المواكبة من قبل الأجهزة الرسمية.

كارثة جديدة

وقال أستاذ الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني جورج العاقوري إن مسألة النزوح لأعداد إضافية من السوريين عامل خطير للغاية وتمثل كارثة لأن لبنان يحاول تأمين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بعد انتهاء فترة الحرب التي كانت قائمة خاصة أن المجموعة التي تسعى للنزوح ووصلت إلى لبنان في الأيام الأخيرة غالبيتها على صلة بنظام بشار الأسد وهذا يشكل خطراً وعامل استفزاز في الداخل اللبناني لأن ممارسات نظام الأسد الإجرامية في لبنان خلقت نقمة كبيرة لدى مكون الشعب اللبناني.

وأوضح العاقوري لـ24 أن هناك تنسيق بين القيادة اللبنانية مع الفريق الحاكم في سوريا لمناقشة ملفات النزوح السوري وضبط الحدود وكافة النازحين لم يدخلوا عبر المعابر الشرعية.

كما توقع العاقوري ازدياد موجات النزوح في الأيام المقبلة، وأبدى تخوّفه من امتداد شرارة المواجهات في الساحل السوري إلى مناطق لبنانية، لاسيما أن ما حصل مؤخراً بين المنطقتين المجاورتين في مدينة طرابلس اللبنانية، يعبث بالقلق".

ودخل هؤلاء النازحون إلى لبنان عبر معابر غير شرعية بعدما أخرجت الغارات الإسرائيلية المعابر الشرعية شمال لبنان وعددها ثلاثة عن الخدمة، فيما بقي فقط معبر المصنع الحدودي في البقاع شرق البلاد يعمل بشكل رسمي.

الدفاع السورية: التصدي لهجوم شنته "قسد" في حلب - موقع 24نقلت وكالة الأنباء السورية، فجر الإثنين، عن المتحدث باسم وزارة الدفاع حسن عبد الغني القول إنه جرى التصدي لهجومٍ شنّته قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في مدينة حلب، وأضاف المتحدث أن قوات الأمن أوقعت خسائر في المجموعات المهاجِمة. بلد عبور وليس لجوء

وتابع العاقوري أن لبنان ليس بلد لجوء وإنما بلد عبور وعقب تدفق نازحين عراقيين تم توقيع اتفاق بين لبنان والجهات الدولية المعنية تم الاتفاق على أن يكون لبنان بلد عبور وهناك خطاب من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في لبنان يؤكد على ضرورة عودة السوريين إلى بلادهم.

وأوضح المحلل السياسي جورج العاقوري أن لبنان هو البلد الأول من حيث حجم أعداد النازحين مقارنة بأعداد المواطنين، حيث تكبد لبنان الكثير منذ عملية النزوح السوري قبل 10 سنوات وتأثر لبنان على صعيد البنية التحتية ولم يعد يحتمل الآن أي نزوح في ظل الظروف الاقتصادية الصعب التي يتعرض لها لبنان حالياً.

ووفق المعلومات، لا تقوم مفوضية اللاجئين بأي دور في مجال إحصاء الداخلين حديثا من المعابر الشمالية أو تقديم المساعدات لهم.

#عاجل| #سوريا: جهاز الأمن العام يعتقل عدداً من الأشخاص المتورطين في ارتكاب تجاوزات بحق المدنيين خلال العملية العسكرية في الساحل السوري pic.twitter.com/hBP9lSTqIf

— 24.ae | عاجل (@20fourLive) March 10, 2025

ووفق البيانات الرسمية اللبنانية، يتجاوز عدد النازحين السوريين المليونين، علماً بأنه تم تسجيل عودة نحو 300 ألف منهم بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. إلا أن الآلاف عادوا مجدداً إلى لبنان نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف قطاراً جنوب غرب باكستان
  • محمد أبو هاشم: الإمام الشافعي ملأ طباق الأرض علمًا وشكل علامة فارقة في الفقه الإسلامي
  • محمد رمضان يرد بقوة على هجوم داعية: “مدفع رمضان” مستمر!
  • حماة تشيّع قتلاها في معارك فلول الأسد ومبادرات لدعم الجرحى
  • رسميا .. زيزو والجزيرى فى هجوم الزمالك بـ القمة 130
  • الصوت الذي لا يموت.. كيف أصبح محمد رفعت أيقونة التلاوة القرآنية؟
  • رونالدو ودوران يقودان هجوم النصر السعودي في مواجهة استقلال طهران
  • محمد بن زايد: التعليم الذي يتمحور حول الإنسان طريقنا نحو المستقبل
  • محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
  • بعد معارك الساحل السوري.. موجة نزوح جديدة إلى لبنان